الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في أقصى الجنوب وفي بلاد اليمن تحديدا توجد مملكة آمنة مستقرة حباها الله من خيراته الكثيرة ونعمه الوفيرة يعيش أهلها حياة هادئة تحت قيادة ديموقراطية تعلو سدتها ملكة واعية عاقلة ارتضاها شعبها لتكون ربان سفينتهم في هذه الآونة
إنها مملكة سبأ التي حكمتها بلقيس التي قال الله عنها أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم
هذه الملكة ودون دخول في تفاصيل تنصيبها على شعبها أو علاقتها بالجن من جهة أحد أبويها كانت لا تقطع أمرا دون استشارة مجلس شعبها الموقر كما قال تعالى عنها : ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون .
كما كانت محبوبة من قومها قد فوضوا أمورهم لها وائتمنوها لحصافتها ورجاحة عقلها كما قال تعالى عنهم : والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين .
وكانت هي وقومها في أمن وأمان وقوة وسلطان كما قال تعالى عنهم : نحن أولو قوة وأولو بأس شديد .
لم يسبق لهم أن اعتدوا على أحد أو تدخلوا في شئون غيرهم من البلاد المجاورة فضلا عن البعيدة ...
وفجأة وبدون مقدمات يحط في بلادهم طائر صغير وهو يبحث عن شيء من الماء أو غيره إنه الهدهد هدهد سليمان عليه السلام جاءهم من هناك من أقصى الشمال حيث يفصل بينهم وبين بلاده المفاوز والقفار جاءهم من الشام حيث سمعوا بملك قوي هناك يدعى سليمان _ عليه السلام _ قد آتاه الله القوة والسلطان والحجة والبرهان والعلم والإيمان ..
نظر هذا الهدهد فإذا بهؤلاء القوم لا يعبدون الله الذي يخرج الخبأ في السماوات وفي الأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم
وإنما يسجدون للشمس من دون هذا الإله الخالق الحكيم
فطار يقطع هذه الصحارى والبراري بهذا الخبر العجيب والنبأ اليقين وحط بمجلس سليمان عليه السلام بأقصى الشمال قائلا : أحط بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ...
فقص عليه الأمر فما كان من سليمان عليه السلام إلا أن طلب التأكد من الأمر ثم أرسل رسالة قصيرة مع هذا الهدهد في قصاصة صغيرة تحوي كلمات قليلة إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي وأتوني مسلمين
سبحان الله هكذا بكل بساطة وفي قمة الإيجاز
ثم أمره سليمان أن يلقي إليهم هذه الرسالة القصيرة الصغيرة ويتنحى عنهم وينظر ما رد فعلهم
فما كان من الملكة المتعقلة إلا أن جمعت مجلسها الخاص للشورى واستشارتهم في هذا الأمر وبينت لهم أن الحروب تأتي بالدمار والفساد والتخريب قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة…
ثم ارتأت الحل الدبلوماسي الهادئ بأن ترسل هدايا عظيمة لسليمان عليه السلام دليل مسالمتهم له وعدم تدخلهم في شئونه وعربون محبة وموادعة
ولكن يأبى سليمان عليه السلام هذه المصانعة اللطيفة والمبادرة الإيجابية من هذه المملكة الآمنة
ويأبى إلا أن يتدخل في شئونها الداخلية ويذل أهلها بعد عز ويضرب عليهم الصغار والمهانة
ويأبى إلا أن يعلنها حربا لا هوادة فيها على من لم يحاربه طرفة عين ولم يسبق منه إيذاء له أو لأحد من رعيته ولم يظهر منهم أي ممانعة من الدعوة سلما لدينه في بلادهم
كان رده عليه السلام صارما حازما مهيبا مرعبا مرهبا حيث رد الهدية مع الرسول قائلا له : أتمدونن بمال ؟؟ فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ...
ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون
كلمات كالصواعق ترهب وترعب :
رد للرسول بصيغة الأمر بعد رد الهدية واحتقارها
ثم لام القسم مع نون التأكيد واستعمال نون العظمة في الفعل فلنأتينهم
ثم ذكره الجنود ووصفه لهم بأنهم لا قبل لهم بها وفيه ما فيه من التهديد والوعيد
ثم ذكر النتيجة قبل الحرب كمسلمة من المسلمات ومعها لام القسم مرة أخرى ونون التوكيد مرة أخرى ونون العظمة مرة أخرى
وما هي النتيجة ؟ إنها إخراجهم من بلادهم ودورهم ومساكنهم التي يملكونها وولدوا فيها وتربوا بين جنباتها وترعرعوا في ربوعها إنها بلادهم وبلاد آبائهم وأمهاتهم
ونص عليه السلام على أن هذا الإخراج سوف يكون منها مع أن ذلك واضح من قوله ولنخرجنهم ولكنه أكده بأن الإخراج سوف يكون منها لا من غيرها
ولكن هل اكتفى عليه السلام بذلك ؟؟ لا بل وصف حالهم عندما يخرجهم منها إنه سيخرجهم أذلة وقد كانوا أهل عز ومنعة ونعمة وقد كان ذلك كافيا ولكنه أكد إذلالهم وإهانتهم بعدة مؤكدات فأتى بجملة حالية تحكي حالهم أثناء خروجهم من ديارهم ومسقط رءوسهم وجعلها من مبتدأ وخبر وجعل المبتدأ ضميرا يعود عليهم ثم أخبر عنه بقوله صاغرون وكان يمكن أن يكون التعبير مثلا : أذلة صاغرين ولكنه قال وهم صاغرون ليفيد تلبسهم بهذا الصغار جملة وتفصيلا واستمراره معهم وتمكنه منهم
ثم كان ما كان من انكسار هذه المملكة ورضوخها لسليمان عليه السلام في تفاصيل لا نطيل بها ولكن بقي السؤال :
أين سيادة الشعوب على أراضيها ؟؟
أين الشرعية الدولية ؟؟
أين عدم التدخل في شئون الغير ؟؟
أين حق تحديد المصير ؟؟
أين حرية العقيدة والفكر ؟؟
أين لا إكراه في الدين ؟؟
أين القتال إنما شرع لرد الاعتداء فقط ؟؟
أين إذا لم تمنع الدعوة فلا قتال ؟؟
وكل ما فعله سليمان عليه السلام إنما كان لأن الهدهد أخبره أنه رأى هؤلاء الآمنين الأبرياء يسجدون للشمس من دون الله ..
يعني الأمر لا يعدو فكرا وحرية شخصية كما يحلو للبعض أن يسمي ذلك
فهل كان سليمان عليه السلام بذلك إرهابيا ؟؟
الجواب : إنها عزة الإسلام وذلة الكفر وحقيقة هذا الدين العظيم فوا حسرتاه على انقلاب الموازين وضياع معالم الدين وخور المسلمين وعتو الكافرين
وكتبه الشيخ د. محمد بن رزق بن طرهوني
الكاتب: الشيخ محمد طرهوني التاريخ: 28/12/2006 عدد القراء: 5772
أضف تعليقك على الموضوع
|