أهمية الانتحار في هذه المرحلة، وفوائد الانتحار التتابعي!
الجزء الثاني
د. إسلام المازني
وإلا: أيا مسلم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد فلابد لك من معرفة صفة الله تعالى ثم التركيز فيها بقلبك والشعور بها! ثم تحسس أثرها في قلبك ما التغير؟ ثم تعبد بها! ثم ادعه بها سبحانه! سله بكل اسم هو له! ثم انظر بماذا تشعر! وجدت نفسك حين فتحت أنوار الكتاب وفهمت أنه ليس كلاما فصيحا فقط! وصار صاحبك القرآن وفهمت ما لم يفهمه صحبك من حقوق وواجبات من حقائق باهرات .. فهناك حق العبودية بكل صفة له سبحانه! على كل مخلوق...
فلو تيقنت وتعمق وترسخ لديك العلم بقدرته، وبأن مقاليد الأمور وملكوت كل شيء والحياة والموت والرزق والنفع والمنع بيده!
وترسخ فيك كل هذا، فالنتيجة ستكون شعورا باطنيا راقيا عاليا عميقا محركا لك! بالخضوع الداخلي والخارجي ، ويبدأ الأثر في تصرفاتك واختياراتك وطريقك وعملك ومواقفك!
واستغلالك لأوقاتك! ولو لم يظهر؟ وجزعت مع الصدمة؟ أعيذك من هذا وأوصيك بالصدق وإتباع القول العمل وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل وهذا الأثر هو الثمرة الظاهرة ومعه تأتي الطمأنينة والإنابة والمحبة، وهي الثمرة الباطنة. هذا سيعطيك قوة، ليست قوة الصبر على المصائب فقط، بل قوة عدم الخوف، لأنه لن يكون ما لم يقدر! وأما ما قدر وكتب فلن يتخلف ولن يتأخر ولن يتقدم! فمم تجزع، ليس هناك مفاجآت، اعمل فكل ميسر لما خلق له، وإن كانت لك مصيبة في أم الكتاب فهي واقعة في الحالين، فبادر أنت بالعمل لتكون مأجورا على المصيبة..
بدلا من أن تأتيك وأنت مقصر متواكل، وقف موقفا شريفا من مسؤولياتك بلا رعونة وبلا تردد، بعد أن تفكر وتتدبر الحكمة لا أن تساق بعاطفة فقاعية.. فالحياة الداخلية لقلبك ـ التي تختلف عن النبضات في غرفة العناية المركزة - بيقينه وثقته وتعلقه برضوانه سبحانه ستثمر حماية القلب من الأمراض ومن الهلاك! من الجزع والطمع والشح والهلع! من الخواء والقلق والتوتر والذعر.. من الحزن المرضي والفرح الهوسي!
وستثمر ظاهرا حفظ البدن والأعضاء عن الدنايا والرزايا والموبقات والمفاسد! لأنه سيصير شغوفا بالترقي مزدريا للتولي وطالب النور مبصرا مصونا! أما القانع بجهله الوالغ في غيه:
إذا أنتَ لم تُعْرِضْ عنِ الجهل والخَنَا = أصبتَ حَليماً أو أصَابَكَ جاهل!
وتثمر كذلك حفظ اللسان عن اللغو والثرثرة! نتيجة حرصك على رضا مولاك ويقينك بصفاته، وأن الله معك بعلمه وشاهد عليك، وخبير بما في صدرك: {بِذَاتِ الصُّدُورِ} وبما {تُخْفِي الصُّدُورُ}! و{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}!
فلو علمت وثبت لديك بالنظر والتدبر ويقين الفطر أنه رزاق وأنه وحده يتحكم في كل شيء والأسباب تعمل بأمره وتقف بأمره.. فلن تكون هناك ذلة منك لأحد غيره..
وهذا منتهى العز في الدنيا والآخرة.. ومن مقتضاه أنك لن تخاف الموت وأنت صحيح! بل تحب الشهادة:
من كان يكره أن يلقى منيته = فالموت أشهى إلى قلبي من العسل!
وبالمثل يقينك بصفات الغنى والكرم والرحمة والإحسان والجمال سيثمر أملا كبيرا وتعلقا وحبا وجوا من البهاء والسناء والطمع في رحمته وأعمالا بأعضائك مبعثها أملك ورغبتك وتطلعك. ومبعثها الحب والشوق لرؤية الخلاق العليم! الذي هو جميل ويحب الجمال! وبيانه يناديك في الكتاب كأنما هو قائل لك: أنا خلقتك وسأعينك!
ولو أخطأت سأتسامح معك لآخر لحظة في عمرك، فتب إلي أتب عليك، وتعلم سبيلي أرفعك درجات عاليات! ويأخذك القرآن كأنما نزل لك ولحالتك، ويدرك كل فكرة تنبت فيمسكها! ثم ينتقل للتي تليها بمجرد ما تقفز لذهنك، وكل شعور يعالجه ويداويه! وأنت منبهر من العرض والمحتوى والتسلسل! ومن الكشف عما بك ويجعل أنفاسك تتلاحق.. *** أحين تزول الراحة يتمنى الموت، لا طلبا في الجنة.. لكن يأسا من الحياة..
أحمل رأساً قد مللت حمله= وقد مللت دهنه وغسله
ألا متى يطرح عني ثقله؟!
أكنت حيا لذلك؟ لتحمل وتغسل وتدهن؟ فأين مفهوم البلاء الذي هو مقتضى التفريق بين الدارين في الكتب الثلاثة؟
وهل ولد ليتنزه؟ وميثاق خلقه سؤال العافية أو رفض الحياة؟ وهل سيقضون بأنه لا يخرج عن مسمى الإيمان؟
إن قصة الذبح والفداء معترف بها، بغض النظر عن الذبيح لدى أهل الكتاب!
فسبحان الله... إن حكمة الابتلاء أو الأمر قد تخفى فهل نحن شركاء للآمر كي نعترض؟ ونستبق اللقاء؟ فماذا لو كان الميزان تنقصه حسنة, كلمة أو لحظة امتنان وندم؟!
طبيعة الدنيا يا قوم انظروا عباقرة السلف "ينبغي للمتيقظ أن لا يتأسف على ما فات، وأن يتأهب في حال صحته قبل هجوم المرض، فربما ضاق الوقت عن عمل واستدراك فارط أو وصية فإن لم تكن له وصية في صحته فليبادر في مرضه وليحذر.. ينبغي للعبد أن لا ينكر في هذه الدنيا وقوع هذه المصائب على اختلاف أنواعها ومن استخبر العقل والنقل أخبراه بأن الدنيا محل المصائب،
وليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر فكل ما يظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب، وعمارتها وإن أحسنت صورتها خراب، وجمعها فهو للذهاب، ومن خاض الماء الغمر لم يخل من بلل، ومن دخل بين الصفين لم يخل من وجل، فالعجب كل العجب ممن يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللسع؟! وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع!!".
ثم ما يدريك أنك لن تموت عاجلا؟ والسليم تأتيه لحظة فيقضي نحبه دون سابق إنذار! والميئوس منه يفيق بعدما كتب على ملفه: لا ينعش!
فلم تنجه مل الموت حزم وحيلةً = وقد كان محتالاً كثير التجارب!
يجب أن ننظر فيما بقي من نعم ونحمد الله عليها: قليلا ما تشكرون..
سبحان الله.. نعم.. والله عددت اثنتين فأخجلني قصور لساني وقلبي عن شكرهما، وتصورهما أصلا وتقديرهما...
أستغفر الله.. الحمد لله.. أوزعنا يا رب الشكر والصلاح. فاغسلوا أنفسكم يا قوم.. وخافوا الحق لا تبادروا! بل اعملوا بما بقي لكم من قدرة فيما بقي لكم من وقت، كيف أطمئن لعملي وأنهي فترة الزرع وأذهب للحساب بنفسي؟ عسى ألا تكون سبقت لي الشقاوة أو نسج تابوتي من نار! وبعد الآن ولا أدري! وهي فرصة للأحياء قبل بغتة موت كتلك:
* يجب تقدير النعمة قبل أن تزول. * يجب تفقد القلب واختباره ومعالجته والبحث عن تصفيته. لله خالق كل شيء كما هو جلي! لم يخلق شيئا عبثا، والعدل أصيل!
والقيامة حتم لتمام الحكمة! ففيم تعجلك؟ يوما ما سيسألك الله: هل رأيت نعيما قط؟ أو: هل رأيت بؤسا قط؟ فهل أنت مستعد؟ قد يقيمك الله ثانيا من نومتك وهذا العجز التام!
فهل تتأبى؟ الله عظيم! خلق هذا الإبداع المعجز المرتب بعناية فائقة، ويتصرف بشكل خارق للأسباب ليرينا وجوده ويقربنا منه، ويحق سننا عادلة ثابتة في الكون.. أفلا شغلت فكرك به وروحك معه؟ إن كان لك دين؟ وبقي فيك عقل؟
ووحّشوا بكتاب الله واتخذوا = أهواءهم في معاصي الله قربانا
الله تعالى منزه عن مشابهة الخلق، وصفاته ثابتة كاملة جميلة جليلة، كلها خير وهيبة وعدل وكيفيتها لا ندركها، فذاته سبحانه ليس كمثلها شيء ولا نحيط بها علما. وكل اسم حسن لله له تأثير وينبغي أن ينعكس علينا لو عرفناه! وكل صفة عليا تستلزم وتحتم ظهور أثر في شعورنا وإحساسنا وعواطفنا، وفي فكرنا وعقلنا وعقيدتنا، وفي سلوكنا وتصرفاتنا! فنسير في أعمالنا كأننا نرى الله تعالى ونتلمس رضاه عالمين أنه تعالى يرانا بلا مرية..
فإذا بادرنا بالتغيير والنهضة فهي على نور من الله، وهو واجبنا أن نغير بل سنمسخ قردة وخنازير إن بقينا كما نحن، لكنا نغير بكل طريق مشروع!
فلسنا ملحدين، فهل صلى الفجر يومها من نحر نفسه؟ وهل قرأ يومها ورده؟ ثم مضى ليحرق نفسه؟وهل رضي الله عنه وهو يهدم بنيانه ويجزع؟ وهل هذا هو سبيل الله؟ وإن كان هو غير ضابط لتصرفاته ساعتها فهل كلنا كذلك، ونحن نصفق ونشجع المنتحر التالي؟