الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فقد قرأت البحث القيم الذي كتبه طالب العلم المتميز أبو عمر المقدسي ، وألفيته بحثا نافعا ، قد أجاد فيه ، جمع فيه الأدلة على كفر من بقي على دين اليهود والنصارى بعد البعثة المحمدية على صاحبها أتم الصلاة والسلام ، وكذا كل من لم يتبع دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
مبيّنـا أن تكذيب النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم في أنه مبعوث للناس كافة ، وأنه يجب على جميع الإنس والجن الدخول في جميع دينه ، كاف في تكفير المكذّب ، ولا ينفعه تصديقه بالرسل والكتب مع هذا التكذيب .
وأن نصوص القرآن والسنة القاطعة، والإجماع المتقين ، منعقدان على هذا الحكم ،
وكذا على كفـر من لم يكفِّر أتباع كلِّ دين غير دين الإسلام .
كما أوضح أن تكفير المعين من أهل الشهادتين لايصح قبل البيان فيما يشترط فيه .
والبحث على إختصاره متميز ، سهل الأسلوب ، سلس العبارات ، واضح البيان ، فجزاه الله كاتبه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، آمين
حامد بن عبدالله العلي ، مستهل رمضان من عام 1426هـ ـ الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
هل سيدخل اليهود والنصارى الجنة ؟
بقلم : أبو عمر المقدسي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
يتجلّى الجواب ببيان الأصول العقدية التالية :
الأصل الأول : دين الأنبياء جميعاً واحد وهو الاسلام من آدم عليه السلام وإلى محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى :" إن الدين عند الله الاسلام " وقال سبحانه " ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " .
فنوح يقول لقومه " وأمرت أن أكون من المسلمين "، والاسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً " فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون " وأبناء يعقوب يجيبون أباهم " نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون " وموسى يقول لقومه " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين "والحواريون يقولون لعيسى " آمنا واشهد بأنا مسلمون "وحين سمع فريق من أهل الكتاب القرآن " قالوا آمنا به إنه الحقّ من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين " .
فهذا هو الاسلام العام الذي يتناول أسلام كل أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم ، فيكونون مسلمين حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم لشريعة من بعثه الله فيهم ، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم ، فهم على دين الإسلام قال تعالى " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ، ثم بعث الله نبيه عيسى عليه السلام فإن مَن آمن مِن أهل التوراة بعيسى واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم ، ومن كذّب منهم بعيسى عليه السلام فهو كافر لا يوصف بالاسلام ، قال تعالى " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتّبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " ، ثم لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو خاتمهم وشريعته خاتمة الشرائع ورسالته خاتمة الرسالات وهي عامة لأهل الأرض ، وجب على أهل الكتابين وغيرهم اتباع شريعته وما بعثه الله به لا غير ، فمن لم يتبعه فهو كافر لا يوصف بالاسلام ولا أنه حنيف ولا أنه على ملة إبراهيم ، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية أو نصرانية ولا يقبله الله منه ، فبقي اسم الاسلام عند الاطلاق منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها مختصاً بمن يتبعه لا غير . وهذا هو الاسلام الخاص الذي لا يجوز اطلاقه على دين سواه ، فكيف وما سواه دائر بين التحريف والنسخ ؟ قال تعالى " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً " ، وقال تعالى " قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون " وقال تعالى " إنّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شرّ البريّة " .
الأصل الثاني : أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب ليس هو مجرد الاقرار بوجود الله سبحانه وأنه الخالق لهذا العالم وإنما هو عبادة الله وحده لا شريك له ، فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بأن خالق السماوات والأرض واحد كما أخبر تعالى عنهم بقوله " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ الله " وقال سبحانه " قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون " وقال سبحانه " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم مشركون " وقال سبحانه " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال الامام الطبري في تفسيره { حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال: سمعت ابن زيد يقول " وما يؤمن أكثرهم بالله .."الآية قال : ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه وأن الله خالقه ورازقه ، وهو يشرك به ..} .
قال تعالى " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً " قال الامام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما { هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم : عبدت } وسبب عبادتهم إياهم - كما زعموا – بينه الله تعالى في قوله " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" أي ليشفعوا لهم ويقربوهم عنده منزلة ، كما في قوله تعالى " فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ".
فإرسال الله تعالى الرسل كان للدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده دون ما سواه " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ".
فمن أقر بالله رباً ثم أشرك به فهو كافر مشرك من الخالدين في النار " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" ، " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين " .
- نواقض الايمان بالله لدى اليهود : إن اليهود قبحهم الله هم بيت الإلحاد والتطاول الخطير – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - .
وهذا بعض ما في القرآن الكريم من عقائدهم الإلحادية وكفرهم بالله عز وجل :
فمنهم طائفة يدّعون أنّ لله ولداً قال الله تعالى " وقالت اليهود عزير ابن الله "، وقال تعالى " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" وقال سبحانه " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " .
- نواقض الايمان بالله لدى النصارى :
فمنهم من جعل المسيح عليه السلام هو الله كما ذكر الله عز وجل قولهم هذا وأكفرهم به فقال " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم".
ومنهم من جعله ابناً لله سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون " وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون".
ومنهم من يقول أنه شريك لله وجزء من ثلاثة يتكون منها الإله كما ذكر الله قولهم هذا وأكفرهم به أيضاً " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم ".
وجعلوا مريم عليها السلام آلهة لأنها أم الله بزعمهم " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك..".
الأصل الثالث : الايمان بالكتب المنزلة .
من أركان الإيمان وأصول الاعتقاد الايمان بجميع كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله ، قال تعالى " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .."[سورة البقرة285] وقال تعالى" الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزّل عليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان.." .
وأن كتاب الله القرآن الكريم هو آخر كتب الله نزولاً وآخرها عهداً برب العالمين نزل به جبريل الأمين من عند رب العالمين على نبيه ورسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم . وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل : الزبور والتوراة والإنجيل وغيرها ، ومهيمن عليه، فلم يبق كتاب منزّل يُتَعبَّد الله به ويُتَّبع سوى القرآن العظيم . ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه " ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".
ومن الحقائق العقدية المتعين بيانها هنا : ان من الكتب المنسوخة بشريعة الاسلام التوراة والإنجيل وقد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان والنسيان كما جاء ذلك في آيات من كتاب الله نعالى منها عن التوراة قول الله تعالى " فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ".
وقال سبحانه عن الإنجيل " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم الله بما كانوا يصنعون".
وأن ما في أيدي اليهود والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام ولا عين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام لانقطاع أسانيدها واحتوائها على كثير من التحريف والتبديل والاغاليط والاختلاف فيها واختلاف أهلها عليها واضطرابهم فيها وان ما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالاسلام وما عداه فهو محرف مبدّل فهي دائرة بين النسخ والتحريف.
نواقض الايمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى :
لم يسلم الايمان بهذا الأصل العقدي والركن الايماني إلا لأهل الاسلام وأما أمة الغضب: اليهود ، وأمة الضلال: النصارى ، فقد كفروا به إذ لا يؤمنون بالقرآن ولا بنسخه لما قبله وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والإنجيل مع ما أضيف إليهما من التحريف والتبديل والتغيير إلى الله تعالى بل فيهما من الافتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من الأنبياء – حاشاهم من فرى الأفّاكين - .
من ذلك أن نسبت اليهود الردة إلى نبي الله سليمان عليه السلام وأنه عبد الأصنام – سفر الملوك الأول الاصحاح/11 عدد/5 .
ونسبوا إلى نبي الله هارون عليه السلام صناعة العجل وعبادته له – الاصحاح /32 عدد/1 من سفر الخروج .
ونسبوا إلى خليل الله إبراهيم عليه السلام أنّه قدّم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها- الاصحاح/12 العدد/14 من سفر التكوين .
ونسبوا إلى لوط عليه السلام شرب الخمر حتى سكر ثم زنى بابنته كما في سفر التكوين الاصحاح /19 العدد/30 . إلى غير ذلك قبحهم الله وأخزاهم .
ونسبت النصارى جد سليمان وداود فارض من نسل يهوذا بن يعقوب من نسل الزنى – انجيل متى، الاصحاح/1 العدد/10 .
ونسبوا إلى يسوع إهانة أمه في وسط جمع من الناس – انجيل يوحنّا ، الاصحاح/2 العدد/4
وقالوا ان يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سراق ولصوص – انجيل يوحنّا، الاصحاح/10 عدد/8 .
إن هذا كفر بالله من جهتين : من جهة نسبته إلى الوحي ، ومن جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك .
الأصل الرابع : الايمان بالرسل .
من أركان الايمان وأصول الاعتقاد الايمان بالرسل ايماناً جامعاً عاماً مؤتلفاً لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف ، وهو يتضمن تصديقهم وإجلالهم وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم وطاعتهم فيمن بعثوا به في الأمر والنهي والترغيب والترهيب وما جاؤوا به عن الله كافة .
قال تعالى " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ".
والكفر برسول واحد كفر بجميع الرسل ، قال تعالى " كذّبت قوم نوح المرسلين " وقال " كذّبت عادٌ المرسلين " وقال " كذّبت ثمود المرسلين " وقال " كذّبت قوم لوط المرسلين " ، ومن المعروف أن كل أمة كذبت رسولها إلا أن التكذيب برسول واحد يعدّ تكذيباً بالرسل كلهم ، ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة ودعاة دين واحد ومرسلهم واحد فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر ، ويصدق المتأخر المتقدم .
ومن هنا كان الايمان ببعض الرسل والكفر ببعض كفراً بهم جميعاً وقد وسَمَ الله من هذا حاله بالكفر " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً ".
عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أنه خاتم الأنبياء والمرسلين :
وقد دلّت الآيات والأحاديث على عموم بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً ، قال تعالى " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون " وقال تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً " وقال تعالى " تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً" وقال تعالى" وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ " .
وقال صلى الله عليه وسلم { أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي...وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة } متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } رواه مسلم .
وقد ختم الله عز وجل به الأنبياء والرسل فلا نبيّ ولا رسول بعده ، قال تعالى " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " .
وقال صلى الله عليه وسلم { إن لي أسماء : أنا محمد وأنا أحمد ... وأنا العاقب الذي ليس بعده نبيّ } متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام { وأرسلت إالى الخلق كافة وختم بي النبيون ..} رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام { سيكون من أمتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنه نبيّ وأنا خاتم النبيين لا نبيّ بعدي } رواه أبو داود وصححه الألباني .
فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيّاً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك كما قال الله تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " ، وقال الله تعالى " الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " . ونبيّ الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وحاكماً بشريعته .
- من نواقض هذا الأصل لدى اليهود والنصارى :
- نسبة القبائح والكبائر إلى الأنبياء والرسل كصناعة الأصنام والردة والزنا وشرب الخمر والسرقة...كما مضى شيء من ذلك في الأصل السابق، فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح ونحوها إلى أي نبيّ أو رسول فهو كافر مخلد في النار ، مثل كفره بالله وجحده له .
- ومن نواقض هذا الأصل عدم الايمان بعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع أهل الأرض عربهم وعجمهم ولإنسهم وجنهم .
قال الامام الشافعي - رحمه الله - : ( والاقرار بالايمان وجهان ، فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعي أنه دين نبوة وكتاب ، فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقد أقرّ بالايمان ومتى رجع عنه قتل .
ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى – صلوات الله وسلامه عليهما – وقد بدّلوا منه ، وقد أخذ عليهم فيهما الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بترك الايمان به واتباع دينه ، مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله .
فقد قيل لي : إن فيهم من هو مقيم على دينه ، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ويقول : لم يبعث إلينا . فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . لم يكن هذا مستكمل الاقرار بالايمان حتى يقول : وأن دين محمد حق أو فرض ، وأبرأ مما خالف دين محمد صلى الله عليه وسلم أو خالف دين الاسلام . فإذا قال هذا فقد استكمل الاقرار بالايمان ، فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل ) الأم 6/158 .
مما يؤخذ من قول الامام الشافعي :
1- كفر اليهود والنصارى لعدم إيمانهم بحمد صلى الله عليه وسلم .
2- أنهم كفروا بكذبهم على الله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم – يعني من كفر منهم - .
3- من أقر بالشهادتين مع ادّعاء أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث إلى العرب خاصة فلا ينفعه هذا الاقرار حتى يشهد أن دين محمد صلى الله عليه وسلم فرض وأن يبرأ من كل دين يخالف الاسلام .
وننبه هنا للفائدة : أن من صدّق أحد أدعياء النبوة مع شهادته للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوة فهو كافر بنص الكتاب والسنة والاجماع ، كالأحمدية القاديانية والبهائية ..
والخلاصة: أن اليهود والنصارى اليوم كفار لعدة أمور منها : اشراكهم بالله ، كفرهم ببعض الكتب واتباعهم لكتب دائرة بين التحريف والنسخ ، الكفر ببعض الرسل ونسبة القبائح للرسل ، لذا حكم الله عليهم بالخلود في النار " إنّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شرّ البريّة "[البينة 6] .
تنبيهات ...
1- لا أحد أحبّ إليه العذر من الله عز وجلّ :
قال تعالى : " وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولاً " [الإسراء 15] ، قال الامام ابن كثير : ( اخبار عن عدله تعالى ، وأنه لا يعذّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، كقوله تعالى :" كلّما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير " وكذا قوله " وسيق الذين كفروا إلى جهنّم زمراً حتّى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " وقال تعالى " وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنّا نعمل أو لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسول إليه ) ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{.. ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين } .
2- لا يلزم من تكفير اليهود والنصارى عدم المعاملة بالحسنى :
قال تعالى :" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " [الممتحنة 8] .
قال الامام ابن جرير في تفسيره : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم ) ، وقال ابن كثير : ( أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لم يقاتلوكم في الدين كالنساء والضعفة منهم " أن تبرّوهم" أي تحسنوا إليهم " وتقسطوا إليهم " أي تعدلوا " إن الله يحب المقسطين " ) .
ولكن كما قال الحافظ ابن حجر : ( البر والصلة والاحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله " فإنها عامة في حقّ من قاتل ومن لم يقاتل ).
3- من لم يكفّر اليهود والنصارى فهو كافر :
نقل الامام النووي عن القاضي عياض قوله : ( وأن من لم يكفّر من دان بغير الإسلام كالنصارى ، أو شك في تكفيرهم ، أو صحح مذهبهم فهو كافر وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده ) روضة الطالبين [7/290]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( من اعتقد أن الكنائس بيوت الله ، وأن الله يعبد فيها ، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله ، أو أنه يحب ذلك ويرضاه ، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم ، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر) ، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة في السعوديّة ( ومن زعم أن اليهود على حق أو النصارى على حق سواء كان منهم أو من غيرهم فهو مكذّب لكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة ، وهو مرتد عن الإسلام إن كان يدّعي الإسلام بعد إقامة الحجة عليه ، إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك ) فتوى برقم [21413] . - هذا وقد ذكر العلماء أن من الغلو التسرع في تكفير المسلم المعين دون مراعاةٍ لتحقق الشروط وانتفاء الموانع فتنبه - .
جواب شبهات ...
- الاحتجاج بتخصيص الشرع أهل الكتاب ببعض الأحكام :
ولا حجة في ذلك والله سبحانه الذي خصهم ببعض الأحكام هو سبحانه الذي حكم بكفر أهل الكتاب ،وتخصيصه سبحانه لهم ببعض الأحكام فيه حكم كثيرة فعلى سبيل المثال أجاز التزوج من المحصنات من أهل الكتاب وذلك لأن الكتابية – وقد آمنت -في الجملة- بالله وبعض كتبه واليوم الآخر - وبعض الرسل – قد تميل إلى الإسلام إذا عرفت حقيقته، فرجاء إسلامها أقرب من رجاء إسلام الوثنية، كما قال الكاساني: ( إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها، لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل، بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته. فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به في الجملة، وهذا هو الظاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة، فإنها في اختيارها الشرك، ما ثبت أمرها على الحجة، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك …) [بدائع الصنائع (3/1414)] . وقال في حاشية المنهاج للنووي: ( وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، إذ الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك ) [المنهاج مع الحاشية (3/187)].
- الاحتجاج باستغفار بعض الشيوخ لبعض أهل الكتاب :
قال الله تعالى " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " قال الشيخ الدكتور حسام الدين عفانة: (.. ما تدل عليه الآية الكريمة وهو تحريم الاستغفار والترحم على من مات كافراً من المغضوب عليهم ومن الضالين المضلين الذين ينطبق عليهم قوله تعالى " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " [سورة البقرة 161] ، وقوله تعالى " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين " [آل عمران 91] .
وهذا محل اتفاق بين أهل العلم ولا يغترنّ أحد بما يقوله بعض الشيوخ الذين انزلقوا في هذا المنزلق الخطير فخالفوا الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة قال الله تعالى " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " قال القرطبي ( هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم فان الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز ) تفسير القرطبي 8/273 وقال تعالى ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " [التوبة 84] ) يسألونك .
- الاحتجاج بوصف بعض الشيوخ أهل الكتاب بأنهم اخوة لنا :
|