كشف حساب آخر العام

 

كشف حساب آخر العام

للشيخ عبدالمجيد الريمي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

يقول الله في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [18-19 سورة الحشر].

يأمر الله عباده المؤمنين الذين التزموا بالإيمان الصحيح والتزموا بمقتضياته ومن ضمن مقتضيات الإيمان أن ينظر الإنسان ما قدم لنفسه وأن يحاسب نفسه قبل أن تحاسب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أي خافوه وراقبوه ومن ضمن ما تتقون الله فيه ومن ضمن لوازم الإيمان ومقتضياته أن تنتظروا ماذا قدمتم لأنفسكم وهذا وإن كان خطاباً لكنه في نفس الوقت خطاب لجميع الأمة ولو أن كل نفس نظرت ما قدمت لغد لنتج من ذلك أن الأمة بأكملها نظرت ماذا قدمت لغد، هذا أمر من الله تعالى والأمر يقتضي الوجوب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} إن هناك ثلاثة أنواع من النظر:

نظر من الإنسان في الدنيا، ونظر من الإنسان في الآخرة، ونظر من الله في الدنيا والآخرة.

أما نظر الله جل جلاله فقد أشار الله تعالى إليه في القرآن الكريم حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [13-14 سورة يونس] يقول الله: يخلف بعضكم بعضاً جيلاً بعد جيل وأمة بعد أمة وقرناً بعد قرن والحكمة من ذلك أن ينظر كيف تعملون.

ينظر إليك في كل وقت في كل حين ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساء ماذا تعمل؟ أي العمل الذي تقوم به أصحيح أم خطأ؟ أصالح أم فاسد؟ {ثم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} هذه هي الحكمة فإياك إياك أن ينظر الله إليك على عمل سيء نسأل الله أن يستر علينا وعليكم.

قال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [(61) سورة يونس].

فحقيق وجدير بك يا أخي المسلم أن تتمثل أمر هذه الآية وتنظر ماذا قدمت لغد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

فلم ينظروا ما قدمت أنفسهم لغد، ولم ينظروا ماذا أعدوا ليوم الحساب، ولا تكونوا كالذين نسوا الله كان ماذا؟ هل تأسف عليهم؟ هل تندم عليهم؟ حاشا وكلا! فإنه منـزه عن صفات النقص وإنه غني عن العالمين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [(15) سورة فاطر] "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ولو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ*} [(38) سورة فصلت] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [(18) سورة الحشر]، هم ثلاثة أنظار:

نظرك هنا في الدنيا، ونظر الله أيضاً إليك، ونظرك حين لا ينفع النظر حين لا يكون النظر إلا زيادة في الحسرة والندامة يقول تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا، ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا، إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [38، 39،40سورة النبأ].

يوم ينظر المرء ما قدمت يداه لكن يكون نظره ذلك حسرة عليه كما قال تعالى في سورة الكهف: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف].

ينظر عن يمنيه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار أمام وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة؛ ذلك النظر لا يزيد الإنسان إلا هلعاً وخوفاً ورعباً، ذلك النظر لا يزيد الإنسان إلا قلقاً واضطراباً، ذلك نظر مخيف يوم ينظر جرائمه وأعماله السيئة يوم ينظر ما قدمت يداه قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [6-7-8 سورة الزلزلة].

يقول تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [(57) سورة الكهف]. يقول تعالى لا أحد أظلم ممن ذكر بأن يحاسب نفسه وبأن يتذكر وبأن ينظر ما قدمت نفسه وبأن ينظر ما قدم لغد بأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ولكنه أعرض ونسي ما قدمت يداه لم يلق لها بالاً {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} [(57) سورة الكهف] عقوبة على نسيانهم لله تعالى طمس الله على قلوبهم وعلى بصائرهم فهم كل يوم يزدادون إجراماً وأعمالاً شنيعة.

يا أخي المسلم قال الله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [(284) سورة البقرة] هل وقفت عند هذه الآية؟ إن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم – لما نزلت عليهم هذه الآية خافوا وارتعدت فرائصهم وجاءوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وبركوا على الركب وقالوا: يا رسول الله! نزل عليك من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام وغير ذلك أما هذه الآية فلا نطيقها لأنهم فهموها حق فهمها، أما نحن فنقرؤها ليلاً ونهاراً ولا نعتبر بها ولا نطبقها في واقع حياتنا ونحن فقراء {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} فما نخفيه شيء عظيم وما ظهر شيء عظيم، ولكننا نقرأ هذه الآية وكأنها لا تخاطبنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر].

يقول الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [13-18 سورة الحاقة] لا يخفى على الله شيء {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [(94) سورة الأنعام] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [(18) سورة الحاقة] كل شيء يظهر كل شيء يرى {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [(10) سورة العاديات] هناك أمور خفية جداً لا يستطيع أحد أن يطلع على ما في الصدور وعلى ما في القلوب لكن الله تعالى يطلع على ما في الصدور ويُظْهِر ما في القلوب يوم لا تخفى عليه خافية {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} [18-19-20 سورة الحاقة] كان متيقن أنه سوف يحاسبه الله فلهذا أعد لذلك اليوم عدته واستعد وحاسب نفسه في هذه الحياة الدنيا بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، وحاسب نفسه عقيدة وعبادة وأخلاقاً وأقوالاً وأفعالاً، وحاسب جميع جوارحه حاسب نفسه فهو على طمأنينة وسكينة يقول {هاؤم اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} لا مانع ليس فيه ما أخاف منه ليس في كتابي ما أخشى أن أنفضح بسببه ليس في كتابي عوار ولا خطأ ليس في كتابي قبيح وهذا والله أعلم كان يحاسب نفسه في الدنيا فيتوب فيمحوا الله بالتوبة ذلك الشيء وإلا فلا أحد يخلو من السيئات لا أحد يخلو من الموبقات لا أحد يخلو من القبائح لكن وفق الله أقواماً يحاسبون أنفسهم "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" هذا هو الطريق إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" أستر عليكم قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره في الآخرة وذلك فضل من الله" وجاء أيضاً: "إن الله جل وعلا إذا عرض على عبده أعماله فإنه يعرض عليه صغار ذنوبه ويخبئ عليه كبارها فيقول ذلك الرجل: إن لي ذنوباً لا أراها ها هنا وذلك عندما يبدل الله تعالى ويعطيه مكان السيئة حسنة ويعفو الله عنه ويغفر له فيقول: إن لي ذنوباً لا أراها إن الله قد سترها عليه وأسبل عليه ستره وكنفه".

فيا أخي المسلم: الطريق إلى ما بكتابك من جرائم وموبقات الطريق هو التوبة والمحاسبة والرجوع إلى الله تعالى وعندك فرص ثمينة كل أوقات حياتك ممكن أن تجعلها أوقات للمحاسبة كل أوقات عمرك لقد جعل الله لك أوقات ثمينة ومنها الحج "يغفر الله لمن حج ولم يرفث ولم يفسق ما تقدم فيرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ومنها العمرة ومنها شهر رمضان ومنها الصلوات الخمس ومنها التوبة فالتوبة تجب ما قبلها ومنها المحاسبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى.

أخي المسلم: إننا في آخر شهر أو أشرفنا على آخر شهر من شهور هذا العام كل أهل المناصب الدنيوية والمراكز والتجار وأهل الشركات والمؤسسات وأهل الأموال يضعون حساباً في آخر العام ما هي الأرباح وما هي الخسائر؟ ما هي الإيجابيات ما هي السلبيات؟ إلا عمل الآخرة كأنه ضمن الدخول إلى الجنة وأنه أمن من مكر الله كأنه عنده حصانة من عذاب الله {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [(99) سورة الأعراف] لماذا لا نحاسب أنفسنا؟ وهذا آخر هذا العام وقد ارتحل بأعمال سيئة وقبيحة وحسنة وصالحة وغير ذلك لماذا لا نستغفر الله من السيئات فتبقى لنا الحسنات ويبدل الله بدل السيئات حسنات لماذا لا نرجع ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب؟ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} فكن ذكياً فطناً عاقلاً ولكن إذا انتكست المفاهيم وانتكس التصور فإن من طمس على قلبه يجعل من هذا الرجل أن عنده مخلفات ورواسب عقليه رجعي ما أضيق فهمه ما أضيق معاملته ما هذا التحجر وما هذا التشدد ويجعل ذلك من خفة العقل ولكن ذلك المتعقل ذلك المتنور ذلك الذي يتحكم في شرع الله بلا دليل ولا حجة له وذلك يوم القيامة: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [(10) سورة الملك].

العاقل هو الذي يحاسب نفسه اليوم: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} ما المانع {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} تأكدت وتيقنت أنني سأحاسب فلم أشأ أن أسود وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه لقد ابيض وجهي وابيض كتابي أما وجهي فقد ابيض من أثر العقيدة والتوحيد والمحافظة على الصلوات يا رسول الله وقد قال له أصحابه عندما قال ليتني رأيت إخواني - يقصد أمته التي تأتي من بعده- ليتني رأيت إخواني قالوا يا رسول الله: نحن إخوانك قال أنتم أصحابي، ليتني رأيت إخواني، كيف تعرف إخوانك يا رسول الله أو كيف تعرف أمتك؟ قال: أرايتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى قال فإن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. الوضوء الذي حافظت عليه وعلى الصلوات الخمس قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى البردين دخل الجنة" هما العصر والفجر" وقال - عليه الصلاة والسلام -: "من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله" أمانته وعهده في رعايته في الدنيا والآخرة وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" فالصلاة التي قبل طلوع الشمس هي الفجر والتي قبل غروبها هي العصر فلهذا أيها الأخ المسلم بيِّض وجهك بين يدي الله بالعمل الصالح والتوبة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [(12) سورة الحديد] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(8) سورة التحريم] أخي المسلم الآن راجع كتابك اقرأ كتابك الآن قبل أن يقال لك {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [(14) سورة الإسراء] اقرأ كتابك اليوم راجع تاريخك وأعمالك واستغفر الله فطوبى لعبد وجد في صحيفته استغفار.

جاء في الحديث أن الشيطان قال يا رب وعزتك وجلالك لا أزال أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله وعزتي وجلالي: لا زال أغفر لعبادي ما استغفروني. لا ننهزم يا عباد الله أمام هذا الشيطان الرجيم علينا أن نرجع إلى الله وأن نتوب إلى الله وأن نستغفر الله فلنراجع في آخر هذا العام أعمالنا كل بحسبه.

قال - عليه الصلاة والسلام -: "لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره يما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به"، فإذا حاسبت نفسك في هذه الأربع في هذه الحياة الدنيا وعرفت من أين مالك وفي أي شيء أنفقته وعرفت في أي شيء تقضي أوقات عمرك البعض يذهب إلى المسارح واللهو ويقول نقتل الوقت ويلعب الألعاب التي ما أنزل الله بها من سلطان ويقول يمضي الوقت ونمشي الوقت إنه محسوب عليك يا خسارة "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "صحبت أهل الكلام فلم أستفد منهم إلا كلمة واحدة وهي قولهم الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".

قال الله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [(37) سورة فاطر] قال - عليه الصلاة والسلام -: "أعذر الله إلى رجل أخر عمره إلى ستين سنة" أعذر الله إليه ما بقي له عذر بعد ذلك بعد الستين عاماً ما عذره إذا استمر في غيه ولهوه فيا أخي المسلم علينا أن نراجع أعمالنا ونتوب إلى الله قال - عليه الصلاة والسلام -: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" لا تعجز يا أخي المسلم. وقال - عليه الصلاة والسلام –: "يتبع المسلم ثلاثة ماله وأهله وعمله فيرجع عنه اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله".

أخي المسلم محاسبة النفس تتمثل في أمور:

أولاً: بالتعرف على طبيعة نفسك وأنها نفس أمارة بالسوء أنها نفس ظالمة جاهلة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [(72) سورة الأحزاب].

أكثر الناس الصالح والطالح إلا من رحم الله دائماً لا يريد أن يقول له الناس إنه أخطأ لا يريد أن يقول الناس أنه فعل أمر خاطئ لا يريد أن يقول له الناس راجع نفسك حاسب نفسك اتق الله أتأمرني بتقوى الله هل أنا سأسلم على يدك هل أنا كذا يرى نفسه أنه ليس محلاً للنقص لكن للأسف يرى نفسه أنه محلاً للتقويم والتنفيذ... إلخ كأنه يقول بلسان حاله ومآله أنا لا أصلح أن أنتقد وإذا حاول شخص أن ينتقدني بذل كل ما في وسعه وجهده، وكلام وفصاحة وبلاغة أن ينقد نفسه وأنه على الصراط المستقيم فأول ما يجب علينا أن نحاسب أنفسنا وأن نعلم أننا كلنا محل نقد وعورة وخطيئة وقد جاء هذا في الأثر أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يقول في كل جمعة عندما يخطب "نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا" وكان من دعائه أيضاً: "اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، فيحاسب الإنسان نفسه ويوبخها ولو كانت في مقام أحسن من غيرها لكن يجب أن يعلم مهما كان فيه من خير أو فضل فهو من الله {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [(79) سورة النساء] الحسنة من الله {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [(21) سورة النــور] فأول نقطة في المحاسبة: أن ننظر إلى أنفسنا نقومها ونصحح أخطاءها لا تجعلها في محل بعيد عن النقد بل هي أول من تحاسبه وأن تراجع الحساب معها هي نفسك إنها ظالمة جاهلة لوامة أمارة بالسوء هذه الخطيئة التي تفعلها كم هي في جانب حسناتك عندك حسنات كثيرة والقضية سهلة ما هي شيء وهذه النفس كما قال سبحانه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(30) سورة المائدة] النفس تطوع المعاصي وأما الطاعات تبعث المشقات والمتاعب والمكاره وما أشبه ذلك فلهذا من ضمن ما نحاسب أنفسنا أن نعلم أنها تصوغ لنا المعاصي وتسهلها لنا وتأمر بالسوء وتحببه إلى أنفسنا لنبغض الطاعات هذه طبيعة النفس فعلينا أن نحاسبها قبل أن تحاسب بين يدي الله جل جلاله...

وضمن المحاسبة أيضاً يا أخي المسلم النظر فيما لك وما عليك عندك أعمال تحسب أنها صالحة وعندك أعمال سيئة فلا بد من العمل الصالح الذي تظن أنه يقربك إلى الله فلا بد أن تنظر فيه من ناحيتين اثنتين:

إحداهما: هل هذا العمل خالص لوجهه الكريم.

الثاني: هل هذا العمل صواباً على سنة رسول الله.

هذا هام يا أخوة لا بد من النظر في كل عمل في وقتك في أولادك في زوجتك في إخوانك في جيرانك في علمك في عملك محاسبة ومراجعة في كل هذه الأمور مكسبك طيب أم خبيث ملبسك طيب أم خبيث مأكلك طيب أم خبيث {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [(26) سورة النــور] لا بد أن تحاسب نفسك في هذا الأمر علمك ماذا عملت به، عملك هل هو موافق لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم – وخالصاً لوجه الله الكريم، جوارحك عيناك لسانك أخطر شيء على عملك الصالح لسانك، مقالة السوء قد انتشرت الآن في الصفوف وانتشر القيل والقال بين المسلمين وانتزعت الثقة حتى صارت مقالة السوء بين المسلمين بقصد التفرقة بينهم ونزع الثقة من علمائهم ودعاتهم، مقالة السوء ما موقفك منها؟ أهو موقف التثبت والورع؟ أو التقوى؟ أم موقف الانزلاق وإطلاق اللسان؟ أن يتكلم كل يوم في كل ساعة في كل موقف في كل مجلس في كل مكان؟ ماذا قال - عليه الصلاة والسلام -: "أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس من لا درهم له ولا متاع، فقال – صلى الله عليه وسلم - المفلس: "من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة ويأتي وقد ظلم هذا وسب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته... إلى آخر الحديث فأخطر شيء على الإنسان لسانه فعليه أن يتقي الله في هذا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في النار" وقال - عليه الصلاة والسلام – في الحديث الصحيح: "إن من قال في أخيه ما ليس فيه سقاه الله من ردغة الخبال" ومن أكل لمسلم أكلة أطعمه مثلها في جهنم ومن لبس لمسلم ثوباً ألبسه الله مثله في جهنم" الطعن والكلام في أعراض الدعاة بلا حجة ولا علم شرعي وإنما استناداً إلى القيل والقال.

هذه من الأمور التي نحتاج إلى أن نحاسب أنفسنا فيها واجبات شخصية، حاسب نفسك نحو أسرتك عليك واجب نحو زوجتك أولادك كيف أولادك؟ أين هم في مدارس تحفيظ القرآن في المساجد يحافظون على الصلاة في أوقاتها؟ أين هم في الليل؟ هل جلست وإياهم في حلقة تدريس وتعليم وتربية وتأديب؟ أم جلستم حول العاهرات الفنانات اللاتي في التلفاز تعلمنا كيف تكون أخلاقنا وكيف تكون آدابنا؟ هل جلسنا أمام عالم أو مرب نتعلم قال الله وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم –؟ هل حفظنا كم نحفظ في اليوم من آيات وأحاديث أم الأمر بعكس ذلك إنا لله وإنا إليه راجعون.

"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب يا أخي.

واجبات شخصية ،وواجبات أسرية، وواجبات عامة، وأهم شيء أن يحاسب الدعاة أنفسهم في عملهم الإسلامي فيجب أن يكون هناك نظر بل ونظرات إلى مسيرة العمل الإسلامي السلبيات والإيجابيات فقد جرب الناس كثيراً من الطرق والوسائل جربوا الشدة جربوا العنف جربوا المرونة الذائبة جربوا المجالس البرلمانية النيابية جربوا هذا وهذا عليهم أن ينظروا فيما ينبغي فعله فيما ينبغي مراجعته وتصحيحه يكفي موقف واحد لنا نحن الحركة الإسلامية في اليمن يكفي موقف واحد نأخذ منه عبر، العلماء الذين قالوا الدستور هذا فيه ردة وكفر وقال فيه أكثر من أربعمائة عالم الآن مجلس النواب هذا الحاكم يقرر العمل به حتى تتم الإصلاحات في الزمان القادم والله أعلم متى هذا يقع باسم الدين والعلماء والحركة الإسلامية، ومن المعلوم أنه لا يجوز أن يقر الكفر وأن يرضى به ولا دقيقة ولا ثانية ولا ساعة إقرار الكفر وإعطائه الشرعية إما أن يكونوا أخطأوا في الموقف الأول أو في هذا الموقف، الموقف الأول حيث قالوا في هذا كفر أو الموقف الثاني حيث أقروا العمل به حتى تتم الإصلاحات الدستورية القادمة يكفي هذا. موقف خطير جداً في حق كيف يقر شيء يقول العلماء فيه أنه كفر كيف يقر ويعمل به؟ هذه من الأمور التي ينبغي أن يتبنه لها أهل العمل الإسلامي والدعاة إلى الله تعالى وأن يعلموا أن هذا الطريق طريق لا نكسب من ورائه إلا خسارات بعد خسارات واهتزازات بعد اهتزازات وعلينا أن نقبل على العمل الذي يقربنا إلى الله زلفى ويصلح من أوضاعنا يجب أن يكون هناك نظرات في مسيرة العمل الإسلامي ووسائل الدعوة وتصحيح ما يجب تصحيحه والنظر، والمؤمنون أخوة بعضهم أولياء بعض، ينصح بعضهم بعضاً، ويبين بعضهم لبعض بعض الأخطاء وبعض المخالفات؛ فالدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم علينا أن ننظر وأن نحاسب أنفسنا وخاصة نحن الدعاة إلى الله تعالى نحن في المواقف التي يجب أن نقفها موقفاً واضحاً من كل من استورد علينا من الغرب أو الشرق من النظريات أو الأفكار.

وأخيراً ملاحظة: عندما تحاسب نفسك وتجلس فربما يظهر لك أنك من الهالكين أو من الخاسرين وهذا هو السائد عندنا جميعاً فلولا رحمة الله وفضله وإحسانه علينا لكنا من الخاسرين قال تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [1-2-3 سورة العصر] ومن المعلوم أننا قد خلطنا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ويخشى أن يكون السيء أكثر من الحسن إذا ظهر لك الخسران ففي هذه الحالة يدخل الشيطان عليك ويدخل في نفسك اليأس وأنك لا تصلح للجنة ولا تصلح لدخول الجنة وأن عندك من القبائح والخبائث والأعمال السيئة ما يجعلك غير مؤهل لدخول الجنة يقنطك من فضل الله ورحمته وهي دسيسة أحذرها {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [(53) سورة الزمر].

شيء آخر؛ احذر أيضاً من الغلو فربما ظهر لك بعض الأخطاء وبعض الموبقات فتسلك طريقاً غير شرعي من التضايق من المجتمع والاعتزال وتقول نفسي نفسي والفرار والهروب وما أشبه ذلك فإن هذا أيضاً طريق خاطئ.

وقد جاء رهط إلى بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فسألوا عن أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وعن صلاته بالليل فقالت إحدى زوجاته لا يزيد على إحدى عشرة ركعة فقال بعضهم لبعض إنه رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر من ذنبه فقال بعضهم أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر أنا أصوم ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا لا أتزوج النساء وقال الآخر لا آكل اللحم فوصل الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال ما بال أقوام يتنـزهون الشيء أنا أفعله، أنا أخشاكم لله وأعلمكم وأتقاكم لله ثم قال إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" لا غلو ولا تفريط لا إفراط ولا تفريط.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [(143) سورة البقرة] وليس معنى الوسط أننا نقصد أنك ترتكب ما حرم الله فتكون وسط بالنسبة لمن هو أشر منك بالنسبة لمن هو أكبر جرماً منك.

إن كثيراً من الناس يؤخر الصلاة عن وقتها أو يجمع الصلاة، يجمع الظهر والعصر ويقول أنا أحسن من غيري هناك بعضهم ما يصلي أبداً أنا أحسن حالاً ممن يفعل جريمة، ويمن بها على الله ويقول أنا أحسن حالاً من غيري، يصلي الصلاة في غير وقتها وهي جريمة في نفس الوقت يجعلها حسنة يمن بها على الله المقصود أنك لا تتوغل في ترك المباح وتشتغل في الأعمال المشروعة المستحبة مثلاً أو الواجبات فتتغافل وتضيع كثيراً من الحقوق أو تضيع حق نفسك أو حق زوجتك أو حق أولادك، أو حق جيرانك وقد قال - عليه الصلاة والسلام – في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: "في قصة مؤاخاة مسلمات وأبي الدرداء لما نظر أبا الدرداء - رضي الله عنه – زوجته متبذلة لا تتزين لزوجها فقال لها ما هذه الحال قالت: أخوك أبو الدرداء ليس به حاجة إلى النساء فلمن أتزين فلما جاء أبو الدرداء - رضي الله عنه – فلما كان من الليل أراد أن ينام وأراد أن يصلي قال له نم ثم أراد أن يقوم قال له نم فلما كان من آخر الليل قال له الآن نقوم ثم قال له يا أبا الدرداء إن لنفسك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً فاعط كل ذي حق حقه فقال - عليه الصلاة والسلام – صدق لما وصله الخبر.

فدين الإسلام دين بني على التوازن في أداء الحقوق، حق النفس من المباحات والطيبات {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [(32) سورة الأعراف].

لكن لا ينفعه منه أنه ساعة لك وساعة عليك أنك تكون في الحرام بعض الناس يقول ساعة لك أنك تكون في الحرام هذا غير صحيح وإنما في المباح لا تخرج عن دائرة المباح إلى الحرام، وإذا خرجت فعليك بالرجوع والاستغفار ليس لك إطلاق حق في المعصية {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام].



وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم،،،

والحمد لله رب العالمين،،،


الكاتب: للشيخ عبدالمجيد الريمي
التاريخ: 17/02/2007