اشتقت لأكل الزبدة، فهل لي من فتوى؟ |
|
اشتقت لأكل الزبدة، فهل لي من فتوى؟!
بقلم الدكتور : وسيم فتح الله
هذا نداء مكلومٍ من هذه الأمة، لقد ضيقوا علينا حتى منعونا الحليب والزبدة، هؤلاء العلماء المتشددون المتنطعون، هذا دأبهم يحرمون ويمنعون، بالأمس حرمونا الاختلاط وفرضوا الحجاب على البنات، واليوم بحجة شتم النبي يمنعون علينا الزبدة والشوكولاتات، فهل مِن ثلة العلماء مَن يجدد الإسلام بسماحته، ويطلقنا من ضيق التشدد إلى يسره ورحابته، أغيثونا فإني قد اشتقت لأكل الزبدة...
هذا نداء من يخاف تشويه سمعة الإسلام، ويريد سد الذرائع كي لا تنفر منه الأنام، فديننا كما أعلم دين حب وسلام، يُرفع فيه الصليب مع المنبر في حب ووئام، وإن كانوا شتموا نبينا فهم لا يقصدون الدناءة، والعيب فينا حين نرد بالعنف والإساءة، ألم يكن الأحرى بنا أن نرسل إليهم اعتذاراً، لأننا نردد الأذان خمس مرات جهاراً، وفي كل مرة نشهد أنه النبي الرسول، وفي هذا تحريض على أتباع موسى وابن البتول، أليس من واجبنا سعة الصدور واحترام كل الأنبياء، فلم لا ننوع في كل أذان ونتخير من الأسماء، وهكذا نبين للعالم أن ديننا دين تعايش مع الآخر، سواء أكان مع المسلم أم مع الكافر، فهلا عجلتم النظر في هذه المسائل المعقدة، فإني بشوقٍ شديد إلى تناول الشوكولاته المزبَّدة...
يبدو أن اقتراحاتي لاقت عند أولي الأمر استحباباً، فقد أمروا لمجلس الفتوى انعقاداً، ووجّه ولي الأمير أطال الله في عطائه الزاخر، ألا يحضر المجلس حاقدٌ أو متحاملٌ على الكافر ، وكان حظ المجلس من الإفتاء التوقيع وإلقاء البيان، فقد كانت قراراته مقررة منذ حين من الزمان، وكان يعوزها حفلة من حفلات الدروايش، وحضور بعض أصحاب العمائم والطرابيش، لا سيما أن مقررات المجلس أجنبية دخيلة، وأنها لم تدخر في تجديد الدين أي حيلة، وهكذا قرر المجلس مؤتمراً لنصرة خاتم النبيين، ورأوه مناسبةً لتمرير قرارات المجلس الأمين، فلننظر بسرعة إلى قراراته المعتمدة، فإني باشتياق شديد لتناول الطعام والزبدة...
قرارات مجلس التسامح الإسلامي قليلة، غير أنها تخدم الدين خدمة جليلة، ومحاوره تدور حول ثلاث أشياء؛ حب الغير والديمقراطية والنساء، أما حب الغير فعالمية الإسلام تقتضيه، ولا يمنع منه إلا مكفِّرٌ سفيه، والديمقراطية ضرورة يفرضها فقه الواقع، ومن يرفضها فهو في سراديب التاريخ قابع، وأما النساء فهن اللواتي يقوم بهن المجتمع، فهن النصف والنصف الثاني منهن ارتضع، فلتكن المرأة إذاً وزيرة وحاكمة، ولنزفع عنها هذي القيود الجاثمة؛ حجاب عورة ومنع اختلاط، ألا برفع هذا فليكن الاغتباط، ولا تلتفتوا لأقوال المشددين، وقولوا للناس عنهم : وهابيين وسلفيين، وبينوا لهم أن المرأة في غنى عن التكاليف الجسدية، إن هي حلَّقت بروحانية وصوفية، فهذا لعمري تحقيق مقام الدين، وهذا هو العشق لرب العالمين، وعندها سوف نتمكن من تخفيف الأعباء والشدة، وأستطيع تناول الشوكولا مدهونةً بالزبدة...
انتهى اجتماع مجلس التسامح الإسلامي، وحان وقت إلقاء بيانه الختامي، ودعي إليه الصحفيات والصحفيون، نصارى ويهود ملحدون وبوذيون، وألقى الناطق على الحضور تحية السلام، فاعترض النصراني بأنها تحية الإسلام، وأن عليه تغييرها تحقيقاً للتعايش المنشود، وارتبك الناطق لهذا الطلب غير المعهود، وبعد بلع ريق وعبور للغصة، قال: جود مورنينغ واعتلى المنصة، ولما بدأ الناطق الرسمي ببسم الله الرحمن الرحيم، اعترض صحفي يهودي قائلاً: هذا اعتداء على الساميين، أليس الله يذكرنا وينسبنا إلى القرود والخنازير، فكيف تذكر اسمه في هذا البيان الخطير؟ تلعثم الناطق وارتبك اللسان، وارتعدت فرائصه وخفق منه الجنان، ولكنه استدرك حاله بجوابٍ لئيم، واعتذر بأن الييان مطبوعٌ على ورقٍ قديم، وأسقط الناطق البسملة إسعاداً لليهود، وأكد أن ذاك سهوٌ ليس بمقصود، وأخذ يقرأ الناطق بيان مجلس التسامح الإسلامي، ليعلن للناس مقرارات الاجتماع الختامي، وأراد أن يمهد للتعايش وحب الغير كي يتآلفوا، فقرأ :" إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، فاستدرك الملحد وصرخ بصوته الحانق، هذا فرضٌ لعقيدة الإيمان بالخالق، كيف تريدون أن نتعايش أيها المسلمون، وأنتم تفرضون عقائدكم علينا وتصرون، فأخذ الناطق يتلفت ذات الشمال وذات اليمين؛ أليس بين الحضور أحدٌ من المسلمين؟ فأجابه المسؤول الإعلامي بجوابٍ مبين، كلا! لا يوجد أحد من المسلمين، فالصحفيون المسلمون انقسموا أقساماً ثلاثة، أسيرٌ وشهيدٌ ومتابعٌ لأخبار الدياثة، أما الأسير فرمَوه بالغباوة والرجعية والجنون، وخنقوا صوته وألقوه في غيابة السجون، هكذا كانت الأوامر من بني صهيون، وأما الشهيد فقد أصابته قنبلة وشجت رأسه شظية، وذاك حين كان يوثق لآخر مجزرة صليبية، وكم قضى قبله من الصحفيين المسلمين، بين أحداث الفلوجة وغروزني وجنين، وأما من بقي ممن ينتسب للإسلام، فهو يصور راقصةً تلهو وترقص وتنام، فألق كلمتك سريعاً حتى ننهي المقاطعة، فقد أثارت في بيوت المسلمين المواجعا، حياتهم جحيم منذ أفتى بالمقاطعة المتشددون، فلا زبدة يأكلون ولا نيدو يشربون، يارب أسألك الفرج ورفع الشدة، فقد اشتقت كثيراً لأكل المربى بالزبدة...
تمعَّر وجه الناطق ومزق الأوراق، أي زبدة وبيانٍ أيها الأفاك، غيَّرنا السلام وشطبنا البسملة وحذفنا الآيات من الخطاب، فماذا بعد يريد منا هؤلاء الكلاب، دلني بالله عليك أين المجزرة القادمة، فإني ماضٍ إليها أسجل للتاريخ ملاحما، وإن كنت تريد الفتوى المارقة أيها المأفون، فعندك بلاط الأمير وعلماء السوء المبطلون، أما أنا فلست أطعم طعاماً ولا أذوق شراباً، مذ وجدت التقريب خدعة وسراباً، مزقت أوراقي رميت أقلامي وأخذت بالسنان، أذود عن حمى ديني وأرفع الفرقان، سأفرض بدمي جزية على صليبهم والأوثان، سأقتل خنزيراً يرتع في الأحقاف والكثبان، وأسبي روميةً تجرأت على النبي والقرآن، سأمضي إلى حيث عالِمٍ يقول الحق بلا خوفٍ أو وجل، سأمضي إليه وإن كان فيه حلول المنية والأجل، فما العيش إن لم تكن أشلاء ودماء وعبادة، عسى الله يغفر غفلتي الماضية ويرزقني الشهادة...