في ذكـرى 11 سبـتمـر

 

في ذكـرى 11 سبـتمـر
 
،
حامد بن عبدالله العلي
،
وقعـت أحـداث 11/9 عام 2001م
 
اكتشفت أمريكا ، وبصحوة ضميـر مفاجئة أنّ الطابع التسلّطي للنظم العربية ، إلى جانب تخلّف مناهج التعليم ، والسياسات الثقافية ، والإعلامية ، والفساد السياسي والإقتصـادي ، والحرمان ، والفقـر ، وكذلك إنتشـار نظم للحكم ، وأنماط للتفكير غير عصريـة ، هذا كله هـو المسؤول الأوّل عن شيوع التطرّف ،  والإرهاب ،  والتعصّب ، وكراهية الولايات المتحدة خصوصا ، والغرب عموما $$$
 
قررت أمريكا أن تكون هـي المسيح المخلّص ، والرسول المنقـذ ، لتحويل المنطقة العربية إلى واحـة رفاه إقتصادي ، وروضة عدل ، وجنّـة حريات ، وتزيل عن هذه الشعوب العربية المسكينـة ماجثـم على صدرها من أنظمة الخوف المستبـدّة ، وتمنح الشعـوب حريـة اختيار حكّامها بتداول السلطة ،  وحرية نقدها ، ومراقبتها،  وتغييرها ، وحريّة التعبير بشتّى وسائله من الصحافة الحرّة إلى وسائل الإحتجاج السلميّة ، وحـقّ التصـرف المطلـق بالثروة القومية وتسخيرها لمصلحة الشعـوب ، وحـق إستقلال القرار السياسي ، والاعتزاز بالثقافـة ..إلخ
 
 وبذلك لن يبقى مكان للتطرف ، والإرهاب ، والتعصّب ، والكراهية.
 
تحرّكت الترسانة العسكرية الأمريكية وراءها مئات المليارات من الإنفاق العسكري ، لإحتلال العراق ، والبدء منه في مشروع الخلاص الأبدي !
 
ففتحت على أمريكا على العـراق أبواب جهنـم في حملة إحتلال بشّرت أنه هو الفتـح العظيــم ، وانهالت عليه حمم مشروع الشرق الأوسط الكبير ، فمات تحت نيـرها الآلاف من الشعب العراقي من (شدة الفرح بالخلاص ) !
 
ثـم بدأت ثمار المشروع الأمريكي تنضج رويدا رويدا بهذه الحصيلة :   654 ألـف ، و965 قتيـلا وفـق مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية ، أما الجرحى والمقعدين وغيرهم من ضحايا الحرب فلا عدّ ولا حـدّ .
 
أما أطفال العراق فقـد كشف تقرير صحي أمريكي أنّ نسبة بقاء الأطفال على قيد الحياة في العراق ، حتَّى ما بعد سنالخامسة، قد تراجع بشدة منذ العام 1990، ليحتل هذا البلد ذيل الترتيب العالمي خلفمجموعة من أفقر دول العالم مثل بتسوانا وزمبابوي، بعدما تضاعفت وفيات الأطفال فيه 150 في المائة ، وذكر التقرير أنه في عام 2005م وحدها ، مات 122 ألف طفل عراقي، وما بعد هذا التاريخ إلى يومنا هذا لايعلمه إلاّ الله تعالى .
 
أما ثروة العراق فقد كشفت صحية الحياة 8/2/ 2005م ، النقاب عن تقرير يبين نهب 20 بليون دولار من ثروة العراق النفطية ، وأّما ما بعد ذلك التاريخ إلى اليوم فالله وحده يعـلم كم نهـب من تلك الثروة ، فقد أُتخمت الحكومات المتعاقبة تحت الإحتلال بالفساد ، والرشـوة ، والسرقات .
 
أما ثروة الآثار التي لاتقدّر بثمـن فقـد ذكر تقرير نشرته الرابطة العراقية ، أن الخبير الآثاري الدولي فرناندو باييز ، وصف ما جرى للآثار ، والمواقع الآثاريةالعراقية " بالمجزرة الحضارية " قائلاً " إنا بصدد وطن ينزف ألماً طوال الزمان " وأضاف : ( لقد شاهدت بعيني في أوائل ايار – مايو 2003 حينما كنت عضواً في مجموعة خبراءاليونسكو التي زارت العراق ، لتقصي حقائق ماحدث على ارض الرافدين ، شاهدت اكبر فجيعةحضارية و ثقافية مرتكبة منذ الاحتلال المغولي لبغداد قبل ثمانية قرون) .

وأكد خبير اليونسكو للحضارات بأنه خلال الاحتلال الأمريكي ( تمت سرقة أكثرمن مليون كتاب نادر عدا ما احرق من الكتب المعروفة الأخرى ، و سرقة عشرة ملايينوثيقة و 170 ألف قطعة أثرية اختفت من مواقع و متاحف عراقية بينها 14 ألف قطعة أثريةنادرة لاتتكرر).
 
وأما الهجرة من العراق ، وهي التي تملك ثاني اكبر إحتياطي نفطي في العالم ، فقد نقلت وكالة (رويترز) - عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، أنّ أعداد العراقيين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم ، بسبب استمرار تدهور الوضع الأمني في البلاد ، بلغ أربعة ملايينومئتي ألف شخص ، وقد ارتفع هذا العدد إلى أكثـر بكثير حتى تاريخ كتابة هذا المقال .
 
وبالجملة فقـد غـرق العراق في مستنقع الموت ، والفوضى ، والفساد ،  تحت ظلال المشروع الأمريكي ، حتى لقـد أصبح تمنّي مثل الحكم القمعي الإستبدادي السابق حلما جميلا في العراق !
 
هذا ما جرى في بؤرة التغيير الأمريكي تحت احتلاله المباشر ، أمّا فيما جاور العراق ، فلم تشهـد المنطقة تراجعا في الحريات ، ولا امتلاءً للسجون ، ولا كبتاً للمعارضة السياسية ، ولا تقهقراً في الإصلاحات ، أشـدّ وطأة منـذ انطلاق المشروع الأمريكي .
 
وازداد الوضع الفلسطيني تردّيا حتى بلغ مستويات كارثية ، ودخلت لبنان في أتون فتن مظلمة ، وخيـّمت الكآبة على مجمل المنطقـة بصورة لم يسبق لها مثيل ، وهي تنتـظر حربا أخرى مجنونة ومدمـرة موجهـة ضـد إيران ، لايعلم إلا الله تعالى متى وكيـف ستستقـر .
 
وعلى مستوى العالم الغربي فقـد ازدادت العنصرية في الغرب ضد المسلمين ، وانتشـرت مظاهر التحريض ضد الإسلام ، وتوالت حملات الطعن الوقح بمقدسات المسلمين!
 
والحاصـل أنّ حادث 11/9 يصبح مجرد ( دعابة ثقيلة ) إذا ما قيس بسياسة أمريكا في قيادة العالـم منـذ 11/9 إلى يومنا هذا ، بغطرستها، وغباءها ، وجهلها ، وبما سنستقبله من كوارث على جميع الأصعـدة بسبب الطغيان الأمريكـي !
 
أما إذا قيس بما فعله التحالف الصهيوني الغربي ضد أمّتنا منذ عقود طويلة ، فكان ذلك الحادث من ثماره ، فتلك الدعابة ستكـون نكـتة عابرة !
 
هذا وقد انقسـم الناس بإزاء الحملة الأمريكية إثـر 11/9 ، إلى أقسـام :
 
فمنهم من غـرّته الشعارات الأمريكية فصدقّها ، وظنّ أن خلاص الأمَّة سيكون في ردف تلك الحملة .
 
ومنهـم من استثمرها بذكاء لصالح مشروع أخطـر من المشروع الأمريكي، فحقق بعض المكاسـب .
 
ومنهـم مـن لايملك من أمره شيئا ، فقرر أن ينقاد كبهيمة عجماء قاد زمامها أعمى ، وراء إدارة المحافظين الجـدد !
 
ومنهـم من قرّر التصدّي لها ، وعقيدة هؤلاء أنّ الأمّـة لم يفسد حالها قط إلاّ بإرتماءها في أحضان الأجنبي ، وما ضلّت بعد الهدى إلاّ بإسلام نفسها لمن لايرقب فيها إلاّ ولا ذمـّة ، مستنيرين بعد هداية القرآن ، بتجارب التاريخ ، وبشواهد الواقع كما بيّناها في هذا المقال ، وبغض النظر عما حدث في 11/9 ، فالنهج الإمبريالي الغربي نزعـة متأصّلة ، وخطّـته الاستعمارية قد أُعدت قبل ذلك اليوم أصـلا ، وسواء وقع أم لا ، فالأمّـة قدرها أن تواجـه هذا العـدوّ ، وفريضتها أن تتصدّى له ، ولن تجد لسنة الله تبديـلا ، ولن تجـد لسنته تحويـلا .
 
والأوّلون هم المستغربون ، ومعهم بعض ( دراويش ) الإسلاميين ، ومرتزقتهم .
 
وأما الذي استثمـر الغباء الأمريكي بذكاء ، فالنظام الإيراني ، ولكنه لن يهنأ طويلا بما نالـه جراء خيانته ، وأيضا روسيا التي عادت إلى كثير من قوتها ونفوذها العالمي ، إضافة إلى الصيـن وغيرهما ، الذين غمرتهم فرحة لم يظهروها في يوم الحادي عشر من أيلول.
 
وأما الذين لايملكون من أمرهم شيئا فلا يخفى حالهم .
 
وأما القسم الأخيـر فهم الفائـزون ، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الهدى ، ودين الحـق حتى نلقـاه آمين .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 08/09/2007