هل الحداثة مفهوم كفر ؟ .. |
|
هل الحداثة مفهوم كفر
بقلم د. ماهر أبو ثائــر
ضمن الغزو الفكري والثقافي الذي تشنّه الحضارة الغربية الرأسمالية على الأمة الإسلامية يتم استخدام العديد من المفاهيم التي تروّج على أساس موافقتها للإسلام أو عدم تعارضها معه. وفي حرب الأفكار الدائرة بين الأمة والغرب، تستخدم الدول العظمى ثقافاتها التي طوّرتها أساسا لتحقق رفاهية لمجتمعاتها حسب وجهة نظرها الخاصة عن الحياة ضمن صراعها قديما للتحرر من الاستبداد وهيمنة الكنيسة والإقطاع، وهذه الثقافات أوجدت تفصيلات وممارسات وأدوات تتفق مع تلك الثقافات وتنسجم مع طريقة العيش لها، ولكنّها بالتأكيد تتعارض بشدة مع ثقافة الإسلام القائمة على الوحي من الله سبحانه وتعالى. ولذلك لا بد من وقفات تنخيل وتنقية للأفكار والمصطلحات التي تلقى على الامة للحفاظ على صفاء ونقاء الفكرة الإسلامية، ومعالجتها من أي تلوّث قد يطالها من مخلفات الغرب الفكرية.
والثقافة الرئيسة الفاعلة في المجتمع الدولي على المستوى الرسمي حاليا هي ثقافة الغرب الرأسمالي الديمقراطي. والدول المهيمنة مثل أمريكا ودول أوروبا تستخدم تلك الأدوات والممارسات -التي ساهمت أساسا في تحقيق نوع من الرفاهية لشعوبها- بعد أن تشكلها بما يتلائم مع أهدافها، لكي تخترق بها المجتمعات المستضعفة في البلدان المهيمن عليها، حيث تضلل الشعوب المضطهدة عن طريق إجراء القياسات الخاطئة بينها وبين الشعوب الغربية، وبالتالي اعتبار نتائج تلك الثقافات كقيم ومفاهيم إنسانية ليتم المطالبة بها من كافة شعوب الأرض. ومن جانب آخر تساهم قاعدة "تقليد المغلوب للغالب" برضوخ بعض تلك الشعوب للقوى الغالبة وتمرير ذلك الكيد عليها، فتطالب بقيم المجتمعات الغالبة ومفاهيمها انبهارا بها، دون النظر لصلاحها لها. والحداثة واحدة من هذه المفاهيم المستخدمة ضمن حملة الغزو الثقافي والصراع الفكري مع الغرب.
وحسب الموسوعة الحرة- ويكيبيديا، فكلمة (حداثة – Modernity او عصرنة أو تحديث) تعبر عن أي عملية تتضمن تحديث وتجديد ما هو قديم، وهي تستخدم في مجالات عدة، "لكن هذا المصطلح يبرز في المجال الثقافي التاريخي ليدل على مرحلة التطور الثقافي والفكري التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة (التي تلي مرحلة العصور الوسطى)". وهذا الارتباط الثقافي والتاريخي للمصطلح هو مربط الفرس في الموقف من تداولة بين المسلمين.
لعل المعنى اللغوي للحداثة والتحديث لا شيء فيه إذا ارتبط مثلا بالشؤون المادية لحياة الناس مثل تحديث التقنيات والعلوم، يعني بالعموم لا شيء في تداول كلمة الحداثة إذا اقتصرت على جوانب المدنية في حياة الناس، بل هي مما يتوجب على الأمم أن تسعى لها لتحقق الرفاهية لشعوبها.
أما الإشكال الفكري فهو في تحديث وعصرنة الجوانب الحضارية المرتبط بالثقافة. فبروز المصطلح في الجانب الثقافي وارتباطه بالخلفية التاريخية الأوروبية كما أفادت الموسوعة الحرة، يجعل استعماله فيما هو مخصص له هو استعمال لمفهوم كفر وترويج لفكر يناقض الفكر الإسلامي، فمثلا، إن "التاريخ الثقافي" للأمة الإسلامية مبنيّ على تطبيق الإسلام في كافة مناحي الحياة تحت ظل الخلافة الإسلامية، وإن تطبيق مفهوم الحداثة حسب المصطلح الذي يطرحه الغرب يعني تحديث هذا الجانب الحضاري، وهنا لا بد للمسلم أن يتسائل: كيف نحدث الأحكام الشرعية التي تحدد هذا النظام إلا إذا تركناها واتبعنا غيرها ! كيف نحدث مثلا نظام العقوبات ؟ هل نغيّر حكم قطع يد السارق ؟ أم نعطل حكم رجم الزاني المحصن من أجل التحديث ؟ أم نغيّر النظام السياسي القائم على وحدة كيان الأمة فنقرّ بنظم الدويلات ؟ إن الذي يتقبل مصطلح الحداثة وغيره من المصطلحات التي تحتمل معاني الكفر ومعان مقبولة إسلاميا أو تتشابه أو تتقاطع مع بعض المفاهيم الإسلامية، هو كالذي يدافع مثلا عن مشروعية الذهاب للكنيسة لاجل الصلاة لأن الله سبحانة يقول: "واقيموا الصلاة". فهذا البحث المجتزء عن الكلمات وعدم وضعها في سياقاتها الحقيقية يؤدي حتما إلى خلط الإسلام بالكفر خلطا فظيعا ينتج سما قاتلا.
فلينتبه المسلمون إلى الألفاظ والمصطلحات وتدوالها على الألسنة، وليعوا المحتى الفكرى لها، وارتباطاتها بمحاولة صرف المسلمين عن استئناف الحياة الإسلامية على أساس الإسلام الصافي، ليدركوا الكيد الذي يحاك لثقافتهم وحضارتهم. ومما يحزّ في النفس أن تستخدم مثل هذه الألفاظ من قبل أعلام كانوا يرفعون شعارات الإسلام وربما لا زالوا بظن
الكاتب: د.ماهر أبو ثائر
التاريخ: 28/12/2006