الشـــــــــرق الأوســـــــــــط الشعيــــــــــــــــر!!

 

 

الشـــــــــرق الأوســـــــــــط الشعيــــــــــــــــر!!ـ


حامد بن عبدالله العلي

أحسب أن شكل الشرق الأوسط الديمقراطي الكبير الذي تريد أمريكا أن تفرضه على المنطقة قد تبيّنت ملامحه جليّة واضحــة ، فأركانــه تتكون مما يلي : شعيـــر ، ( الوعود الأمريكية بالرفاه الإقتصادي ) ، وحظيرة جديدة ، وكلب حراسة جديد ، والشعوب هي القطعان التي يراد أن تعيش فقط على أكل العلف الذي تحدد أمريكا مقداره ، وجرعاته ، وأسعاره ، وتملك وكالته ، وحمار في رقبته جرس هــو لعبة الديمقراطية الأمريكيّة ، هذا وأركان النظام السياسي لاتخفى رموز معانيها !

وكل شيء تم تجهيزة ، غير أن الشيء الوحيد الذي يجري البحث عنه ، هــو الحمار المناسب لحمل الجـــــرس في كل بلد !

وشيء واحد فقط يجب أن لايكون في النظام السياسي للشرق الأوسط الشعيــر أعني الكبيــر ، و هو الكرامة !

الكرامة التي يقول مفكروهم ـ وصدقوا ـ على عكس المال لايمكن تقسيمها بسهولة ، فهي شيء موروث لايمكن تجزئته ، فإما أن تعترف به كلــه ، وإما لا .

وهؤلاء الماكرون يعرفون أن هذه الأمة إن فقدت دينها ، فقدت كرامتها ، كان الخليفة الراشد عمر بن خطاب رضي الله عنه الذي ألحق بهم أكبر هزيمة فاتحا بيت المقدس ، قد أطلق شعار الأمّة السياســي الأوّل الذي يميّز شخصيّتها : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " ، وكان يعلم بفراسته أن هؤلاء الذين هُزموا هذه الهزيمة العظيمة على يد المسلمين ، سيسعون في نزع دين الأمة لنزع عزها وكرامتها .

كما أنهم يعلمون جليا أن المسلم يقرأ في كل صلاة " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضالين " .

وتجلجل " آميـــــــن " في كل أرجاء الامة الإسلامية ، من نواكشوط إلى جاكرتا .

إنهم يقولون جميعا ، نحن أمة الصراط المستقيم ، لن نخضع للمغضوب عليهم ، اليهود ، ولا للنصارى الضالين .

كما يقرأ المســلم : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " .

ويقــرأ : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

ولهذا شيء واحد محظور الحديث عنه في بلادنا ، كرامة الشعوب الإسلامية : دينها ، وجهادها في سبيله ، وتحكيم شريعتها ، وشيء واحد يجب أن تكلم عنه كلّ نشرة أخبار ، وكلّ مؤتمر ، وكلّ محاضرة ، وكلّ برنامج تلفزيوني ، بصورة تثير الغثيان ، وهو " الإرهاب" .

ثم لايسمح أبدا بأن يقع أحد في الخطأ الشنيع فيصف الإرهاب بأنه سجون بوغريب ، أو غوانتامو ، أو باغرام ، أو سجون الصهاينة ، او سجون الطغاة المستبدين ، سواء السجون الكبيرة التي تحيط بها الحدود السياسية ، والصغيرة التي في كل دائرة حكومية ، حيث يوجد فيها رجال الاستخبارات ، والأماكن العامة ، والتجمعات الخاصة ، بل حتى في المساجــد !

لأنّ في هذه المدارس المنتشرة في بلادنــا ، يتم تهشيم عيّنة عشوائيّة لكرامة المسلم ، بشكل دوري وممنهج منذ عقــود ، ويخرجون من هذه السجون ، ليروُوا لبقية الشعوب الأهوال التي لاتبقى أمامهم خيارا آخر ، سوى الرضــا بفقدان الكرامة ، والقبول بجرعات الشعير والبقاء في الحظيرة ، والإستماع لجرس الديمقراطية الأمريكية المعلّق على رقبة الحمــــــار ، والكلب سيتولى المهمة إن حاول أحد ممن في الحظيرة أن يبحث عن مخرج !

ولن تحتاج إلى جهد كبير لترى كم هو الفرق هائل بين " هوبز " الذي شكّلت فلسفته النبع الأول لليبرالية ، والذي كان أول من اخترع للإنسان الغربــي ـ يا للإختراع! ـ مبدأ أن شرعية الحكومة تنشأ عن حقوق المحكومين وليس من الحق الإلهي للملوك ، أو من السمو والتفرق الطبيعي لهؤلاء الذين يحكمون ، وبين فلسلفة أمريكا القائمة على أن لها الحق المطلق ـ انطلاقا من سمو عرقهم ـ في فرض ما تريد على شعوب الأرض بالقــوّة ، لأنها وحدها تملك النظام الشمولي العالمي المنقذ للبشرية ، و حتى لو هلكُوا جميعا ، وهم في طريقهم إلى هذا النظام ، فإن هلاكهم تضحية تستحق الثمـــن !!

لكن ستحتاج إلى جهد كبير جدا محاولا أن تفهم كيف أمكن أن تبقى هذه الدولة لاتستحي أن تتكلم عن رسالتها الأخلاقية ومسؤوليتها التاريخية تجاه العالم ، وهي في نفس الوقت تحطم كل شيء أمامها في العالــم ، من أجل جشع حفنة من الأثرياء مصاصي الدماء في البيت الأبيض .

صدق " نيتشة " عندما أطلق على الدولة إنها أكثر الوحوش الباردة برودة ، تعيد صياغة الشعوب بآلاف من المغريات !!

هكذا يراد أن يفعل بشعوبنا ، إعادة صياغتها بآلاف من المغريات الكاذبة ، لكنها لاتعمل إلا بشرط أن يتوقف الشعور بالكرامة تماما ، فحينئذ يسهل خداعها بالعلف ، والشعير هو الذي سيقودها من جديد لتدخل الحظيرة الجديدة ، تحت شعار التبشيــر بالديمقراطية الأمريكية .

تلك التي لم تبدأ بنشر العدل ، ورفع الظلم ، وإشباع البطون الجائعة ، والعقول الجاهلة ـ وأنى لهم أن يفعلوا ذلك " والكافرون هم الظالمون " ، بل بتحرير الأسواق أمام التجارة العالمية ، لإشباع بطون شركاتهم العملاقة التي لايشبعها شيء ، وتغيير مناهج تعليم اللغة العربية ، والديــن ، ثم تحرير المرأة !! المرأة المسلمة التي يغتصبونها في معتقلات الاحتلال بالعراق ، ومعتقلات إخوانهم الصهاينة ، يبحثون عن تحريرها في بقية بلاد الإسلام ، وهم يعلمون أن الدول نفسها لم يتحرر قرارها السياسي ، ولا الإقتصادي ، ولا حتى تسليح جيوشها من هيمنتهم .

والخلاصة : سيتم توزيع جرعات الشعير الجديدة ، وحظائر جديدة ، وحمير وكلاب جدد ، ويطلب من الشعوب أن تصدق أن أمريكا أنقذتهم ، ثم لايضر أن يكتشفوا بعد فترة من الزمن أن نفس اللعبة التي لعبها المحتلون في القرن الماضي ، أعيدت جذعة ، لكنها هذه المرة صارت من صميم التقوى وتوحيد العبادة ، لانهم وجدوا عددا وفيرا جدا من المفتين المتطوعين بالفتوى بأن ما يحصل للأمـة من سحق لكرامتهــا ، تحت خداع وسائل الإعلام إنما من طاعة "ولاة الأمر" !!

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006