إمبراطورية الشر.. تتهاوى..قراءة لمستقبل الصراع بين أمريكا والإسلام

 

إمبراطورية الشر.. تتهاوى

(قراءة لمستقبل الصراع بين أمريكا والإسلام)
محمد فلاح الزعبي

ليس صحيحا أن الحملة الأمريكية في المنطقة الإسلامية "بدأت" بعد سقوط الشيوعية وطرح النظريات الفكرية، مع رفع الشعارات المعادية مباشرة للإسلام والمسلمين، إنما سارت التطورات في اتجاه "التفرغ" النسبي للمنطقة الإسلامية بعد انتهاء الحرب الباردة.

ومن الواضح من قبل الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق أن الدول الإسلامية منفردة ومجتمعة لا تشكل -في المدى المتوسط على الأقل- خطرا عسكريا على الولايات المتحدة الأمريكية، إنما الخطر الحقيقي -الذي أصبح قريب التأثير- هو الخطر الحضاري؛ ومنذ انهارت الحواجز عبر ثورة الاتصالات ازداد الإحساس بذلك "الخطر" داخل الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولا تسري كلمة "خطر" هنا بمعناها الأصلي، إلا بمنظور الفئة المهيمنة ماديا واحتكاريا في الغرب ومن خلاله عالميا، وإلى وقت قريب كانت هذه الفئة التي كشفت العولمة عن حقيقة نفوذها وموقعها في شبكة العلاقات الدولية وداخل كل دولة على حدة، كانت قادرة على تركيز الأنظار على إنجازات الحضارة المادية، ما بين الوصول إلى القمر عام 1969، وثورة الحاسوب والشبكة منذ عام 1981، وثورة الاتصالات الإلكترونية حاليا، ولكن بدأ ينكشف الغطاء عن "إنجازات أخرى" ترمز إليها عناوين كوكاكولا وماكدونالدز، أو مادونا ومايكل جاكسون، وتتأرجح ما بين الخواء والانحلال، فضلا عن أفلام العنف ومظاهر الترف، وتلويث البيئة والقيم، وأسلحة المجون الإباحية الأشد فتكا بالإنسان من داخله.

لقد تزامن سقوط كثير من الحواجز مع ثورة الاتصالات والمعلومات في وجه إمكانية التعرف على الإسلام وقيمه ومنهجه في الحياة، مع ارتفاع مطرد للإحساس في الغرب بالحاجة إلى ثورة جديدة على صعيد القيم، وليس على صعيد التقنيات الحديثة فحسب. بينما كانت الحضارة المادية الغربية قد قامت ابتداء على إنكار شبه مطلق لحقبة الحضارة الإسلامية على وجه التخصيص، حتى إن كتب تدريس التاريخ تجعل من تلك الحقبة ما يشبه "البقعة السوداء" الفارغة من أي إنجاز، إلا ما قام على افتراءات لا يمكن تصديقها لولا اعتماد ترسيخ الجهل عن تلك الحقبة الحضارية ترسيخا منهجيا، وهذا ما بقي سائدا في الغرب لعدة قرون، إلى أن بدأت حديثا فقط معالم زعزعة ما يمكن وصفه بالكذبة الحضارية الكبرى.

ولم يعد يمكن في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات الحفاظ على تلك الصورة المزورة للتاريخ والواقع، كما لم يعد خافيا أن الإسلام الذي حوصر داخل بلدانه زمنا طويلا عبر الاستعمار التقليدي -فالغزو متعدد الأشكال ثقافة وفكرا وقيما وتغريبا في مختلف الميادين- قد بدأ ينتشر مجددا بدرجات متفاوتة في البلدان الغربية نفسها، وعاد بنسبة لا بأس بها إلى "وعي" الشعوب الإسلامية، بغض النظر عن افتقاد ما يكفي من المناهج العملية لنهوض حضاري إسلامي جديد.

لقد أخفقت المواجهة الأمريكية للإسلام من قبل هذه الحقبة على صعيد صراع القيم أو الأفكار أو الثقافات؛ ولهذا كان الجانب "العسكري" هو المحور الأول في التوجهات السياسية الأمريكية الجديدة التي بدأت مع سقوط الشيوعية ورفع شعار "الإسلام عدو بديل" على لسان ديك تشيني وزير الدفاع آنذاك (عام 1991)، نائب الرئيس الأمريكي حاليا. فأصبحت "القوة العسكرية" في المقدمة وليس "الأخلاق والقيم"، وكان الواقع التطبيقي في بلدان أفغانستان وفلسطين والعراق وسواها هو الجواب العملي على تساؤل طرحه المستشار السابق للرئاسة الأمريكية "أويجن روستوف" عما يجب أن يصبغ معالم السياسة الأمريكية عالميا "القوة أم الأخلاق، والواقعية أم المثالية، وحماية المصالح أم نشر القيم، والأفكار التحررية أم المحافظة؟".

إن ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان في المنطقة العربية والإسلامية المستهدفة مباشرة في الوقت الحاضر من جانب صانعي القرار الأمريكي بغض النظر عن الواجهة السياسية المتبدلة.. أنه على قدر المعرفة الأعمق بطبيعة الهيمنة الهمجية الأمريكية الحالية يزداد الحرص داخل الولايات المتحدة الأمريكية تدريجيا، وداخل الغرب عموما بسرعة كبرى على الرغبة في الانفصال عن هذه المسيرة العدوانية، وهو ما يظهر من خلال المواقف الفكرية والإعلامية كما بدأ يظهر عبر المواقف السياسية، مع تفاوت الدرجات، وفق درجة تشابك المصالح المادية، بينما لا تزال الدول العربية والإسلامية كأنها حريصة أشد الحرص على الانفراد عالميا في الانصياع للهيمنة الأمريكية، دون شروط، ودون مقاومة تذكر.. رغم ازدياد ظهور معالم المقاومة الشعبية للعيان.

التراجيدي حقاً بالنسبة للولايات المتحدة هو ظهور "الإسلام الأُصولي" الذي يتميز بالكراهية العنيفة لكل ما هو غير إسلامي من ناحية, ولممارسة الإرهاب المسلح على يد مجموعات تزعم أنها تدافع عن "دار الإسلام". في هذا الاطار نضع الكثيرمن العمليات التي تستهدف المدنيين من عامة المسلمين, وفي هذا الإطار نضع عمليات الإرهاب الدموي في الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك الإرهاب ضد ملايين السياح الذين يجيئون لزيارة الشرق الأوسط. وفوق ذلك, فأن الإسلام الأُصولي يشكل خطراً حقيقياً على المجتمعات العربية والإسلامية ومعوِّقاً للعمليات الديمقراطية والإصلاحية والعصرية في المجتمعات الشرقية على الأقل في الوقت الراهن.

إن العالم العربي، وكل العالم الإسلامي، لديه مصلحة مصيرية حقيقية، في مقاومة الأُصولية الإسلامية وتحرير الإسلام، الدين الوسطي والسمح والمفعم بالقيم الإنسانية، من براثن الأُصولية الإسلامية , الديمقراطية ليست بِدْعة "غريبة "تماماً كما الإسلام الذي تحمله مجموعة غير مؤهلة للتحدث باسم الإسلام حتى حتى تنصب نفسها قاضيا تكفر هذا وتقتل ذاك.الإسلام في عصور الازدهار، في العصر الأُموي والعباسي وفي الأندلس، كان بيئة ممتازة للإبداع المنوع وللنشاط الثقافي وللحرية الدينية ولتآخي الديانات، الإسلام والمسيحية واليهودية، في ظل الحكم الإسلامي.

وهناك أُكذوبة يجب نسفها تماماً، وهي الزعم بأن الديمقراطية هي تقليعة أمريكية أو غربية وكل من يسعى إلى الديمقراطية يخدم بشكل مباشر أو غير مباشر "حرب أمريكا ضد العالم الإسلامي".

إن المعركة ضد الولايات المتحدة تظل ناقصة إذا لم ترتبط بنضال داخلي محلي ضد الديكتاتورية المحلية. كما أن النضال ضد الديكتاتورية المحلية يظل ناقصاً وربما عاجزاً عن الانتصار إذا لم يرتبط بالحركة النضالية العالمية، الديمقراطية والسياسية والاقتصادية لشعوب العالم الثالث ولشعوب أوروبا وأمريكا اللاتينية الطامحة إلى التخلص من النير الاستعماري الأمريكي.

مع النضال لفضح وإسقاط السياسة الاستعمارية ذات الملامح العنصرية المتطرفة للسياسة الأمريكية، "تجاه العالم الإسلامي"، يجب النضال المحلي للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي، في مجتمعاتنا لصالح شعوبنا ومستقبلها. بالإضافة لذلك، هناك اليوم حاجة تاريخية لبناء جبهة عالمية تضم أوروبا وأمريكا اللاتينية والعالم الثالث كله (بما فيه العالم الإسلامي) وتضم بطبيعة الحال الصين، عملاق الشرق الصاعد، وروسيا لبناء تحالف عالمي يقف في وجه الوحدانية الأمريكية، ويقف سدّاً أمام المطامع غير المحدودة لنهب ثروات الشعوب.


الولايات المتحدة تستغل أبشع استغلال عملية تفجير العمارتين التوأمين في نيويورك. وقد جاء الرفض لهذه العملية من معظم الجماعات الإسلامية . ولكن أمريكا تستغل الجريمة لنشر العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين، بينما الحقيقة أن السياسة الأمريكية الاستعمارية التي تمارس الجرائم ضد شعوب الشرق هي مسئولة إلى حد بعيد, أيضاً عن عمليات "القاعدة" وغيرها من التنظيمات الأصولية.

نقول ببساطة منطقية أن الولايات المتحدة تعطي الحجج والذرائع لنشاط "الأصولية الإسلامية"، كما أن الأصولية الإسلامية تعطي الذرائع للولايات المتحدة. والمصلحة الوطنية والتاريخية والمسؤولية الحضارية العالمية للعالم العربي والعالم الإسلامي عموماً تستوجب العمال لاعادة صياغة المفاهيم الاسلامية ومحاربة الفكر الاسلامي المنحرف بالفكر المستنير والعمل على صياغة العقل العربي بعيدا عن اي مؤثرات كالبيئة او الظلم او حتى الاحتلال والمقصود هو الفصل بين الاحتلال الخارجي والاستبداد الواقع على الشعوب من قبل الانظمة ، وفي الوقت نفسه محاربة السياسة الاستعمارية الأمريكية المغتصِبة لخيرات الشعوب ولإرادة الشعوب. وذلك لإقامة علاقات دولية جديدة وعالم جديد يسوده السلم والأمان والتعاون والتعددية والتسامح الديني وكافة حقوق الإنسان,والتي هي جزء رئيس من ديننا الحنيف.

يتمثل الخطر الحقيقي حاليا بالنسبة للولايات المتحدة في أمرين:

الأول: هو أن القوى والجماعات الاجتماعية الإسلامية، رغم اعتراضها على الوسائل الإرهابية التي تستخدمها "القاعدة" فإن رؤاها الفكرية باتت تقترب شيئا فشيئا من "بن لادن" في كراهية الولايات المتحدة.

الثاني :هو أن معظم الجماعات السياسية في المنطقة العربية تتجه حاليا نحو مناهضة الولايات المتحدة كمبدأ أساسي وأصيل، بغض النظر عن انتماءاتها وقناعاتها الفكرية، فالليبراليون والمحافظون والإسلاميون صاروا جميعا متفقين على هذا المبدأ بالذات؛ وهو ما يعتبر أمرا مخيفا وتراجيديا في العلاقات الأمريكية العربية.

وبالرغم من أن تلك "الصبغة المناهضة لأمريكا" لها أسبابها ودوافعها المرئية والمفهومة لدى رجل الشارع البسيط: من الصراع العربي الإسرائيلي، مرورا بالتراجيديا العراقية إلى الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، فإنه في الوقت ذاته يجب على العالم العربي أخذ خطوات جادة تجاه الأزمات التي يواجهها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. فأزمات السلطوية والديمقراطية والإرهاب المستشرية في المجتمعات العربية ولم تجد لها حلا للآن ليست خطأ الولايات المتحدة، وإنما هي أخطاء من صنع الأنظمة العربية وحدها، بالإضافة إلى الشعوب العربية السلبية.


الكاتب: محمد فلاح الزعبي
التاريخ: 04/03/2008