في ضوء آية ..وتحت ظلالها..

 

"من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر ألئك هو يبور"

 

بما أننا في زمن الاستكبار الأمريكي والتبعية العربية لهم..فجدير أن نتدبر في كتاب ربنا سبحانه وتعالى..لأن فيه الحل لكل معضل..والمخرج فيه أبلج من كل مشكل..وهذه الآية الشريفة الجليلة جاءت لتستبين سبيل  العزة على مستوى الفرد والأمة جميعا بكلمة هي غاية في الوجازة..و تلقي بضوئها على الطريق كما تشمل بظلالها سالكيه..

 

يقول الله عز وجل في قاعدة هي من سننه الربانية: العزة مفتاحها ومصدرها هو الله تعالى

فمن طلبها من غيره فهو ذليل غاية الذل ..

كما قال عمر الملهم رضي الله عنه:نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله

 

ثم يعقب سبحانه فيقول"إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"

وهذا تفصيل لحقيقة المعادلة الآنفة..كأنه يقول:مادامت العزة بيدي ..فإليكم سبيلها:-

 

-كلم طيب

-وعمل صالح

 

ثم قال سبحانه "والذين يمكرون السيئات.."

كأن قائلا قال:ولكن الكفار عالون ومسيطرون ويعيثون الفساد في الأرض..

فأجابهم سبحانه:لا تغتروا بهم..الحل لعزتكم هو ما قلت لكم:كلم طيب وعمل صالح..فإن أنتم امتثلتم ذلك

فلا يضركم كيدهم شيئا..لأن العزة كل العزة إن كانت لله جميعا..فمكر أعدائكم بائر لا محالة..

كما قال سبحانه"ومكروا مكرا ومكرنا مكرا"..

 

ورأس الكلم الطيب:كلمة التوحيد..وهي الكلمة الطيبة التي ضرب الله مثل الشجرة بها فقال عز من قائل"ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.."الآية

وعن كلمة التوحيد تتفرع كلُ الفضائل من أعمال وأقوال..كمثل فروع الشجرة

 

وفي الآية ملمح عجيب..

حيث أسند الصعود إلى الكلم..فقال"إليه يصعد الكلم الطيب"..في حين تولى سبحانه رفع العمل الصالح فقال"والعمل الصالح يرفعه"

وهنا يتنازع أمران..فيقال :أيهما أشرف :الكلم الطيب..حيث له قوة ذاتية يصعد بها

أم العمل الصالح الذي يرفعه الله بنفسه؟!

 

تأملت  وتدبرت..فانتهيت إلى أن الكلم الطيب أشرف من حيث كون كلمة التوحيد داخلة في مسماه بل هي على رأسه..

والعمل الصالح أشرف من حيث كونه دليلا على صحة الكلم الطيب..

فإن قيل كيف يسوغ تقديم شيء أسنده الله لغيره على شيء أسنده لنفسه؟ ولماذا لا يقال العمل الصالح مقدم دون تفصيل مادام أن الله أضاف رفعه لنفسه؟

قيل:إن حقيقة وجوهر الكلم الطيب كما تقدم كلمة التوحيد وما يتفرع عنها..ولما كانت  مشتملة على الركنين الأصليين :الشهادة بالوحدانية والألوهية والشهادة بالرسالة

فهي بذلك مؤيدة أصلا من الله تعالى لدرجة جعلته يسند الصعود إليها

وبيان ذلك..بالمثال:-

رجل كافر قبل أن يموت بساعة قال كلمة التوحيد ولم يعمل عملا قط..فإنه لو كان صادقا..يدخله الله الجنة

لأن كلمته صعدت من فورها

والمعنى أنه لما كانت كلمة التوحيد أجلى حق وأعظم الصدق وأس الخير ..استغنت بما تتضمنه من وزن عظيم في عين الله تعالى  أن يسند الله رفعها إليه كأنها استقلت بنفسها..

 

هذا إذا اعتبرنا أن الضمير في قوله "والعمل الصالح  يرفعه" يعود إلى الله سبحانه..

وقيل إن الضمير يعود إلى العمل الصالح فيكون المعنى"إليه يصعد الكلم الطيب"..والذي يرفع هذا الكلم الطيب هو العمل الصالح

أي أن الأقوال المجردة لا تقبل مالم تؤيد بعمل صالح..وصلاحه في أمرين :

الإخلاص والمتابعة للهدي النبوي ..على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم..

وهذا قول صحيح أيضا..ومعتبر وبذا يتميز القرآن وتظهر بلاغته وإعجازه..حيث الكلام القليل يؤدي المعاني الكثيرة الجليلة

فمن المقرر عند كبار المحققين  أنه يجوز حمل الآية على  أكثر من معنى مادام محتملا..بل هذا هو الواجب واللائق بكلام الرب الجليل..وهو سبحانه نزل أحسن الحديث وأراد له أن يكون كذلك..

 

وعودا على العزة..لقائل أن يقول..إذا كانت جماع تحقيق العزة للأمة هو تحقيق هذين الشرطين..(الكلم الطيب والعمل الصالح)..فماذا بقي إذن؟..أليس هذا هو ملخص الإسلام كله؟!

الجواب:نعم..فإن إعزاز الأمة بأن تسود لابد فيه من عودة الأمة إلى كتاب ربها وسنة نبيها..

بدليل أن الله تعالى  خص المؤمنين بنوال العزة فقال "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين"..ولم يقل وللمسلمين  في موضع قط..بل كل المواضع تشترط مرتبة الإيمان..

 

هذا هو شرط العزة لأمتنا..كما قال تعالى"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة"..أي طبقوا شرائع الإسلام كلها..بخلاف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كأهل الكتابين فإنهم نسوا حظا مما ذكروا فكان عاقبتهم التفرق

فإذا فعلنا مثلهم كانوا هم أسود علينا بقوتهم..

وعلى رأس العمل الصالح بعد الفرائض:الجهاد في سبيل الله تعالى فإنه ما تركه قوم إلا أذلهم الله ..ومفهوم الجهاد الواسع يدخل فيه الفرائض أصلا..ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم:ذروة سنام الإسلام..

 

بخلاف بعض شعب الإيمان..فإن الصدقة تورث البركة في المال وغير ذلك..

وبر الوالدين يورث التوفيق ..وأعرف بعض الفساق في كل شيء سوى أنهم بارون بآبائهم..

فوجدت الله يوفقهم في أعمالهم..

وبهذا يعلم أن دور الكلمة ليس هينا كما يصوره أنصاف المثقفين بل هو قسيم العمل..بل قل هو مفتاح العمل ومبدؤه ومنطلقه

 

وهكذا فتجد لكل خصلة ما يستتبعها من آثار حميدة خاصة بها..

أمّا أن يعز الله هذه الأمة..فعليها أن تقبل على الإسلام بكليته..لأنها تعني حالة المعافاة الطبعية للأمة المحمدية

وبقدر ما يتحصل لها من ذلك..بقدر ما يتبدل حالها ..

 

ثم قال سبحانه "والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر ألئك هو يبور"

قوله:لهم عذاب شديد..أي في الآخرة

أما الدنيا:فمكرهم هو يبور

 

وكان يصح أن يقال لغة "ومكر ألئك يبور"..بحذف (هو)..ويكون أوجز في العبارة كما عليه بلاغة العرب

لكن الله أقحم (هو) لا عبثا –سبحانه وتعالى-..ولكن هذا يسمى ضمير الفصل يأتي للتوكيد..أي مكرهم هو هو ذاته يبور وبهذا ينقطع الشك لدى السامع حتى وإن  كان مدركا أن مكر أمريكا ومن حالفها لتزول منه الجبال.. فمكر الله بهم أعظم لكنه لا يستظهر على الواقع ..إلا إذا نحن حققنا "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"


الكاتب: م.أبو القاسم المقدسي
التاريخ: 28/12/2006