بداية نهاية الحقبة الأمريكية:
(3)
محمد فلاح الزعبي
المنجمون يتوقعون حصول كارثة لأمريكا "لا يعلمها إلا الله" عام 2008م وبالتالي يقولون أن هذا العام سيكون عام انهيار أمريكا! هذا ما يقوله المنجمون، فماذا يقول المحللون السياسيون، والضالعون في الشأن الأمريكي؟
ريتشارد هاس شخصية لامعة معروفة برؤيتها التحليلية والخبيرة بالشأن الأمريكي، وهو كبير مخططي وزارة الخارجية الأمريكية السابق، يقسم في معرض تحليله للأسباب التي ستؤدي لـ"نهاية" المرحلة الأمريكية في المنطقة ويقسمها إلى قسمين، أولاها يسميه "العامل الذاتي"، والذات هنا هي الولايات المتحدة، والآخر "هيكلي" متعلق بالمنطقة بشكل أساس. لكن "هاس" يعتبر قرار الرئيس بوش بغزو العراق عام 2003 وسير العمليات التي نتجت عنها العامل "الأكثر تأثيرا" في نهاية الحقبة الأمريكية في المنطقة.
وعلق هاس عن أثر احتلال العراق عام 2003 على النفوذ الأمريكي في المنطقة بالقول :" انه لمن المفارقات الساخرة والمحزنة، ان حرب العراق الأولى كانت "لضرورتها آنذاك!" رسماً لبداية هذه الحقبة في الشرق الأوسط، وان الحرب الثانية على العراق "وهي حرب مزاجية اختيارية" كانت المحدد لنهاية الحقبة نفسها".
وعرض هاس في مقالته "الشرق الأوسط الجديد" المنشورة في مجلة "الشؤون الخارجية" الصادرة عن وزارة الخارجية الامركية ثلاثة عوامل أخرى ساهمت في نهاية النفوذ الأمريكي في المنطقة، هي: "انهيار عملية السلام"، و"فشل" الأنظمة
العربية التقليدية في "مواجهة انبعاث الإسلام الأصولي" ، والعولمة التي سهلت لـ"الأصوليين" اكتساب المعونات والأسلحة والأفكار والخدمات اللوجستية....وتحويل العالم العربي إلى قرية صغيرة مترامية الأطراف ....ومسيسة".
وفي معرض غوصه في "تفكيك" الظاهرة، يقول أن عمليات "العسكرة" سوف تنتشر بسرعات قياسية.. والجيوش الخاصة في العراق ولبنان والمناطق الفلسطينية، أصبحت متنامية وأكثر قوة فالطاقة التقليدية والفريدة التي "تمتعت" فيها الولايات المتحدة في عملية السلام خلال التسعينات، وفق هاس "كشف عنها الغطاء إبان كامب ديفيد عام 2000، ومنذ ذلك الوقت "أدى ضعف خلفاء ياسر عرفات و"ظهور حماس" على الساحة واعلان "إسرائيل" الخطوات الاحادية الجانب، كل ذلك ساعد في "تهميش" دور الولايات المتحدة".كما أدى "الانتشار الواسع" لأدوات إعلامية أخرى وعلى رأسها الفضائيات مما تعرضه من مشاهد للإجرام والدمار في العراق وصور معاملة السجناء المسلمين ومشاهد المعاناة في غزة والضفة ولبنان الى "فقد كثير من الناس في الشرق الأوسط ثقتهم بالولايات المتحدة.....ونتيجة لذلك فالحكومات العربية أصبح من الصعب جدا في أيامنا هذه أن تتعامل مع الولايات المتحدة بشكل مفتوح ولذلك أصبح تأثير الولايات المتحدة في المنطقة عديم الأهمية"!
رأي هاس، الذي يلتقي مع ما يقوله منجمو السياسة، يفتح بابا كبيرا من "السيناريوهات الخطرة"، خاصة بالنسبة للدول العربية المعتدلة التي آمنت بسحر البيت الأبيض الأوحد، فوضعت كل بيضها في سلته، الوقت لم يفت بعد للبحث في خيارات أخرى، كالالتفات إلى الجبهات الداخلية، والاحتماء بالشعب، وتعزيز الشخصية الوطنية، ثم بناء قدرات ذاتية.
أمريكا حتى وإن لم يأفل نجمها بالكامل وتصبح دولة سعرها بسعر غيرها، بريقها لم يعد هو هو، ومن الأفضل للعرب أن يجدوا طريقة لحل مشكلاتهم مع إسرائيل خاصة، بعيدا عن "وهم" الضغط الأمريكي على اليهود..وان يجدوا تحالفات جديدة بعيدا عنها لان منطق التوازنات الاستراتيجية يجعلها تابعة لها لا حليفة وانهيار الدولة العظمى يعني الدمار للدول التابعة.
الكاتب: محمد فلاح الزعبي التاريخ: 11/04/2008 عدد القراء: 5740
أضف تعليقك على الموضوع
|