قراءة في ملفات الجهاد |
|
قراءة في ملفات الجهاد
امريكا وافغانستان.. واختلاط الاوراق
محمد فلاح الزعبي
مخالفا لكل الكتاب والمثقفين الذين يكرهون امريكا وارهابها –وانا مثلهم اكرهها-فاني ارى ان الهجمة الامريكية على افغانستان او طالبان والقاعدة –كما يحلوا لامريكا تسميتها – قد اطفت على السطح قضية مهمة آن وقت الحديث فيها .
فلن اتحدث عن القتل والمجازر ضد المسلمين هناك ولن اتحدث عن الحقد الكبير الذي اظهره الغرب للاسلام , او مدى الخوف والمحالفة السافرة من الدول العربية والاسلامية لامريكا ..على اهمية هذه المحاور ,فان هناك قضية اختلطت اوراقها بين هؤلاء وهؤلاء ,الا وهي الشرخ الواسع في الفكر التربوي لدى الاحزاب والجماعات الاسلامية في افغانستان وخارجها .
فبعد اجتياح الروس لافغانستان عام 1979م هللنا جميعا للمجاهدين وكل الاحزاب الاسلامية التي اجتمعت على هدف واحد وهو طرد المعتدي الشيوعي الكافر والانتصار للاسلام .. بل واسست معسكرات للمتطوعين من الدول العربية ,وانخرط المجاهدون العرب في كل تلك الجماعات المجاهدة وجعلنا من قادة الجهاد آنذاك مثالا لجيل الصحابة واسوة لجيل اليوم .
عبد رب الرسول سياف الاقرب الى العرب والذي يتقن اللغة العربية والمتجرد عن اي مطمع دنيوي ,وقلب الدين حكمتيار الانسان الغامض والصامت اغلب الوقت والذي حاول توحيد الصف مرارا,والمتخصص في فنون القيادة والسياسة.
واسد بنجشير احمد شاه مسعود القائد العسكري الفذ والمظفر ,كم وكم ارعب الروس بكوفيته المتواضعة.وعلى شاكلتهم كل قادة الجهاد وعلى طول الجبهات .
هذه الفرق التي وحدتها الفكرة والالم ثم النصر عادت بعد ان اندحر الروس صاغرين تقاتل بعضها ..وقد قلت يومها في مقال لي " من خلال التجربة الافغانية تبرز لنا مشكلة ضعف المناهج التربوي لدى الحركة الاسلامية"
بالامس هللنا لبرهان الدين رباني كرئيس للدولة الافغانية الاسلامية ,ولحكومة المجاهدين وعلى راسها قلب الدين حكمتيار وقلنا الان يستحق هؤلاء نصر الله واقامة دولتهم .. وعندما بدات حركة طالبان تبرز على الساحة اجمع كل المراقبين على شرعية الحكومة الاولى التي شكلها المجاهدون, والسبب بكل بساطة ان طالبان لم تشارك في الجهاد ضد الروس ,بل اصطنعت من قبل باكستان وبرضى من امريكا التي كانت تخشى المد الاسلامي من جهة وتكرار تجربة المجاهدين في دول اخرى ..ويومها كان الكل يقول ان لاشرعية لطالبان لانها لم تشارك في الجهاد وانما جاءت لتستولي على النصر وتختطف الدولة الاسلامية وهدفها فقط الوصول للسلطة.
المجاهدون عادوا الى تحالفغهم الاول لكنه هذه المرة ليس ضد الشيوعية الكافرة بل ضد طالبان "المسلمة" متحالفين مع امريكا "الكافرة "ضد الاسلام" ,اغتيال احمد شاه مسعود المسلم المجاهد وكل المعطيات اشارت الى ان اسامة بن لادن كان وراءه وعبد الحق عبد القدير عاد للتحالف مع كرزاي من اجل منصب سياسي فقط , اصدقاء الامس اعداء اليوم واعداء الامس هم حلفاء اليوم ..تغير المصالح غير المواقف وطغى على الفكر والمبدأ ..دوامة لا ندري لصالح من ولا الى متى ؟؟؟
طالبان لم تشارك في الجهاد ضد الروس ولكنها جاهدت ولا زالت تجاهد ضد امريكا , عبد رب الرسول سياف ليس له موقف واضح لكنه(0بالتأكيد )ينتظر كرزاي ان يرمي له العظمى تحت اي مسمى وزارة او قيادة هنا وهناك ودعم مادي امريكي .
الذين هللوا للمجاهدين سابقا يقفون ضدهم الان ومن وقف ضد طالبان سابقا عاد للصف المقابل , فهل هناك مسوغات محددة لذلك ؟؟ وما هي الضوابط الفكرية والاسس الدينية التي تبنى عليها المواقف؟؟ حتى ان جميع الحركات الاسلامية استنكرت هجمات الولايات المتحدة من قبل القاعدة واجمع الكل على انها عمل ارهابي استهدف ابرياء ,فلماذا وقد ثبت ان ابن لادن هو الذي وقف وراء الهجمات فهل سيكون موقفنا ثابتا في حال اسره من قبل امريكا؟ لان من يعمل عمل ارهابي هو ارهابي يستحق العقاب؟
فالي متى ستبقى الجماعات الاسلامية تقدم الشهداء تلو الشهداء لفكرة يتراجعون عنها عند تغير بسيط في الاستراتيجيات ودون مسوغات شرعية واضحة بل مجرد مبررات ولي اعناق النصوص الشرعية لاثبات فكرة لاندري مدى صحتها.لذلك يجب على المفكرين وعلماء المسلمين ان ينبروا لازالة الضبابية في الرؤى لدى المسلمين حتى تكون مواقفنا مبدئية وثابتة وتفكيرنا اعمق.
وهناك امثلة كثيرة تثبت فعليا ضعف المناهج التربوية لدى الحركة الاسلامية ,منها مثلا مشكلة السودان والانقسامات التي حدثت قبل وبعد وصول احدى الجماعات الى السلطة !"طبعا هناك فارق في المعطيات بين قضيتي السودان وافغانستان ".
الترابي والبشير خرجا من رحم الاخوان المسلمون وانشقا ليثبتا صحة اسلوبهما في خطوات الوصول الى الحكم والذي عارضته الجماعة واضطرا للانشقاق عنها وقد اثبتا نجاحهما .
الاخوان اصبحوا معارضين للحكومة الاسلامية في السودان , ومن المعروف للجميع ان الترابي هو الذي اوصل البشير للسلطة ,وعند اول خلاف في الاستراتيجيات وطريقة العمل حدث ان عاد الترابي لينشق عن البشير واصبح محاربا له ليوضع في السجن ثم الاقامة الجبرية وتعامل معه البشير كاي نظام علماني اخر في تعامله مع معارضيه ؟ وهو ولي نعمته.
وهكذا اثبتت الايام انه عند تضارب المصالح تلغى المبادئ وان الفكرة الاسلامية المتكاملة غير واضحة في اذهان الاسلاميين جميعا ,والذين امتلكوها –وهم قلة- لم يستطيعوا التاثير بسبب كثرة التعقيدات والتشعبات الكبيرة في الاحداث .
وفي كثير من الدول العربية والاسلامية حرب ضروس بين الفرق والجماعات الاسلامية وصلت حد التكفير !ولكنني اقولها متحملا مسؤوليتها –وساذكرهم بها ان الحوار الان بين الجماعات الاسلامية بالكلمات ولكنه وبعد وصول اي جماعة للسلطة سيكون الحوار بينها بالمدافع والمعتقلات ؟؟؟ الا ان يرحمنا الله وياتي ذلك القائد الذي يوحد الصف من جديد .
في الحقيقة احببت ان اضع هذه الاشكالات امام كل المفكرين وكل الغيورين على الاسلام حتى نبدا بتحكيم عقولنا بعد كل تلك الانفعالات العاطفية علهم يحاولون الوقوف عليها .
واخيرا ها انا اعود وبعد اكثر عشرة اعوام على مقالتي تلك اقول ان من خلال التجربة الافغانية (واضيف اليها ما حدث في غزة ) تبرز لنا مشكلة ضعف المناهج التربوية لدى الحركات الاسلامية فهل من حل؟؟