العمل السياسي ...... والمنطلق الانهزامي

 

العمل السياسي ...... والمنطلق الانهزامي

بقلم : عاصم الجــدوي

بغض النظر عن قبول أو رفض العمل السياسي ؛ فان التابع لمسيرة هذا العمل في الواقع المعاصر ، ولأحوال الدعاة العاملين فيه ، يلاحظ وجود حالة من الإرتباك والإنهزامية في المنطلق والطرح – خصوصاً مع ضعف التكوين المفاهيمي العقدي والفكري عند غالب هؤلاء الدعاة . وفي خضم الإبحار في أمواج السياسة المتلاطمة والمظلمة بظلمة الواقع البئيس الذي تحياه الأمة ، يقع الدعاه تحت ضغط النخب المتهرئة والعملية للداخل والخارج ، والتي بدورها تقوم ببث الشبهات ، وإثارة الشغب حول الحركة الإسلامية بأنها لا تعرف الديمقراطية ولا تؤمن بها ولا تمارسها ، فيحاول الدعاه تبرير مواقفهم تحت ضغط البريق الديمقراطي ، فيحدث بذلك إلباس المفاهيم الديمقراطية بالإسلام ، والتي لا تتوقف بالتالي عند الآخذ ببعض الآليات . فنجدهم يؤمنون بالمواطنة والتعددية السياسية مع كل الأحزاب حتى الشيوعية منها ، وحرية الاعتقاد علي إطلاقها ، وأن الشعب صاحب الكلمة الأولي والأخيرة ..... إلخ

وبالطبع يأتي هذا الأمر علي الكثير من ثوابت الإسلام بالتمييع والتبديل في إطار سلم التنازلات للإلتقاء في منصف الطريق مع هذه المفاهيم وتلك المذاهب .
- فهذا أحد القادة السياسيين في الحركة الإسلامية في حوار له في إحدى القنوات الفضائية ، يحاول المحاور الضغط عليه ، وهو يحاول الإفلات لكن المحاور كان يقظاً ومصراً علي ما يريد ، وحين سأله عن رؤية الجماعة التي ينتمي إليها لقضية البنوك الربوية وكيف سيعالجونها ، فأجابه ذلك الأخ القيادي – بعدما ذكر له التدرج في الحل الاقتصادي – قائلاً " على أية حال فإن هناك فتوى لشيخ الأزهر الدكتور طنطاوي تبيح المعاملات البنكية ، فهو أمر خلافي " !
- وهذا آخر يتكلم عن حرية الإعتقاد لدرجة التشكيــك في حد الــردة ، فيقــول عن المرتد " هذا المفهوم غير صحيــح ، فالمقصود بالمرتد هو الشخص الذي ينقلب على النظام العام وليس المرتد عقائدياً وهو ما يتضح في قوله تعالي " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " كما أن قتال المرتدين بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم كان ضد الخارجين عــن النظام العام " (1).
- وهذا ثالث يقول أن الإسلام يؤمن بالتعددية ويتساءل " ماذا في كون الشخص مسلماً اشتراكياً أو مسلماً ليبرالياً ؟!!
- ومن أغرب ما سمعته قول أحد هؤلاء الدعاة في لقاء بإحدى القنوات الفضائية الشهيرة ، فبعد قوله واعترافه هو بنفسه بأن الشيوعية هي في الأصل رفض للدين ، سأله المحاور في أثناء الحديث عن رؤيته للدولة الإسلامية قائلاً " تقبل مثلاً بحزب شيوعي في هذه الدولة الإسلامية؟ " أجاب قائلاً " بكل تأكيد أنا قلت هذا الكلام فالناس أحرار لأنه لو تسأل صاحب الحزب الشيوعي فيقول لك أنا مسلم، مرحبا بك، إذاً فالمسألة في عنده أفكار ثانية فقط فأفكار ثانية هو مسموح له أن يعرضها للشعب الجزائري والشعب يختار. " ! (2)
ولا يخفي ما في هذا المنطلق من خطورة علي الفكر الإسلامي حيث تنهدم الثوابت وتنمحي الفوارق بين المفاهيم الإسلامية النابعة من عقيدة التوحيد ، وتلك المفاهيم الطينية الأرضية ، وتذوب المرجعية الإسلامية شيئاً فشيئاً في تلك المرجعيات التي نتسول الرضا منها ومن أصحابها الذين لن يرضوا عنا حتى يذهبوا بديننا . وصدق الله تعالي حيث يقول " ولن ترضي عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " . كما أن فيه انتقاص للشريعة بأنها ليس بها مفاهيم ومصطلحات تواجه بها متغيرات العصر ومن شأنه أيضاً أن يقتل الطاقات ويميت الهمم المطلوبة للاجتهاد في قضايا العصر انطلاقاً من أصالة الشريعة ، حيث يقتصر دورنا عندئذ ٍ علي التلقي والتوفيق .
ولله در الأستاذ سيد قطب رحمة الله – حيث يقول " ولم يقل لهم أبداً – أي الإسلام - : إنه لن يمس حياتهم وأوضاعهم وتصوراتهم وقيمهم إلا بتعديلات طفيفة ! أو أنه يشبه نظمهم وأوضاعهم التي ألفوها .. كما يقول بعضنا اليوم للناس وهو يقدم إليهم الإسلام مرة تحت عنوان : " ديمقراطية الإسلام " ! ومرة تحت عنوان " اشتراكية الإسلام " ! ومرة بأن الأوضاع الإقتصادية والسياسية والقانونية القائمة في عالمهم لا تحتاج من الإسلام إلا لتعديلات طفيفة !!! إلي آخر هذا التدسس الناعم والتربيت على الشهوات !" (3)
إن عرضنا للإسلام بهذه الطريقة يخسر له ولا يكسب شيئاً . وإنه لمبدأ مرفوض أنه كلما جاء مذهب بشري جديد ، طبل العالم له وزمر ، ورأينا أن بعضه يتفق مع الإسلام ؛ نتبارى نحن عندئذٍ في إظهار أنه من الإسلام , وأن الإسلام ليس فقط يحث عليه ,لا بل يوجبه أيضا !!
إن هذا لهو العبث بالدين , فما معنى أن نقول عندما تسود الإشتراكية " إشتراكية الإسلام " وعندما تظهر الديمقراطية " ديمقراطية الإسلام " , وما معني أن نخاطب الإشتراكيين باشتراكية الإسلام والديمقراطيين بديمقراطية الإسلام , والقوميين بقومية الإسلام , والوطنيين بوطنية الإسلام . وماذا نقول لرجل إشتراكي يقول لنا ( أنتم كذابون مضللون لأنكم خدعتمونا وقلتم لنا " إشتراكية الإسلام " ثم وجدنا أن كبار الصحابة كانوا رأسماليين , والقرآن يقول " فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم " ) ؟! وبمثل هذا سيتحدث القومي والوطني وغيره وماذا نقول للناس عندما تفشل نظرية من هذه النظريات وتزول من على الأرض وتصعد مكانها نظرية بشرية أخري ؟! أنقول أن الإسلام أخطأ في اتفاقه مع النظريــة الأولي ثم نلهث وراء النظريــة الجديدة لنثبت اتفاق الإسلام معهــا ؟! أم ماذا نفعل ؟!
إننا بهذا الصنيع نفقد خطابنا الإسلامي مصداقيته وتميزه
وإني لأنتهز هذه الفرصة لكي أدعوا العلماء والمفكرين وأهل الرأي في الصحوة الإسلامية أن يهبوا لطرح المشروع الإسلامي من أرضية الثقة والتميز ؛ وذلك بأن تكون لنا - نحن الإسلاميين - مصطلحاتنا الخاصة بنا، بمضامينها المستمدة من الشريعة الإسلامية ، ونبدأ نحن بدعوة الآخرين إليها ، ونواجه بها مصطلحاتهم ومذاهبهم . وعلينا أن نعد الكوادر العلمية و الفكرية القادرة على القيام بتلك المشاريع . ثم نعرض في ضوء تلك المصطلحات والمضامين مفردات مشروعنا الإسلامي المتكامل
إن تبني هذه الطريقة في عرض الإسلام – طريقة البيان لا الدفاع – سوف يحقق لنا مكاسب عدة منها:
1- انشغالهم بدراسة تلك المصطلحات الجديدة ومضامينها مما يقلل من مساحة ضغطهم وضغط الواقع علينا .
2- ضمان عدم تمييع الثوابت ومحو الحدود الفاصلة بين المرجعية الإسلامية والمرجعيات الأخري .
3- تقوية ثقة جماهير المسلمين في دينهم, وضمان عدم انبهارهم بتلك الأفكار .
4- سد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها أعداء الإسلام .
5- الحفاظ على مصداقية وتميز الخطاب الإسلامي .
6- تقوية الأثر الواقع في نفوس غير المسلمين – ومنهم الغربيين أصحاب تلك المذاهب – عند دعوتهم للاسلام .
7- تفجير طاقات الإبداع لدى علماء ومفكري الأمة الإسلامية ، وعدم اكتفائهم بتقليد كل ما يأتي به الغرب .
ومن الجدير بالذكر أن هناك اسهامات محمودة فى هذا المجال كابتكار الدكتور جعفر شيخ ادريس مصطلح القسطية في مقابل الديمقراطية , أي الحكم بالقسط . وابتكار الشيخ محمد بن شاكر الشريف مصطلح الأمة مقابل المواطنة .

ــــــــــــــــــ

1 - المصري اليوم العدد696 بتاريخ 10/5/2006 - والكلام للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في ندوة " مفهوم الحكومة المدنية لدى جماعة الإخوان المسلمين" بجمعية النداء الجديد
2- برنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة الفضائية مع القيادى السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ " رابح كبير " بتاريخ 28/6/2008
3 - معالم فى الطريق - سيد قطب دار الشروق



الكاتب: بقلم : عاصم الجــدوي
التاريخ: 15/07/2009