صدمتان من الصين
،،،،،،
بقلم : خالد بن صالح الغيص
يعتبر اقتصاد جمهورية الصين ثاني أكبر اقتصاد بعد اقتصاد الولايات المتحدة بناتج إجمالي يقدر بـ 8.8 تريليون دولار ( 2009 ) ، وهو ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة واقتصاد اليابان بناتج محلي بسيط يقدر بــ 4.91 تريليون دولار ( 2009 ) ، وتعتبر الصين بذلك أسرع اقتصاد كبير نامي والأسرع في الثلاثين سنة الماضية ( باختصار يسير من موسوعة ويكيبيديا ) .
لدي بعض الوقفات عند هذه الحقائق التي يعرفها الكثير منّا أستطيع أن أطلق عليها " صدمات " ، فهي في الحقيقة صدمات تصدم البعض من بني قومنا – المسلمين والعرب على حد سواء - :
- الصدمة الأولى - :
ينادى كثير من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا بضرورة تعلم اللغة الانجليزية وتعميم تعليمها حتى على النشء لأنها لغة التقدم والحضارة- زعموا – فجاءت الصدمة من الصين فالصينيون لا يعرفون الانجليزية إلا قليل منهم ولم يتجه بعضهم لتعلمها في الأونة الأخيرة إلا لضرورة التبادل التجاري بينهم وبين بعض من يفد إليهم من التجار ، وما حققوه من تقدم تقني فهو بفضل الله الذي ألهمهم الجد والاجتهاد والمثابرة والاعتماد على الذات والثقة بالنفس والاستفادة من تجارب الآخرين المفيدة وغيرها ، لا ما يظنه البعض من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا أن التقدم التقني والحضارة هو في تقليد الغرب التقليد الأعمى والتحدث بألسنتهم فتأتيك الحضارة تبعًا ويأتيك التقدم التقني بالبركة ، فالبعض منا يظن أن مفتاح التقدم التقني هو تعلم اللغة الأنجليزية أو الفرنسية ونسوا أوتناسوا أن بعض الدول المتقدمة صناعياً – والتي منها الصين - قد بلغت ما بلغت من تقدم تقني وهي لا ترعى للغات الأجنبية الأخرى الأهمية الكبرى كما هو الحال عندنا ، فلو ذهبت الى سوق من أسواقنا أو الى مطعم لوجدت أن غالبية الشباب وغيرهم لايتحدثون مع البائع إلا باللغة الأنجليزية مع أن البائع هو الذي جاء إلينا محتاج إلينا ومحتاج لأن يخاطبنا بلغتنا - ومنهم من يخاطبنا بلغتنا - ويفاجأ أن منّا من يرد عليه باللغة الأنجليزية - وما ذاك إلا للهزيمة النفسية التي استقرت في قلوب البعض منّا - ظانين أنهم بالتحدث بالإنجليزية سيظهرون بمظهر المتحضر وسيبلغون التقدم التقني الذي بلغته سائر الأمم ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله : فالوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره كثيرة منها :
1 - محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخ المفاهيم الغربية فيها لتعتقد أن الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء , سواء فيما يعتقده من الأديان والنحل أو ما يتكلم به من اللغات أو ما يتحلى به من الأخلاق , أو ما هو عليه من عادات وطرائق .
2- تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلها تزاحم لغة المسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي أنزل الله بها كتابه، والتي يتعبد بها المسلمون ربهم في الصلاة والحج والأذكار وغيرها ، ومن ذلك تشجيع الدعوات الهدامة التي تحارب اللغة العربية، وتحاول إضعاف التمسك بها في ديار الإسلام في الدعوة إلى العامية ، وقيام الدراسات الكثيرة التي يراد بها تطوير النحو وإفساده وتمجيد ما يسمونه بالأدب الشعبي والتراث القومي . انتهى بتصرف من أسئلة وأجوبة عن الغزو الفكري .
فأغلب أمم الأرض تحرص على المحافظة على لغتها الأم ، فمن طاف في بلاد أوروبا وغيرها وجد كيف أن أغلب دول أوروبا تعتز بلغتها الأم وتحافظ عليها وتحمي النشء من التأثر باللغات الأخرى(*) فتجدها مثلاً تلزم الشركات - التي تورد البضائع المختلفة إليها - بوضع نشرات تعريفية للبضائع بلغتها الأم حتى لا يحتاج مواطنوها لغير لغتهم ، وتقوم بدبلجة المواد الأعلامية والأفلام الأجنبية التي يحبها الصغار وغيرهم حتى لا تغير من لغتهم الأم أو عاداتهم وتقاليدهم وغيرها من إجراءات ، حتى إنك لتجد رجل الشارع والعامي منهم يعتز بلغته ويرفض أن يتحدث بغيرها ، ونحن كمسلمين ننتمي الى أمة عظيمة أمة الاسلام التي لها تاريخها وحضارتها المجيدة كذلك مطالبون في وقتنا الحاضر- الذي نجابه به هجمة شرسة على خصائصنا ومبادئنا- بأن نحافظ على لغتنا العربية لغة القرآن لأنها من ضرورات فهم القرآن وفهم هذا الدين العظيم الذي به سعادتنا في الدنيا والآخرة (**)، وإن كان هناك من ضرورة أو حاجة لتعلم اللغات الأخرى فذلك يقوم به المختصون فقط كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك زيد بن ثابت بتعلم العبرية حتى يخاطب اليهود ويأمن مكرهم ، لا أن نعمم تعليم اللغة الإنجليزية أو غيرها على كل الناس بحجة التقدم والحضارة ، بل الحضارة والتقدم بعد التوكل على الله والاعتماد عليه يكون بالجد والاجتهاد والمثابرة والثقة بالنفس كما حدث في الصين وغيرها من بلاد لم يكن لها ذكر بين الدول والأمم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً وهي الآن تنافس الدول المتقدمة ، فاللغة الأجنبية فهي وإن أضافة شيئاً إلى رصيد المعرفة لدى الأمم ولكن لا يكون ذلك على حساب كيان الأمم وخصائصها التي تتمثل بالدين واللغة والعادات والتقاليد وغيرها ، فطريق التقدم والإزدهار بعد التوكل على الله والاعتماد عليه يبدأ بالجد والاجتهاد والمثابرة والثقة بالنفس لا بالتفلّت من ديننا ولغتنا العربية ، ونحن كمسلمين مع وعد من الله تعالى بالعون والبركة والتمكين في الأرض إن نحن آمنّا به وعملنا صالحاً كما قال تعالى : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) سورة النور ، وقال تعالى أيضاً : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) سورة الأعراف ( ولا ننس أن السبب المادي ممّا يدعو إليه الإيمان بالله والتوكل عليه) (***) فهيا الى الجد والاجتهاد والثقة بالنفس بعد التوكل على الله تعالى ولنعتز بمبادئنا كمسلمين .
- الصدمة الثانية :-
ينادي بعض منظري الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة الحد من النسل لأن كثرة النسل عقبة تجابه الدول في طريق التقدم والازدهار متبعين بذلك آراء بعض النظريات الغربية ( نظرية مالتوس) ، فجاءت الصدمة والمفاجأة من الصين حيث أن بعض التحليلات الاستراتيجية تشير إلى أن قوة الصين الحالية من أبرز أسبابها الكثافة السكانية لدى الصين ( ابحث إن شئت في الشبكة العنكبوتية ( جوجل ) على كلمة قوة الصين) فقد نادت بعض الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة تحديد النسل ورفعت شعار " أسرة صغيرة = أسرة سعيدة " وخالفت بذلك شريعة ربها وهدي نبيها – صلى الله عليه وسلم – الذي نادى بتكثير النسل كما في قوله صلى الله عليه وسلم : « تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ » رواه ابوداود ، وعندما نادى علماء الشريعة بضرورة تكثير نسل المسلمين لأن في التكثير قوة ، فكان بعض أتباع الفكر الغربي يستهزئون ويلزمون ، فجاءت الصدمة من الصين ، فإنها مثال حي يثبت أن تكثير النسل قوة(****) ، فإن في كثرة عدد السكان ايجابيات وفوائد كثيرة منها : وفرة في العمالة ، فهذا يعمل في الزراعة وهذا في الصناعة وهذا في التجارة ... الخ ، إلا أن بعض النظريات الغربية ترى أن كثرة العدد قد يكون عقبة في طريق التقدم والازدهار ، فجاء الواقع المحسوس من الصين على عكس هذه النظرية ، حتى أن بعض الدول الغربية وغيرها تسعى جاهدة الآن إلى زيادة خصوبة مواطنيها وبالتالي زيادة عدد السكان وتعتبر ذلك من القوة الاستراتيجية ( والتي لا يمتلك المسلمون غيرها في وقتنا الحاضر وهذا من بركة اتباع شرع الله تعالى ) بل إن دولة إسرائيل تعتقد أنها تواجه قنبلة سكانية ( ديموغرافية ) فلسطينية موقوتة ، وذلك لأن معدل النمو الفلسطيني في فلسطين -والقدس بالذات - يفوق معدل النمو اليهودي مع ما يحدث من تقتيل وتهجير للفلسطينيين يقابله هجرة لليهود إلى فلسطين بحوافز وتشجيع ، فجاء الواقع المحسوس يؤيد شريعة الرحمن ويثبت خطأ شريعة الشيطان !! وهكذا الشأن ، نرى – غالباً - اختلاف حكم شريعة الله على الأمور والقضايا الدنيوية الحساسة مع حكم ونظرة أهل الدنيا الماديين كما قال تعالى : وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) سورة الروم (*****)، وتمر الأيام والسّنون ويظهر للناس صحة ما دعت إليه شريعة الرحمن وخطأ ما نادت به النظرة المادية وفسرت به الأشياء ، ولكنه الجهل والعناد والاستكبار ، قال تعالى :سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) سورة فصلت ، فالله تعالى يريد من عباده المؤمنين كثرة النسل لحكم عظيمة ، فأمرهم بالزواج ورغبهم به وتكفل لهم برزقهم ورزق أولادهم كما جاءت بذلك آيات كثيرة كقوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) سورة النور ، وقوله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) سورة الاسراء ، فلا يصدنّا عن ذلك من يريدنا أن نتبع أهواء الذين لايعلمون ، قال تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) سورة الجاثية ، فلا يخدعنا من لايريد بالمسلمين الخير فيخوفنا من كثرة النسل ، فإن الخير كل الخير في اتباع شرع ربنا الذي يأمرنا بتكثير النسل وعليه رزق العباد ، ولنا في الصين دلالة وإشـــارة .
والله تعالى أعلى وأعلم
خالد بن صالح الغيص
23 – 4 – 1431 هـ
،،،،،،
حاشية :
* قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا .بتصرف من اقتضاء الصراط 207 .
** قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : إن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب ، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . اقتضاء الصراط 207 .
*** أنصح القارئ بقراءت مقالي المنشور في موقع المسلم والذي بعنوان " خدعوك فقالوا : : " الدين لا يعمر دنيا ولا يشبع من خبز " .
**** علماً بأن الصين تسعى لتحديد النسل وتثبيته ، إلا أن الحقيقة الملموسة أن كثافة سكان الصين من أسباب قوتها .
ـــــــ
***** قال سيد قطب رحمه الله عند تفسيره لآية سورة الروم : لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها ، مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينتظر ما وراءها ، لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة ، ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة ؛ ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون فلكل منهما ميزان ، ولكل منهما زاوية للنظر ، ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال . انتهى بتصرف يسير . الكاتب: خالد بن صالح الغيص التاريخ: 10/04/2010 عدد القراء: 5393
أضف تعليقك على الموضوع
|