الحكومة بين مذاهب خلع (الحكومة)!

 

الحكومة بين مذاهب خلع (الحكومة)!

حامد بن عبدالله العلي


المقصود بكلمة الحكومة الأولى ، أي الحكم الفاصل بين مذاهب الناس في خلع الحكومات إن حادت إلى السبيل الجائر .


وفيما سأذكره تجاوز لايخفى أعني من جهة ضبط العزو إلى قائلين بأعيانهـم ،فليس هذا هو المقصود ، إنما هي أفكار منثورة في ساحة الفكر ،

فالمقصود العبــرة ..


المذهب الاول : مذهب العدد !


وهذا المذهـب ، مبني على أن الحكومات الجامعة لأمر المسلمين ، تقضي عليها دورة مــن العدد معروفة ، يتغير الحاكم على أساسها ، فما هي إلا سنة أمضاها الله في التاريخ :


كما :
قال ابن كثير رحمه الله : ( وقد حكى ابن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال‏:‏ الناس يقولون كلسادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لابد أن يخلع .


قال ابن الجوزي‏:‏ فتأملت ذلك فرأيته عجباً قيام رسول الله صلى اللهعليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلعه معاوية ، ثم يزيدومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك، ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل، ثم الوليد ثمسليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل، ولمينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثمالهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل، ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكلوالمنتصر ثم المستعين فخلع ثم قتل، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفيثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثمالطائع فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/266‏)‏


ونحن مع الأيام متربّصون ، ولله الأمر من قبل ، ومن بعد ، ولكن أكثـــر الناس لايعلمون ( قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

المذهب الثاني : مذهب المنبطحة ، وهم طائفتان :
المنبطحة !
والمنبطحة الغلاة !
وإنما سميناهم المنبطحة ، لانهم ينبطحون للسلطة القائمة دون إشتراط شيء لشرعيتها .


أما الطائفة الاولى من أهل هذا المذهب ، فهم القائلون بأنّ الحاكم في الإسلام لايُخلع قط ، ذلك أنهم أسقطوا شروط الإمامة كلّها ـ حالا إن لم يكن مقالا ـ فإذا لم يبق شــرط ، لم يلزم من عدمه عدم أصـلا ، فكأن وجود ذات الحاكم ـ عندهم ـ هو الشرط لاسواه ، وهذا من أعجب المذاهـب ، وأبطلها وأشدها ضررا على الإسلام والمسلمين ، وهو السائد في بعض الأقطار ، وينسبه بعض المتعصّبة من الحنفية إلى الحنابلة ظلما وزورا ، وهم منه براء ، فقد ذكروا كغيرهم من الفقهاء من المذاهب الأربعة ، شروط الإمامة ، التي يعزل الحاكم بانتفاءها ، وقد قدمنا ذلك في مقال سابق بعنوان الدفاعْ عَنْ عَقيدَة الموحّدين وَردْ باطلِ المُفْسـِدين فيِ تَعبيِدِ النّاس للْـوطنيةوتشويه معنى البيعة الشرعيةوإمامة المسلمين
وإنما قلنا أن هذا المذهب من أبطل المذاهب وأشدها ضررا على الإسلام والمسلمين ، لأن الفساد العام في الدين عقيدة وعملا ، الذي يترتب على التهاون في شروط الإمامة ، لايقارن به فساد ، ولا يقاس به خبالٌ على البلاد والعباد .


لاسيّما في هذا الزمن ، ذلك أن الدولة ربطت حياة الناس كلها بمؤسساتها ، تبثُّ إليهم ما يُرى وما يُسمع في بيوتهم منذ الطفولة ، وتعلّمهم بعدها في مدارس تقوم هي على كل ما يُدرّس فيها ، وتشرف على جميع وسائل الإعلام ، وصناعة الوعي الخاص والعام ، حتى المساجد ، وما يقال فيها تقف الدولة عليه حرفا حرفا ، وتصرف الخطباء إليه صرفا ،
وأصبحت معايش الناس غالبا مرتبطة بيد الدولة ، فبإمكانها أن تفرض عليهم أن يقولوا ويفعلوا ما يضمن لهم بقاء معايشهم ، وأسباب حياتهم .
ويدخل في ذلك حتى الفتوى المخبرة عن أحكام الله تعالى ، فأعلى هيئات الفتوى تقول ما تريده الدولة ، قبل ما يريده الله تعالى من فوق سبع سماوات ، فما أعظمها من جناية على الشرع ، وما أقبحها من جريمة شنيعة ، وسبب لضلال الخلق .


والمقصود أن الخلل في نظام الدولة ، ليس كما كان فيما مضى ، مع ما كان فيه من خطورة ، غير أنـه اليوم إنحرافٌ يسـرى إلى عامة المسلمين ، سريان النار في الهشيم ، فإذا أضيف إلى ذلك ارتباط الدولة بنظام عالمي أشد كفرا ونفاقا ، وأعظم جاهلية ، قد غدا يتدخل حتى في عقائد البشـر وثقافاتهم وأخلاقهم ، طوعا أو كرها ، فقد طم الوادي على القريّ .
ولهذا كانت منزلة إمامة الدين خطيرة ، قال شيخ الإسلام : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لاقيام للدين والدنيا إلا بها ) .مج28/390


وقال : ( وهاتان السبيلان الفاسدتان ـ سبيل من انتسب إلى الدين ، ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال ، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ، ولم يقصد به إقامة الدين ـ هما سبيلا المغضوب عليهم والضالين ) مج28/395


ولهذا ورد في الأحاديث : ( إن أخوف ما أتخوّفه على أمّتي آخر الزمان ثلاثا : إيمانا بالنجوم ، وتكذيبا بالقدر ،وحيف السلطان ) ، كما ورد : (إنّ أخوف ما أخاف على أمتي ، كل منافق عليم اللسان ) ، ينظر في طرق الحديثين سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني رحمه الله الجزء الثالث .


ذلك أن ولاة الأمر هم العلماء والأمراء ، والأمراء إنما طاعتهم تابعة للعلماء ، لأنهم مأمورون بإقامة الشريعة ليس لهم وظيفة سواها ، ولهذا قدم الله تعالى طاعة الله وطاعة رسوله ، ثم أعقب بطاعة ولاة الأمر ، ليُعلم أن طاعتهم مشروطة بإلتزام الوحي ، وإقامة الشــرع ، فإذا فسد العلماء والسلطان ، فلا تسأل عن فساد الناس ، ولهذا كان ذلك أخوف ما يخافه صلى الله عليه وسلم على أمته .


وبهذا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخوف ما يخاف على أمته ، فساد العقيدة ، وفساد النظام السياسي .


غير أنه وياللأسى ، لم يعد يلتفت إلى هذا الخطر ، وصار من العلماء من يحرم على الأمّة أن تصلح نظامها السياسي الذي به صلاح دينها ، واستقامة أمرها ، وعـز شأنها .


وجُعل الحديث عن النظام السياسي في الإسلام ، وعن شروط الإمامة ، ومدى مطابقة ذلك لواقع الأمة ، وأن شرعية الدولة منوطة بقدر إلتزامها بها أصلا ، من أشد المحظورات ، ولم يعد يدرس في جامعات الشريعة إلا لماما ، وضـرب عليه صفحا ، وطوي عنه كشـحا .


وأختزل النظام السياسي في الإسلام الذي به قوام الدين ، وقيام الأمة ، إلى مراسيم يصدرها نظام منبت عن شريعة الإسلام ، خارج عن إطار منظومته السياسية الشرعية أصـلا ، لم ينطلق منها ، ولايريد أن يتحمل مسؤوليتها ، ثم جعل نفسه لايحل لأحد أن يسأله عما يفعل !!


وهكذا تحولت الكيانات التي وضعها المحتل ليحقق بها أهدافه ، الممزّقـة للأمة الواحدة ، الممعنة في أسباب الإنهزام والضعف ، إلى أنظمة لافرق بين شرعيتها والخلافة الراشدة!


ونطق بهذه الضلالة العمياء ، وقام بها وقعد في العلن والخفاء ، المطموس على بصائرهم من ذوي المناصب الدينية .


وأصبحت هذه الطائفة المنبطحة تؤصّل لهذا المذهب الباطل ، وتكرّس في الأمة الضلال والفساد ، وتسليط الأعداء .


وغدت فئة ضالّة ، متمرغة في أوحال الجهل ، مليئة بعفن سوء المقصد ، وغثاثة وخباثة الأهــداف .


واما الطائفة الثانية : وهم المنبطحة الغلاة


فهم من فروع دين القاديانية ، أو بهم تتشبه أقوالهم ، وإليهم تأوي أفكارهم ، وهم القائلون بأن من تسلط على الرقاب ، وصارت بيده أعمدة الدولة والأسباب ، وجبت له دينـاً الطاعة ، وذلّت له كلّ الجماعة ، حتى لو كان مرتكسا في الكفر المحض ، صليبيا أو صهيونيا ، أو من أركان الرفض .


وهذا المذهب ليس له سابقة في الزمان في أهل العقول السليمة ، من جميع المذاهب الفكرية ، إنما يصنع في دوائر الإستخبارات المحتلة ، فهي طائفة أجهل من أن يرد عليها ، أو يٌشتغل بغير حكاية مذهبهم ونسبته إليها .
المذهب الثالث : مذهب القدريّة السياسية !!


سنكمل المقال القادم بحول الله تعالى ،،

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006