بعد إهانة المصحف الشّريف والنّبيّ العظيم، الخطر الأعظم داهم وهو إسقاط المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم!!!

 

بعد إهانة المصحف الشّريف والنّبيّ العظيم، الخطر الأعظم داهم وهو إسقاط المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم!!! 

خَمِيس بن علي الماجري *

واهتزّ العالم واشتعلت قارّاته ثورة وغضبا واحتجاجا لإهانة القرآن الكريم في سجون قوانتنامو، وللإساءة إلى النّبيّ العظيم صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم في الدّنمرك ثمّ النّرويج بنشر 12 صورة كاريكاتوريّة أوّل مرّة سنة 2005، وكنّا نحسبها فلتة غلوّ رئيس صحيفة لن تعود،

ولكنّ الغلوّ والتّطرّف توسّعا في الدّنمرك بأكثر شراسة في 17 مجلّة وصحيفة هذه الأيّام، ووجد له مساندة واسعة في الغرب حيث دعا وزير داخليّة ألمانيا إلى أن تنشر كلّ الصّحف الأوروبيّة تلك الصّور المسيئة، وأعادت من قبل صحيفة\'نوتيسياس\' الأرجنتينيّة الأسبوعيّة نشر أربعة رسوم من تلك الصّور وصاحبها تعليقات مكتوبة ساخرة إلى سيّد الخلق.

 وبطبيعة الحال، استغلّ الكتّاب الصّهاينة الحاقدين على الإسلام والمسلمين الحدث فملؤوا صحفهم ومواقعهم\"الإسرائيليّة\" بكمّ هائل من التّرّهات والافتراءات والإساءات لشخص الرّسول الكريم وللإسلام وللمسمين، فنشرت تلك الرّسوم في بعض مواقعهم الإنترنتيّة الإخباريّة الصّهيونيّة كموقع \'وله نيوز\' وموقع \'إسرائيل نيوز\'. وكذلك نشرتها مواقع منتدياتهم اليهوديّة الشّهيرة التي تصدر بعدّة لغات بجانب العبريّة، وتمّ تداول تلك الصّور بشكل كبير بين زوّار تلك المنتديات، مع توجيه السّباب للمسلمين، ونعتت احتجاجاتهم بـ\"الأعمال البربريّة\".

 أمّا صحيفة معاريف العبريّة الشّهيرة، فلم تنشر تلك الصّور خوف ردّ فعل الفلسطينيّين الأبطال، إلاّ أنّ مسئول التّحرير الكاتب اليميني \'بن درور\'، عبّر عن اقتناعه بما سمّاه \'حرّية التعبير\'، ما دام المسلمون يوافقون على نشر الصّور المُهينة لليهود. وصدّرت الصّحف الصّهيونيّة افتتاحيّاتها بأنّ: \"محمّد أوّل الإرهابيّين\"، واعتبر الكاتب \"موشية هادر\"بموقع \"نيوز فرست كلاس\"الإسرائيليّ\"بتاريخ 6-2-2006\"بأنّ هذه الرّسوم من قبيل\"الجهاد بالكاركتير\" وتساءل قائلا: لماذا يشعر المسلمون بالاشمئزاز من نشر الرّسومات الكاريكاتيريّة عن \"محمّد\"؟ ثمّ أجاب أنّ السّبب هو الإسلام الذي أعطى الحقّ ل\"محمّد\" في عصره أن يقتل كلّ من ينتقدونه من صحفيّي عصره الذين كانوا يلقبّون بالشّعراء وكان يقتلهم بشكل أكثر فظاعة من إرهابيّي هذا العصر لمجرّد أنّهم انتقدوه واستهزءوا به.

أمّا في فرنسا فقد نشرت صحيفة \'فرانس- سوار\' تلك الصّور رغم أنّها أثارت غضب المسلمين في العالم، وادّعت في مقالها الافتتاحي أنّه\'لا يوجد في هذه الصّور شيء عنصريّ، ولا توجد رغبة في التّحقير بفئة في حدّ ذاتها، كلّ ما في الأمر أنّ بعض الصّور غريبة والبعض أقلّ من ذلك، وهذا يؤكّد رغبتنا في إعادة نشرها. وزعمت أنّها اختارت إعادة نشر هذه الصّور المسيئة بالكامل منذ صدورها للمرّة الأولى\'ليس للرّغبة في التّحريض، ولكن لأنّها تعتبر مثارًا للجدل العالمي الواسع، وليس للمراهنة بل لإحداث التّوازن وإقامة الحدود المشتركة ـ من خلال الدّيمقراطية ـ بين احترام المعتقدات الدّينيّة وحرّيّة التّعبير. وقالت:\"لا، ولن نقدّم اعتذارًا أبدًا عن حرّيّة الكلام والتّفكير والاعتقاد... ثمّ قالت: بما أنّ هؤلاء العلماء الذين وضعوا أنفسهم للدّفاع عن الدّين قد جعلوا هذه القضيّة مسألة مبدأ، فيجب أن نكون صارمين، أعلوا أصواتكم بقدر الإمكان، لدينا الحقّ في رسم محمّد وعيسى وبوذا ويهوه، كلّ اتّجاهات مذاهب التّوحيد، إنّ هذا يسمّى حرّيّة التّعبير في بلد علماني\".

خرافة حرّيّة التّعبير هل يمكن أن يسع فضاء حرّيّة التّعبير الهجومات المتكرّرة والمتعمّدة بل والمنظّمة على معتقدات المليار ونصف من سكّان العالم؟ أترك لك الإجابة ـ حضرة القارئ ـ على لسان رئيس\"منظّمة وقف أسلمة أوروبا\" الدّنمركيّة، المسمّى أندرس جراورس، فقد قال لصحيفة\"يولاندس بوستن\" التي نشرت الرّسومات المسيئة عام 2005:\"نحن الآن بصدد عمل رسوماتنا الخاصّة عن النّبيّ محمّد، حتّى نتخلّص من هذا المنع، ولي رغبة في رؤية الرّسومات المسيئة منشورة في كلّ مكان، حتّى نرهق المسلمين فلا يقومون بردود أفعال بعد ذلك، ونريد أن نجعلهم يتعبون حتّى النّهاية، بحيث لا يستطيعون بعدها حمل عود ثقاب في جيوبهم\".

 إذن فهؤلاء يريدون بكلّ وضوح كسر شوكة الأمّة وإذلالها وتركيعها أمام هذه الإهانات المتعمّدة والمتكرّرة والاستسلام للقويّ الغازي بكلّ الأشكال والقبول بالأمر الواقع والاعتراف به دون نظر إلى شرعيّته، وكراهة الآخر، ولا أدلّ على ذلك من وجود هذه المنظّمة التي أشرت إليها آنفا، وهي معروفة على السّاحة الأوروبيّة و تنشر حقدها على الإسلام وتستهدف تواجد المسلمين في الغرب، وتملك شبكة علاقات مع المؤيّدين ل\"إسرائيل\"، وتتّسم مواقفها بكثير من الغلوّ والتّطرّف وتنسّق مع أحزاب اليمين المتطرّف من دول أوروبيّة عدّة وقد اجتمعت أخيرا في أنفير ببلجيكا وأعلنت عن تأسيس منظّمة جديدة تهدف إلى مكافحة \'الأسلمة\' في أوروبا، وتضم المنظّمة الجديدة واسمها \'المدن ضدّ الأسلمة\' أحزاب \'المصلحة الفلامنكية\' من بلجيكا ورئيس حزب\'اف بي او\' النّمساوي وحركة \'الزاس ابور\' الإقليميّة الفرنسيّة والحزب اليميني الألماني\'داي ريبوربليكانر\' والحزب الوطني البريطاني وأحزاب ايطالية..

 كما تعمل هذه المنظّمة على وقف حقّ تديّن المسلمين في أوروبا بمنع افتتاح مساجد ووقف وصول مهاجرين مسلمين وعلى أن تحترم المتاجر الإسلامية القوانين الغربيّة على صعيد الصّحّة والقوانين الاجتماعيّة وإلاّ فيجب غلقها. هذا وقد دعت بعض الكنائس في بريطانيا لفرض حظر على بناء المساجد في بريطانيا، كما أعلنت المكتبة الملكية الدنماركية اعتزامها حفظ وتوثيق تلك الرّسومات واعتبرتها جزءا من تاريخ البلاد... أفلا يدلّ هذا الغيض من الفيض على تصاعد الهجمة الشّرسة على الإسلام وتنامي ظاهرة العداء له وللمسلمين الفارّين من جحيم سياسات الغرب العدوانيّة في بلادنا ممّا اضطرّنا إلى اللّجوء إلى بلاد الغرب بحثا عن الأمن أو عن الطّعام.

إنّ الإساءة لمقدّسات الإسلام من قرآن ورسول هي جرائم كبرى يمكن إدراجها ضمن جرائم العنصريّة والكراهيّة والعداء التي تعاقب عليها جميع القوانين.

والقضيّة لا يقصد بها إساءة للرّسول العظيم صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، ولكنّها إساءة مباشرة للمسلمين الأحياء، وهذه الجريمة المستمرّة والمتكرّرة سوف تستمرّ مع توسّع وانتشار اليمين المسيحي الصّهيوني وتحكّمه في السّياسات العالميّة الذي قرّر الحرب على الإرهاب تاركا لنفسه ضبط المعنى وتحديد الزّمان والمكان.

وعليه فإنّ ردّ الفعل في اتّجاه الغضب الواعي والمدروس ضرورة وواجب حتّى نوقف المغامرات الخطيرة التي يريد المتطرّفون إدخال العالم فيها.

إهانة المصحف والإساءة للنّبيّ حلقة من حلقات الاعتداء على الأمّة: لقد اعتدي على عرض المسلمين والمسلمات ملايين المرّات، واحتلّت كلّ أراضي المسلمين بما لم تحتلّ به بعد سايس بيكو، فما لم يحتلّ من قبل بالعسكر، فقد احتلّ اليوم بتسليم الحكّام والنّخب الفاسدة أنفسهم في قبضة الصّهاينة والصّليبيّين أو باختراق المحتلّ الأمريكيّ لعمامات علماء السّلطان، فخرّبت بلادنا وافتكّت أرزاقنا واغتصبت ثرواتنا.

لقد تدخّل المحتلّ في كلّ حياتنا وكينونتنا وثقافتنا وديننا يسطّرها كيفما يشاء! والعالم كلّه يذكر ما صاحب الحملة الصّليبيّة التي قادها الإمبراطور بوش لغزو بلاد المسلمين وما صاحبها من تصريحات العداء من رجال السّاسة والدّين في العالم النّصرانيّ!!! إنّ تزامن إعادة نشر الرّسومات مرّة أخرى بهذا الشّحن القويّ ضدّ عقائد المليار ونصف من المسلمين، وما رافقها من تصريحات مستفزّة، و ما يعرض في هولندا بما يسمّى فيلم\"فتنة\" وما يعرض هذه الأيّام في ألمانيا من مسرحيّة \"آيات شيطانيّة\" وهما أشدّ إساءة للإسلام ولنبيّه الكريم من تلك الصّور، وما صدر في سويسرا عن عضوين بالمطالبة بمنع دخول القرآن الكريم باعتباره إرهابيّا، ومطالبة بعضهم هناك بمنع مآذن المساجد.

فضمن ماذا يندرج هذا التّصعيد ضدّ عقائد الإسلام واحتقار المسلمين؟ هل ضمن ما يرفع من شعارات حرّيّة التّعبير، والتّسامح والسّلام وهم يرتكبون أفضح المجازر والمحارق التي يفعلونها في حقّ نسائنا وشيوخنا وأطفالنا في كلّ مكان في الدّنيا. إنّ ظهور هذا الحشد الهائل من تصعيد حملة الكراهيّة والعدوان ـ في وقت متزامن ـ له أكثر من دلالة، وهو ينمّ عن تعمّد قصد الإساءة للعرب والمسلمين، فضلا عن قصد تعزيز خدمة أغراض اليمين المسيحي الصّهيوني القائل بصراع الحضارات وهو المهيمن على إدارة بوش، كما تندرج هذه الحملة كذلك ضمن تحالفها في حملات الإمبرياليّة الاستعماريّة، ويظهر هذا بشكل جليّ وواضح أنّ وراء هذه الهستيريا اليمين المتطرّف المتحالف مع الحركة الصّهيونية التي تعتبر من أنشط هذه القوى المعادية.

 ماذا بقي للمسلمين من مقدّسات لم يعتد عليها؟ ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد أهانوا كلّ مقدّساتها: دينها، إنسانها، أرضها، ثرواتها؟ ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد روّض الغرب فصيلا كبيرا وهامّا من التّيّار الإسلامي الذي ادّعى يوما أنّه يملك معالجة أمر الأمّة وامتلاك الحلول لها، لقد خدّرهم الإمبراطور الأمريكي ضمن فخّ و سجن\"الوسطيّة\"و مكبّل الاعتدال ووهم الاعتراف وحلم المشاركة في الحياة السّياسيّة فركض ـ ذلك الفصيل ـ وراهن على المحتلّ وأجرى معه اتّصالات وصلت ـ حسب المراقبين ـ إلى أكثر من مائة عبر وسطاء أو مباشرة في القاهرة وفي قطر وفي لندن، بل تحالف ذلك الفصيل مع المحتلّ في العراق وكان ـ مع الأسف الشّديد ـ من أوّل من انضمّ لبريمر وتعاون معه لإسقاط صدّام حسين والعيش تحت ظلّ الإمبراطور \"الدّيمقراطيّ\".

والأدهى من كلّ ذلك وأمرّ أنّ ذلك الفصيل الذي وصل إلى السّلطة في تركيا ـ باسم الإسلام الوسطيّ ـ فعل ما لم يفعله العلمانيّي التّركي حيث بنى علاقات متميّزة غير مسبوقة مع الكيان الصّهيوني والمحتلّ الأمريكي اقتصاديّا بل وتعاونا عسكريّا.

ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد انهزم هؤلاء \"الوسطيّون\" وركنوا إلى أعداء الأمّة وتولّوهم؟ ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد فرّ مشائخ العلم والسّاسة والمفكّرون والأثرياء ورجال الإعلام من المقاومة وقد استغلّ الكثير منهم نفوذهم للثّراء؟ ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد جنّد طلاّب السّلطة والدّنيا من المتصوّفة والحزبيّين وعلماء السّوء وتخلّوا عن شعوبهم واستسلموا لآلات الدّيكتاتوريّة المثبتة بالحديد والنّار في بلاد العرب والمسلمين؟

 ماذا بقي للأمّة من دفاعات وقد استسلم الحكّام من زمان وتنكّبوا عن الشّريعة المنيعة واكتفوا بنهب الثّروات العظيمة وتكديسها و بالتّوريث والمحافظة على مصالح الإمبراطوري المحتلّ والغازي المستكبر؟ لقد تخلّ الحكّام عن قضايا الدّين وكرامة شعوبهم واستبدلوا العزّة بدينهم بالذلّ والمهانة بتبعيّتهم وولايتهم للغزاة، واستغنوا بذلك عن بناء ترسانة قمع ضخمة تصبّ شعوبهم أعظم العذاب وتسومهم سوء المآل وباتوا يستعملون كلّ قدرات الأمّة لتنزل أقصى أشكال الظّلم على الملتزمين بدينهم.

 إنّ الحكّام هم السّبب الأكبر الذي يشجّع غلاة الغرب ومتطرّفيهم وجرأتهم على إهانتنا في أعزّ مقدّساتنا، إنّهم العقبة الضّخمة الكأداء أمام كلّ خير ومناعة لشعوبنا، إنّ هذه الإهانات التي تعرّضت لها مقدّسات الإسلام للإهانة والإحتقار لكافية لوحدها لأن يقطع هؤلاء الحكّام كلّ العلاقات السّياسيّة والإقتصاديّة مع كلّ البلدان وأوّلها الفاتيكان والولايات المتّحدة الأمريكيّة والدنمرك والنّرويج. كيف لا يجرؤ المتطرّفون من هنا وهناك في الغرب،

وقد تبيّن لهم أنّ أنظمة حكم الاستبداد في بلادنا العربيّة والإسلاميّة لا تدافع عن القرآن ولا عن النّبيّ؟ كيف لا يجرؤ المتطرّفون من هنا وهناك في الغرب والشّرق وقد تأكّد لديهم أنّ حكّام المسلمين ليس لهم من مهمّة ـ تكاد ـ إلاّ أن تفارق الأمّة عن دينها، وتقاوم تيّار الأمّة الجارف الرّافع للواء التّوحيد، تحاربه تحت حجج سخيفة حقيرة وضعتها لها الصّهيونيّة العالميّة، أنّها تخلط الدّين بالسّياسة والسّياسة بالدّين، أو بذريعة أنّ هذا التّيّار ينمّي التّفكّك الاجتماعي ويهدّد الأمن،

 في حين أنّ الصّهيونيّة سمحت في الطّرف الآخر لليهود في أيّ مكان في العالم وبالأخصّ في \"إسرائيل\" أن يكون الدّين هو العلاج النّاجع ضدّ القابليّة الداخليّة للتّفكّك، ورغم إدراكهم للنّتائج الوخيمة التي قد يعكسها أيّ نزاع دينيّ إلاّ أنّهم يراهنون على أنّ هذه الانعكاسات لن تكون أصعب من التّفكّك الاجتماعيّ الذي حتماً سيقود إلى تدمير الحياة السّياسيّة وبالتّالي تلاشي الدّولة... إنّه ـ مع الأسف الشّديد ـ فإنّه في الوقت الذي تقوم فيه كثير من الأنظمة في بلاد المسلمين بالتّباهي بتجفيف منابع التّديّن، أو بالتّحكّم في الدّين، ومحاربة كلّ ما يمتّ بالدّين الأصيل من صلة، تقوم ما يسمّى\"إسرائيل\" بتنمية الجانب الدّينيّ داخل المجتمع الإسرائيلي، بل تراهن عليه من أجل توحّد المجتمع المتكوّن من بلدان شتّى ومن شعوب مختلفة ومن أعراق متعدّدة.

 الرّسوم المسيئة وإهانة المصحف موادّ اختبار لإسقاط المسجد الأقصى إنّ من نافلة القول أن نقرّر أنّ أعداء المسلمين يخطّطون على أساس ردّ الفعل العربي الضّعيف،

خذ لك مثلين:

أحدهما :  ما وقع من إبادة المسلمين في الأندلس كان بعد تتبّع مؤسّسات الاستخبارات الأسبانيّة والبرتغاليّة أحوال المسلمين وقدرتهم على المقاومة وردّ الفعل، فلمّا تحوّلت اهتمامات شباب الأمّة من تعلّق بالقرآن والسّنّة وطلب العلم وركوب الخيل والجهاد إلى الدّعة والخمول والغزل والتّرف نفّذوا المذابح الرّهيبة التي لم يشهد لها التّاريخ مثيلا...

الثاني : ما حصل إثر جريمة حرق المسجد الأقصى في 21 /09/ 1969م، لقد كانت جريمة حرق المسجد الأقصى بالونة اختبار تخفي جريمة أكبر تتمثّل في إسقاط المسجد المبارك وبناء \"الهيكل\"، لقد حاول الإسرائيلي أن يختبر مدى قوّة العرب والمسلمين، فأقدم على حرق المسجد الأقصى، فلم يتجاوز ردّ العربيّ والإسلاميّ الرّسميّين أمام هول تلك الجريمة البشعة إلاّ إصدار بيانات الشّجب والإدانة والاستنكار وتأسيس لجنة القدس التي لم تجتمع يوما. هذا ما أثلج صدر الإسرائيلي فعبّرت جولدا مائير حينها عن سعادتها بتلك الرّدود البائسة.

 لقد كان الموقف العربيّ إشارة خضراء للإسرائيلي أنّ العرب والمسلمين في حالة كارثيّة من الضّعف والوهن والهوان، ولم تخف جولدا مائير أنّ العرب إذا كان هذا هو ردّ فعلهم على حرق المسجد الأقصى، فإنّ \"إسرائيل\" تستطيع أن تفعل ما تريد، وأن ترتكب من المحارق ما تشاء. فإذا تقرّر أنّ العدوّ يخطّط على أساس قوّة ردّ الفعل أو ضعفه، فإنّ جرائم الاعتداء على عقائد الإسلام التي يقودها المتطرّفون في العالم هذه الأيّام لتندرج ضمن نفس المخطّط: الاختبار لفعل ما هو أخطر!!!

إنّ هذه القوى المتطرّفة التي تقود العالم اليوم خاصّة في عهد بوش الإبن والتّحالف الكوني حول عقيدة محاربة \"الإرهاب\"، ارتأت أنّ تحقيق مصالحها لا بدّ أن تعبر بصدام الحضارات، وإنّ هذه الرّسوم وإهانة المصحف ـ في الحقيقة ـ تريد أن تجسّ بهما نبض الأمّة وتراقب درجة حرارة ردود فعلها من أجل تحقيق الخطر الأعظم الدّاهم وهو إسقاط الأقصى وبناء الهيكل المزعوم؟ إنّ الإسرائيلي يعتقد أنّه ـ وهو اليوم في زمن علوّه ـ أنّه سيحكم العالم الذي سيعتنق اليهوديّة طوعا أو كرها، ومن ثمّ فهو يهيّئ مجتمعه من أجل استقبال ما يسمّى بالمنقذ اليهودي\"بن ديفيد\"عبر السّعى لهدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم استقبالاً لهذا المنقذ.

ولذلك يشرف الإسرائيلي ـ من جهة ـ عن شبكة أنفاق وحفريّات يقوم بها أسفل وفي المحيط الملاصق للمسجد الأقصى المبارك، كما يعدّ ـ من جهة أخرى ـ تهيئة الإسرائيليّ وتحريضه لتحقيق هذه الجريمة الكبرى والتّرويج لها، إذ يتحدّث الإعلام الإسرائيلي الرّسمي المكتوب والمرئي والمسموع مراراً وتكرارا، منذ 1948 عن سيناريوهات إسقاط المسجد الأقصى المبارك وهدمه. ويعدّ هذا من باب تهيئة المناخ لتحقيق ذلك عمليّا، ممّا يتيح للحكومة الإسرائيليّة عند وقوع الواقعة أن تبرّئ ساحاتها من تبعاته وأن تظهر بمظهر\"الحريص\" الذي حذّر سلفاً من مغبَّة مثل هذه الأعمال.

 لقد هيّأ \"الإسرائيليّ\" المحتلّ، الأرض للاعتداء على القدس كلّها وعلى الأقصى المبارك خاصّة بزرع مناخ الكراهيّة والعداء والعنصريّة واحتضن الجماعات التي تسعى إلى هدمه وبناء ما يُسمّى\"الهيكل الثّالث\" مكانه، وفي مقدّمتها جماعة \"أمناء جبل الهيكل\" ودعّمها سياسيّا وماليّا وأمنيّا بشكل مباشر1 ولا أدلّ على ذلك من أنّ ما يسمّى بالجيش الإسرائيلي وسلاح الطّيران تبنّى أخيرا مشروع تجنيد ما يسمّى\"بالحريديم\" اليهود المتديّنين المتطرّفين من أجل الالتحاق بسلاح الطّيران وذلك لأوّل مرّة منذ 1948 ـ تاريخ احتلال فلسطين ـ وهو ما يبيّن أنّ تلك المؤسّسة تفتح الباب على مصراعيه أمام المتطرّفين لكي يقوم أحدهم بتنفيذ السّيناريو المفضّل لدى المؤسّسة الإسرائيليّة وهو القذف الصّاروخي.

إنّ الأخطار التي تهدّد المسجد الأقصى المبارك وغيره من المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة ليست وليدة اليوم بل برزت مع بدايات الاستيطان الصّهيوني على أرض فلسطين وتعدّ هذه الأخطار من ثوابت سياسة حكم الإسرائيليّ وازدادت وتيرتها وحدّتها بعد استكمال الاحتلال الصّهيوني للقدس في عام 1967، كما تعزّز بتلك الزّيارة الاستفزازيّة التي قام بها شارون للمسجد الأقصى المبارك سنة 2000...

إنّ الأقصى المبارك في خطر طالما أنّه تحت \"رحمة\" المحتلّ، وإنّ الأخطار تزداد عليه يوما بعد يوم، و الحفريّات متواصلة ومستمرّة منذ أربعين عاما رغم صدور قرار من\"الجمعيّة العامة لهيئة الأمم\" الصّادر سنة 1981 والذي طالب فيه حكومة\"إسرائيل\" بأن تكفّ فورا عن جميع أعمال الحفر وتغيير المعالم في القدس.

إنّ سلطات الاحتلال هناك تعمل ليل نهار وتسابق الظّروف المحلّيّة والدّوليّة طامعة بفرض مشروعها الاحتلالي بتهويد القدس، وإنّ أطماع إسرائيل الدّينيّة في المسجد الأقصى والقدس وبيت لحم والمقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة على السّواء لم تعد خافية على أحد، خاصّة في ظلّ حكم نخبة إسرائيليّة و أمريكيّة متطرّفة مستغرقة في التّراثيّة الدّينيّة اليهوديّة ولذلك سمح الإسرائيليّ والأمريكيّ ـ كما أسلفت ـ بتأسيس منظّمات كأمناء جبل الهيكل وغيرها، وانطلقوا في تفريغ العرب والمسلمين وإخراجهم منها ومصادرة هويّة أهلها الشّرعيّين والتّضييق عليهم في الشّغل ونشر المخدّرات والدّعارة بين العرب والمسلمين ويمنعون الشّباب من أداء الصّلاة في الأقصى، وشرعوا في بناء المستوطنات حتّى بعد تعهّد الإسرائيلي بعدم البناء، فبعد مؤتمر أنا بولس مباشرة قرّر المفاوض الإسرائيلي بناء 7500 بناء وحدة سكنيّة جديدة في القدس، كما يشكّل الجدار العنصريّ الفاصل أحد أخطر الوسائل في خنق المدينة المقدّسة وطرد سكّانها حيث بات نحو 125 ألفا من أبناء القدس يقيمون خارج الجدار الذي تخطّط\"إسرائيل\" على جعله حدودا لها، وبالتّالي حرمانهم من مواطنتهم في القدس وحتّى الدّخول لها، سعيا إلى خفض نسبة الوجود العربي في القدس وجعل المدينة ذات أغلبية يهوديّة من أجل إسقاط إمكانية الحديث والمطالبة الفلسطينيّة بالقدس وفقا لرؤية ومخطّطات الإسرائيليّ.

إنّ هذا التّوجّه الإسرائيليّ بدأ يبرز أكثر فأكثر هذه الأيّام في ظلّ الثّالوث الحاكم في\"إسرائيل\": اليمين السّياسيّ المتطرّف بقيادة شارون ومن خلفه، والجيش المحتلّ، و المؤسّسة الدّينيّة القويّة والمتحالفة مع اليمين المسيحيّ المحافظ الذي يسيطر الآن على الإدارة الأمريكيّة ويشكّل السّياسة الأمريكيّة، تلك المؤسّسة الّتي تشكّل ذهنيّة الشّباب اليهود، وتعدّه عقائديّا لإقامة \"هيكل\" سليمان على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

 لقد اختار المجتمع الإسرائيلي قيادة أكثر دمويّة يوم اختار شارون ومن معه وبأغلبيّة ساحقة، ممّا يُشير إلى أنّ كلّ شعوب الغرب بكلّيتها تختار في كلّ مكان بعد الحرب الكونيّة على \"الإرهاب\" كلّ من يعد بالأمن الاجتماعي لشعبه، وكلّ من يحمل على عاتقه تنفيذ مجمل أحلام الحرب المقدّسة التي يقودها بوش ومن والاه.

حكاّم العرب والمسلمين هم المسؤولون عن إهانة الأمّة ومقدّساتها: إنّ هذه الحملات العنصريّة المسعورة التي يخطّط لها وتنفّذ في الغرب زادت في تعرية الأنظمة العربيّة التي لم تفلح في تحرير شبر من أرض فلسطين وإنّ منظمة المؤتمر الإسلامي الذي أفرز لجنة المسجد الأقصى بعد حرقه منذ عام 1969 لم تجتمع منذ تأسيسها، لقد ساهمت هذه الحملات في الطّعن في مصداقيّة هذه الأنظمة وتعريتها وإسقاط شرعيّتها، وإنّ مؤتمر القمّة العربيّة الأخير الذي انعقد في دمشق عجز أن يدافع عن عقائد الأمّة بكلّ جرأة ووضوح. لقد تخلّى النّظام العربيّ الرّسميّ عن قضية فلسطين بالكلّيّة بل أصبح يشارك في حصار الشّعب الفلسطينيّ ويجوّعه ويقتله بالوكالة عن الإسرائيلي، ولا تسأل عن عمل السّلطة الفلسطينيّة \"البطولي الفحولي الشّجاع\"، لقد تجاهلت قضيّة القدس، وتركتها لـ\"إسرائيل\" لتنفّذ فيها مخطّط التّهويد والحفر والتّخريب والتّدمير، حيث أنّها تركت التّفاوض عن القدس وما حولها وجعلتها ضمن مراحل تفاوض الحلّ النّهائيّ، كما صارت هذه السّلطة تدافع عن\"إسرائيل\" بمحاولة استئصال تيّار المقاومة الذي يكافح لتحرير فلسطين حتّى أنّها أصدرت قانونا للانتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة يحرم أيّ فلسطيني من التّرشّح للانتخابات طالما أنّه لا يعترف بالاتّفاقيات التي أبرمتها السّلطة مع \"إسرائيل\"، وهذا يعني أنّ من لا يعترف بـ\"إسرائيل\" لا يمكن طبقاً لهذا القانون أن يمارس حقّه في التّرشّح، فهذا الحقّ أصبح مرتبطاً برضاء \"إسرائيل\" والاعتراف باحتلالها لأرض فلسطين، ولذلك لا تعجب كيف صارت تحارب من أجل \"تحرير\" غزّة من سيطرة حماس وتتكابر على اللّقاء مع حماس في حين أنّها تلهث من أجل لقاء قتلة الفلسطينيّين ومرتكبي محرقة غزّة، وتركض وراء الأمريكيّ المحتلّ من أجل اللّقاء به. لقد نسيت سلطة عبّاس تماماً قضيّة تحرير فلسطين واكتفت بمحاولات استئصال حركة حماس. إنّ النّظام العربيّ والإسلامي الرّسميّين لا يعرفان قيمة القدس التي هي أرض وقف

لكلّ المسلمين بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجّهاتهم، وأنّ المسجد الأقصى هي الأرض المباركة وهي أرض الإسراء ومجمع الأنبياء والنّبوّات والرّباط وأرض المحشر والمنشر وعاصمة الطّائفة المنصورة، وفيها أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشّريفين. إنّ النّظام العربيّ والإسلامي الرّسميّين لا يفهمان ولا يستوعبان أنّ كلّ مسلم يعيش معذّب الضّمير طالما ظلّ هذا المسجد تحت الاحتلال \"الإسرائيلي\"، وهذا المسجد ليس حجرا بل هو هويّة الأمّة وأصالتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها وهو مركز وأساس المعركة بين \"إسرائيل\" والأمّة الإسلاميّة، وأنّ التّفريط في آية الأقصى التي هي في الكتاب هو تفريط في كلّ الكتاب\"أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ\"2 إنّ العربيّ والمسلم الرّسميّين استسلما تحت مسمّى السّلام واعترفا بسيادة الإسرائيليّ، وصمتا وتجاهلا أمام كل المخطّطات الّتي تستهدف إسقاط الأقصى... لقد باعوا فلسطين وفرّطوا في القدس مقابل عدم قطع رؤوسهم كما فعل بصدّام، وسمحوا لأنفسهم بمعونات الأمريكيّ ودعم غير محدود لكسر إرادة الشّعب العربيّ والمسلم.

لقد فقد النّظام العربيّ والإسلاميّ استقلاله وشلّت إرادته وصار كالدّمية يحرّكها الأمريكيّ والإسرائيليّ كما يريدان، وفرض عليه أن ينخرط في كلّ حملة ينفرد التّقرير فيها الأمريكي والإسرائيلي. إنّ حكّام العرب والمسلمين يخافون من كلّ شيء لأنّهم لا يخافون اللّه عزّ وجلّ، وهم أخوف ما يخافونه صنمهم الأمريكيّ الذي ظلّوا عليه عاكفين رغم أنّ اللّه عزّ وجلّ مرّغ وجهه في الطّين، وأذلّه على رؤوس العالمين، ومع ذلك لا زالوا له عابدين، بل يقاومون كلّ من يرفض ألوهيّته.

 إنّه لا مناص لهؤلاء الحكّام إن أرادوا أن يكونوا فلا بدّ أن يفرّوا إلى ربّهم ويتصالحوا مع دينهم حقيقة لا شعارا وأن يوالوا شعوبهم واقعا لا مزايدة من أجل تجسيد الوحدة الوطنيّة و تحقيق آمال شعوبنا في التّحرّر والخلافة و الكرامة والسّيادة. الغرس الإلاهيّ الجديد ليعلم حكاّم العرب والمسلمين أنّ الصّهيونيّة عملت على إخفاء حقيقة الصّراع الدّيني فترة من الزّمن من اجل إقناع العالم العربيّ بعلمانيّة الصّراع وضرورة إبعاد الدّين ومحاربة التّيّار الإسلاميّ وقمعه، بذرائع كاذبة لسبب بسيط وهو أن لا تواجه\"إسرائيل\" المتديّنة بدين يقابلها، وحتّى لا يقابل حديدها الباطل بحديد الحقّ، لذلك استحدث هؤلاء العلمانيّة كمنهج سياسيّ واجتماعيّ كقناع يحفظ دينهم من غزّة الإسلام وقوّة منهجه، ولكي ينهش أهل الإسلام بعضهم بعضا حتّى يأتي الوقت الذي يحقّق فيها هؤلاء مآربهم التي لم تعد خافية على أحد.

إنّه ـ ومع الأسف الشّديد ـ في الوقت الذي يريد فيه حكّام العرب والمسلمين أن يتحكّموا في الإسلام ويخضعوه لأهوائهم ومصالحهم ويغلقون المدارس الدّينيّة و يتدخّلون في مناهجها، تقوم \"إسرائيل\" برعاية هذه المدارس وتخصيص الميزانيّات اللاّزمة والضّخمة لها. وإنّه في الوقت الذي يقوم فيه حكّام العرب والمسلمين بسدّ المؤسّسات الخيريّة من مثل مؤسّسات الصّدقات والزّكاة والإغاثة والاستشفاء، تقوم إسرائيل بتنمية هذا الجانب الدّيني داخل المجتمع الإسرائيلي.

 و إنّه في الوقت الذي يورّط الغرب حكّام العرب والمسلمين و يحرّضهم على محاربة الدّين والمتديّنين، تقوم \"إسرائيل\" بالتّودّد لجماعاتها التّلموديّة وأحزابها الدّينيّة وتقريبها من مراكز التّأثير والقرار والحكم، حتّى أصبحت من القوّة إلى درجة أنّها الرّقم الصّعب الذي يملي شروطه على السّياسة والسّياسيّين الإسرائيليّين العلمانيّين.

إنّه لا بدّ أن يفقه الحكّام أنّ الاستغراق الإسرائيليّ في الحالة الدّينيّة يعدّ مبرّرا مشروعا لبروز التّيّار الإسلاميّ كرائد لحماية الأمّة وقيادة معركة التّحرير والاستقلال واستعادة الحقوق، وأنّ هذا التّيّار ليس هو مجرّد ردّ فعل، وإنّما يشهد له التّاريخ أنّه هو الذي شكّل حماية هويّة المسلمين ووجودهم، والحفاظ على أراضيهم منذ جاء الإسلام العظيم، وأنّ هذا التّيّار قبل ذلك هو جذوة جبليّة فطريّة طبعت في عمق كينونة الذّات العربية والإسلاميّة وعمرت بها أنفس مليار ونصف من المسلمين يغرسها اللّه عزّ وجلّ لنصرة دينه، هذا هو الوعد الرّبّاني الصّادق الذي بدأنا نرى بشائره. إنّ هذا الدّين ـ لما فيه من جذوة الإيمان الفعّال ـ كان ولا يزال أصلا في تحريك الجماهير العربيّة والمسلمة وتصليبها من اجل انتصار قضاياها وأهمّها تحقيق التّوحيد الشّامل عبر تحرير أرضنا من الاستكبار المحلّي والإقليميّ والدّولي واستعادة الحقوق المشروعة التي اغتصبت منّا منذ زمان طويل. لا أريد من خلال هذا المقال تجييش المسلمين ـ وإن كان هذا حقّا مشروعا ـ ولكنّي أعرض واقعا مرّا وأشخّص حالا مرضيّا، منبّها إلى خطورة هذه الهجومات وأنّها تندرج ضمن الحرب الصّليبية \"المقدّسة\".

إنّي أهدف ـ من خلال هذه الصّيحة ـ تبصير الأمّة وتنبيهها إلى ما يحاك ضدّها من مؤامرات كبرى، وإلى إحياء ذاكرة الأمّة والوقوف والتّصدّي لمشاريع إرادة محو هويّتها ووجودها، وقد همّت أنظمة فاسدة لتخريب وعينا بفسخ ذاكرتنا، كما همّ الإمبراطور بتخريب وعينا واغتصاب أرضنا. إنّي أهدف إلى دعوة جميع المسلمين والعرب وخاصّة علماؤها وحكّامها وأصحاب الثّروة والإعلام لتحمّل مسؤوليّاتهم والتّفكير الجادّ في أساليب التّصدّي للأخطار المحتملة القادمة وأعظمها إسقاط المسجد الأقصى المبارك.

إنّي على يقين أنّ هذه الأمّة قد استفاقت من غفلتها، ولم يبق إلاّ الحكّام في سكرتهم، وأنّ هذه الإساءات التي تقع اليوم ستكون بمثل الصّدمات لاستعادة الوعي والمنبّهات لتحمل الأمّة الأمانة وقيادة الدّنيا من جديد…

 إنّ أمّتنا لا زالت تختزن براكين عظيمة للغضب الواعي وأنّ هذه الاعتداءات المتكرّرة قمينة لبداية الانفجار المدروس وإنّي على ثقة كبيرة في ربّي أنّه غرس جيلا سيكون ردّ فعله يفوق كلّ التّوقّعات.

 إن أيّ عدوان على المسجد الأقصى المبارك سيكون بداية انتفاضة عربيّة إسلاميّة شاملة وعارمة تغيّر كلّ الأوضاع، وبشائر ذلك بدت واضحة لكلّ ذي عينين وأعظمها عجز الإسرائيليّ عن كسر إرادة الفلسطينيّ، و عجز الأمريكيّ وحلفاؤه أن يحقّقوا أهدافهم في أفغانستان والصّومال والعراق ولبنان. لقد اشغل هؤلاء الحكّام شعوبنا بقضايا المعاش الدّاخلية ورغيف الخبز ودكتاتوريّة البوليس فكان السّبب الأكبر لعدم تحرّك المسلمين لنجدة الأقصى أوّل مرّة، ولكنّه اليوم ورغم إغراقه في البحث عن الخلاص الفرديّ، فلن يترك ملفّ الأقصى بأيدي حكّام غرّروا بهم أوّل مرّة، وخدّروهم بزعمهم أنّهم سيرمون ب\"إسرائيل\" في البحر وأنّهم سيحرّرون كلّ فلسطين، وهم لم يفعلوا شيئا لجريمة حرق المسجد الأقصى المبارك، فماذا عساهم أن يفعلوا اليوم وهم مشغولون بقتال شعوبهم في حرب عبثيّة مذلّة خاسرة.

 إنّه قطعا ستكون ردودهم أضعف ممّا صدر سنة 1929 لاستسلامهم الكامل بين أيدي مذبح الأمريكي والإسرائيلي، حتّى صارت مهمّتهم المركزيّة إرضاء أمريكا بحماية مصالح \"إسرائيل\" وأمنها بسحق شعوبهم، وقهرهم. لقد فقدت أمّتنا الثّقة في حكّام العرب والمسلمين ليتحمّلوا عنهم نجدة الأقصى. وإنّ شعوبنا المقدّرة بمليار ونصف لن تفرّط في القدس مهما كانت التّحدّيات وستكون إن حصلت الكارثة هي القطرة الأخيرة التي تفيض الكأس\"لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 3 عن أبي عنبة الخولاني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته\"4 2 / 4 / 2004

* المشرف العام على موقع تونس المسلمة

ــــــــــــــــــــــــ

1ـ انظر تقرير \"مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل\"- كيشيف، يناير 2001 ..

2 ـ 85 سورة البقرة

 3 ـ  4 و5 سورة الرّوم

 4 ـ أخرجه ابن ماجه بسند جيّد في كتاب المقدّمة برقم8.


الكاتب: خميس بن علي الماجري
التاريخ: 11/04/2008