ثقافـة المقاومــة

 

ثقافـة المقاومــة 
، 
حامد بن عبدالله العلي
،
(إنَّ كلمتي "شهيد" و"الجهاد" تنطويان على تحريض ذي دوافع "دينية " ينبغي وقفه).
رئيس اللجنة "الإسرائيلية " الخاصة بمتابعة التحريض على العنف.
  
ليس غريبا أن يبقى الغرب يلاحـق ثقافة المقاومة ، ورموزها ، وهـو  بصدد صناعة تاريخـه الجديد للنهب الإستعماري في بلادنــا :
 
نهب الإنسان ،  بنهب هويته ، وكرامته ، ونهب ثروة أوطانـه ، ونهـب مستقبله.
 
 هذا النهـب الذي تمده ميزانية عسكرية أمريكية تعادل ميزانية كلَّ جيوش العالم مجتمعة ، وهي 500 مليار دولار .
 
 كما تقف وراءه عقيدة صراعيّة حاقدة ، بعد أن حـوَّل الإسلام إلى العـدوّ الجديد إثـر سقوط الإتحاد السوفيتي.
 
وأطماع مادية لاتعـرف حدوداً ، ولاتعـترف بحـقّ ، ويكفينا أن نتذكر أن 20 % من ذلك العالم ، يستهلك 80% من موارد البشرية أجمـع، ثم لاتعود!
 
هذا النهـب ، لا ، ولـن يقف في طريقه إلاَّ ثقافـة الجهاد ، والمقاومة ، فهي العقيـدة التي تزرع ، وتسقي ، وترعى ، حالـة الرفض للإنهزام ، والإستسلام$$$
 
وبنظـرة عابرة إلى واقعنا ، نرى بوضوح أنـّه لولا المقاومة في فلسطين ، وهي تاج جهاد الأمـة ، وفي لبنان ، والعراق ، وأفغانستان ، والصومال ، وغيرها ، لكان وضعنا هو المهانة الكاملة .
 
فالمستعمر الماضي عندما رحـل ، خـلَّف وراءه أنظمة جعل وجودها مرهونا بدعمه لها ، فهي كما لاتثق بنفسـها ، لاتثـق بشعوبها ،  ولهذا فهـي لاترى لها مهـّمة أهـمّ من سحق روح المقاومة في الأمّـة ، والإمعان في إذلالهـا ، ولهذا بقيت هذه هي السمـة العامة للنظام العربي ، فهو نظام الإذلال العربـي بجدارة.
 
غير أنَّ هذه الأمـّة  ـ  رغم الحصار الأسطوري الذي عليها ـ استطاعـت بتوفيق الله تعالى ، أن تحافظ على مكوّنها الفكري الأساس ، وهو مقاومـة الواقع المنحرف لتغييره .
 
والمتأمـّل في هذا الدين العظيم ، لايخطىء كونه قائما على هذه الحقيقة ، فحتى كلمة الإسلام الأولى ، وعنوانه الأكبـر ، لا إله إلا الله ، تبدأ بكلمة النفي ، قبل الإثبات ، معلـنةً رفضها ، ومقاومتها لجميع صور العبودية الباطلة ، ثـم قيامها بإحقاق الحـقّ الأعظـم ، وإقامة العدل الكوني ، بتوجيه العبودية لله تعالى وحده الذي يسـحقّها .
 
ثم الحنيفية مأخوذة من الميل ، وهي العدول عن الشرك برفضه ، إلى التوحيـد الخالص.
 
وأوّل سورة نزلت من القرآن ، وهي سورة العلـق ، كان أوّل ما ذكره الله تعالى فيها ، بعد الأمر بالقراءة ، وتعلّم العـلْم ، قوله تعالى ( كلا إنَّ الإنسان ليطغى ) ، فأعلـن الإسلام الثورة على الطغيان .
 
وأول حدث في السيرة بعد نزول هذه الآية ، ما قاله ورقة بن نوفل رضي الله عنه ، للنبي صلى الله عليه وسلم : (هذا الناموس الذي أنزل على موسى ـ عليه السلام ـ  ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيـّـا  حين يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجيَّ هـم ؟ فقال ورقة : نعم ،  لم يأت رجل قط ، بما جئت به إلاَّ عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) .
 
فكأن أول ما طرق سمع النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم ، بعـد نزل الوحـي ، أنه سيقاوم واقعــا سيقف ضد الإيمان ، والحق ، والعـدل ، وأنَّ هذه سنة النبيين جميعا من قبله .
 
وانطـلق صلى الله عليه وسلم ، بأمـر الله تعالى لـه ، أن يشعلها حربا على الطغيان ، ويحـرق كلَّ صور الباطل ، ويزيـلها :  ( وإن الله أمرني أن أحـرّق قريشا، فقت إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة ، فقال الله : اغزهم نغزك ، وأنفق فسينفق عليك ، واستخرجهم كما استخرجوك ، وابعث جيشا نبعث خمسا مثله .. الحديث).
 
ومضت سيرته كلَّها على هذا النحـو ، حتى لقي ربـّه وقد أدى الأمانة ، وبلـّغ الرسالة ، وجاهـد في الله حق جهاده ، ثم أخذ الراية خلفاؤه من بعـده ، فبنـوْا على نهجه ، مقاومين للطغيان العالمي ، رافضين لكلّ أشكال هيمنة الطغاة على العالم.
 
وامتـزجـت هذه الروح في هذا الدين العظيم ، حتى تبوأت ذروة سنامه ، ولهذا تربـَّع المقاومون في تاريخ الإسلام على عرش النبلاء ، وتحولت شخصياتهم إلى محطات التاريخ العظمـى لهذه الأمـّة .
 
فلا جـرم .. بقيـت  أمّتـنا ، وستبقـى تقاوم ، ولن تستطيع جيوش العالم كلَّها لو اجتـمعت أن تزيل هذه الثقافة من قلـب هذه الأمّـة ، ما بقي فيها رجال يستعملهم الله تعالى في حراسة الدين ، وحمايـة العقيـدة.
 
فإلى كلّ المقاومين على خارطـة العالم الإسـلامي ، إلـى نجوم سماء الإسلام ، وكواكـب عـزِّته ، وصروح مجـده .
 
إليهـم أسـمى التحايا ، وأعطـرها.
 
وعلـى الخانعين ، والمنهزمين ، لعنة الله إلى يوم الديـن.
 
آميــن.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 31/05/2008