معالـــــــم في الجهـــــــاد

 

معالم في الجهاد ـ 1 
الشيخ / محمد بن عبدالله الحصم 

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين
محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اقتفى أثره وسار على نهجه وجاهد بجهاده
إلى يوم الدين وبعد :

    فالناظر في واقع هذه الأمة العظيمة أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – يعلم أنها 
تعيش اليوم حقبة هي الأسوأ والأضعف في تاريخها ، حيث أصبحت أمة مستباحة يسومها
أعداؤها سوء العذاب يقتلون أبناءها ويحتلون بلادها وينهبون خيراتها .

    وكان هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا اليوم نتاجا مرا للحركة الاستعمارية التوسعية
الغربية في القرن الماضي ، حيث أنهم عرفوا أن عز هذه الأمة إنما هو بهذا الدين ،
وأنهم ما تمكنوا من بلاد الإسلام إلا بعد أن فرط المسلمون بدينهم ، وأن بقاء هذا
الدين في حياة الناس شرعا يعملون به ويتحاكمون إليه هو أعظم سبب لصحوة هذه الأمة
وعودتها لعزها ومجدها ، وهو كذلك أكبر خطر يهدد مصالحهم وهيمنتهم على بلاد الإسلام
، فجاءوا بكذبة الديمقراطية ليعزلوا هذا الدين عن الحكم ويجعلوه محصورا في المساجد
، واستبدلوا الشرع المطهر بدساتير وضعية وضيعة تضمن أولا عزل الدين عن الدولة  ومن
ثم تؤمن هيمنتهم وتكفل تبعية المسلمين لهم ، وتضمن ثانيا بقاء معاول الهدم والتغريب
في هذه الأمة بما تبيحه من حريات في الاعتقاد والسلوك .

    وعلموا أن الناس على دين ملوكها وأن الكدر من رأس العين فسلطوا على الناس شرارهم ..
حكاما فاسدين سفهاء ، لا يرجون لله وقارا ولا يرفعون بشرعه رأسا ، فكانوا عملاء
مخلصين ووكلاء أمينين لا يألون جهدا في طاعة أسيادهم وتنفيذ مشاريعهم إذا سلمت لهم
شهواتهم ومناصبهم .

    وأعظم شيء حرصوا على تغييبه وطمس معالمه من هذا الدين هو الجهاد في سبيل الله ، لأن
مفهوم الجهاد في الإسلام لا يقف أمام مخططاتهم ويأمر بتحرير بلاد الإسلام منهم فحسب
، بل يتعدى ذلك إلى غزوهم في بلادهم وإدخالهم في سلطان المسلمين إما باعتناقهم
الإسلام أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون خاضعون لأحكام الإسلام ودولته .

     فصوروا الجهاد بالإرهاب وجعلوه تهمة وجريمة ، وأمروا بتغيير المناهج - التي هي في
الأصل مشوهة - لضمان خلوها من أي مفهوم صحيح للجهاد ، وقام الوكلاء بواجبهم
فأسكتوا كل صوت وكسروا كل قلم يدعو للجهاد ، وزجوا في السجون حتى من يحدث نفسه به
، أما من يتجرأ ويخرج ليجاهد فقد أعذر من نفسه فلا تنفعه عندهم شفاعة الشافعين ،
ولا يقبلون منه صرفا ولا عدلا .

    وانبرى لتزيين باطلهم بعض من ينتسبون للعلم والدعوة فاختزلوا مفهوم الجهاد بالدفع
وعن الوطن فقط ، وبعد إذن من يسمونهم زورا وبهتانا بولاة الأمر ، وأبطلوا بفتاواهم
الجهاد وعطلوه ، وحملوا الراية للصد عن سبيل الله وتشويه صورة المجاهدين ، ولمزوهم
بما ينفر الناس منهم كوصفهم بالخوارج والتكفيريين ، ولم يكتفوا بذلك بل باركوا
احتلال بلاد المسلمين بدعوى تحريرهم وأضفوا الشرعية على الأنظمة التي صنعها
المحتلون ، ودعوا المسلمين للإنضواء تحتها .

    فكان من عاقبة هذا التضليل والتخذيل ما يحصل لأهل السنة في العراق على أيدي
الصليبيين وأذنابهم الروافض من المجازر والمذابح بأبشع ما يتصوره عقل لتزول عنهم
بذلك أقنعة الزور ويظهروا بمجوسيتهم على الحقيقة وما يحملونه من حقد دفين على هذه
الأمة بتاريخها ورموزها وأبنائها .

    وظن الروافض كما ظن الصليبيون أن مكرهم سينجح أن سعيهم سيفلح ولم يعلموا أن الله من
ورائهم محيط ، وأنه بما يعملون بصير ، فأخرج الله لهم رجالا يحبون الموت كما يحب
الصليبيون الحياة وكما يعشق الرافضة المشاهد ، فجعلوا ليلهم نهارا ومكرهم بوارا ،
فأقر الله بهم العيون وأمتع بهم الأسماع فتفننوا في النكاية بأعداء الله مسطرين
بذلك أروع البطولات وأعظم التضحيات ، مؤكدين أن النصر لهذا الدين وأهله مهما كانوا
ضعفاء ومهما كانوا غرباء وأنه كفى بالله سبحانه هاديا ونصيرا .

    ومن هذا المنطلق أردت أن أبين بعض فضائل الجهاد وحقائقه تثبيتا للمجاهدين وإنذارا
للقاعدين وإعذارا للمخدوعين وتذكيرا لللغافلين بأن الجهاد في سبيل الله هو السبيل
لعودة هذه الأمة إلى عزها ومجدها ومكانتها ، وهو السبيل لحماية البيضة وصيانة
الأعراض ، وهو الطريق الأفضل للفوز برضا الله والجنة ، والنجاة من غضبه والنار ،
وسميته \" معالم في الجهاد \" سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل صالحا
ولوجهه خالصا وأن يحشرنا مع المجاهدين وفي زمرة الشهداء إنه سبحانه ولي ذلك والقادر
عليه .

1- الجهاد أفضل الأعمال .

    الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال ، والمجاهدون في سبيل الله أفضل الناس ، والأدلة
على ذلك من الكتاب والسنة .

قال الله تعالى :  (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ
أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ
دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى
الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ
اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)
 
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - : \" إن في الجنة مائة درجة   أعدها الله  للمجاهدين في سبيل الله ما بين
الدرجتين كما بين السماء والأرض .\"

وفي صحيح مسلم  عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال : \" يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له
الجنة \"  فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ففعل ثم قال : \" وأخرى
يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض \" قال :
وما هي ؟ يا رسول الله قال : \"  الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله \" .

   بل قد أنكر سبحانه على من سوى بين الجهاد وغيره من أعمال البر وبين فضل المجاهدين
على غيرهم فقال تعالى : ( أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي
سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ
وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ
اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ); التوبة .

 وجاء في سبب نزول هذه الآيات كما في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -
قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل
عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد
الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم .
فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم
الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . فأنزل الله عز وجل
; أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ
آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ 
     وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى رسول الله -   صلى الله عليه
وسلم – فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد قال  : \" لا أجده \". قال : \" هل تستطيع
إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ؟ \" . قال ومن
يستطيع ذلك . رواه البخاري   

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما يعدل
الجهاد في سبيل الله عز وجل ؟ قال : \" لا تستطيعونه \" قال : فأعادوا عليه مرتين أو
ثلاثا كل ذلك يقول : \" لا تستطيعونه \" وقال في الثالثة : \"  مثل المجاهد في سبيل
الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد في
سبيل الله تعالى \". رواه مسلم  . 

وعند الترمذي من حديث معاذ قال - صلى الله عليه وسلم - : \" رأس الأمر الإسلام و عموده
الصلاة و ذروة سنامه الجهاد \" [ رواه الترمذي ]

قال العلامة ابن رجب الحنبلي :\"ذروة سنامه هو أعلى ما فيه وأرفعه وهذا يدل على أنه
أفضل الأعمال بعد الفرائض كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء\"
    فهذه بعض الآيات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين ، وأنهم أفضل الأمة وخيرها لأن
عملهم هو أفضل الأعمال وأعظمها وأكثرها أجرا وثوابا00

وذلك لأن بهم عز الأمة ورفعتها ، وبهم تصان الأعراض وتحقن الدماء ، وبهم تأمن السبل
وينتشر الأمن ، وبهم تتخلص الأمة من الأعداء الغاصبين ، وبجهادهم تمهد الطرق لنشر العلم
والدعوة إلى الله ، وبجهادهم تمضي حجة الله على عباده0

فإن كان غيرهم يقدم ماله فهم يقدمون أرواحهم ، وإن كان غيرهم يضحي بوقته فهم يضحون
بالدنيا وما فيها 0

وهم أشد الناس فتنة و أعظمهم بلاء والنبي – صلى الله عليه وسلم - يقول : \" أشد الناس
بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل\" 00فالرؤوس بجانبهم تتطاير ، والأشلاء تتناثر ،
والأيدي تندر ، والأرجل تبتر0 

 قال ابن قدامة – رحمه الله - :

\" ولأن الجهاد بذل المهجة والمال ونفعه يعم المسلمين كلهم صغيرهم وكبيرهم قويهم
وضعيفهم ذكرهم وأنثاهم ، وغيره لا يساويه في نفعه وخطره فلا يساويه في فضله وأجره \" [
المغني10 -  362 ]  
  
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

\" والأمر بالجهاد، وذكر فضائله في الكتاب والسنة، أكثر من أن يحصر، ولهذا كان أفضل ما
تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة، ومن الصلاة التطوع، والصوم
التطوع، كما دل عليه الكتاب والسنة، حتى قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : {رأس الأمر
الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد}.000ولم يرد في ثواب الأعمال وفضلها، مثل
ما ورد فيه، فهو ظاهر عند الاعتبار، فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين
والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فإنه مشتمل من محبة الله -
تعالى، والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر الله
وسائر أنواع الأعمال، على ما لا يشتمل عليه عمل آخر.

 والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائما، إما النصر والظفر، وإما الشهادة
والجنة، ثم إن الخلق لا بد لهم من محيا وممات، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية
سعادتهم في الدنيا والآخرة، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما، فإن من الناس من يرغب
في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا، مع قلة منفعتها، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل
شديد، وقد يرغب في ترقية نفسه حتى يصادفه الموت، فموت الشهيد أيسر من كل ميتة، وهي
أفضل الميتات.\" 
[ السياسة الشرعية - 159]

وقال أيضا : 

 \" وكذلك اتفق العلماء فيما أعلم على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد ، فهو أفضل
من الحج وأفضل من الصوم التطوع وأفضل من الصلاة التطوع ، والمرابطة فى سبيل الله أفضل
من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس \" [ مجموع الفتاوى 28 - 418 ]  

محمد بن عبد الله الحصم 
m.alhasum@yahoo.com


الكاتب: محمد عبدالله الحصم
التاريخ: 18/01/2007