تأملات في الحالة السياسية |
|
تأملات في الحالة السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد طرحت سابقا أحد أهم المفاهيم الغائبة عن حياة المسلمين لمسألة ( الكفر والتكفير ) , وهو المفهوم الذي بدأت بتغييبه السلطات السياسية الحاكمة لبلاد المسلمين منذ بداية الملك العاض وبعد نهاية فترة الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا , لأنه مفهوم يتعارض مع سياسة تغطية وستر الحقائق وتغييب الحقيقة والشفافية وجحد الحقوق , وهي سياسة تنتهجها السلطات الحاكمة لبلاد المسلمين في الوقت الراهن . \" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة \" , فبغياب المفاهيم الصحيحة الكاملة وتطبيقاتها يفتقد الهدى والرشد . والأمة توارثت هذا الأمر , وهي لا تعتبره من الأمور المهمة في الدين وفي الحياة العملية والسياسية , فالمفاهيم والتعريفات التي تقدم لمسألة ( الكفر والتكفير ) لا تجعل الإنسان يعي عمق المسألة وتأثيرها على حياته وعلاقاته وعلى وعيه وعلى سلامة رؤيته الفكرية , بل على سلامة الحياة بشكل عام , والإعلام المحيط بنا - والذي تسيطر عليه السلطات الحاكمة - لا يبين علاقة ما غاب من المسألة بسلامة الإدراك والوعي وبمعرفة الأشياء على حقيقتها والارتقاء في درجات الإيمان والإحسان . فالإيمان هو الأصل والكفر هو الطارئ , ولما وجد ذي السلطان وأصحاب السيطرة وأصحاب الاستغلال أن الإيمان يقيد حركتهم لجئوا إلى كفر وستر ما يقيد حركتهم ويحد من سلطتهم , ولذلك يجب أن ينتبه العاقل ويتجنب المشاركة في كفر وستر الموجود وآيات الله البينات , وهو بذلك ( حتما ) سينفع نفسه وسيتذوق طعم الإيمان في الدنيا قبل الآخرة , وسينفع غيره أيضا من إخوانه المؤمنين كما سينفع المتضررين من أعمال الكفر والتغطية والستر في حال تبليغه رسالة رب العالمين . وإذا كان التاريخ يكتبه الأقوياء ويخفون الكثير من حقائقه كذلك تطبيقات علوم الدين التي تتعلق في الحياة السياسية وإدارة شئون المجتمع والوعي يخفيها ويغيبها الأشقياء والأقوياء المنتفعين من غيابها , فعالم السلطة – وكما هو معروف ومشهور - قد منع وحرم من قبل السلطات الحاكمة من التوسع في دراسة المسائل التي تتعلق وترتبط بسياسة السلطة وإدارة شؤون المجتمع والعلاقات الخارجية التي عادة ما تصاغ لكي تصب نتائجها في صالح الأقوياء وأفراد السلطة وبقائهم على سدة الحكم ودوام سيطرتهم أو سيطرة القوى الخارجية التي يخضعون لها , فالسلطة الحاكمة ورطت نفسها وشعبها عندما انتهجت سياسة جعلت من الدولة دولة تابعة تلتقط ما يقذف لها من الفتات وبثمن باهظ وتعتمد على غيرها في بقاء كيانها السياسي ووجودها وحتى في علومها ومعرفتها , والدول المتقدمة تقنيا قد مارست الشفافية في حياتها العملية داخليا وبشكل مقبول عند البعض ومؤثر نوعا ما , وهو الأمر الذي حرمت الأمة من ممارسته في حياتها الدينية والعملية والسياسية داخليا وخارجيا , وهذا يفسر تقدم الآخرين في بعض مجالات الحياة وتخلف أمتنا . وأي مسألة ستكون نتائج دراستها إرجاع حقوق الناس وضرورات حياتهم الإنسانية وتمكينهم منها وتحريرهم وتوعيتهم وتبصيرهم لن يسمح لعالم السلطة ببحثها ودراستها ونشرها , بل سيطلب من بعض المحسوبين على أهل العلم صياغة منظومة فكرية مضللة عن الحق ومزيفة للحقيقة , فلا يتوقع البعض بأن حقيقة مسألة ( الكفر والتكفير ) وما غيب منها وتكامل صورتها الفكرية ستظهر من تحت عباءة السلطة التي جعلت إخفاء الحقائق وتغييب الحقيقة أصل في سياستها , ولسبب واضح وبسيط يعرفه العلماء والعوام , وهو وجود السلطات الحاكمة لبلاد المسلمين تحت مظلة وحماية القوى العالمية التي تمنتهن الدجل وإخفاء الحقائق وتغييب الحقيقة , بل إن العمل على إكمال الصورة وإشهارها لتكملة الخارطة المعرفية سيعتبره كبار المجرمين والأشقياء في العالم أمر فيه نهاية لسيطرتهم وإبطالا لفاعلية ( قواهم الناعمة ) التي يسيطرون بواسطتها على العقول ويخطفون القلوب ويأسرونها حتى يستخدم أصحابها في تنفيذ سياستهم ودون وعي منهم بما يجري لهم , فالعمل على إرجاع الوعي والارتقاء في الإدراك يعتبر أكبر وأوقع تأثيرا وأكثر فاعلية من الأعمال العسكرية التي تضر بالأبرياء والغافلين المتضررين أصلا من سياسة كبار الأشقياء والمجرمين , وهي أعمال لا تطالهم إطلاقا ولا تغير من الواقع شيئا , بل تخدم سياستهم الشريرة وتزيد الواقع سواءًّ بعد ما تخلق وضعا يضر بالناس , وفي آخر المطاف تصب في مصلحتهم غير المشروعة وفي إفساد الحياة , فإنهاء جميع أشكال وصور الفوضى - التربوية والتعليمية والفكرية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ...الخ - أمر يصب في صالح المسلمين والمستضعفين كما يصب في صالح الغافلين المُستَغلِينْ الذين تستعملهم قوى الشر في تنفيذ سياساتها بعد ما غاب وعيهم وأنحسر إدراكهم وهو يضر بكبار الأشقياء والمجرمين الذين عملوا على نشر ( الفوضى الخلاقة ) , أي الفوضى التي تخلق وضعا يضر المستهدفين - المسلمين والمستضعفين - وتخلق للأشقياء والمجرمين وضعا ينجح خططهم ويحقق لهم أهدافهم . وعند طرح التعريف والمفهوم الغائب عن الحياة الدينية والعملية ثارت حفيظة البعض , وفي آخر المطاف , وبعد ما أستوعب البعض ما أكتبه , كان رده ( بأن معظم المسلمين يفعلون ذلك , فهل هذا يعني بأنهم كفار ؟ ) , أو نحو هذا المعنى , وأنا في الحقيقة لم أستغرب رده , فالناس – وكما يقال - على دين ملوكهم أو ساستهم وكبرائهم وهم على ما ألفوه في حياتهم وورثوه عن آبائهم واعتادوا عليه وجعلوه منهجا لمعيشتهم ومسلكا في تعاملاتهم وسياساتهم , فالحال ينعكس من الأعلى إلى الأسفل وينتقل من الماضي إلى الحاضر , إلا من رحم الله وتدبر وتأمل وأجتهد وبحث وستبصر. \" قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (74) \" الشعراء . والسياسي المؤمن الذي ينتهج النهج الصحيح للسياسة أو لإدارة شؤون المجتمع والعلاقات الخارجية وبما يتوافق مع سنن وقوانين الخلق ويتقي التصادم معها يختلف عن السياسي المسلم المعروف في واقعنا المعاصر الذي خرج عن النهج السياسي الإسلامي الصحيح والذي يقوم بأعمال تكفر وتغطي وتستر الحقائق وتضلل الناس عن الحقيقة وتفتنهم وتفسد عقولهم وتضللهم عن الحق , أي لا يمارس الشفافية ويمارس الكذب والدجل وتزييف حقيقة الأشياء ويخفي نتائج الأعمال على حساب المصلحة العامة والتي ما لو ظهرت تضر بمصلحته الخاصة أو بمصلحة فئته وحزبه وطائفته وجعل ذلك منهجا له وأصل في سياسته وفي إدارة شؤون مجتمعه وعلاقاته مع الآخرين , أي هو يمارس ما يمارسه الكفار ولا يتقي التصادم مع سنن وقوانين الخلق , إلا من رحم الله , وهم قلة , وهذه القلة تتصارع مع الواقع المرير الذي يحيط بها , وهي غالبا ما تعتزل العمل بالسياسة بعد ما تكتشف حقيقة الوضع وحجم المأساة , والسياسي المؤمن لا يستعمل الخداع والتضليل إلا مع العدو المحارب فقط , إذا ما تأكد من عداوته وظهر وبان له ذلك , فالحرب خدعة , وهو واضح في عمله وسياسته وهو يهمه أن يعرف المسلمون وغيرهم ما ينفعهم في حياتهم ويدفع الضرر عنهم وما يضمن سلامة الحياة , وهو يرى بأن توعية الناس والارتقاء بإدراكهم وتبصيرهم وتذكيرهم بواجباتهم وبمهمتهم بالحياة وتمكينهم من ضرورات حياتهم الإنسانية وحقوقهم الشرعية حتى تكون حركتهم في الحياة حركة موافقة للشرع من واجباته ومن مسؤولياته , وهو بذلك يرجو الأجر والرضا من الكريم العلي القدير الذي أمتحنه بالعلم وبمعرفة الأشياء على حقيقتها والتمكين . والسياسي الحاكم في عصرنا الحاضر يمارس الممارسات السلبية ويقوم بعمل الكفار ويعرض شعبه للفتن التي تفسد عقولهم وتضللهم عن الحق وتحرفهم عن الصراط المستقيم ولا يعمل على حمايتهم , لأنه استولى على الحكم بالقوة والقهر وليس بالشورى وبالرضا والقبول من الشعب الذي أختاره على أساس عدالته وأمانته ووعيه وسعة علمه وعمق إدراكه , والحاكم الذي ورث الحكم عن أسلافه كما ورث منهجهم وسياستهم في الحكم - حيث أصبح حكمه أمر واقعا لا بديل عنه - سيجعل قوته فوق شريعة الله أيضا وسيساوي نفسه – والعياذ بالله – بخالق الخلق صاحب السلطة المطلقة والذي لا يسأل عما يفعل جل قدره , فهذا ما ورثه عن آبائه وهذا ما سلم به وأقره بعض المحسوبين على أهل العلم . وهو سينظر إلى السلطة والحكم كنظرة الذي أختطف شيئا من الآخرين , فهو سيعيش دائما وأبدا بهذه النفسية والعقلية , ولذلك ستصبح الدولة دولة بوليسية , فهو سيوظف عيون وآذان تنقل إليه أخبار من اختطفت منهم حقوقهم وضرورات حياتهم الإنسانية , فهو سيحاول معرفة , ماذا يقولون عنه وعن سياسته ؟ , وماذا يفكرون به ؟ , وما هي أحلامهم وأمانيهم ؟ , وما هي طموحاتهم ؟ , وهل هي كما أريد لها ؟ , أم بدأت تزيد عن الحد والنطاق المرسوم ؟ , وهل هم بحاجة لزيادة الجرعات الإعلامية والفكرية المظللة لمعالجة الزيادة التي طرأت على طموحاتهم ولمواجهة وعيهم وإدراكهم والحد منه ؟ , وهو سيحمي حكمه ليس بقوة الشرع بل بقوة السلاح وبما ينشره من أفكار مغلوطة وأوهام ومفاهيم خاطئة وبما يصيغه من قوانين , وهو يستخدم النصوص الشرعية أحيانا ويطوعها لمصلحته الشخصية لإدامة سلطته وحكمه واستبداده , وللمحافظة على هذه الخطفة سيقوم بصياغة قوانين تمنع العلماء والمفكرين من توعية المسلمين والآخرين بحقيقة أمرهم ووضعهم وبحقوقهم المسلوبة , حيث ستصاغ القوانين بصيغة تجرم من يسعى لتوعية المتضررين من سياسته ومن سياسة وخطط أعدائهم , وقد توصف الأعمال الفكرية التي تؤدي إلى الوعي بأنها أعمال تهدد الأمن العام وتثير الفتن والقلاقل وتهدد الوحدة الوطنية , أو بالسعي لقلب نظام الحكم أو تغيير النظام , أو نشر أفكار هدامة تهدد أمن المجتمع وسلمه وما شابه ذلك , أو ستتجه السلطة لحصر الفتوى بفئة لا تفقه ولا تعلم بما يدور حولها وبما يجري لها ولأمتها وهي ممنوعة أصلا من العمل بالسياسة ومن استخدام حواسها وعقولها في تدبر ودراسة مسائل الحكم والسياسة وشؤون الدولة وعلاقاتها الخارجية كما أمرت بالنوم عنها نوما عميقا لا استيقاظ بعده , ولذلك لن تكتشف مكر المتربصين بالأمة ولن تتعرف على حيلهم وخططهم وتفاصيل آلية عملهم وسياستهم وبعد ما تشاهدها بعيون رأسها وبصيرتها وبعد ما تتكامل الصورة التي قدمها خبر الوحي الآمين الصادق – الكتاب والسنة - ولسان حال الواقع , فمن صد عن بصائر الوحي ولم يتدبر ونام عن الواقع ولم يتدارسه بتجرد من الهوى فمن أين سيأتيه الوعي والعلم وإدراك الأشياء والأعمال على حقيقتها ؟ ! . وهي في الحقيقة أفكار نيرة تؤدي إلى الوعي العام وتحقق ( الأمن الفكري ) بعد ما تضع حدا لجريمة ( الحرمان الفكري ) التي تمارسها السلطات الحاكمة على رعاياها وبإشراف بعض المحسوبين على أهل العلم , وهي أفكار لا تهدد الأمن العام بل تبطل مكر الأشقياء اللئام الذي يحيط بنا من كل جانب من جوانب الحياة ويكشف خبثهم , وهي بالفعل أفكار هدامة , من حيث إنها ستهدم الحوائط الفكرية التي أصبحت جزءاًّ من البناء الفكري للنائمين والتي بنيت في عقولهم لتحرمهم من رؤية ما ورائها وما ينتظرهم من مكر وشر وعر متربص خلف تلك الحوائط والحواجز الفكرية التي بنيت في العقول بواسطة التربية والتعليم والإعلام والمنهج السياسي العام وكما خطط له أعداء الدين وأعداء الإنسانية , أو هي أفكار تنتقل بالعقل إلى ما وراء معالم الحدود والمسارات الفكرية التي حددتها السلطة السياسية وكما أراد الأعداء وكبار المجرمين والأشقياء , حيث ستنتقل بالعقل إلى الآفاق الفسيحة الرحبة التي حددتها بصائر الوحي ووجهنا إليها الخالق عز وجل , وهي أفكار تهدد النظام الذي وضعته القوى الغربية بعد ما صاغته عقول كبار المجرمين والأشقياء وبوحي من الشياطين وأسرت وحصرت به العاملين على إدارة النظام من الحكام والمسئولين وأهلهم وأبنائهم وشعبهم وجعلتهم يعيشون في جانب وضيع من عوالمهم الفكرية , عوالم المغضوب عليهم والضالين , إلا من رحم الله , فالنظام الذي وضعته القوى الغربية العلمانية نظام يخالف نظم وقوانين الخلق التي أرادها الله عز وجل لخلقه ولعباده المؤمنين حتى يعبدوه على بصيرة , فالنظام الغربي العلماني يتصادم بسنن وبنظم وبقوانين الخلق في معظم جوانبه , وهو في الواقع يضر بمصلحة أفراد السلطة التي تدير وتشرف على تسيير النظام وحركة المجتمع الخاطئة كما يضر أفراد الشعب ولا يجعلهم على وعي من أمرهم , بل يجعل منهم أداة طيعة بيد من يضمر لهم الشر ومن يسره بقائهم في حالة الضعف والهوان والغفلة . ويقصد بالنظام هو النظام والمنهج العام الذي تدار به حركة المجتمع , وهو كل يتكون من عدة أجزاء , ومن أهم هذه الأجزاء , النظام والمنهج السياسي القائم على إحياء العصبيات والمتصادمات والمتضادات وباسم \" الديمقراطية \" تنفيذا لسياسة فرق تسد أو القائم على الاستبداد باسم الشورى , والنظام والمنهج التربوي والتعليمي الذي لا يربط عقول الدارسين وبقوة ببصائر الوحي , والنظام الإعلامي المضلل عن الحق والمفسد للعقول والمزيف للحقائق والذي عادة ما يديره أناس فصلت عقولهم عن بصائر الوحي كليا أو جزئيا , والنظام والمنهج الاجتماعي الذي تظلم به المرأة بمساواتها مع الرجل , بل يظلم به الأبناء والمجتمع , والنظام والمنهج الاقتصادي الربوي , عدى تعطيل التطبيقات الجوهرية للمنهج الحق ولنظم وقوانين الخلق , وهي تطبيقات تجعل المجتمع يدور ويطوف في فلك آخر خلاف الفلك الذي تدور وتطوف فيه القوى الغربية وأتباعها , وهو فلك المغضوب عليهم والضالين , ولا يقود شعبه وأمته للدوران فيه إلا من فقد البصيرة والوعي والإدراك وضل عن المنهج القويم وأنحرف عن الصراط المستقيم . إن الحاكم والسياسي الذي أصيب بوهم الاستغناء عن الله وعن بصائر الوحي يعيش في عوالم الوهم الفكرية وهو لن يهتدي للصراط المستقيم بالدعاء دون عمل جاد يقدم قبل الطلب والدعاء من الهادي الودود العلي القدير جل شأنه , فلا يصح أن نسأل الله الهدى للصراط المستقيم ونحن نصر على السير وراء المجرمين والأشقياء أتباع الشيطان الرجيم , فهم حتما سيقودوننا إلى عوالم المغضوب عليهم والضالين ومن يفعل ذلك لا يلومنَّ إلا نفسه , فطريق الحق جلي وواضح ولا يزيغ عنه إلا أصحاب الزيغ والهوى , فمن يصاب بوهم الاستغناء عن الله وعن بصائر الوحي لن يدرك الأشياء على حقيقتها ولن يملك الوعي بحقيقة الأشياء وبطبيعة العوالم الفكرية التي يرتادها العقل , وذلك من مضاعفات الاستغناء عن تطبيقات المنهج الحق , فقيام البعض بتغطية وبتزييف إرادة شعبة وبممارسة الأعمال التي يقوم بها الكفار وهي تغطية وستر الحقائق لهو دليل على فساد العقل وذهاب الوعي , واتجاه البعض للاستعانة بالقوى الغربية الكافرة لتثبيت حكمه وحماية شعبه وهو لا يُمكن شعبه من حماية نفسه ولا يقدم لهم بديلا يحفظ لهم دينهم ووعيهم وإدراكهم وأمنهم وكرامتهم وحريتهم وعزتهم وما أراده الله لهم يدل أيضا على غياب وعيه وعلى عدم إدراك الأشياء على حقيقتها , ومثله يجب أن لا يترك دون رعاية فكرية وتوعية من العلماء الذين يبصرون ويشاهدون الشر والخطر المتربص بأمة لا إله إلا الله محمدا رسول الله , وإذا لم يجد من يقوم بتوعيته وتبصيره سيصيبه الضرر في الدنيا والآخرة , كما سيصيب أمته ضررا كبيرا وشرا مستطيرا , فكبار المجرمين والأشقياء الذين يتربصون بالأمة لا يريدون للأمة أن تستيقظ حتى يتمكنوا من الفتك بها وهي في غفلة من أمرها. نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة من شرور الدنيا والآخرة ونسأله تعالى حسن الخاتمة . فالسياسي الحاكم الذي أستغني عن بصائر الوحي وأتبع منهج المغضوب عليهم والضالين في السياسة , مثله مثل ربان السفينة الذي أفتتن بعد ما أعجب بما يملكه الآخرين فألقى ببوصلة السفينة في البحر وكل الخرائط وأدوات القياس والرصد والملاحة وجعل سفينته هائمة دون هدى في بحور الظلمات بعد ما فقد عقله ووعيه , وعالم السلطة لا يدرك ولا يعي تلك الصورة ولا يعلم بحقيقة المسألة وعمقها بعد ما نفذ أمر الحاكم وأستسلم للنوم العميق الذي لا استيقاظ بعده في باطن السفينة التي أصبحت مخطوفة من قراصنة الظلام . فليس السؤال , هل أنا في دائرة الإسلام أم خارج دائرة الإسلام , أو , هل أنا مسلم أم كافر ؟ . بل يجب أن يكون السؤال , هل أنا في دائرة الوعي أم خارج دائرة الوعي ؟ , وإذا كنت خارج دائرة الوعي , ما الذي أخرجني منها ؟ , أي , ما هي الأعمال التي تخرج من دائرة الوعي بعد ما تزحزح العقل من عوالم المؤمنين الفكرية إلى عوالم المغضوب عليهم والضالين ؟ . فالأعمال التي تخرج من دائرة الوعي لا تدرس في مدارس علوم الدين التي أسستها السلطات السياسية التي أعرضت عن ممارسة تطبيقات عقيدة التوحيد في الحياة السياسية وحصرتها في الشعائر التعبدية . وليست القضية قضية تكفير المسلمين أومن شهد بشهادة التوحيد واستحلال دمه وماله . بل قضية تذكير وتنبيه المسلمين من خطر الاستغناء عن بصائر الوحي وسلوك مسلك الكفار وانتهاج نهجهم في التعامل مع الحقائق وآيات الله جل قدره . والمسألة مسألة دقيقة وليس كما يتوهم البعض . فبعض الجماعات الإسلامية التي اشتغلت في السياسة زحفت دون وعي ودخلت في عوالم المغضوب عليهم والضالين بعد ما انتهجت نهجهم في العمل السياسي , فالدوران في فلك المغضوب عليهم والضالين سيؤدي إلى ذهاب الوعي وفساد العقل حتى لو كان من يطوف في فلكهم يرفع راية التوحيد والشعار الإسلامي وهو يرتدي الزي الإسلامي , فالمسألة ليست مسألة شعارات ولافتات وأزياء وهيئات . وحتى يضمن من صاغ المنظومة الفكرية الناقصة ومن رعى المصطلح المعروف لمسألة الكفر والتكفير بقاء الحال على ما هو عليه بعد ما يغلق المستمع عقله على ما يقدم له من أفكار تبصره , ربط في الذهن كلمة ( التكفير ) بالإخراج من ملة الإسلام وباستحلال الدم والمال , وأبعدها عن مفهوم التغطية والستر للحقائق وعن تغييب الشفافية كما أبعدها عن الآثار التي تترتب على عملية التغطية والستر للحقائق , وهو العمل الذي تقوم به السلطة السياسية الظالمة ومن انتهج نهجها وللأسباب المذكورة في مقدمة الموضوع , والمفهوم والمصطلح الدارج لا يتبناه ولا يعممه إلا من وصل إلى سدة الحكم بالقوة وبالقهر والغلبة أو بالوراثة , وهو مفهوم يهيأ له الاستمرار على وضعه , وإذا كان يحكم باسم الإسلام سيضع قائمة طويلة من الكفار وبما فيهم بعض المسلمين , وهو بذلك سيجعل رعيته وأتباع منهجه ومذهبه ينشغلون بغيرهم ويغفلون عن أنفسهم وعن أحوالهم وعن ما يجري لهم وما يحاك ضدهم من كبار المجرمين والأشقياء , بل يجعلهم يبررون لحاكمهم طاعته للكافرين والدوران في فلكهم ! , والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه , \" فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان . به أي بالقرآن . لقد بين الله تعالى لنا في سورة الحجر مسلك فئة من الناس في التعامل مع النص الإلهي وخبر الوحي الصادق حيث قال تعالى \" الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) , قال المفسرون \" الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ \" أي الذين جزؤوا وقطعوا القرآن وأحكامه وآياته وأوامره ونواهيه كما تقطع الذبيحة أو الجزور , فهم أبعدوا ما لا يريدونه وتركوا ما يريدون وما لا يتعارض مع مصالحهم الخاصة وأهوائهم , وتلك الفئة تقوم بتكييف النص وبما يوافق أهوائها , فهي مثل ما قامت باختزال مسألة الكفر والتكفير وغيبت بعض أهم مفاهيمها قامت أيضا باختزال بعض أهم المسائل والشعائر , مثل , شعيرة الجهاد , حيث أصبح الجهاد هو قتال العدو وأبعد مظهره التربوي والتنظيمي من الحياة الاجتماعية والسياسية , كما اختزلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , حيث جعل منها شعيرة يمارسها بعض أفراد المجتمع على بعض فئات المجتمع وفي بعض الأعمال حصرا , وهناك عدة مسائل اختزلت وغيبت بعض مفاهيمها الجوهرية لا يسع المجال لذكرها وشرحها , مثل مسألة الشورى , مسألة تبليغ الرسالة ...الخ . قال تعالى \" اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) فاطر \" ( \" استكبارا في الأرض \" أي استكبروا عن إتباع آيات الله \" ومكر السيئ \" أي ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله \" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله\" أي وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم ) تفسير ابن كثير . قال تعالى \"... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... (11) الرعد . وأود هنا أن أنبه بأن التركيز - من قبل الباحث عن الحقيقة - على ما غاب من مسألة ( الكفر والتكفير ) والبحث عن عمق مكر الذين مكروا بالناس لكي يصدوهم عن سبيل الله سيجعل له قاعدة فكرية صحيحة تلقي الضوء على الكثير من المسائل التي حجبت كليا أو جزئيا , ولكي ينطلق منها إلى آفاق أرحب وأوسع من الآفاق التي يحاصر بها العقل من قبل من يمارس تكفير وتغطية وستر الحقائق والذي استبدل معالم المسارات الفكرية التي حددتها بصائر الوحي بمعالم مسارات فكرية أخرى تضيق على المسلم واسعا وتجعل أفقه الفكرية أفقا ضيقة ومحدودة وتجعل عقله يتجه إلى عوالم المغضوب عليهم والضالين وفي مساراتهم الفكرية , وعلى الباحث عن الحقيقة أن لا يلتفت لعالم السلطة الذي اختار الجمود وأطمئن إليه ولم يلتفت إلى أمر الله تعالى في البحث والنظر والتدبر والتأمل والتبصر والتفقه , ذلك العالم الذي ورث رؤيته الفكرية للحياة من علماء ما قبل زمن الآلات والصناعات واتساع قاعدة تنوع العلوم والاختصاصات والآليات الإدارية والسياسية , فمن أختار النوم عن حوادث زمانه ومستجداته لن تتحقق له معرفة الأشياء على حقيقتها . وبعد ما تقدم , ليس السؤال , هل الحاكم الذي يحكم المسلمين في هذا الزمن حاكم مسلم أم كافر ؟ . بل يجب أن يكون السؤال , هل هو يمارس الأعمال التي تكفر أي تغطي وتحجب الحقائق أو قوانين الخلق ويستبدلها بقوانين وضعية مستوردة تجعل من المسلمين عمي لا يبصرون بما يدور حولهم ولا يعلمون بما يفعل بهم وما ينتظرهم وهم لا يملكون ما يدفعون به الشر والضرر عن أنفسهم وما يستردون به وعيهم وحقوقهم وضرورات حياتهم الإنسانية ؟ . وهل هو يمارس أعمال تحرم الآخرين من معرفة حقيقة رسالة رب العالمين ؟ . والسؤال هو , هل يحقق الحاكم لهم الأمن الفكري ويبصرهم ؟ , أم يمارس جريمة الحرمان الفكري بحقهم ؟ والسؤال أيضا هل الحاكم المسلم ينظر إلى الحياة بعيون الكفار الذين أفتتن بهم , أم من خلال بصائر الوحي ؟ . إن العالم المخلص لدين الله والذي يملك الوعي الكامل ويدرك الأشياء والأعمال على حقيقتها لا يستطيع أن يفزع للحاكم وينتصر له وهو مصر على وضعه الخاطئ وتكبيل شعبه أمام الفتن ودفعهم للدوران في فلك أعدائهم من خلال صياغة القوانين وتجاهل شريعة رب العالمين , فكبار الأشقياء في العالم جعلوا من الحاكم وعالم السلطة النائم خط الدفاع الأول والترس الذي يتمترسون خلفه والذي يحول بين المسلمين وبينهم , عدى الحوائط والحواجز الفكرية التي بنيت في عقول المسلمين بواسطة التربية والتعليم والإعلام والتي تحول بينهم وبين رؤية ومعرفة الأشياء على حقيقتها , فلن يفزع مع الحاكم النائم ولا يقره على سياسته إلا العالم الذي لا يبصر الحقائق ولا يدرك الأشياء على حقيقتها ولا يعرف ما يدور حوله وما يجري له ولحاكمه ولأمته وللناس أجمعين , ذلك العالم الذي ينتظر أجر نومته وغفوته من الحاكم ولم يلتفت لأجر الالتزام بعهده مع الله جل قدره , والنائم لا يوقظ النائم , فالعالم النائم يؤنس غربة الحاكم النائم في عالم المغضوب عليهم والضالين ويزيده وهما على وهم وضياع على ضياع عدى الأتباع , وهو يجعل النائمين يألفون نومتهم وغفوتهم وغربتهم عن الحق . عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به » . وفيها وصف الإمام - أي حاكم المسلمين - بأنه جُنة أي وقاية . فكبار الأشقياء في العالم جعلوا من الحاكم وعالم السلطة النائم خط الدفاع الأول والترس الذي يتمترسون خلفه والذي يحول بين المسلمين وبينهم , لقد انقلبت الآية , فبدلًّ من أن يكون إمام أو حاكم المسلمين جُنة لهم أي وقاية لهم يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به , أصبح جنة أي وقاية لكبار الأشقياء والمجرمين يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به ! , والحرب الأولوية التي تشن على المسلمين حرب تستهدف العقل والقلب وهي تشن بواسطة التربية والتعليم والإعلام والمنهج السياسي العام وهي حرب تتبعها حروب عسكرية تستهدف بعض بلاد المسلمين في الوقت الحاضر , فالحرب الأولى التي تستهدف العقل والقلب يتم بواسطتها تحييد المسلمين وإشغالهم عن قضاياهم المصيرية وعن أنفسهم وعن خالقهم , والحرب الثانية التي تستهدف الأنفس والأرض تشن على أجزاء من الجسم الإسلامي , مثل فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرهم . فالمسلم سواء كان حاكما أو عالما أو محكوما يجب أن يتجنب ممارسة أعمال الكفار ويكون حازما في ذلك غير متراخ ( إطلاقـا ) , فلا يصح إلا الصحيح , فممارسة أعمال الكفار من قبل المسلم وجعلها أصل في سياسة السياسي والحاكم وفي معاملات الإنسان العادي تخرج المسلم من دائرة الوعي وبحسب ما يقوم به من أعمال , فالإسلام ليس مركبة كمركبة الفضاء التي تحفظ سلامة رائد الفضاء الذي يخرج من نطاق الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي ومن ثم يعود إلى الأرض وهو سالم , والإسلام ليس هوية ( VIP ) تحملها الشخصيات المهمة لتستثنيهم من بعض القوانين , \" فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا \" , أي أن المسلم إذا ما مارس ما يمارسه الكفار وباسم السياسة أو الشطارة و\" الفهلوة \" والمغالبة وخرج من نطاق المؤمنين ودخل في نطاق المغضوب عليهم والضالين وفي عوالمهم الفكرية وأستقر فيها وأطمأن إليها ولم ينتبه لذلك ولم يتق الله ولم يتب وينيب ولم يستغفر ولم يقوم بالرجوع عنها سيصيبه ما يصيبهم لا محالة , فهو سيذهب وعيه وسيصبح لا يرى ما يفعل به ولا يعرف بما يدور حوله في عوالمهم الفكرية وفي درجاتها الدنيا , فهم لهم عوالمهم الفكرية الخاصة بهم ولنا عوالمنا الفكرية الخاصة بنا , فهم قوم لا يفقهون , ولا يغتر البعض بما يصنعون ويبتكرون , ولا يغتر البعض بآلياتهم السياسية وبأنظمة حياتهم وبانضباطهم الإداري وبمنجزاتهم العلمية , فهم في الواقع ينفذون سياسة شيطانية دون وعي منهم يشرف عليها كبار المجرمين والأشقياء في العالم , والنظام سلاح يحقق التفوق والغلبة على من يعيش في الفوضى حتى لو كانت تلك الفوضى تحدث تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله , فراية التوحيد لا تدفع الضرر عن أهلها دون عمل صحيح متكامل يجعل أهله يرتقون على الآخرين ويتفوقون عليهم , وهي ليست فزاعة تنصب لكي تبعد الشرور . والإنسان الذي يعيش في الدول المتقدمة تقنيا أصبح يقتل أخيه الإنسان ويقوم بالأعمال التي تفتنه وتضلله ويفعل به الأفاعيل بسبب فساد عقله وانحسار إدراكه وذهاب وعيه والذي أذهبه كبار المجرمين والأشقياء في العالم , فالبعض أفتتن بمنفذي السياسات الشيطانية ودخل وأنتقل إلى عوالمهم الفكرية مثل المسلمين \" العلمانيين \" أو مثل الذين أعرضوا عن منهج الله والتزموا بالمعالم الفكرية التي حددتها لهم السلطات السياسية وعالمها النائم الذي لا يعلم بما يدور حوله وبما يجري لأمته بعد ما أمتثل لأمر الحاكم ونام عن الرعية وعمن جعل منهم كالأغنام المعدة للنحر والتي تنتظر دورها . والخروج من عوالم المغضوب عليهم والضالين الفكرية إلى عوالم الذين أنعم الله عليهم أمر سهل وليس بالصعب على من تجاهل نفسه الأمارة بالسوء واستجاب لنفسه اللوامة ولفطرته السليمة وتجاهل أهوائه المريضة وتخلص من ضغوطها ومن ضغوط عصبيته ومما يوحيه له الشيطان وأستغفر وتاب وأناب وأصلح وألتزم بما جاء في الكتاب والسنة وتجنب الهوى عند قراءة آيات الله بعد التعوذ من الشيطان الرجيم فهو سيبصر بما يبصر به المؤمنين بعد ما تنقلب سيئاته إلى حسنات , فلا مخرج من عوالم المغضوب عليهم والضالين إلا بتقوى الله عز وجل \" ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق . وستبقى حقوق الناس , فيجب أدائها , أو عقد النية الصادقة لأدائها كلما أمكن ذلك , حتى لا يجدها الإنسان أمامه في الآخرة يوم الحساب , يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم , وحتى يسهل ارتقائه في درجات الإيمان ويرتقي إلى درجات الإحسان لكي يزداد بصيرة بما يفعله أعوان الشيطان وكبار المجرمين والأشقياء في العالم . ونسأل الله أن يحفظ المسلمين والآخرين من شرورهم ونسأله تعالى أن يبطل مكرهم ويكشف حيلهم ويبصر الغافلين , وأسأل الله العفو والعافية وحسن الخاتمة . المكر والشر الوعر لا يواجه إلا بالفكر . وبناء على متقدم أدعو الفئة التي تعمل على قتل المسلمين وغيرهم من الأبرياء باسم الجهاد , وضع أسلحتهم جانبا وكف أيديهم عن الدماء وإزهاق االأنفس , فهم في الواقع ينفذون سياسات شيطانية - ودون وعي منهم - تمنع المسلمين من الالتفات لشأنهم ولما يراد بهم , فهذا الشر والمكر الوعر لا يردعه ولا يرده السلاح الناري , وهو لن يجد هلاكه في الساحة العسكرية , فهلاكه لن يكون إلا بواسطة السلاح الفكري أي في الساحة الفكرية والسياسية , بل إن أعمال القتل تجعل له ستارا يتحرك ورائه وغطاء يتحرك تحته وأجواء لا تتحقق بها الألفة والأمن ولا تسمح بنشر الوعي العام واليقظة , فهو في واقع الأمر لا يخشى إلا من صحوة ويقظة المسلمين الفكرية وتألفهم ووحدتهم ومن تحصين وحماية أنفسهم وأرضهم وسلامة حياتهم بمنهج خالقهم وببصائر وحيه وبعد انتباه ويقظة قياداتهم السياسية أو القوى الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة المخلصة للأمة وعلمائهم المجاهدين المخلصين لدين الله تعالى. قال تعالى \" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) الأحزاب . فيا أخي المسلم يجب أن تسعى وتجتهد حتى يتحقق لك معرفة الأشياء على حقيقتها ولا تجعل من نفسك أحد العناصر التي تخدم سياسة ( الفوضى الخلاقة ) , أي الفوضى التي تخلق وضعا يضر المستهدفين - المسلمين والمستضعفين - وتخلق للأشقياء والمجرمين وضعا ينجح خططهم ويحقق لهم أهدافهم وعلى حساب الغافلين , وحتى يتحقق لنا وللبشرية الخلاص من سيطرتهم والفكاك من حيلهم وتخليص الغافلين لا مفر من إيجاد ( النظام الخلاق ) , أي النظام الذي يخلق وضعا ينفع الناس ويحفظ سلامة الحياة ويخلق للأشقياء والمجرمين وضعا يبطل مكرهم ويكشف أمرهم ( ويسحب القوة من بين أيديهم ) , فالفوضى لن تنتهي إلا بعد مواجهتها بالنظام الإسلامي وبالمنهج الحق الكامل , فهو النظام الخلاق . وبالله التوفيق ,,, إلى عالم السلطة ! يا أخي ... اتق الله في عملك ولا تجعل من نفسك ترس يتمترس خلفه كبار المجرمين والأشقياء في العالم وأنت تعلم جيدا بأنهم يستهدفون العقول والقلوب قبل استهدافهم للأنفس , فلا تجلس لكي تتفرج وتحوقل , فستسأل عن علمك ماذا عملت به , فحماية العقول والقلوب والأنفس لا يتأتى إلا بعد حماية الدين وإحياء علومه وتطبيقاته في حياة المسلمين . قال تعالى \" أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) \"الرعد . فقد أخرج الإمام أحمد، وهو في \"الصحيحة\" (1682) عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً: \" إن بين يدي الساعة الهرج\"، قالوا: وما الهرج ؟ قال: \" القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتلُ بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه\"، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ ؟ قال: \" إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلِف له هباء من الناس ، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء\". ومعنى هباء : هباء أي قليل العقل . والحديث من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ. [ إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلِف له هباء من الناس ، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء] إذا ذهب الدين فسد العقل وإذا فسد العقل فسد وذهب ورائه كل شيء , فستفسد الذمم والأخلاق وستنتهك الأعراض وستبدد الأموال وسيعبث بها وستزهق الأنفس. كيف يقبض العلم ؟ , كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا . أنشروا السر – أي العلم - حتى يعلم من لا يعلم , فإذا هلك العلم ذهب العقل وإذا ذهب العقل هلك الحرث والنسل . .\" لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) الأنفال والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين الرحمة المهداة للعالمي