الجهاد والإرهاب وعقوق السلطة ( 1-3 )

 

 الجهاد والإرهاب وعقوق السلطة ( 1-3 )

 بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين قال تعالى \" أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) \" الزخرف ان إصابة السلطة بمرض ( الطغيان والهوان ) يؤدي إلى إصابة المجتمع بنفس الأمراض – إلا من رحم الله وهداه وعافاه - , ولما غاب الحل والعلاج لتلك الأمراض اتجه بعض الشباب المسلم المتحمس ( لعلاج مرض الطغيان والهوان بالطغيان ) , ويحدث ذلك عندما تعرض - السلطة المصابة بمرض الطغيان والهوان - عن العلاج ولا تعترف بإصابتها بتلك الأمراض التي تشكل خطرا على المجتمع وتهدد أمنه وسلمه كما يهدد أمن وسلامة الآخرين , ( فمن زرع الطغيان لا يحصد إلا الطغيان ) , وماذا ينتظر الطغاة غير ذلك ؟ ! . لقد عقـقته قبل أن يعقـك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك *. وعقوق السلطة للفرد المسلم يحدث عندما يعطل العمل بالمنهج ويُغَيَبْ الإيمان بالله جل شانه من حياة الناس ويصبح الإيمان مسألة فردية بين العبد وربه ويغيب الإحساس بالمسئولية أمام الله جل قدره فتنحدر السلطة من منزلة ( الوسطية ) التي تعتبر الحالة والمنزلة العليا للإنسان المؤمن وللأمة المؤمنة بالله سبحانه وتعالى , وهي مظهر الصحة الذي يضمن سلامة الإنسان ويحفظه من الوقوع بين براثن مرض الطغيان ومرض الهوان وفي المنازل الدنيا , \" وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... (143) \" البقرة . وعقوق السلطة المصابة بمرض الطغيان يتمثل في تجاوز الحدود والاعتداء على حقوق وأشياء الأفراد وجحدها وبخسها والعبث بمقدراتهم وسلب إراداتهم وتكبيلهم أمام أعدائهم والانحدار بالضعفاء منهم إلى الحالة الثانية من المرض وهي مرض الهوان والسكوت على استباحة الطغاة لحرماتهم ومنعهم حقوقهم وضرورات حياتهم الإنسانية , وعلى رأس تلك الحقوق تعريف الإنسان بإنسانيته وبحقيقة بيان ربه وخالقه , \" وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) هود . \" وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ \" , أي لا تبخسوا الناس حقوقهم وحجاتهم وضرورات حياتهم الإنسانية , وعلى رأس الحقوق وأولها , حق العلم والمعرفة , علم ومعرفة حقيقة البيان الرباني , حقيقة بيان خالق الخلق وربهم الذي إليه مآلهم , حق معرفة الله جل قدره , وهو حق مقرون بحق الله بالعبودية الخالصة , لذلك هو رأس الحقوق الواجبة الأداء وأولها , ونيله يترتب عليه تحصيل باقي الحقوق , ولا يفصل حق العلم والمعرفة عن حق الله بالعبودية الخالصة إلا من فقد أول مراتب الإدراك وهو الإدراك الحسي فلا طمع في أن يعلم ولا طمع في أن يعقـل , ولا يفعل ذلك إلا جاهل يحرس الجهل بجهله ويقـنن الظلم , ومن لا يعرف الله لا يخشاه ومن لا يخشى الله لا يعرفه , والعلم الخشية. \"..إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) \" فاطر. فمن يوصف ( بالإرهابي ) هو في الحقيقة فرد حرم من حقوقه وأشيائه وحاجاته وضرورات حياته الإنسانية ومن أمنه الفكري ووجد نفسه أمام سلطة ظالمة مصابة بمرض الطغيان والهوان لا تقيم له وزنا , فهي من جانب , تمارس الطغيان على أفراد المجتمع المسلم داخليا وتستأسد عليهم , ومن جانب آخر , تعيش حالة الذل والهوان أمام أعداء الأمة والطغيان العالمي وتصبح أمامهم مطية مطيعة وفية تحبهم كمال المحبة وتطيعهم كمال الطاعة وكما يحب المؤمن ربه وخالقه , وسبحان من قسم العقول والأحلام , وفي نفس الوقت تجعل المجتمع المسلم يعيش في حالة الذل والهوان أمام أعدائه والطغيان العالمي وهو يملك من المقدرات والقدرات ما يجعله في مقدمة المجتمعات وما يجعل الآخرين أتباعا وليس متبوعين لأن المسلمين بين أيديهم ما يبحث عنه الآخرين وما يكمل لهم المعلومات والمعارف الناقصة , وهي تكبل المجتمع وتحرمه من الارتقاء من حالة الهوان والذلة إلى حالة القوة والعزة التي أرادها الله للمؤمنين , كما أن مرض الطغيان يصيب أيضا بعض أفراد المجتمع بعد ما تنحدر الحالة من الأعلى إلى الأسفل , حيث يصبح كبار الطغاة قدوة لصغار الطغاة في المجتمع ومثلهم الأعلى وبعد ما غيبت السلطة الفاسدة عن الأفئدة والعقول المثل الأعلى . فبانسداد الأفق أمام المجتمع والفرد المسلم وإعراض السلطة عن ممارسة تطبيقات عقيدة التوحيد في المجتمع وتطبيقات الجهاد بمظاهره الثلاث – التربوي والتنظيمي والعسكري – وغياب ذلك من إستراتيجية الدولة ومن حياة المسلمين , عوضا عن ظهور وبروز مرض طغيان السلطة داخليا وظهور مرض الذل والهوان عليها أمام أعداء الأمة وجعل الأمة تصاب بهذا المرض شكل ذلك ضغطا نفسيا شديدا على بعض الشباب المسلم المتحمس الذي يرفض الاستسلام للطغاة ويرفض العيش في حالة الذل والهوان وهو لم يجد بدا من الثورة والانفجار ومواجهة الطغيان بالطغيان ومواجهة السلطة العاقة بالعقوق والإساءة بالإساءة وهو يرفض كمال المحبة وكمال الطاعة لأعداء الله والإنسانية . وبناء على ما تقدم نجد بأن الحل سيكون بعودة السلطة - التي أفسدت الأحوال والعقول – بعد التوبة النصوح إلى حظيرة الإيمان بالله وما يقتضيه هذا الإيمان من أعمال وتطبيقات , واستحضار الإحساس بالمسئولية أمام الله جل قدره لكي ترتقي من منزلة وحالة ( الطغيان والهوان ) إلى منزلة ( الوسطية ) التي تعتبر الحالة والمنزلة العليا للإنسان أو للمجتمع المؤمن , فبذلك الارتقاء سترتقي بمن عقتهم وأساءت إليهم وجعلت منهم ( الإرهابيين ) بخلاياهم المستيقظة والنائمة إلى المنزلة التي أرادها الله جل شأنه لعباده والتي سيجدون بها يقظتهم ووعيهم وعزتهم وكرامتهم وقيمتهم وإنسانيتهم وصلاح أحوالهم وسلامة فكرهم واستقامة منهجهم , والتي سيتعرفون بها على مهمتهم ودورهم في الحياة . إن سلطة القهر والغلبة لها مفاهيم خاصة لكثير من القضايا والمسائل , فعلى سبيل المثال , هي لا ترى بأنها يجب أن تتعامل مع المنهج بجميع أجزائه على أساس انه منهج يكمل بعضه بعضا وأي اجتزاء أو اقتطاع من أجزائه الحيوية أو أي تلاعب وحيل سينعكس أثره عليها وعلى أحوال المجتمع , فالعقلية الثعلبية الماكرة قد تنفع صاحبها في ممارسة الحيل في بعض المجالات والأحوال , وقد تكون تلك العقلية الماكرة عقلية مطلوبة للتعامل مع بعض الإشكالات وبعض الجهات المعادية , ولكن التعامل مع المنهج ومنزل المنهج بعقلية ثعلبية ماكرة ( أعوذ بالله .. مصيبة .. كارثة ) فذلك له نتائج وخيمة لا يحمد عقباها ( على العقـل ) الذي أستعمله صاحبه في ممارسة الحيل والخداع والدجل والمكر وباسم السياسة ضد المنهج ومنزله جل قدره والمجتمع بدلا من استخدامه وتوجيهه للجهة التي أمر بها الخالق ونحو القراءة والبحث في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس , ومن تعامل مع المنهج وآيات الله بعقلية ثعلبية ماكرة عليه أن يراجع نفسه ويفحص سلامة عقله بعد عرضه على الميزان والمقياس الأصيل والصحيح الذي أنزله خالق الخلق وخالق الإنسان وخالق القلب والعقل لكي يقيس به سلامة عقله ووعيه وإدراكه , وبلا شك وبحسب القوانين والسنن التي لا تستثني أحدا والتي لا تتبدل ولا تتحول- \" فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا \" - سيصيبه شيء ما في عقله حيث سيفقد أدنى مراتب الإدراك وهو الإدراك الحسي ما لم يكف عن عبثه واستخفافه بالله جل قدره وبمنهجه وبآياته البينات , فحكم الله جل قدره لا ينتهي بحكم حاكم متمرد على الخالق جل قدره ولن تخرج الأمور من نطاق سيطرة المسيطر العزيز الجبار القاهر فوق عباده , ولن يفلت زمام الأمور من يد الخالق بطغيان حاكم يستخف بالمنهج الذي لا يعقل العقل ولا ينير الفكر ولا تصلح أحوال الدنيا والآخرة إلا به , والقوانين الوضعية لا تعطل القوانين الربانية والسنن الجارية التي أتقن وضعها وصنعها أحكم الحاكمين جل شأنه .\" أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) \" التين . بلى , وأنا على ذلك من الشاهدين وكذلك كل المؤمنات والمؤمنين . أحكم الحاكمين : أي أتقن الحاكمين صنعا في كل ما خلق . وقيل : \" بأحكم الحاكمين \" قضاء بالحق , وعدلا بين الخلق , وكان ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما إذا قرأ : \" أليس الله بأحكم الحاكمين \" قالا : بلى , وأنا على ذلك من الشاهدين . والله أعلم . تفسير القرطبي . قال تعالى \" قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) \" الرعد . فيا علماء وعمال سلطة الظلم ودولة الباطل ومثقفيها ومفكريها وكتابها , اتقوا الله بأنفسكم وبخلقه وأكرموا عقولكم بنور ربكم وخالكم لكي ترتقوا من العالم الفكري للمغضوب عليهم والضالين – عالم ما دون الدواب - إلى عالم المؤمنين الذين أنعم الله عليهم وأكرمهم بنوره , \" إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الأنفال , فالمسألة ليست مسألة [ خذوهم بالصوت لا يغلبوكم , إرهابيين .. إرهابيين .. إرهابيين .. ] ولا هي مسألة [ قولك كلمتين وخذلك قرشين وروح نام قرير العين ] , وفي الحقيقة ( من تولوا أمور المسلمين وعقوهم وأساءوا إليهم , مجرمين .. مجرمين .. مجرمين ) وهم أبعد ما يكونون عن الحكمة ومن يقول غير ذلك يخدعهم ويوهمهم ويضللهم عن الحق ولا ينصح لهم , فهو إما جاهل لا يعرف ولا يدرك الأشياء على حقيقتها – أي يعلم خلاف الواقع – أو هو متطفل يريد أن يقتات بجهله وبنفاقه , فمن تولى أمور المسلمين إن لم يستوعبها في الدنيا سيستوعبها يوم الحساب يوم لا يوجد حوله جهلة ومتطفلين ومنافقين ومزورين وأفاقين وكذابين ومصطادي الدنيا بالدين , \" يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَىٰ (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ (18) المعارج . فهناك مسؤولية تقع على عاتق من تولى أمور المسلمين ولم يراعي حقوقهم وأشيائهم وحاجاتهم الفكرية والروحية والنفسية والمادية وضرورات حياتهم الإنسانية , كما أن هناك عقوبات فورية عاجلة في الحياة الدنيا غير محسة لمن يعاقب بها , فهي تطال عقول الظلمة وأعوانهم وأتباعهم وأنصارهم وعشاقهم ومحبيهم ومن هاموا في هواهم والساكتين عن ظلمهم وعلى رأسها افتقادهم لأول مراتب الإدراك وهو الحس فلا طمع في أن يعلموا ولا طمع في أن يعقلوا , \" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال , فتنة : عرف اللغويون الفتنة بأنها الابتلاء أو الامتحان المضل عن الحق المذهب للعقل , وإذا كان الله سبحانه تعالى يستدرج المجرمين الذين أجرموا بحق خلقه وعباده ومنهجه فلا تتبعهم ولو عرضت عليك كنوز الأرض ووعدت بكنوز الكواكب الأخرى والمجرات , فهي لا تساوي بصيص من نور الله في الدنيا ولا نفحة من نفحاته الطيبة الزكية وهي لا تساوي موطئ قدم في الجنة ولا لحظة نظرة من نظرات الرضى والمحبة من الله جل قدره , فاتقوا الله يا عباد الله . فيا قوم أعقلوا المسألة وتدبروا الذكر الحكيم , قال تعالى \" إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) \" الكهف ، عن ابن عمر قال‏ :‏ تلا رسول الله صلى الله علية وسلم هذه الآية \" لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً‏ \" ْفقلت‏ :‏ ما معنى ذلك يا رسول الله ‏؟‏ قال‏ :‏ ‏\"‏ ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله‏ \" . فمن يفشل في سنة الابتلاء سيكون عمله وسعيه هباء منثورا . ونعوذ بالله من سوء الخاتمة . قال تعالى \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71 ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)\" الأحزاب . أخي القارئ الكريم لا تستغرب من عدم شعور الطغاة وأتباعهم بعظم جرمهم وبحجم الكارثة , ولا تستغرب من عدم إحساسهم بعمق المسألة , فعدم الشعور وافتقادهم لأول مراتب الإدراك وهو الحس أمر يتلازم مع المستدرج من الله , قال تعالى \" فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) القلم . فعندما تسمع ردودهم ومبرراتهم إنما هي حيل تحتال بها أنفسهم الأمارة بالسوء بالتعاون وبالتحالف مع شياطينهم - التي وجدت الطريق سالكا إليهم - على أنفسهم اللوامة لكي يلجموها , ومن لم تعز عليه نفسه لم تعز عليه الرعية فهو سيلجمها وسيكبلها أيضا , ومن سابع المستحيلات أن تصل أنفسهم إلى حالة الاطمئنان النفسي , وما يجدونه في أنفسهم من اطمئنان – هذا إن وجد - فهو بلا شك مكر من الله لا يشعرون به وهو اطمئنان خادع يستدرج به كل مخادع , قال تعالى \" يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة , ( بينا أن عاقبة خداعهم إنما تعود عليهم لأن المخادع يخفي , وإخفائهم معلوم لله وإخفاء الله عليهم لا يمكن أن يكون معلوما لهم , إذن فالقوى في الخداع غير متكافئة ) خواطر الشعراوي . ويجب أن تعي جيدا بأن الخالق الذي خلق ( كل شيء ) ومنها الشعور , إذا قال جل قدره لا يشعرون , كن على يقين تام وثقة بالله لا يشوبه أي شك بأنهم لا يشعرون , أي فقدوا أدنى مراتب الإدراك وهو الشعور بعد ما سحبه الله منهم , فمن سحب وعطل خاصية السكين التي أراد سيدنا إبراهيم ذبح ابنه - سيدنا إسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - بها , ومن سحب وعطل خاصية النار التي ألقي بها سيدنا إبراهيم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - قادر على سحب وتعطيل أي شيء وأي قانون يحكم الأشياء , فهو جل شأنه على كل شيء قدير وقدرته سبحانه وتعالى قدرة مطلقة , قال تعالى \" وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) النمل \" , ولن ينتبه لنفسه ولن يدرك مكر الله وعقوبته الدنيوية الشديدة إلا من وجد الله في قلبه الصدق والإيمان ومن أناب وتاب وأصلح عمله وتدارس دينه بعد ما يتجرد من الأهواء , وهي ردود تفوت على البسطاء من الناس ومن في قلبوهم مرض ومحبي المناصب والثروة , فالصنميات التي تسكن قلوبهم وعقولهم والأهواء الفاسدة تحرمهم من الإدراك , ووقوع علمائهم في أسر الصنميات وأهواء الطغاة يجعلهم يبتعدون عن حب الله وعن معرفة مراده جل قدره وهي معرفة لا تتحقق إلا بالتجرد من الأهواء والتحرر من الرق النفسي والأسر والشرك , أي هي لا تتحقق إلا للعالم الحر الذي لم يجعل في قلبه خليطا من الأهواء والمتحرر من الرق النفسي والأسر والشرك , ونسأل الله المعافاة والعافية في الدنيا والآخرة . قال تعالى \" وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) , الأنعام * جاء رجل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى ، قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ، ويحسن أسمه ، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن ) ، قال الولد : يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء ) ، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً . فالتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت إلي تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك . فيا سلطات القهر والغلبة لقد عققتموهم قبل أن يعقوكم وأسأتم إليهم وإلى الناس قبل أن يسيئوا إليكم , و ياعالم السلطة الذي ( قال كلمتين وأخذ له قرشين وراح لينام وهو قرير العين ) تذكر بأن عين الظالم تنام وعين الله جل قدره لا تغفو ولا تنام وهو جل شأنه لا تخفى عليه خافية , وتذكر بأن من تثعلب ومكر وأغمض عينه واستعمى عن الحق في الحياة الدنيا سيحشر أعمى .\" قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ (126) طه . ومن لم يعرف الحق في الحياة الدنيا ولم يتعرف عليه لن يتعرف على ربه الحق يوم يكشف عن ساق ويدعون للسجود في الحياة الآخرة وفي الموقف العظيم , فالأمور ستتشابه عليه في ذلك اليوم كما تشابهت عليه في الحياة الدنيا , ونعوذ بالله من الشبهات . \"يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) القلم . قال تعالى \" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) \"النحل , فالسؤال عن علوم الدين وفي المسائل التي تتعلق بعلوم الحركة أو إدارة شؤون وحركة المجتمع لا يسأل عنها أهل الحيلة والمكر , بل أهل الذكر \" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ \" فهي علوم لا تدرس بمدارس الحكام والسلاطين , فلا تسألوا أهل المكر ولا من عمل عند أهل المكر ودبر لهم الحيل والأمر وتلاعب بالفكر ولا تسألوا الماكرين والمحتالين المتاجرين بمحبة أهل البيت , وأهل المكر مثل علماء السلطة والعلماء الذين يصيدون الدنيا بالدين ويجمعون الأموال من الجهال والغافلين المحبين لأهل البيت , فمثلهم لن يشعر ولن يعلم ولن يعقل , وما لديهم من علم , فهو علم تلقين عن سلسلة علماء الحكام والسلاطين وسلسلة العلماء المتاجرين بمحبة أهل البيت وبالدين , وهو علم يستخدم في إشباع العاطفة الدينية وفي نفس الوقت تحاصر به عقول الرعية والأتباع وهو علم إما يوظف للسلطة الظالمة وإما يستخدم في جني المال الحرام من البسطاء والجهال والغافلين , والعلم هو إدراك أو معرفة الأشياء على حقيقتها , وعالم السلطة الظالمة وحامي حماها وجامع المال الحرام لن يدرك ولن يعرف الأشياء على حقيقتها لأنه ليس أهل لذلك أو هو لم يؤهل نفسه لذلك , فهو لم يسعى لذلك ولم يعمل أصلا لذلك فهو قد هيأ نفسه لكي يحصل على شهادة حتى يتعيش من ورائها ومنصب , وما يملكه من عقل فهو عقل للمعيشة حاله من حال الآخرين لا أكثر ولا أقل , إلا إذا أعتزل التضليل والخداع والدجل والتلاعب والعبث وتاب وأستغفر وأناب وأصلح وحافظ على العهد فأحواله سوف تتبدل وبتوفيق من الله , فقد تتبدل أحواله ليشعر بما كان غائبا عن إدراكه ولكنه قد يجد المصلحة في كتمان الأمر حتى يتمكن من نشر ما تيسر له من الرسالة بواسطة إعلام السلطة , والله أعلم بعذر السكوت عن الحق وعن تبليغ الحقيقة , فالعلم نور يقذفه الله بقلب المؤمن ونور الله لا يهدي لظالم ولمن أعان الظالم على ظلمه , والمسألة لا علاقة لها ( بهذا رجل طيب كبير السن يحفظ على صدره كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ أمهات الكتب وهو حبيب \" خوش \" رجال ) , فالأشياء لها سنن وقوانين تحكمها والطيبة العرفية والحفظ دون عمل لا تعطلها ( فخطر الإشعاع الذري سيطال الخروف الطيب المسالم كما سيطال الذئب الوحش الكاسر إذا ما تحقق وجودهما في نفس المنطقة الموبوءة بالإشعاع ) , فليس المطلوب أن يحفظ العالم النصوص ليسترزق من ورائها ولينال أعلى المناصب وهو لا يعمل بها , بل المطلوب أن يدرك ويفهم النصوص ليعمل بها أولا , فالحركة والعمل بالنص وكما أمر الله ينير القلب والعقل بنور الله , والعكس صحيح , فإذا عمل العالم الطيب المسالم عند الظالم الوحش الكاسر فلن ينجو العالم من العقوبة لأنه لم يعمل بما حفظه وبما علم به , فليس المطلوب أن يلوي أعناق النصوص لكي يكيفها للظالم , فمن فعل ذلك لوي عقله وأنحرف مسار فكره عن الصراط المستقيم \" ... اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) البقرة , ومن عاهد وخشي الله وحافظ على عهده نال عهد الله ووعده للمتقين الذين يتقون التصادم بسنن وقوانين الخلق حتى لو أدى ذلك للتصادم الفكري مع من يكتمون الحق والآيات البينات ويسوقون المسلمين وبجهالة مفرطة للتصادم مع القوانين وسنن الله الجارية , \" قال تعالى \" وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) \" البقرة . وأنا أود أن أركز على مسألة ( التصادم الفكري ) مع المحسوبين على أهل العلم من علماء السلطة , فالحق يصرع الباطل لا محالة \" وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا \", والخائن منهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والذي لا يقوى على المواجهة سيوكل الأمر إلى السلطة الفاسدة التي عادة ما تتجنب المواجهة الفكرية العلنية خوفا من ( اختراق الحصار الفكري ) التي تمارسه على العقول وخوفا من افتضاح أمرها , ( وكما قال - منذ فترة - أحد المسئولين الكبار الذين يوظفون بعض المحسوبين على أهل العلم وبعض الإعلاميين في محاصرة العقول , فالاختراق الفكري لا يتم إلا إذا كان هناك حصار فكري ) فالجهل يفضح صاحبه وعماله , وهي لذلك ستلجأ لأعمال الشيطنة إذا ما وجدت الأفكار التي تطرح أفكار تنير العقول وترتقي بالفهم وتسموا بإدراكات العقل وهي لا تستطيع مواجهتها فكريا , وهي ستلجأ لأعمال الشيطنة لأن بقائها مرهون بغياب الوعي وبتدني مستوى الإدراك والفهم , وهذا هو مراد إبليس الملعون , فهو لا يريد بعد ذلك أي شيء , فذلك جوهر الغايات بالنسبة له ( البر بقسمه ) , فالغاية غاية واحدة والمهمة مهمة مشتركة . فلسان حالهم يقول طريقنا واحد ومصيرنا واحد ! ... وبئس المصير. ثم ... كيف يهدي الله من يطلب منه الهداية للصراط المستقيم وهو يستعمل عقله ونعمة الله في التضليل وفي لي أعناق النصوص لكي توافق هواه أو هوى الحاكم الظالم ؟ ! , فهو ليس له إلا أن يلوى عقله بعد ما تخلى هو بنفسه عن الموازين الفكرية الصحيحة لينحرف عن الصراط المستقيم نحو مسارات العوالم الفكرية للمغضوب عليهم والضالين , فالجزاء من جنس العمل , ومن وجد ذلك لا يلومَّن إلا نفسه , فإبليس لا يتحرك إلا إذا وجد المطية المناسبة لحركته ضد الجنس البشري حتى لو كانت تلك المطية تحفظ نصوص الدين وترتدي لباس المتقين . ... يتبع 


الكاتب: محمد العلي
التاريخ: 27/11/2010