مسيرة الأشياخ مع النّظام السّوري إلى أين؟
مصطفى الونشريسي
شاء الله تعالى أن يكون لكل ّ أمّة وشعب وسَراةٌ يحكمونهم، وينظمون علاقتاهم ، ويضبطون شؤونهم ، ويحمون بيضتهم ويصونونها، وينافحون عن ملتهم وهويّتهم. ومن نعمة الله على المسلمين أنّه وضع لحكامهم قانوناً ضمّنه في تنزيله الحكيم ، وسنّة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم ، وترك كثيراً من قضاياه لاجتهادات من أخذ عليهم الميثاق ليبينوا للنّاس أمور دينهم ولا يكتمونها، متماشية مع الأزمنة والأمكنة والأحوال لمصلحة العباد والبلاد. وشاءت الأقدار الإلهية في هذه البلاد المباركة سورية أن يحكمها شرذمة قليلون لا خلاق لهم ولادين ، تسلّلوا – في غفوة الأمّة – إلى سدّة الحكم بواسطة حزب لا يرجو مؤسّسه لله وقاراً، وبعد أن اشتدّ عود هذا الحزب ، وتمكّن رجل من أعضائه بمكره ودهائه من اختزاله في شخصه وبنيه وقرابته وشيعته ، بل اختزل وطنا واسعاً بتاريخ ٍ حافل ، وأمجاد عظام ، فلا ترى ولا تسمع إلاّ مكتبة الأسد ، ومعاهد الأسد ، وبحيرة الأسد ، وجسر الأسد ، وإلى الأبد يا حافظ الأسد ، وكأنّ سورية كانت خراباً يباباً حتى جاء هذا الأسد الهصور ليجعل منها كعبة الحضارة الإسلاميّة والإنسانيّة!!!
فقام بعض أهل العلم الذين أخذ الله عليهم الميثاق وقالوا: لا، فقام بطغيانه وجبروته فأعمل فيهم القتل والسَّجن والنّفي ،
وكان على رأس هؤلاء الشيخ حسن حبنّكة الميداني ، والشيخ القاضي الأديب علي الطنطاوي ، والشيخ عبد الفتاح أبوغدة رحم الله الجميع ، وغيرهم كثير.
وبقي المشهد العام بعد ذلك بين شدّ وجدب إلى أن واتته الفرصة الذّهبيّة فنفّس عن حقده الدّفين ،بغطاء اسمه \" الإخوان المسلمون\"، لأنّهم أرادوا تفريق هذه الأمّة وأمرها جميع بالخروج عليه كما زعم ، فقام بمجزرة حماة الشّهيرة التي قضى فيها أربعون ألفاً أويزيدون ، وشرّد الآلاف ، وسام الكثيرين منهم سوء العذاب ، وسجن آخرين وهم في أقبية السّجون إلى يوم النّاس هذا ،
وكان نصيب المشايخ من كلّ هذا موفوراً. فسالمه الجميع بعد هذه البطشة الكبرى ، واستتبّ له الأمر ، وأسّس نظاماً بقبضة حديديّة قلّ نظيرها في العالم. وشرع الأشياخ في عملهم الدّعوي والتّعليمي والإصلاحي متّخذين منهجاً جديداً مع هذا الحاكم، بوضع يدهم في يده، أومسالمته على الأقلّ بعدم التّعرّض لما يأتيه في شؤون الحكم من قريب أو بعيد. فأسّسوا معاهد لتعليم العلوم الشّرعيّة والعربيّة ،
وأخرى لتحفيظ القرآن سمّوها باسمه \" معاهد الأسد لتحفيظ القرآن \". وفي سبيل استمرارية العمل الإسلامي في هذه المعاهد ، والخطابة والتّدريس الدّينيّ والإقراء في المساجد ، آثروا السّلامة والتزموا الصّمت ، توهّما منهم لهذه المصلحة العامّة. فكان أن انتشر الفساد انتشاراً ذريعاً من رشوة ورباً، وتبرّج وسفور، وغير ذلك من الشّرور، التي يصعب على الصّالحين من أشياخها تخيّلها فضلاً عن معاينتها .
وبقي الحال على هذا سنوات عدة ، حتّى هلك هذا الحاكم لا رحم الله منه مِغرز إ برة ، وخلّف لأحد أبنائه رقاب العباد ، وثروات البلاد، فصان الإبن التركة، وحفظ الميراث ، وسار على نهج أبيه نحو القذّة بالقذّة. وكذلك خلف الأشياخ المجاهدين خلف أضاعوا منهج شيوخهم ، وساروا في طريق الغيّ، وكثير منهم صُنع على عين النّظام الحاكم ، أمثال أحمد حسّون ومحمّد حبش وغيرهم ، ممّن نراهم اليوم في مجلس الشّعب يصفّقون للحاكم حتّى تحمّرّ أكفّهم .
وإن تعجب فاعجب لمواقف شيوخنا الذين تتلمذوا على الشّيخ المجاهد حسن حبنّكة الميداني رحمه الله ، فكثيراً ما حدّثونا عن حياته العامرة بالعلم والتّقوى ، ومناهضته للحاكم الظالم ، ومواقفه وجهاده.
فيا شيوخنا الكرام لقد فتنتمونا بكلامكم وبِصمتكم ، فما صرنا نميزُ حقاًّ من باطل، فإمّا أنّ هذا الشّيخ كان أحمق أخرق متهوّراً، فأنتم بريئون منه ، وهو بريء منكم، وإمّا أنّكم خنتم عهد العلم فلم تفيدوا من علمه وسمته ومنهجه ، فلا يحقّ لكم الانتساب إليه، والافتخار به . يا شيوخنا الكرام ألم يضيّق هذا النّظام على كثير من أهل العلم الكبار من أمثال الشّيخ عبد القادر الأرناؤوط وصادق حبنّكة رحمهما الله تعالى- وغيرهما فجعل نهارهم ليلاً ، وليلهم ويلاً مع كبر سنّهم وضعفهم؟ ألم يتسلط على الأوقاف الإسلاميّة ويتصرّف فيها بما تمليه عليه أهواؤه ومآربه ، ويترككم تتسوّلون على أبواب المساجد لدعم التّعليم الشّرعي ؟
ألم يقدّم كل التّسهيلات الّلازمة للعمائم الرّافضيّة لتصول وتجول في هذه البلدة المباركة لنشر التّشيّع ؟ إلى أن بلغ الأمر بمن يدعى أحمد حسّون ليقول خاطباً على المنبر معاويّة رضي الله عنه \" لك وقفة بين يدي الله يا معاويّة\" وقائلاً \" سامحك الله يا أمّنا عائشة\". إنّ الواجب على هذا الكائن أن يطهّر فمه من هذه الكلمة بغسله سبع مرّات إحداهن بالتّراب ،ويستعتب أهل السّنّة في بقاع الأرض قاطبة ، وإن كان يزعم أنّه من أهل السّنّة .
وإذا كانت لمعاوية وقفة بين يدي الله تعالى كما زعمت، فإنّ لك وقفات. يا شيوخنا ألم تقفوا على أبواب هذا النّظام أعواماً عديدة ، وأزمنة مديدة ، متوسّلين بوسطيّتكم واعتدالكم لتُمنحوا شهادة \"حسن السّلوك، والبراءة من التّطرف الدّيني\"؟ كلّ هذا كان وهو كائن ، لكن يوم قام فتية من قومنا وقالوا إنّا نجد ريح الحرّيّة قال بعضكم \" ما أنتم إلاّ حثالةٌ أردتم الإفساد في الأرض ،
وإيقاظ الفتن وزرعها في البلاد، وهذا إمامنا الذي ملّكه الله زمام أمورنا يسعى جاهداً لإنجاح مشروعٍ إصلاحيٍّ عظيم \" لقد كذبوا بئس من قالها. وها هي فرق الموت التي يتزعّمها الشّقيّ بن الشّقيّ ماهر حافظ الوحش تعيث في الأرض فساداً ، قتلاً وتعذيباً وتشريداً وهتكاً للأعراض، ليعيد فعلة أبيه ، ومن يشابه أبه فما ظلمّ!
وإخالكم تذكرون عندما فصل وزير التّربية المنقّبات من المدارس – وزمن الحادثة ليس ببعيد- أرعدتم وأزبدتم حتّى تحرّكت أعواد منابركم ، وخيراً فعلتم ، وكذلك عندما طلع على النّاس في القنوات الفضائيّة مسلسل \" ما ملكت أيمانكم\" كان منكم الموقف ذاته. لكن أليس سفك الدّماء بأعظم عند الله من ذانك ، وسيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول \" لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل أمرئ مسلم\" قد كان يقال : لا حياة لمن تنادي ، أمّا اليوم فلا حياة لمن ينا دي. يا أشياخنا قد ادّخرتكم الأمّة لمثل هذا ، أما وأنّكم قد خذلتموها فلا حاجة لها فيكم بعد، فما أنتم فاعلون ، ولربّكم قائلون ، ؟ فأعدّوا للسّؤال جواباً ، وللجواب صواباً. الكاتب: مصطفى الونشريسي التاريخ: 17/06/2011 عدد القراء: 14543
أضف تعليقك على الموضوع
|