بداية نهاية الحقبة الامريكية ـ الحلقة الرابعة

 

بداية نهاية الحقبة الامريكية
(4)
محمد فلاح الزعبي

لقد سبق العدوان على العراق ظهور حركة عالمية قوية مناهضة للحرب. ورغم أن هذه الحركة لم تتمكن من إيقاف العدوان إلا أنها، وعلى خلاف ما يدعيه الكثيرون من أنها كانت بدون جدوى، حققت الكثير من المنجزات الملموسة. فقد استطاعت هذه الجماهير المحتجة في كل مكان عبر العالم من أن تجعل من العدوان الحاصل لا يستهدف العراق وحده بل يستهدف كل المتمردين على الولايات المتحدة الأمريكية والذين صرخوا بعبارة لا للحرب على العراق. من هنا انقسم العالم إلى أقلية من الرأسماليين الاستعماريين المغامرين المتواجدين في المراكز الرأسمالية الكبرى بدول الشمال، وأغلبية شعبية ساحقة رافضة للإمبراطورية المالية التي يتم تشيدها على حسابهم وهم يتواجدون عبر مختلف بقاع العالم.

لا يتكون التحالف الدولي الذي ساند واشنطن في عدوانها على العراق إلا من 46 دولة من بين 191 دولة عضو في الأمم المتحدة، وهي بذلك لا تشكل سوى 19 % من مجموع سكان العالم. لكن أغلبية سكان هذه الدول كانوا مناهضين للعدوان.

النتائج التي استطاعت الحركات المناهضة للحرب تحقيقها: ( )
1 –كان بإمكان جورج بوش في غياب هذه الحركة أن لا يسعى للحصول على ترخيص من الأمم المتحدة لتنفيذ عدوانه على العراق، الشيء الذي لم يكن ليسمح بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين إلى العراق.
2 – لقد تركت هذه النتيجة الأولى الوقت الكافي لحركات السلام الدولية للاستمرار في تنظيم نفسها وتحقيق المزيد من التعبئة.
3 – أنهت حركة مناهضة العدوان على العراق أمل جورج بوش في الحصول على شرعية دولية من خلال الضغط على الدول داخل مجلس الأمن لتمرير قرار شن العدوان.
4 – تمكنت حركة مناهضة الحرب التي خرجت يوم 15 فبراير 2003 من منع تحقيق الأغلبية اللازمة المساندة لنوايا واشنطن العدوانية.
5 –دفعت ضغوطات الشارع في كل من ألمانيا وفرنسا كل من شرودر وجاك شيراك إلى عدم التنازل للولايات المتحدة الأمريكية داخل مجلس الأمن. نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لكل من المكسيك والباكستان والشيلي الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن.
6 – دفع موقف الرأي العام البريطاني المناهض للحرب كاتب الدولة في الشؤون الخارجية جاك سترو إلى التصريح بأن لا سبب يدعو إلى الاشتراك في عمل عسكري ضد سوريا أو إيران.
7 – بلغت المعارضة الجماهيرية في إسبانيا المناهضة لموقف خوسي ماريا أزنار المساند لجورج بوش نسبة 91 % من السكان الشيء الذي يرخي ضلالا قاتمة على مستقبله السياسي خلال انتخابات السنة المقبلة.

إن الحركة العالمية المناهضة للحرب من شأنها القيام مستقبلا بالكثير من النضالات لإفشال المخططات الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية. ونظرا لأن الحروب المستمرة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية هي عبارة عن ترجمة حرفية لمصالح اليمين المتطرف والمصالح الرأسمالية العالمية فإن مساحات النضال في المستقبل يجب أن تستهدف عددا من مقومات المنظومة الرأسمالية العالمية .

فالنضال الذي يجب أن يؤدي إلى إفشال المشروع الإمبريالي الأمريكي متعدد الأشكال بطبيعة الحال. فهو يتطلب نضالا ديبلوماسيا عبر الدفاع عن القانون الدولي والمواثيق الدولية، ونضال عسكري عبر إعادة تسليح كافة دول العالم لمواجهة مشاريع العدوان المبرمجة لواشنطن – وعدم نسيان أبدا بأن الولايات المتحدة قد استعملت الأسلحة النووية عندما كان لها احتكار هذا السلاح وأنها امتنعت عن ذلك الاستعمال عندما لم تعد تحتكره. ثم نضال سياسي عبر العودة إلى الفعل الجماهيري الشعبي لكونه الوحيد القادر على تأسيس قوة موازنة في مواجهة التحكم المطلق للرأسمال على الصعيد العالمي.

كما أن النجاح في هذا الصراع سيبقى رهينا بالقدرة على تحرير الأفكار من الأوهام الليبرالية والعولمة والخوصصة ونظام السوق، التي يستند عليها الغزو الإمبريالي الرأسمالي لتفكيك الدول والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية. فعلى المستوى الواقعي لن يكون هناك أبدا اقتصادا ليبرالي معولم، ومع ذلك يحاول اليمين المتطرف إقناعنا بهذا الوهم، ويستمر في محاولته تلك بجميع الوسائل، مستعينا في ذلك بخطاب البنك الدولي الذي يعمل كبوق دعاية لإملاءات عصابة واشنطن التي تستهدف الهيمنة المطلقة على العالم.


الكاتب: محمد فلاح الزعبي
التاريخ: 20/04/2008