تطل علينا في أيام (محرّم) ذكرى أليمة وفاجعة من فجائع الدهر ، تلك هي ذكرى (مقتل الإمام الحسين ومن معه من آل البيت) بكربلاء حيث (الكرب والبلاء).
والمؤمن إذ يتذكر مثل هذه الفاجعة لا يملك إلا أن يتمثل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنها من أعظم المصائب). (رواه البيهقي وإسناده صحيح بمجموع طرقه)
فإنّ المصيبة بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تفوق كل المصائب.
وحال المؤمن ليس كحال غيره من الناس ، فهو الشاكر الحامد عند النعمة ، والصابر المسترجع عند المصيبة كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن. إنّ أمره كله خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيراً له). (رواه مسلم)
ذكرى (مقتل الإمام الحسين) بما صاحبها من آلالام وأحزان تسوق معها بعض الحقائق التي لا بد أن يُسلط عليها الضوء ، فقد حان للناس أن يُدركوا الحقيقة المرة التي طالما غفلوا عنها.
من قتل الإمام الحسين؟
يتحمل تبعة مقتل الإمام الحسين عدة أطراف أولها النواصب كـ(عبيد الله بن زياد وشمر بن الجوشن) فهما الطرفين المباشرين في قتل الإمام الحسين.
أما الخليفة الأموي (يزيد بن معاوية) فيتحمل تبعات هذا المقتل على خلاف بين العلماء والمحققين في هذا الشأن بسبب الروايات التاريخية المتناقضة الواردة في حقه ، فمنهم من ينسبه إلى التورط بقتل الإمام الحسين ومنهم من ينسبه إلى البراءة من دم الإمام الحسين لكنه لا يبرأه من التساهل مع قتلة الإمام الحسين وعدم معاقبتهم.
لكن التبعة الكبرى تبقى على الذين راسلوا الإمام الحسين ووعدوه بالنصر ثم غدروا به وأسلموه إلى عدوه بل شاركوا بقتله.
فهل كان قتل الإمام الحسين عليه السلام على أيدي موتورين من جيش الشام؟
الإجابة: لا
إنّ التاريخ ليشهد بأنّ الذين قاتلوا الإمام الحسين هم أهل الكوفة أنفسهم الذين راسلوه طالبين منه النجدة.
يقول الشيخ كاظم الإحسائي النجفي:" إنّ الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين عليه السلام ثلاثمائة ألف، كلهم من أهل الكوفة، ليس فيهم شامي ولا حجازي ولا هندي ولا باكستاني ولا سوداني ولا مصري ولا أفريقي بل كلهم من أهل الكوفة، قد تجمعوا من قبائل شتى". (كتاب عاشوراء ص89)
يقول الشيخ حسين كوراني في كتابه (في رحاب كربلاء ص60-61): " أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون بالخروج إلى كربلاء، وحرب الإمام الحسين عليه السلام، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان، وتغضب الرحمن، مثلا نجد أن عمرو بن الحجاج الذي برز بالأمس في الكوفة وكأنه حامي حمى أهل البيت، والمدافع عنهم، والذي يقود جيشاً لإنقاذ العظيم هانئ بن عروة، يبتلع كل موفقه الظاهري هذا ليتهم الإمام الحسين بالخروج عن الدين لنتأمل النص التالي: وكان عمرو بن الحجاج يقول لأصحابه: "قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة…".
ويقول أيضاً: "ونجد موقفاً آخر يدل على نفاق أهل الكوفة، يأتي عبد الله بن حوزة التميمي يقف أمام الإمام الحسين عليه السلام ويصيح: أفيكم حسين؟ وهذا من أهل الكوفة، وكان بالأمس من شيعة علي عليه السلام، ومن الممكن أن يكون من الذين كتبوا للإمام أو من جماعة شبث وغيره الذين كتبوا … ثم يقول: يا حسين أبشر بالنار …". (المصدر نفسه ص61)
استنجدوا بالحسين ثم غدروا به !
إنّ لأهل الكوفة خصائص نفسية وأخلاقية تميزهم عن سائر الناس يتحدث عنها الشيخ جواد محدثي قائلاً: (" ومن جملة الخصائص النفسية والخلقية التي يتصف بها أهل الكوفة يمكن الاشارة الى ما يلي: تناقض السلوك والتحايل والتلون والتمرد على الولاة والانتهازية وسوء الخلق والحرص والطمع وتصديق الإشاعات والميول القبلية إضافة الى أنهم يتألفون من قبائل مختلفة ، وقد أدت كل هذه الأسباب الى أن يعاني منهم الإمام علي عليه السلام الأمرين ، وواجه الامام الحسن عليه السلام منهم الغدر ، وقتل بينهم مسلم بن عقيل مظلوماً ، وقتل الحسين عطشانا في كربلاء قرب الكوفة ، وعلى يد جيش الكوفة ". (موسوعة عاشوراء ص59)
وقصة الغدر والخيانة بدأت بكتب تترى توالت على الإمام الحسين من أهل الكوفة يطلبون بها منه القدوم إليهم ويعدونه فيها بالنصر المؤزر وبالوقوف معه ضد أعداءه.
يقول الدكتور أحمد النفيس :” كتب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام يقولون : ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، وتوالت الكتب تحمل التوقيعات تدعوه الى المجيء لاستلام البيعة ، وقيادة الأمة في حركتها في مواجهة طواغيت بني أمية ، وهكذا اكتملت العناصر الأساسية للحركة الحسينية وهي :
…. وجود ارادة جماهيرية تطلب التغيير وتستحث الامام الحسين للمبادرة الى قيادة الحركة وكان موقع هذه الارادة في الكوفة تمثلت في رسائل البيعة القادمة من أهلها“. (على خطى الحسين ص94)
ويقول الشيخ كاظم حمد الإحسائي النجفي:
(وجعلت الكتب تترى على الامام الحسين عليه السلام حتى ملأ منها خرجين ، وكان آخر كتاب قدم عليه من أهل الكوفة مع هانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ففضه وقرأه واذا فيه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعة أبيه أمير المؤمنين أما بعد فان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم الى غيرك فالعجل العجل. (كتاب عاشوراء ص85)
وقد بلغت الكتب المرسلة إلى الإمام الحسين قرابة (الاثني عشر ألف كتاب) كما يقول المحدث عباس القمي :”وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في يوم واحد ستمائة كتاب من عديمي الوفاء أولئك وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم ، حتى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب“. (منتهى الآمال 1/430)
فصدّقهم الإمام الحسين وأرسل إليهم ابن عمه (مسلم بن عقيل) ثم لحق به مع أهل بيته لينالوا جميعاً المصير المحتوم.
هؤلاء يبكوننا فمن قتلنا غيرهم؟!
عبارة قالها الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) بعد استشهاد أبيه (الإمام الحسين) حينما رأى أهل الكوفة الذين غدروا بأبيه يبكون عليه اليوم وينوحون.
قال (هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟!). (الاحتجاج للطبرسي 2/29)
ونقل أبو منصور الطبرسي وابن طاووس والسيد محسن الأمين وغيرهم عن الإمام زين العابدين أنه قال لهم أيضاً:
"أيها الناس نشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه، فتباً لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله على آله وسلم إذ يقول لكم: "قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي". (لواعج الأشجان لمحسن الأمين ص206)
تشويه معالم الثورة الحسينية
كانت لثورة الإمام الحسين أهدافاً سياسية وأخلاقية سامية أُهملت وبقي مكانها البكاء والعويل.
أُضيفت على معالم الثورة الحسينية إضافات غريبة بعيدة كل البعد عن روح دعوة الحسين وأخلاقياته، أُلصقت زوراً وبهتاناً باسمه فقيل عنها (شعائر حسينية).
لطم وبكاء وعويل ونياحة وضرب قامات وصدور وسب أموات ولعن آخرين ، هكذا صوروا لنا الإسلام.
غدروا بالحسين ثم غدروا بعد استشهاده بتعاليمه ووصاياه فاستبدلوا النهي بالاستحباب.
فبعد أن كان اللطم والنياحة وشق الجيب من أعمال الجاهلية التي نهانا الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار ، صارت اليوم من شعائر الله التي يُحتسب فيها الأجر والثواب!
كيف ننسى وصية الإمام الحسين لأخته زينب قبيل استشهاده التي يقول فيها: "يا أختاه إني أقسمت عليك فأبرى قسمي، إذا أنا قُتلت فلا تشقي عليَّ جيباً ، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور". (ذكرها الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال 1/48 والسيد محمد حسين فضل الله في الندوة 5/209)
وفي رواية: "يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن على جيباً ولا تخمشن وجهاً". (مقتل الحسين ص218 للسيد عبد الرزاق الموسوي)
أم كيف ننسى ما رواه الصدوق وغيره عن ابن أبي المقدام قال: سمعت أبا الحسن وأبا جعفر عليهما السلام يقولان في قول الله عز وجل {ولا يعصينك في معروف} قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام:
إذا أنا مت فلا تخمشي عليَّ وجهاً ولا ترخي عليَّ شعراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة. ثم قال: هذا هو المعروف الذي قال الله عز وجل {ولا يعصينك في معروف}". (معاني الأخبار للصدوق ص390 ووسائل الشيعة للحر العاملي 14/153-154 ومستدرك الوسائل للنوري الطبرسي 2/451)
وروى النوري الطبرسي عن الإمام جعفر الصادق في قول الله عز وجل "{ولا يعصينك في معروف}" قوله: "المعروف أن لا يشققن جيباً ولا يلطمن وجهاً ولا يدعون ويلاً ولا يقمن عند قبر". (مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي 2/450)
لقد استفاضت روايات أئمة آل البيت عليهم السلام في تجريم النياحة واللطم والصراخ والعويل بحيث لا يستطيع مكابر إلا أن يذعن للحق الذي تطرحه هذه الروايات.
روى الصدوق وغيره عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، وإن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب". (الخصال للصدوق ص226 ووسائل الشيعة 12/91)
وروى المجلسي عن الإمام جعفر الصادق أنه أوصى عندما احتضر فقال: لا يلطمن عليَّ خد، ولا يشقن عليَّ جيب، فما من امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع كلما زادت زيدت". (بحار الأنوار للمجلسي 79/101)
وروى الحر العاملي عن الإمام علي أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة على النساء أن لا ينحن ولا يخمشن ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء". (وسائل الشيعة 14/134 وبحار الأنوار 79/101)
وروى الكليني والحر العاملي عن الإمام الباقر أنه قال: "أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل، ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه". (الكافي 3/222 ووسائل الشيعة 3/271)
وروى الشريف الرضي عن الإمام الصادق قوله: "من ضرب يده على فخذه عند المصيبة حبط أجره". (خصائص الأئمة للشريف الرضي ص104)
حتى عدّ الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه 4/376) قوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم (النياحة من عمل الجاهلية) "من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم يسبق إليها"
مشروعية صيام يوم عاشوراء
قيل عن (صيام عاشوراء) أنه بدعة أموية أراد الأمويون من ورائها الاحتفال بمقتل الحسين ، وتناسى القائلون بذلك أنّ مظاهر الفرح أظهر ما تكون في توزيع الطعام على البيوت والشراب البارد في الطرقات.
لكن ماذا يفعل المتعصبون حيال روايات عن أئمة آل البيت في مشروعية صيام هذا اليوم واستحبابه؟
روى الطوسي والحر العاملي عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه أنّ عليا عيهما السلام قال: "صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة". (وسائل الشيعة 10/457 وتهذيب الأحكام للطوسي 4/299)
وقد اعترف السيد الخوئي في كتابه (مستند العروة الوثقى) بصحة هذه الروايات فقال: (وأما الروايات المتضمنة للأمر واستحباب الصوم في هذا اليوم فكثيرة ، مثل صحيحة القداح (صيام عاشوراء كفارة سنة) وموثقة مسعدة بن صدقة (صوموا للعاشوراء التاسع والعاشرفإنه يكفر ذنوب سنة). (مستند العروة الوثقى – كتاب الصوم ص305)
وروى عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: "صام رسول الله صلى عليه وآله يوم عاشوراء". (الاستبصار للطوسي 2/134)
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ أفضل الصلاة بعد صلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل وإنّ أفضل الصيام من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم". (وسائل الشيعة 10/470 ومستدرك الوسائل 6/339)
وعن الإمام علي قال: صوموا يوم عاشوراء التاسع والعاشر احتياطاً فإنه كفارة السنة التي قبله وإن لم يعلم به أحدكم حتى يأكل فليتم صومه". (مستدرك الوسائل 7/523)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائماً قلت(أي الراوي): كذلك كان يصوم محمد صلى الله عليه وآله قال: نعم". (وسائل الشيعة 7/348)
وروى أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الإمام محمد الباقر قال: "لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح عليه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. قال أبو جعفر عليه السلام: أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحواء،وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى ابن مريم...". (تهذيب الأحكام 4/300)
إلى الذين يستغيثون بالإمام الحسين كلمة ...
ذكر ابن بابويه القمي في (عيون أخبار الرضا 1/84) عن الإمام الرضا قوله: إنّ الله تعالى أغرق فرعون لأنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله ، فأوحى الله تعالى لموسى عليه السلام: يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته).
فهذا فرعون على جحوده ونكرانه لخالقه كادت رحمة الله عز وجل أن تدركه لولا استغاثته بموسى عليه السلام ونسيانه الإله الذي خلقه فسواه فعدله.
فكيف يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله أن يستغيث بغير خالقه طالباً منه النجدة والنصرة والإعانة، {أليس الله بكافٍ عبده؟}.
هذا الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) يدعو الله تعالى وهو في غاية التذلل له قائلاً: (مولاي مولاي أنت المولى وأنا العبد ، وهل يرحم العبد إلا المولى؟! مولاي مولاي أنت العزيز وأنا الذليل ، وهل يرحم الذليل إلا العزيز؟! مولاي مولاي أنت الخالق وأنا المخلوق ، وهل يرحم المخلوق إلا الخالق؟! مولاي مولاي أنت المعطي وأنا السائل ، وهل يرحم السائل إلا المعطي؟! مولاي مولاي أنت المغيث وأنا المستغيث، وهل يرحم المستغيث إلا المغيث؟!). (الصحيفة السجادية (جمع الأبطحي) ص 386 (دعاؤه عليه السلام في التذلل))
ليعلن بذلك للناس أجمعين ، أنّ الله تعالى هو المغيث وأنّ الإمام لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ، لا يملك إلا أن يكون مستغيثاً بالله راجياً منه الرحمة والعفو والعطاء والمغفرة.
وهذا الإمام محمد الباقر يخبر عن جدته فاطمة الزهراء فيقول: (إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله): مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستين يوماً ثم مرضت فاشتدت عليها فكان من دعائها في شكواها: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني ، اللهم زحزحني عن النار، وأدخلني الجنة ، وألحقني بأبي محمد (صلى الله عليه وآله)) (بحار الأنوار للمجلسي 43/217)
فانظر إلى فاطمة الزهراء (سيدة نساء العالمين) بمن تستغيث.
رغم حبها لأبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورجاءها من الله أن يُلحقها به ، لم تستغث برسول الله بل بربها ورب أبيها عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإمام جعفر الصادق يعلن افتقاره إلى ربه عز وجل فيستغيث به ويرجوه قائلاً: (اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شئ من أمري ، وأنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق ، المقر المعترف بذنبه ، أسئلك مسألة المسكين ، وأبتهل المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، دعاء من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عبرته ، وذل لك خيفته ورغم لك أنفه ، اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً ، وكن لي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين ، ويا خير المعطين ، والحمد لله رب العالمين) (بحار الأنوار للمجلسي 91/225)
|