عبرات وحسرات ..

 

عبرات وحسرات

بينما كان الشاب الذي أثقلت كاهله الدنيا بجراح لم تلتئم  ، جراح الأهل والأوطان وهو يجر رجليه متوجها وفارا إلى مكانه الذي أصبح مقرا له يلازمه كل ما أحس باشتياق للأهل والأصحاب  الأحبة وخاف فتنة الدنيا ، في ذلك المكان المقفر الذي لا ينطلق منه نداء ولا تسمع فيه همسا ، حيث يفر منه كل الناس ولكنهم يرغمون على النزول فيه ، تراه يسكب دموعه المنهمرة التي تركت على خده آثارًا بارزة. يقف هذا الأشعث الأغبر ملتزما قول رسول الله  “ : eكنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " رواه مسلم كتاب (3765 ) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، وفي رواية الترمذي فإنها تذكر الآخرة ( 1036 )، وفي رواية ابن ماجه فإنها تزهد في الدنيا (1573 )،عن ابن مسعود رضي الله عنه ، فكان يقف على تلك المساكن التي تحول إليها الأحبة متململا ومتمتما بكلام يدعوا الله فيه بحسن الخاتمة وأن يرده إليه ردًا جميلا وأن يلحقه بأحبابه الذين ساروا على درب الهدى وماتوا في سبيل الله ولم يرضوا بالدنيَّة في دينهم ولم يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا  قليل، كما يفعل كثير من الناس في هذا الزمان الذي كثر فيه الإلحاد وتجاهر الناس فيه بالذنوب حتى صار القابض على دينه كالقابض على الجمروأصبح الدين غريبًا كما بدأ . وبينما هو على هاته الحال متكئا على جذر شجرة من تلك الربوة المطلة على المقبرة أجهش بالبكاء وإذا به يستمع الى أصوات ونداءات من تلك المساكن لأناس لم يعرفهم وهوفي دهشته ناداه مناد فقال له يا أخ الإسلام مالي أراك حزينًا وكأن الهموم كلها نزلت عليك !! . فردَّ بعد تمعّن وطول سكوت ، يا اخي كيف لا أبكي على حالي وعلى زمان أصبح فيه بطن الأرض خير لنا فيه من ظهرها ، فهاهي أمة الإسلام تداس وتنتهك حرماتها ، فبأي حال أبدأ وبأيّ حديث أتكلم، فقال أحدهم أخبرنا عن أربع عن المسلمين ، وعن أعدائهم ، وعن حكامهم ، وعن أهل العلم وعن اهل الجهاد، فقام الشاب وفي صدره أزيز وحنين فقال : سألتني عن أمة صدق فيها قول النبي e **يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل أومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن " ، فقال قائل : يا رسول الله ، وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا ، وكراهية الموت "  رواه أبوداود ( 3805 ) ، والإمام أحمد في المسند ( 21900 ) . فهاهي أمَّة الإسلام تداعى عليها الآكلة من كل حدوب وصوب وبعدما أن كانت تقود أصبحت تُقــاد .

                          فكم صرفتنا يد كنا نصرفها *** وبات يملكنا شعب ملكناه

فالمسلمون اليوم يغزون في ديارهم ، وتسبى نساؤهم، ويقتل أبناؤهم ، وتدمّربيوتهم، وتهدم المساجد ، وتحرق المصاحف والقائمة طويلة ، بل لقد أصبح المسلم أرخص مخلوق في هذا الزمن فالروم يتبولون على  جسده ، وتعرض صورتعذيبه وتعريته في الكون وما من مجيب للصرخات والآهات لأن دماء المسلم وعرضه أصبح رخيصًا ،هذه هي حالنا اليوم مع أعدائنا ،أما حالنا فيما بيننا وبين أنفسنا فحدّث ولاحرج خمور تباع ونساء كاسيات عاريات ، والفاحشة ظاهرة في بلاد الإسلام ، والمسلمون يتعاملون بالربا ويستمتعون بالمعازف و الخنى الا من رحم الله وقليل ماهم.

2

وأما عن حكام المسلمين فالحديث عنهم حديث عن أناس بدلوا شرع الله ،حكموا بحكم استوردوه من زبالة أذهان الشرق والغرب متبعين أهواءهم ، ساعين على تحقيق رغباتهم وشهواتهم بشتى السبل التي حرَّمها الله عزَّ وجلَّ فبعضهم لا يعترف بأن الإسلام دين ودولة ، مصحف وسيف ، ناهيك عمن يتولى الكفار منهم ويشاورهم ويستعين بهم على ضرب أبناء جلدته لاجريرة أتوها ولا لذنب اقترفوه وإنما ذنبهم أنهم ينادون بتحكيم كتاب الله وسنَّة رسول الله e متجاهلين قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء" { آل عمران 28                } ، وقوله تعالى : " "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم* وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون {  آل عمران 118}  ، فهاؤلاء باعوا دينهم وأسلموا المسلمين وبلاد المسلمين للكافرين .متذرعين بالضغوط ، وهذا مالم نعلمه في حكم الله ولا في سيرة السلف انهم استكانوا للكافرين الصائلين بل علمنا عن حكام السلف انهم كانوا أغير الناس على حرمة المسلمين وعلى دمائهم التي هي اعظم عند الله من هدم الكعبة فكم ساقوا الجيوش من اجل صرخة مسلم أو مسلمة في الشرق أو الغرب بل لم يستجيبوا للضغوط في أشدّ  الاوقات واخطرها على دولة الاسلام فها هو هو السلطان عبد الحميد رحمه الله  يموت في سجنه ولم يرض ببيع ارض حررها المسلمون وهي فلسطين التي باعها تجار اليوم لإخوان القردة والخنازير- يبيعها بكرسي حكمه وبآلاف مؤلفة من الما ل  ولكن كان صامدا صمود الجبال   مع ضعفه السياسي بسبب تحكّم اليهود في دولة مع ثلّة من الخونة في بلاطه الذين باعوا آخرتهم بعرض من الدنيا قليل ولكن َّ السلطان رد برد يسجل بأحرف من ذهب في جبين التاريخ  يفتخر به كل مسلم لاسيما في زمن كثر فيه العملاء والخونة المأجورون حيث قال: 'لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي بل هي ملك شعبي وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا فرقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولاً في جثتي قبل الحصول على فلسطين'..--فهؤلاء الحكام  نراهم اليوم تجار دماء همهم الوحيد البقاء على الكراسي وليس لهم غيرة وان قتل من قتل من المسلمين وغزي من اراضي المسلمين ما غزي وان انتهكت حرمات المسلمين والمسلمات فكل حين امامهم .وأما علماء المسلمين فعبر تاريخنا المشرق كانوا هم  من قــادوا الأمة إلى طريق الحق والخير والسؤدد والرشاد والنصر، فهم يعلمون أنهم إما أن يكونوا ورثة الأنبياء وحملة هذا الدين ليفوزوا برضوان رب العالمين وإما أن يكونوا مثل علماء بني إسرائليل الذين كتموا الحق وغيروا وبدَّلوا ،
كانوا يقارعون أعداء الله ويقولون الحق بل ويقاتلون من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل ولا يخافون في الله لومة لائم ،نعم يحق لنا أن نأسف عندما لا نجد اليوم من العلماء من يقود الأمة كما قادها من قبل العزابن عبدالسلام الذي باع الحكام في سوق العبيد و شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أعاد للأمَّة العزَّة والكرامة بعد الذلَّة والمهانة التي ذاقتها على يد التتار فرحمهم الله جميعا ،أين العلماء اليوم مما يصيب الأمة من ذل ومهانة على يد أرذل خلق الله عزوجل من عباد البقر والصليب ومن سايرهم وتحالف معهم أين علماء اليوم من ساحات الجهاد التي تشتكي  أين علماء اليوم من ساحات الجهاد التي تشتكي إلى الله قلتهم ،إن أمتنا بحاجة إلى علماء من الطراز الأول ممن يحمل المصحف والسيف معا ،  نريد اليوم علماء ربانيين يقودون الأمة إلى ساحات الوغى ويقارعون أهل الباطل وأعداء الإسلام الذين تكالبوا علينا من كل حدب وصوب علماء يؤثرون الباقية على الفانية ولا يسكتوا على الباطل ويحققون معاني الخيرية في هاته الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3

 وليكن شعارهم ما قاله شيخ الإسلام ابن  تيمية رحمه الله (  مايصنع أعدائي بي؟!! أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحت، فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة" وكان يقول في سجنه: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه ) فنحن يا اخي في زمن الجهاد فتنة وقتال العدو الصائل  لا يجوز الا بوجود راية  وبإذن ولي.. واصبح من ينتسبون للعلم يفتون لإرضاء الصلبان ولإرضاء الجبابرة والطغاة ونسو ان الاصل في الفتوى لا إرضاء الخلق  ونما هوارضاء الخــــالق.

أما الصادقون منهم الصادعون بالحق فلا تأويهم الا السجون  و تلجم السنتهم الصادعة بالحق  ويجرمون ويحذر منهم ويرمون بالخروج وبالتكفير والتهور وبكل نقيصة لا تصلح أن تطلق إلا على قطَّاع الطريق .

وأما سؤالك عن أؤلئك الغرباء   الذين  حملوا الدنيا على ظهورهم فساروا بها حيث شاؤا فهم  ليسوا كالذين حملتهم الدنيا على ظهرها فسارت بهم حيث شاءت و تركتهم حيث شاءت ،أناس  علموا أن كل ماهو  على وجه الارض  لا قيمة له أمام ماعند الله ، رجال إن بحثت عن الرجال صدق فيهم قول الله تعالى :  من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا" {  الأحزاب23 } ، أؤلئك الأقوام الذين أصبحوا مطاردين في شعاب الأرض  تلاحقهم كل ألوية النفاق والكفر والصليب في كل أرض وتحت كل سماء  بكل  وسيلة وسلاح فهم الوحيدون في هذا الزمن الذين يعبرون حق التعبير عن العمل لهذا الدين , يعبرون لا بدموعهم على المنابر ولا بمداد تكتب به المآسي ولكن أوقفوا كل مداد وأبو إلا أن تكون دماؤهم هي  المداد الذي يخط به تاريخ هاته الامة المشرق في ظلمة زمان طال فيه ظلام الظالمين. ولسان حالهم يقول  

              دع المداد، وسطر بالدم القاني **** وأسكت الفم، واخطب بالفم الثاني

              فم المدافع في صدر العداة له  ***** من الفصاحة مـا يرزي بسحبان

فلبسوا اكافنهم  وحملوا أرواحهم على أكفهم غير مبالين بإرجاف الرجفين ولا بتخذيل المنافقين شعارهم **حسبنا الله ونعم الوكيل**.

متظرعين سائلين المولى جل جلاله  رب العلمين ان يأخذ من دمائهم حتى يرضى. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .

                                                                                                       أبو عبد الرحمن الجزائري .

 


الكاتب: أبو عبدالرحمن الجزائري
التاريخ: 28/12/2006