حماس إلى مقاومة العدوان السّياسي أضعاف مقاومتها للعدوان العسكري |
|
غزّة صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه
نعم إنّ شعب غزّة هو من وعد اللّه تعالى نتعلّم منه،
إنّه يستحقّ بلا منازع أن يحيّى وأن يقبّل جبين كلّ فرد منه،
إنّه شعب العجائب الذي كسّر كلّ شرّ العالم، ياله من شعب عظيم يثير الدّهشة و الإعجاب،
ياله من شعب كبير استمدّ قوّته من بركات الأرض المقدّسة وأكنافها،
شعب يعلم النّخبة\"البوجوازيّة الجديدة\" التي نخرت الأمّة في مجتمعاتنا،
تلك النّخبة الفاسدة الفاشلة المثّاقلة إلى متاعات الدّنيا الفانية،
النّخبة المهترئة التي تضمّ الحكّام وعلماء السّلطة وعلماء الأحزاب والفرق والطّوائف والمفكّرين الذين ألهوا شعوبهم عن دينهم الكامل وشريعتهم التّامّة.
فأنتم يا مرابطون يا خيرة خلق عباد الله، يا من تكفّل بكم الله عزّ وجلّ وبأرضكم المباركة كما أعلمنا الرّسول صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم \"عليكم بالشّام فإنّها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليحلق بيمنه، وليسق من غدره، فإنّ الله تكفّل لي بالشّام وأهله\".
أنتم يا من بصلاحكم وصبركم وثباتكم وصمودكم وجهادكم ومقاومتكم يبقى الخير والعافية في هذه الأمّة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم \"إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمّتي منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم السّاعة\".
أنتم يا أبطال الدّنيا، بيّنتم بكلّ جلاء أنّ غزّة ـ كما هي العراق وأفغانستان ـ ما هي إلاّ استثناء بيّن من فتنة الاستسلام والخنوع التي تشهدها كلّ بقاع الأرض في كثير من بلاد العرب والمسلمين، أفليست هي البلد الآمن من الفتن بوعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم\"إذا وقعت الفتن فالأمن بالشّام\"،
نعم هي الأمن رغم الحصار ورغم المحرقة، نعم هي الأمن، لأنّهم رفضوا الذّلّ والخضوع والخنوع والرّكوع والاستسلام للمحتلّ، بل للعالم أجمع.
قوانين الغلبة ونحن لا زلنا نتلمّس دروس الهجرة، فإنّ من أهمّها أنّ الغلبة ليس لمن يملك القوّة، بل لمن يملك عقيدة ويحسن استعمال وسائله ولو كانت بسيطة، ولو أردنا أن ننزّل هذه الحقيقة في الحرب الشّرسة ضدّ غزّة، فلقد استعدّ شعبها المرابط بعدّة عظيمة من الصّبر والثّبات، تبيّن مظهرا من مظاهر القوّة والذي يعدّ من أهمّ قيم هذا الدّين العظيم، وهذه من القيم التي علّمها الرّسول لابن عبّاس وهو صبيّ صغير\" يا غلام!
احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، واعلم أنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسراً\"،
فالصّبر هو وراء النّصر المشاهد اليوم في أرض القدس: إنّنا نشاهد صمودا أسطوريّا أمام \"هولوكست\" رهيب.
لقد استسلمت دول كبيرة تمتلك جيوشا وأنظمة وجنرالات أمام دول غازية، فاستسلمت فرنسا أمام ألمانيا، والفيتنام أمام الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وغيرها كثير،
ولكنّ شعبا أعزل لا يمتلك طائرة ولا دبّابة لم يستسلم، فالله أكبر ياله من شعب عظيم. أمام المحارق التي نراها في غزّة، أرى شروط النّصر من خلال ذلك التّدمير والتّخريب اليهوديّ، من خلال تلك المآسي ومن وراء ذلك الألم أرى بشائر الأمل، ومن تلك الدّماء أتطلّع إلى وعود الله تعالى بتدمير العالين في الأرض\"حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\" يونس 24 .
غزّة كشفت السّوءات إنّ الذي يحدث في غزّة ما هو إلاّ جرائم إبادة تحدث أمام أنظار ما يسمّى المنتظم الدّولي؟
فأين مؤسّسات حقوق الإنسان؟
أين مجلس الأمن الدّولي؟
أين هيئة الأمم المتّحدة؟
أين الولايات المتّحدة الأمريكية؟
أين روسيا؟
أين الصّين؟
أين اليابان؟
أين ألمانيا التي جرى لها مثل ما جرى للفلسطينيّين؟
أين باراك أوباما؟
لماذا الصّمت العربي والإسلامي الرّسمي وهم عندهم أكبر جيش في المنطقة؟
وهم أغنى دول العالم؟
وهم يمتلكون مصادر الثّروة العالميّة؟
أين الدّول العربية؟
أين جامعة الدّول العربية؟
أين الدّول الإسلامية؟
أين منظمّة المؤتمر الإسلامي؟
أين باكستان؟
أين تركيا؟
أين ماليزيا؟
أين أين أين؟
أين إيران
وأين حزب الله الذي قال أكثر من مرّة أنّ سلاح مقاومته موجّه للمحتلّ الإسرائيليّ،
لقد انكشفت سوءات وبانت مخطّطاته يوم أن نزل إلى الشّارع اللبناني بسلاحه، ولا أريد أن أذكّر بجرائمه التّاريخيّة مع الفلسطينيّين.
أين حكّام العرب؟
أين حكّام المسلمين؟
حتّى لو اجتمع العرب وحكّام المسلمين فماذا عساهم فاعلون. لا يفعلون شيئا إلاّ كلاما لامتصاص غضب شعوبنا. ولماذا يجتمعون وهم متواطؤون عل ذبح حماس حتّى صرّح حسني مبارك لساركوزي أنّه لا يريد لحماس أن تنتصر في هذه الحرب.
أين علماء الأمّة الذين أخذ الله عليهم العهد ببيان الحقّ وعدم كتمانه؟
ولماذا يغيبون؟
ماذا دهاهم؟
ماذا جرى لهم؟
ولماذا يسكتون عمّا يجري في غزّة ولا أريد أن أذكّركم بما وقع في أفغانستان والصّومال والعراق منذ الاحتلال إلى اليوم؟
أين شيخ الأزهر الأزعر؟
من أعطى الحقّ لشيخ سلطة في السّعوديّة ليمنع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات ليعلّل ذلك بعلّة معلولة مضحكة،
فقال: إنّها تمنع عن ذكر الله.
والله المستعان!
أين مصر الجارة؟
فكلّ الأنباء تؤكّد أنّها متّهمة ومتواطئة إلى النّخاع في دفع إسرائيل إلى سحق غزّة.
أين السّعوديّة ـ توأم\"مكّة القدس\"ـ التي يرفع حكّامها لواء السّلام وحوار الأديان، فهل ينفع السّلام مع الذين يجب أن يحاكموا؟
وهل ثمّة أديان حتّى يقع الحوار معها؟
أين العرب والمسلمون وهم يمتلكون أكبر قوّة على الأرض يباركها الرّب الكبير\"العقيدة ـ التّوحيد\".
أتكون فنزويلا أكثر عروبة من العرب؟
أيكون شيفاز أرجل من حكّام المسلمين.
أيكون رئيس وزراء تركيا أكثر رجولة من حكّام العرب والمسلمين؟
أيكون نصارى فلسطين الذين يتبعون التّقويم الشّرقي في بيت لحم أكثر نخوة من علماء المسلمين و حكّامهم؟
أفتكون النّرويج اعزّ من حكّام العرب حيث طالبت بسحب جائزة نوبل التي أعطيت لبيريز رئيس الكيان الصّهيوني؟
فهؤلاء النّصارى لم يحتفلوا بعامهم الجديد، في حين أنّ دول البترول يلعبون ويمرحون ويقيمون دورة بطولة كأس الخليج لكرة القدم. ألا يمكن تأجيلها أو إلغاؤها.
أرخصت دماء المسلمين إلى هذه الدّرجة؟
ألهؤلاء قلوب آدميّة؟
أتكون قلوب جماهير الرّياضة في تركيا أرحم من قلوب حكّام الخليج؟
ألم تعلم أخي القارئ أنّ جمهور كرة السّلّة في تركيا أجبروا حكم المباراة أن يلغيها لأنّهم رفضوا أن يستقبلوا فريق المحتلّ الإسرائيلي على أرضهم.
لقد اتّفقوا على سحق حماس.
ألم يكلّف كلّ حاكم منهم بذبح أخوات حماس في بلده.
ألم يجمعوا على سحق كلّ أشكال المقاومة فكرا وتنظّما، ولو في مؤسّسة خيريّة، أليست المؤسّسة الوحيدة التي تعربد في بلاد العرب والمسلمين وتنسّق فيما بينها هي مؤسّسة البوليس الذي اختطف ودجّن كلّ مؤسّسات الأمّة لسلخها من دينها وتخريب وعيها استسلاما لأوامر الإمبراطور الأمريكيّ.
مررتُ على المروءةِ وهي تبكي فقلـتُ علام تنتحب الفتاةُ؟
فقالت كيف لا أبــكي وأهلي جمـيعاً دون خلق اللهِ ماتوا
الشّعوب جاهزة للجهاد والخيبة في النّخبة
رأينا شعوبنا خرجت إلى الشّوارع غاضبة ومحتجّة، وفي المقابل رأينا بعض العلماء يمنعون المسيرات والاحتجاجات بتعلاّت هزيلة مضحكة.
فهل هؤلاء علماء إسلام أم عملاء حكّام.
ورحم الله المعتصم وهو أحد خلفاء الدّولة العباسيّة عندما صاحت امرأة في عموريّة على بعد مئات الأميال من بلاد المسلمين وقالت\"وامعتصماه\"،
فهبّ المعتصم لنصرتها فجهّز جيشاً جرّاراً وأرسله لفتح عمورية كلّها.
وانظر إلى حكّام العرب والمسلمين اليوم، وهم ينظرون مباشرة المحارق والمجازر التي تحترق بها غزّة كلّها ذات المليونين من المستضعفين من النّساء والولدان والرّضّع والشّيوخ والمرضى المحاصرين منذ سنتين والمقطوعين على العالم ولو إلى الحجّ، وهم يصيحون ويصرخون فلا يجيبهم أحد منهم، بل قد تواطؤا على غزّة وعلى ضياع قضيّة فلسطين بأكملها.
إنّ الغضب الذي تجلّى في المظاهرات والمسيرات التي ملأت شوارع العالم أمام وحشيّة الإسرائيليّ، قد تؤتي ثمارها من ضغط على العربي الرّسمي حتّى تتوقّف هذه المجزرة وهذا سقفها الأعلى في تقديري.
لأنّ النّخبة لا زالت مكبّلة بأثقال حبّ الدّنيا وكارهة للموت، ويوم تطرد منها هذين المكبّلين وتوثّق رباطها بالجهاد في سبيل الله، وتنفر مخلصة له الدّين، يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عزّ وجلّ.
غزّة حرّرت الأمّة فالحاصل أنّ غزّة حرّرت الأمّة من أنظمتها الفاشلة، وبأنّها \"زيف أنظمة\"وما هي إلاّ سجون تحتجز شعوبها وتحاصرها بين الكسرة والكسوة والجنس.
وغزّة كشفت سوءات من كسّر رؤوسنا في جنوب لبنان بأنّ سلاحه موجّه إلى العدوّ المحتلّ.
وغزّة كشفت سوءة إيران التي خانت المقاومة في فلسطين، وبيّنت كذبها ونفاقها.
وغزّة كشفت أنّ النّظام العالمي ما هو إلاّ زيف وأنّ حضارة حقوق الإنسان ما هي إلاّ أكبر كذبة.
وإنّها لفضيحة إنسانيّة ومعرّة لن تمحى على جبين الغرب.
وغزّة كشفت أنّ الخير أصيل في هذه الأمّة مهما عملت فيه آلة الهدم والتّخريب والفسخ والمسخ والإلحاق.
إنّ الذي يحصل من عدوان وحشيّ شرس من طرف أقوى جيش في المنطقة على شعب غزّة المحاصر الأعزل الذي لا يجد الخبز فضلا عن السّلاح، لعار في جبين هذه الحضارة الجبانة،
ولأنّ الجميع مشارك في المجزرة: هذا بالقتل، وهذا بمدّ السّلاح، وذاك بالسّكوت، وآخر بالموافقة، وهذا بالفيتو في ما يسمّى بمجلس الأمن ليعدّ من أخطر أنواع الجرائم لأنّها جرائم جنائيّة وجرائم إبادة وجرائم عنصريّة وتطهير عرقيّ.
إنّ الحرب العنصريّة الحاقدة التي يقودها العالم عبر الإسرائيليّ لتضاف إلى الكأس الذي تكاثرت قطراته لتحرّر الأمّة وتعيد نخبتها الشّاردة إلى منهج ربّها الكامل فهو الملاذ والحصن والعزّة والكرامة حتّى لو كان فيه استشهاد ودماء.
إلى مزيد من الصّمود السّياسي أضعاف ما للصّمود العسكريّ إن التّحدّي الأكبر الذي ينتظر حماس حتّى تنتصر على العدوان العسكريّ ولو بقدر في حربها المفروضة عليها ليس بعيد المنال، إلاّ أنّه لا بدّ لها أن تحقّق انتصارا أكبر وثباتا أعظم في العدوان السّياسي العالمي عليها الذي يحاك لها بعد 12 يوما من حرب قذرة لم تحقّق أهدافها، فالصّمود الصّمود الصّمود، وإنّكم على ذلك بعون الله تعالى بعونه لقادرون. ونسأل الله لكم الثّبات.
باريس في 7 / 1/ 2009