عندمـــا ينســــدح الدعـاة !

 

عندما ينْسدِح الدعـاة !
 
حامد بن عبدالله العلي
 
في لسان العرب : سدَحَ الناقة أناخها أ.هـ ، فعليـه : انسدح الداعية أي أناخه النظام حتى صار بوقا له ،
 
وهو _ أعني _  إنسداح الدعاة للنظام ثلاثـة أنواع :
 
أحدهـا : إنسداحٌ تام ، وهو الإنبطاح نفسه ، أي يتمـدَّد على وجهه ، ويكون وجهُـه تلقـاء الأرض لاغيـر ، لايحرّكه أبـدا _ حتى ربما يكون النظام آيلاً للسقوط وهو لايدري ويبقى يدافع عنه مثل البوطـي ! _ ويداه ممدودتان إلى أقصى مـدى ، من جهة الرأس على إمتداد الجسد ، أمـام النظـام السياسي ! 
 
وإليه تنسب الفرقة الإنبطاحية  _ التي تُعادي الثوارت العربية _  وأصولها ثلاثـة :
 
 تعبيد الناس للطغيان ،
 
وتزيين باطل السلطان بشتى أنواع الكذب ، والبهتان .
 
ومحاربة مشاريع الإصلاح بالبلدان .
 
والثاني : إنسـداح متوسط ، وهذا أحيانا يحـرِّك رأسه ، ويرفع وجهه عن الأرض قليـلا ، ليتأكـّد أنَّ النظام لايزال ثابتا في مكانه ، غير أنـّه لايصدر منه أي شيء يخالف القصـر ، مادام النظام قائـما ، حتى يلج الجمل في سمّ الخيـاط .$$$
 
والثالـث : إنسداح خفيـف ، وهذا يرفع رأسه وبطنه قليلا عن الأرض ، إذا شعر أنَّ ثمـَّةَ ضوء أخضـر من النظام _ بعد ضوء أخضـر أمريكي _ فينطق حينئـذٍ بمـا ( فتح النظام عليه ) مثل : دعم الثورة السورية ( في غير سوريـا) !
 
وتبين لي من خلال الإستقـراء أنَّ ( المنسدحين ) أنواع :
 
نـوعٌ مرتزقـة خُلَّـص ، فهؤلاء واحـدهم يعلم أنَّ النظام أخبث من نطفة إبليس ! وكلّ محاولات الترقيع هي نفاق في نفاق ، لكن أعماه بريق الذهب ، وحبُّ المنصـب ، فهو يرتـع فيما فيه هواه ، وإليه همـُّه ومُنتهـاه .
 
ونوعٌ هـو مـن المرتزقة أيضـا ، ولكنه يخادع نفسه بتأويـلات فاسـدة ، ولايُعـدم هذا النـوع من صـوتٍ بين ضلوعـه يتردَّد : إنك يا هذا تخادع نفسك ، فلست سوى بوقٍ للظلمة ، لولاك لانهار ظلمهم ، وذهـب جورُهـم ، فأنقـذْ نفسك بالتوبة قبل فوات الأوان .
 
 ولكن قـد أثقل أُذُنـَه عن سماع هذا الصـوت ، ما يتمتع به ، وغارق فيه ، من مزايا وقوفه مع النظام ، وما يحبوه من المناصـب ، والعطايا ، و المال ، والهدايـا ، ويضعف هذا الصوت كلَّما زيد له في الحبـاء ، والعكس بالعكس !
 
ونوعٌ لايسترزقون ، ولكنهم مساكين ، يعانون من خلل حاد في ( الدوبامين )  ! وهو مرسِل كيماوي في المخ ، يؤدي الخلل فيه إلى تأثير سلبي على الإنتباه ، والأحاسيس ، وكذلك إلى إضطراب في مشاعر المتعة ، والسعادة !
. 
ولهذا تجد هؤلاء الذين يعانون من خلل في مستويات (الدوبامين) ، ربما يشعرون بسعادة بالغة بكونهم يعيشون تحت الطغيان ! ويتمتّعون بتسلّط الظالـم عليهم ! حتى ربمّـا تسمع أحـدهم يقول عن الظلمة : ( دعوهم يضربون ظهورنا ، وينهبون أموالنا ، ويطغون علينا ، فمهما طغوا ، وبـغوا ، هم ولاة أمورنـا حفظهم الله وأطال الله لنا في أعمارهـم ) !! يقولها وهو في سعادة غريبة ، ومتعـة عجيبة !!
 
ويُذكـر هنا _ والشيء بالشيء يذكر _ أنَّ في المرضى النفسيين ، نوعـاً غريبـاً ، يحبُّون التعذيـب ، حتى إنهم يستأجرون من يضربهـم بالسياط ، ويشعرون بمتعة غير مفهومة ! وربما يكون هذا من خلل (الدوبامين) أيضا !
 
ومن مخاطر تأثير الخلل في مستويات (الدوبامين ) في المـخّ على ( الإنتباه ) و( الأحاسيس ) ، في هذا النوع من (المنسدحين ) ، أنه تراه كالأبله _ نسأل الله السلامه _ لاينتبه إلى الكوارث التي تترتّب على السكوت على الطغيان ، لاسيما إذا جمع معها الطاغيـة الخضوع للأجنبي والأمريكان ، ولا يحسّ بما يقع على الأمـّة من مآسٍ عظيمـة بسبب ذلك !
 
ويتمّ إكتشاف هذا الاضطراب في الإنتباه ، والأحاسيس المترتـِّب على خلل ( الدوبامين ) بسرعة ووضوح ، عندما تجـد هذا ( الداعـية )  _ وفي مقابل تلك البلاده تجاه الكوارث التي تقع على الأمة بسبب الطغيان _ ينتفض إنتفاضة الهزبـر على مسائل مختلف فيها بين الفقهاء ، ولا نص فيها يقضي في النزاع ، فيقـيم الدنيا ولايقعدهـا بسببها !!
 
ويذكرنا هذا النوع بذاك الذي زنى بامرأة فأحبلها فلما زجره القاضي قائـلاً : هلا إذ زنيت بها عزلت ماءَك ! فأجاب : بلغـني يا حضرة القاضي أنَّ العزل مكروه !
 
ونوعٌ من المنسدحين هم أشبه بالدهماء _ الذين على دين ملوكهم _ منهم إلى الدعاة ، لكنهم يحفظون مواعظ يردّدونها ، وقصصاً يكرّرونها في وسائل الإعلام ، لتكميل برامج القنوات ! ومثلهم أولئك الذين يُلـَقَّنـونَ من النصوص ما لايفقهون معناه ، وآثارا عن السلف لايفهمون مغزاها ، عن الصبر على الجـوْر ، فينزلونها على هؤلاء الطغاة الساعيـن لإفساد الأمـّة ، وتمزيقها ، وإخضاعها لأعدائها !
 
ونوعٌ استحوذ عليهم شعور كأنـَّه الخوف ، لكنه ليس هـو ، بل وراءَه بقـدر مـا ، ولايُدرى ما هـو ! لأنَّ الخوف مهما عظـُم ، لايبلغ بالإنسان مثل ما فعل هذا الشعور بهم من الخضوع للطغيان الذي مسـخ عقولهم ، ونفوسهـم ،
 
حتى إنهم ليسمعون من بعيد عن قائم بالحق ، فتبرؤون منه قبل أن يُطلب منهم ، أو يُدرى عنهم ! أما إذا قام سوقُ جهادٍ يحاربه الطغيان متحالفا مع الأمريكان ، فلاتسل عن إنسداحهم المثير للشفقة ، يتمرّغون به في طين الظّلمة تمـرَّغَ الدواب !
 
والمنسدحون أيضا يرجعون في الجملة إلى نوعين ، نوع ظاهر كما بينا ، ونوع إنسداحه خفيّ ، تظهره المحـن ، وهذا ربما يبقى قائما نوعا ما حتى إذا جاءته أدنى فتنة إنسدح ، كما قال تعالى ( ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )
 
هذا .. وإنَّ التريـاق الشافي من داء الإنسداح الظاهر ، والخافي ، إنما يكمـن في مـزج أربعـة أدويـة مع بعضها :
 
أحدها : تقوى الله العاصمة من كلّ إنحراف ، المنيـرة للقلب بنور البصيـره .
 
والثاني : الفقه حقَّـا في الدين ، وتاريـخ أمـّة المجاهدين ، وسيـر العلماء المصلحين .
 
والثالث : فهم دقيـق لرسالة الإصلاح والتغيير ، وللتحدِّيات التي يواجهها الإسلام في هذا العصر ، ولمشروع النهضة الذي يرفع الإسلام إلى مستوى هذه التحديات .
 
والرابع : الإستعداد لتقديم التضحيات من أجل رسالة الإسلام مهما عظمـت ، والقبـول بكلّ ثمـن يدفع لتحقيقها على أرض الواقع .
 
وهذا كلُّه قد يكفـي فيه من النـور ما يوفق الله تعالى إليه من شاء ، فيستعمله في نصر الإسلام ، كما رأينا شبابا ، وشيبا ، ونساء ، على فطرة الله تعالى ، قذف الله في قلوبهم هممَ الأسود ، وفهـم الجدود ، بصدق تديِّنهم ، وحسن نياتـهم ، فنجاهم الله من ( الإنسداح ) للطواغيت ، بينما وقع فيه من حُـمِّلـوا أحمالاً من العلم ، فصدق عليهم وصف الله تعالى ( كمثل الحمار يحمـل أسفارا ) !
 
وقـد يبلغ به المرءُ مبلغـا يصيـر كالمطـر المغيث للناس ، و الشمس المضيئة عند الإلتباس ،
 
وما بين ذلك يوفـّق الله تعالى من يشاء ، ويستعمل من يشاء ، ويختار .
 
 ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
 
والله المستعان ، وهو حسبنا عليه توكلنا ، وعليه فليتوكـل المتوكـلون  
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 14/08/2011