لا لخلافات الماضي

 

لا لخلافات الماضي
حامد بن عبدالله العلي

جاءتني أسئلة كثيرة بالبريد الإلكتروني وبالهاتف وبالمشافهة ، هل يعني كونك مستقلا الآن وجود مراجعات فكرية ، وآراء جديدة ، واقترح علي بعض الاخوة ، التصريح لتبديد ما قد يثار ، فأقول لاجديد ، منطق العنف في الدعوة الإسلامية كله جملة وتفصيلا رفضناه ومازلنا ، والإرهاب بمعنى قتل الأبرياء أدناه ومازلنا ندينه ، والتخريب والإفساد وإثارة الفتن وقتل النفس التي حرم الله ومنه قتل المعاهدين الذين دخلوا بلادنا آمنين ، وكل ما من شأنه الإخلال بالأمن ، حرام بالثلاث ، وهذه ثوابت مبنية على أصول شرعية ، لا تتغير ولا تتبدل ، ولكن الجهاد الإسلامي أيضا ثابت عظيم بل هو ذروة سنام الإسلام ، و الدعوة إلى منح المصلحين حرية الصدع بالحق ، والتعبير عن آرائهم لإصلاح الخلل ونقد الأخطاء ، ونعني نقد أخطاء البشر حكاما ومحكومين ، وليس نقد دين الله المنزل المعصوم كما يفعل المتهوكون باسم الحرية ، وحق الشعوب في تقويم السلطة إذا انحرفت بالطرق السلمية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة ، وجهاد المناهج المنحرفة بالكلمة الجريئة الصريحة ، كل ذلك أيضا ثوابت لا تتغير ، والمشكلة كانت ومازالت عند من لايفهم الفرق لافينا.

ولكن دعونا من هذا كله الآن ، ولنأخذ في الحديث الذي أثاره أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أمس عن التخوف من الإسلام ، فأمريكا رفعت شعار ( لا لخلافات الماضي ) بعد أحداث 11/9 ، وعينها على الصين لتتفق مع مجموعة شنغهاي، على ماذا؟!

هذه المجموعة تضم الصين وروسيا وطاجيسكتان وكازاخستان وقيرقيزيا ، وقد اجتمعت مؤخرا ، من أجل ما أسمته مواجهة (الأخطار المشتركة) ، والسبب أن كل هذه البلدان إما تشهد تغيرات إسلامية ، كما هو الحال في طاجيكيستان وكازاخستان وقيرقيزيا وأوزبكستان، وإما تشهد مواجهات بين المسلمين والأنظمة غير المسلمة التي تعد تاريخياً حكومات احتلال كالصين وروسيا .

فطاجيكستان شهدت حرباً ضروساً على مدى خمس سنوات بين الإسلاميين من جهة وبين الشيوعيين السابقين (القيادة السياسية) مدعومين بالجيش الروسي (القيادة العسكرية) من جهة أخرى، واضطرت حكومتا روسيا وطاجيكستان إلى توقيع اتفاقية "وفاق وطني" أدت إلى سلام هش في صيف 1997م، وذلك بعد أن تمكن الإسلاميون من السيطرة على وسط طاجيكستان كله وتكبيد الجيش الروسي خسائر فادحة هناك عام 1997م (العام الذي شهد توقيع الاتفاقية). والذي أقلق الروس وحلفاءهم أكثر هو وجود أعداد من إسلاميي آسيا الوسطى يقاتلون مع الإسلاميين الطاجيك ، أما قيرقيزيا فقد شهدت في صيف العام الماضي (1999) قتالاً بين مجموعات إسلامية –قيل إنها أتت من طاجيكستان – وحرس الحدود القرقيزي (أغلبهم من الجيش الروسي)، وقد تزامنت تلك المواجهات مع بداية الهجوم الروسي على الشيشان مما دفع بعض المحللين إلى القول بأن الهجمات كانت رداً على ذلك الهجوم ودعماً معنوياً للشيشانيين ، أما أوزبكستان فتشهد أقوى صحوة إسلامية في المنطقة بعد طاجيكيستان، واستخدمت حكومتها أساليب قمعية؛ لوقف تنامي الصحوة ، أما روسيا فشهدت مواجهات بين بعض المقاطعات الداغستانية التي طبقت الشريعة الإسلامية (بموافقة رسمية من الحكومة الروسية في صيف 1998م) من جهة وبين الجيش الروسي الذي فرض حصاراً على تلك المقاطعات، وبدأ قصفاً عنيفاً خاصةً على بلدة كاراماخي- التي محيت من الخارطة - مما أدى إلى تدخل الشيشانيين بقيادة رئيس الوزراء الأسبق شامل باسي لنصرة إخوان العقيدة والحلفاء التاريخيين. وأدى ذلك إلى نشوب الحرب الشيشانية-الروسية الثانية خلال هذا العقد.

أما الصين فتشهد صحوة للمقاومة الإيغورية (التركستانية) المسلمة في تركستان الشرقية (سينكيانج كما يسيمها الصينيون)، التي تمكن الصينيون من سلخها من جسد الأمة الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، ثم تمكن المسلمون الإيغور من التصدي لهم وإعلان الاستقلال في عام 1944م . والجدير بالذكر أنه في العام الماضي (1999م) تم إعدام 205 من مسلمي تركستان بتهمة السعي "للانفصال"، واعتقل آلاف منهم .

ولعل التغير الإسلامي المتنامي بين باكستان وسينكيانج والشيشان وداغستان ، ويمتد بقوة في أفغانستان ، يؤكد نظرية ( هنتنجتون ) في توقعه صراع الحضارات بين الغرب والإسلام ، ومن أجل هذا التخوف ، التقى الغرب مع مجموعة شانغهاي ، مدفوعين بمفومهم عن صراع الحضارات ، كما تخوف منه السيد عمرو موسى في لقاءه مؤخرا مع الوطن ، وناشد التوقف عن هذا النمط من التفكير .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006