الأقوال المهدية إلى العمليات الإستشهادية .. ــ تقديم الشيخ حامد العلي |
|
مقدمة بقلم الشيخ حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فقد قرأت هذا البحث القيـّم الذي كتبه طالب العلم تركي آل بن علي وفّقه اللّـه ، فألفيْتـه بحثا قيّما بيّـن فيه الأدلة على مشروعية العلميات الإستشهادية بالضوابط المعروفة التي ذكرها أهل العلم ، وردّ على الشبهات التي أثيرت حولها ، والتي طـارت بها وبفتاوى الإنهزام وسائل الإعلام المأجورة ، لاسيما بعدمـا تبيّن أثـر العمليات الإستشهادية العظيم في النكاية بأعداء الله تعالى ، وأنها الركن الركين ، والمحور الأساس ، في معادلة النصر الإسلامية على العدوان الصهيوصليبي على أمّتنـا الإسلامية .
هذا ، وممـّا يستدل به ـ إضافة إلى الأدلّة المشهورة ـ من النصوص الواضحـة في هذه المسألة المهمة ، ما رواه الإمام أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، في حديث ذكـر يأجوج ومأجوح ، وفيه : " فبينمـا هـم على ذلك ، إذ بعث الله دودا في أعناقهم ، فيصبحون موتى لايسمع لهم حـس ، فيقول المسلمون : ألا رجـل يشري نفسه ، فينظـر ما فعل هذا العدو ، قال : فيتجرّد رجل منهـم لذلك ، محتسبا لنفسه ، قد وطـّـن نفسـه على أنّه مقتول " .
ووجه الدلالة في قوله " يشري نفسه " ، وفي قوله : " وطّن نفسه على أنه مقتول " ، وهو واضح في أنه يجوز للمسلم أن يبيع نفسه فيوردها مورد الموت المحققّ في ظاهـر الأمـر ( وطّن نفسه على أنّه مقتـول) ، فداءً للإسلام وأهله ، وإذا جاز أن يجعل موته دليلا على استمرار الخطـر ليحفـظ المسلمين في مأمنهم ، فكيف لايجوز أن يجعـل موته سببا في زوال الخطـر عن الإسلام وأمّـة الإسلام ، لاسيما وقـد تبين جليـّـا أن العمليّات الإستشهادية بشروطها الشرعيـّة ، هي السبب الرئيس في حفظ العناصر الجهادية التي يستهلكها الإشتباك المتواصل ، مع جيش يفوق المجاهدين في العدّة والعدد بأضعاف مضاعفـة ، خاصـّـة فـي حروب المدن .
وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث المسلمين ، وأن يكتب لكاتبه ثواب الآخــرة ، والله ولـيّ التوفيــق ..
حامد بن عبدالله العلــي
الأقـــــــوال المهديـــــــة
إلى
العمليـــــــــــات الاستشهاديــــــــة
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم ربي، وأسألك أعلى رتب الشهادة، وأشهد أن لا إله إلا أنت، وأستودعك هذه الشهادة، وأستغفرك لما تعلمه مني, وأنت عالم الغيب والشهادة، [مقدمة الإمام ابن النحاس في مشارع الأشواق]
وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والملحمة الضحوك القتال، وعلى الصحب والآل، الأمجاد الأنجاد خيرة الرجال، وعلى من اهتدى بهداهم وتخلق بأخلاقهم وبمثل ما قالوا قال، أما بعد: فهذه كلمات قليلة، بحثت فيها مسألة جهادية نازلة، بعد رجوعي المتواضع إلى بطون الكتب وصدور الرجال، متحرياً في ذلك الهداية في البداية والمآل،
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 28/442: قال الإمامان عبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم، لأن الله يقول: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا )[العنكبوت 69]. أهـ
فكان منهاجي في هذا البحيث وغيره أن آخذ من كل أهل فن فنهم، مع عرض كلامهم على الكتاب والسنة لا على غيرهم، امتثالاً لقوله تعالى: ( فردوهُ إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) [النساء 59] آمنا يا ربنا، آمنا يا ربنا، آمنا يا ربنا.
تمهيــــــــــد:
عندما يتطاول أحدٌ على النحلة في مملكتها، تدفعه بلسعةٍ منها، وفي هذه اللسعة تكسر إبرتها وتموت، نعم تموت، هكذا يقول علماء الحشرات.
الله أكبر ما أعظم تضحية النحل، لأجل الحفاظ على بيضته وحماه، وقد فقه هذا النحل ما لم يفقه كثير مِن مَن يرتدي لباس العلماء ويتحدث بلسانهم، فسبحان الله الذي خلد اسم النحل في القرآن الكريم.
سُئل أحدهم: العمليات الانتحارية تضر بالأعداء، فهل نفرح ؟ فأجاب بسوء أدب: أن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر. أهـ
قال الله تعالى: ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )[ص 28]
ورحم الله ابن القيم إذ يقول:
من كان هذا القدر مبلغ علمه *** فلـــيستتر بالصمت والكتمانِ
الباب الأول:
فصل غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه:
عن ثابت بن الضحاك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل نفسه بشيءٍ عذب به يوم القيامة ) متفق عليه
وعن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا. فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره. ومال الآخرون إلى عسكرهم. وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ لا يدع لهم شاذةً إلا اتبعها يضربها بسيفه. فقالوا: ما أجرأ منا اليوم أحدٌ كما أجرأ فلانٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما إنه من أهل النار ) فقال رجلٌ من القوم: أنا صاحبه أبداً. قال: فخرج معه. كلما وقف وقف معه. وإذا أسرع أسرع معه. قال: فجُرح الرجل جرحاً شديداً. فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابهُ بين ثدييه. ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله. قال: ( وما ذاك ؟ ) قال: الرجلُ الذي ذكرتَ آنفاً أنهُ من أهل النار. فأعظم الناس ذلك. فقلت: أنا لكم به. فخرجت في طلبه حتى جرح جرحاً شديداً. فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابهُ بين ثدييه. ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند ذلك: ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) أخرجه مسلم. قال الخطيب البغدادي: وكان من المنافقين. بواسطة شرح النووي.
فصل هل كل من قتل نفسه في النار ؟
عن جابر رضي الله عنه، أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! هل لك في حصنٍ حصينٍ ومنعةٍ ؟ ( قال حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. هاجر إليه الطفيل بن عمرو. وهاجر معه رجلٌ من قومه. فاجتووا المدينة. فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئتهُ حسنةٌ. ورآه مغطياً يديه. فقال لهُ: ما صنع بك ربك ؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: مالي أراك مغطياً يديك ؟ قال قيل لي: لن نُصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم ! وليديه فاغفر ) أخرجه مسلم وأحمد.
وجاء في حديث سلمة بن الأكوع المتفق عليه، لما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصرٌ، فتناول به ساق يهوديٍ ليضربهُ، ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبةَ عامرٍ. فمات منه. قال يزيد مولى سلمة: فلما قفلوا قال سلمة وهو آخذٌ بيدي: فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتاً قال: ( مالك ؟ ) قلت له: فداك أبي وأمي ! زعموا أن عامراً حبط عمله. قال: ( من قالهُ ؟ ) قلت: فلانٌ وفلانٌ وأسيد بن حضير الأنصاري. فقال: ( كذب من قالهُ. إن لهُ لأجران ) وجمع بين إصبعيه: ( إنه لجاهدٌ مجاهدٌ. قل عربيٌ مشى بها مِثلهُ ). قال النووي: فله أجر بكونه جاهداً أي: مجتهداً في طاعة الله تعالى شديد الاعتناء بها، وله أجر آخر بكونه مجاهداً في سبيل الله.
الباب الثاني:
فصل الأدلة على مشروعية العمليات الاستشهادية من الكتاب وقولـــه تعالى ( أطيعوا الله ) [النساء 59]:
قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون.. ) الآية [ التوبة 111]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله.
وقرأها الدوري: ( فيُقتلون ويَقتلون ). انظر علوم القرآن لمناع القطان. قال الدكتور أحمد محمد نور: هل يمكن أن يُقتل الرجل ويَقتل ؟!؟ نعم يمكن، العمليات الاستشهادية مثلاً. وقال الشيخ الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب: فلا فرق عند من باع نفسه لربه، بين رصاصة يستقبلها في صدرِ مقبلٍ غير مدبر، وبين حزام ٍ ينسف به الأعداء وإن قطع النياط ومزق الأشلاء. الدلائل الجلية على مشروعية العمليات الاستشهادية ص4
وقال تعالى: ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ) [ البقرة 207]، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم، [ تفسير القرطبي 2 / 361 ]. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في سننه أن هشاماً بن عامر الأنصاري رضي الله عنه حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا: ألقى بنفسه إلى التهلكة، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما بقوله تعالى: ( ومن الناس من يشري... ) الآية. وروى القرطبي في تفسيره أن هذه الآية نزلت فيمن يقتحم القتال، ثم ذكر قصة أبو أيوب.
وقال تعالى: ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرُونَ الحياة الدنيا بالآخرةِ ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيهِ أجراً عظيماً ) [النساء 74] قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير قوله تعالى ( الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ): أي يبيعون الدنيا رغبةً عنها، بالآخرة رغبةً فيها. أهـ وقال العماد ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( فيُقتل أو يغلب ): أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قُتل أو غلب وسلب فله عند الله مثوبةً عظيمةً وأجراً جزيلاً، كما ثبت في الصحيحين: ( وتكفل الله للمجاهد في سبيله، إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ وغنيمة ).
وقال تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) [ الأنفال 60] قال الإمام الجصاص: عن محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة: أن رجلاً لو حمل على ألف رجل وهو وحده، لم يكن في ذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه يجرئ المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل، فيقتلون وينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله، وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن ذلك أفضل النكاية وفيه منفعة للمسلمين. ووافقه الجصاص فقال: والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح. أحكام القرآن 1/327 - 328 وقال الشيخ العلامة حمود بن عقلا الشعيبي: والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم. الفتاوى الندية في العمليات الاستشهادية ص7.
وقال تعالى: ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) [ التوبة 52] قال العماد ابن كثير في تفسيره: شهادة أو ظفر بكم.أهـ فالمجاهد الذي يقوم بالعملية الاستشهادية هو يطلب الحسنيين معاً، والخيرين جميعاً، فهنيئاً له.
فصل الأدلة على مشروعية العمليات الاستشهادية من السنة وقوله تعالى ( وأطيعوا الرسول ) [النساء 59] :
في الحديث المتفق عليه: كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر فبعث إليه غلاماً يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ; فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا جئت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا جئت أهلك فقل حبسني الساحر ; فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبست الناس فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب فأخذ حجراً فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس ; فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فلا تدل علي ; وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليسٌ للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما هاهنا أجمع لك إن أنت شفيتني قال إني لا أشفي أحد إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله ; فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال ولك ربٌ غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما يبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل ; فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار على مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم به ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ; فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك فقال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك فقال كفانيهم الله ; فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ وتصلبني على جذعٍ ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارم فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ; فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ وصلبه على جذعٍ ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام ; آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها. فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون فجاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق.
ووجه الدلالة من موضعين:
الأول: أن الغلام دل الملك على كيفية قتله، إذ لم ولن يستطع قتله لولا إقدام الغلام على إعلامه، والفقهاء يقولون: الدال على قتل نفسه كقاتلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/540: وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا أحب الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. أهـ
والذي يفرق بين الدال على قتل نفسه في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وبين من يقتلها في سبيل الله لإعلاء كلمة الله هو كالظاهرية سواءً بسواءٍ، حيث أجازوا أن يبول الرجل في كوب ثم يسكبه في الماء الراكد والنهي عن البول في الماء الراكد لا في الكوب، والغلام دل على قتل نفسه ولم يقتلها بنفسه !!!
قال الشيخ المحدث سليمان العلوان: عمر يقول لو تمالئ أهل صنعاء على قتل رجل واحد لقتلتهم به جميعاً. فالمتسبب في الشيء كفاعله، الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينغمسون في العدو، يتسببون في قتل أنفسهم، والمتسبب في الشيء كفاعله. مكالمة هاتفية مسجلة
وقال الشيخ حامد العلي عن الغلام: فقد أعان على قتل نفسه من أجل إحياء الدين، فدل على جواز أن يسعى المجاهد في قتل نفسه لمصلحة جهادية راجحة.فتوى منشورة للشيخ
الثاني: في قوله: ( فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون ) ذلك أنهم كانوا يلقون أنفسهم في النار بأنفسهم. فهل كانوا منتحرين ؟!؟
وأخرج أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ( لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، وجدت رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل ؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، قلت: ما شأنها ؟ قال: بينما هي تمشط بنت فرعون، إذ سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله. قالت بنت فرعون: أبي ؟ فقالت: لا، ولكن ربي وربك ورب أبيك الله. قالت: وإن لك رباً غير أبي ؟ قالت: نعم. قالت: فأعلمه بذلك ؟ قالت: نعم. فأعلمته بذلك، فدعا بها فقال: يا فلانة ! ألكِ رب غيري ؟ قالت: نعم، ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحداً واحداً، فقالت: إن لي إليك حاجة. قال: وما هي ؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدقنا جميعاً. قال: ذلك لكِ بما لكِ علينا من حق. فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنها تقاعست من أجله، فقال لها: يا أمه اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فاقتحمت ).
ووجه الدلالة في قوله: ( اقتحمي... فاقتحمت ) فهل هذه أيضاً منتحرة ؟!؟ ولِم لَم يكن مثواها إلى النار ؟!؟
قال الشيخ حامد العلي: فهي قد ألقت نفسها بنفسها إلى الموت في ذلك التنور، لتحقيق الهدف نفسه الذي أراده أصحاب الأخدود، مع أنها تسببت في قتل أولادها معها أيضاً بإصرارها على الإيمان وتحدي الطاغوت، والشموخ أمامه بعزة التوحيد.فتوى منشورة للشيخ
والقاعدة الأصولية تقول: شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم يخالف شرعنا. انظر معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة لمحمد الجيزاني.
ولم يأت ما يخالف هذه الفعلة في شرعنا، كما قال الشيخ المحدث سليمان العلوان: لم يأتي نص في تحريمها، في شرعنا جاء ما يؤيدها. مكالمة هاتفية مسجلة
وقال الشيخ حامد العلي: لا يوجد دليل على أنها نسخــت في شريعتنا. مكالمة هاتفية مسجلة
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( منْ خير مَعَاش الناس لهم رجل ممسكُُ عِنَان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانّه.. ). رواه مسلم
قال الشيخ المحدث سليمان العلوان: أن من ألقى بنفسه في أرض العدو أو اقتحم في جيوش الكفرة المعتدين أو لغم نفسه بمتفجرات بقصد التنكيل بالعدو وزرع الرعب في قلوبهم ومحو الكفر ومحق أهله وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين فقد نال أجر الشهداء الصابرين والمجاهدين الصادقين. الفتاوى الندية في العمليات الاستشهادية ص15
وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذين يلقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، إن ربك إذا ضحك إلى قومٍ فلا حساب عليهم). رواه ابن أبي شيبة (4/569) و الطبراني، وأبو يعلى، وابن المبارك في الجهاد، وأبو نعيم في الحلية، وغيرهم.
قلت: وهل هناك خير من يطلق عليهم هذا الوصف من أصحاب العمليات الاستشهادية ؟!؟
وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهمــا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) متفق عليه.
قال الشيخ المحدث سليمان العلوان: والمقتول في هذه العمليات مقتول من أجل الذب عن دينه وحماية نفسه وعرضه. الفتاوى الندية في العمليات الاستشهادية ص21
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد...). متفق عليه قلت: لم يحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القاتل، ولكن حدد فيم يقتل – في سبيل الله -.
وعن عمرو بن عبسة السُلمي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الجهاد أفضل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من عُقر جواده وأريق دمه ) رواه أحمد والبيهقي
فصل في مشروعية العمليات الاستشهادية من أقوال وأفعال سلف وخلف هذه الأمة وقوله تعالى ( وأولي الأمر منكم ) [النساء 59] وقوله ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) [ النساء 115]:
أولاً: ما جاء عن الصحابة والتابعين:
أ – الانغماس في العدو الكثير والتغرير بالنفس لهو من أوضح الأدلة وأبينها على جواز العمليات الاستشهادية :
جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن عاصم بن محمد بن قتادة قال: قال معاذ بن عفراء: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده ؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً. قال: فألقى درعاً كانت عليه، فقاتل حتى قتل. وصححه ابن حزم في المحلى (7/294) وذكره الطبري في تاريخه (2/33) عن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، وهكذا في سيرة ابن هشام (3/175).
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى جنة عرضها السماواتُ والأرضُ ) فقال عمير بن الحُمام الأنصاري: يا رسول الله ! جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال: ( نعم ) قال: بخٍ بخٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءةَ أن أكون من أهلها. قال: ( فإنك من أهلها ) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلةٌ. فرمى بما كان معه من التمرِ ثم قاتلهم حتى قتل. قال النووي: فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء.
وقصة أبو أيوب في القسطنطينية معروفة مشهورة، وفيها أن رجلاً من المسلمين حمل على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ؟ فقام أبو أيوب. فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل إنما نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سراً، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الآية …إلى آخر الحديث. صححه الألباني وقال: وفي الحديث ما يدل على جواز ما يعرف اليوم بالعمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الشباب المسلم ضد أعداء الله. صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 2/119
وكما روى أهل السير، وابن المبارك في كتاب الجهاد (1/134) قصة البراء بن مالك وإلقاءه نفسه بين المرتدين من بني حنيفة.
وفي بعض المصادر، أنه أمر أصحابه أن يحملوه على ترسٍ على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم، وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة، وجرح يومئذٍ بضعةً وثمانين جرحا، وأقام عليه خالد بن الوليد يومئذٍ شخصاً يداوي جراحه. ونحو هذا في ثقات ابن حبان ( 2/175 ) و تاريخ الطبري (2/281) و غيرهما. قلت: فلو مات حينها هل سيُعد من المنتحرين ؟!؟
وحمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع ( 1 /545 ).
وفعل عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه. ذكره ابن النحاس في المشارع ( 1 / 555 ).
ونقل البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع: الجنة تحت ظلال السيوف. فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل.
وقصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال: واهاً لريح الجنة، ثم انغمس في المشركين حتى قتل. متفق عليه
وفي الصحيحين قصة حمل سلمة بن الأكوع والأخرم الأسدي وأبوقتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه، فأثنا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ) قال ابن النحاس في مشارع الأشواق 1/540: وفي الحديث الصحيح الثابت: أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده، وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصاً في طلب الشهادة، كما فعل سلمة والأخرم الأسدي، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أباقتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأن إلى أن يلحق به المسلمون. اهـ
وكما روى ابن أبي شيبة عن مدرك بن عوف الأحمسي قال: كنت عند عمر رضي الله عنه فقال….وفيه: يا أمير المؤمنين، ورجل شرى نفسه، فقال مدرك بن عوف: ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه ممن اشترى ال
الكاتب: تركي آل بنعلي
التاريخ: 28/12/2006