الضـــرب بالصــارم الذي لايليــن على رأس الخسيس اللعيــــن " وليم بويكين "

 

الضـــرب بالصــارم الذي لايليــن على رأس الخسيس اللعيــــن " وليم بويكين "

حامد بن عبدالله العلــي

قلت للذين استغربوا ما قاله اللعين "وليم بويكين " نائب وكيل وزارة الشــــــر الأمريكية ـ البنتاغون ـ لشؤون الاستخبارات ، والذي عُيــّن مسؤولا عن متابعة "الإرهاب " أي الجهاد الإسلامي ، إذ قال : إننا معشر اليهود والنصارى معا نقاتل الشيطان ، والمسلمون لا يعبدون إلها ، بل يعبدون صنما !!

قلت لهم : لماذا تستغربون ؟! ومم تتعجبون ؟!

ألم يقلها بوش قائد صليب الصلبوت ، وزعيم عابدي الطاغوت .

أليست هذه حربا صليبية ، يقودها صليبيون حاقدون ، جمعوا بين التعصب الديني ، وجشع اللصوصية ، و يقتدون بأسلافهم من الهمج البرابرة الذين غزونا في الحروب الصليبية السابقــة ، وإذا لم تصدقوني ، فاقرءوا ما ذكره الكاتب البريطاني ألن وودز :

يقول الكتاب البريطاني ألن وودز :

( في عشية الحرب في العراق تحدث جورج بوش عن "حرب صليبية". و كان مسرورا بنفسه جدا لجذابة الكلمة التي خطرت على باله ، إلا انه سرعان ما أسكته مستشاروه .

في سنة 1095 حرض البابا اوربان الثاني الآلاف من الناس بالتخلي عن كل شيء و الذهاب إلى القدس لتحريرها من السلاجقة ( أسرة صلاح الدين ) بالمقابل فقد وعدوا بالغفران في الحياة الأخرى .

ولبت جموع من عامة الناس النداء و تهافتت على رايات الحرب الصليبية الأولى ملهمة برؤيا القدس الجديدة ، و تردد نداء المعركة في كل قرية و ساحة مدينة:"بمشيئة الرب!" و أثارت الكنيسة التعصب الديني بادعائها أن الأماكن المقدسة في خطر ، وقد كان ذلك طبعا مجرد هراء.

فالأماكن التي كانت تعتبر مقدسة لدى المسيحيين كانت أيضا كذلك بالنسبة للمسلمين الذين احتلوها منذ سنة 638م ، و بخلاف المسيحيين الذين كانوا متعصبين جدا تجاه المعتقدات الدينية الأخرى سلك المسلمون في العموم سياسة تسامح مع المسيحيين و المعتقدات المخالفة للإسلام ما دامت تلك المجموعات تدفع الضرائب و لا تسبب المشاكل.

فصحيح أن محمدا قال: "إن لقيتهم اقطعوا رؤوسهم" و لكنه أيضا قال: "وعاملهم بالحسنى و اجنح للسلم " ، و كان يعني المسيحيين ، فقد كان يعتبرهم من "أهل الكتاب" و بالتالي "الأقرب من المؤمنين". ، إن استفزاز و عدوانية أوروبا المسيحية هي التي أثارت رد فعل المسلمين.

لعب التعصب الديني دورا مركزيا في النزاع الدموي بين أوروبا و العالم الإسلامي إلا انه كانت هناك اعتبارات أخرى مثل إمكانية النهب و السلب ، و لم تكن غايات اولائك الذين نظموا المغامرة تحمل خصوصية قدسية بالأساس.

إذ كان النبلاء المسيحيون كما هو الحال دائما يبحثون عن تعلة للقتل ، و أن يضمن ذلك الغفران من ذنوبهم الكثيرة فانه كلما كانت أعمال القتل اكبر كانت النتائج افضل ، و كانت الكنيسة سعيدة برؤية هؤلاء العناصر الحرنة المستعدة للقتال ، كذلك عززت الحروب الصليبية مكانة و سلطة الكنيسة.

بل و كان التجار اكثر اهتماما بهذه المضاربة ، فقد كان الأتراك يسيطرون على طرق التجارة المربحة نحو الشرق ـ طريق الحرير مثلا ـ و كان اغلب تجار جنوة و البندقية و موانئ أوروبية أخرى مقصين تماما ، فارادوا الحصول على نصيب من العملية ، و كانت الحروب الصليبية افضل فرصة لهم لتحقيق ذلك علاوة على أنها ستكون تحت راية العلي القدير ، لقد كانت فرصة لا تعوض.

أما بالنسبة للرعاع الذين اندفعوا من كل حدب و صوب رافعين راية الصليبيين كانت بالنسبة لهم فرصة للهروب من العمل الإقطاعي الشاق و رؤية العالم ، فانجذب المجرمون على اختلاف انواعهم نحو هذا المستقبل الواعد من النهب و السلب و القتل و الاغتصاب ، و قيل لهم أن يمضوا في مسعاهم فانهم بذلك يضمنون نجاة النفس – عطاء معتبر و لا شك – ما دامت ستكون ضحاياهم الكفرة !

على حد تعبير سان برنار – وهو وجه بارز في مؤسسة التنظيمات الدينية-العسكرية – كان القتل من اجل المسيح قتل لفاعل الشر و ليس مثل أي قتل فهو قضاء على الظلم لا على الظالم ، و بالتالي فهو شيء مرغوب ، في الواقع إن قتل الوثني يمنح فخرا لانه فخر للمسيح" ، وعمل الصليبيون بكلماته بل إن بعضهم لم يكترث لدين المعتدى عليهم ، و كما أشار دازموند سوارد:
" عديد من الفرنجة الذين أرسلوا إلى الحرب الصليبية كتوبة لهم من الجرائم الوحشية التي اقترفوها مثل الاغتصاب و القتل عادوا إلى أفعالهم تلك ، وكان الحجيج فريسة سهلة مع أن إحدى أهداف الصليبيين كانت جعل الأماكن المقدسة آمنة للزائرين (د. سوارد, رهبان الحرب, ص33) نقلا عن موقع
http://www.rezgar.com/m.asp?i=126

تعالوا نستذكر التاريخ :
ـــــــــــــــــــــــ

جذور هذه الحرب الصليبية المسماة زورا"الحرب على الإرهاب" :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت أولى محاولات الصليبيين لغزو بلاد المسلمين ، عقب صيحة أطلقها البابا في فرنسا ، حين دعا لوقف الحروب الداخلية بين النصارى ، وتوجيه أحقاد الصليبيين كلها إلى المسلمين ، تحت دعوى تحريــر بيت المقـــــــدس مـن أيدي الكفــــــار ( المسلمين )!!

تماما كما كذب وليم بوكين فزعم أن المسلمين يعبدون صنما ..

وقد أخرج البابا في فرنسا في تلك الخطبة الصليب ، وعلقه على صدره، ودعاهم إلى تعليقه والدفاع عنه فعلق الجميع الصلبان، وسموا أنفسهم (الصليبين)، وسموا الحرب (حرب الصليب المقدس).

وكما اتفق الصليبيون المتصهينون مع جشع أصحاب الشركات العملاقة ، لغزو العالم الإسلامي اليوم ، كانت الاتفاق الاقتصادي بين البابا وملوك أوروبا ، قبل انطلاق الحروب الصليبية منذ أول انطلاقها ، هو تقاسم أراض المشرق والسيطرة على الطرق التجارية التي تعبر بلاد المسلمين لتصل أوروبا بالهند والصين .

واليوم علق بوش وعصابته الصلبان على صدورهم ، ونفخوا في نار الأحقاد لتتأجج على المسلمين ، وجاءوا يطمعون في إطفاء نور الإسلام ، كما طمع الذين من قبلهم فانكفأوا خاسريـــن .

تتابعت الحملات الصليبية على بلاد المسلمين؛ فكانت الاولى 488 هـ، ثم الحملة الثانية عـــــام (542هـ)، والثالثة (585 هـ)، والرابعة (597 هـ)، والخامسة (614 هـ)، والسادسة (626 هـ)، والسابعة (648 هـ) .

وقد استطاع الصليبيون أن يكونوا إمارات صليبية في بلاد الشام، مثل إمارة (الرها)، وإمارة (أنطاكية)، وإمارة (بيت المقدس).

واستولى الصليبيون على بيت المقدس عام (492 هـ)، وظل تحت سيطرتهم حتى استعاده البطل الإسلامي الخالد صلاح الدين الأيوبي عام (583 هـ).

وقال الشعراء قصائد كثيرة منها هذه الأبيات الحزينة :

احلّ الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليـــه للدين النحيب
فحق ضائع، وحمى مباح وسيف قاطع ودم صبيـــب
وكم من مسلم أمسى سليباً ومسلمـة لها حــرم سليب
أمور لو تأملهن طفـل للاح فـي عوارضه المشيـــب
فقل لذوي البصائر حيث كانـوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

روى ابن الأثير في تاريخه 8/189-190 عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال : ( ملك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة أسبوعا يقتلون فيه المسلمين واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود فاعتصموا به و قاتلوا فيه ثلاثة أيام و قتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان و جاور بذلك الموضع الشريف ).

كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال : ( و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين فأجهزت على جميع اللاجئين إليه وحينما توجه قائد القوة ريموند أجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد اخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه وتركت مذبحة بيت المقدس أثرا عميقا في جميع العالم وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود 1/404/406

وذكر غوستاف لوبون في كتابه "الحضارة العربية" نقلا عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس ، ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية شابت لها رؤوس الولدان .

ومن ذلك ما ذكره الراهب روبرت أحد الصليبيين المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفا سلوك قومه ص325 ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها ! كانوا يذبحون الأولاد والشباب ويقطعونهم إربا إربا وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية فيا للشره وحب الذهب وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ) .

وقال كاهن أبوس ( ريموند داجميل ) شامتا ص326-327:
( حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسرار القدس وبروجها فقد قطعت رؤوس بعضهم ، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار فكان ذلك بعد عذاب طويل ، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم ، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).

وقال واصفا مذبحة مسجد عمر:
( لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا اتصلت ذراع بجسم لم يعرف اصلها. ولم يكتفي الفرسان الصليبيون الأتقياء (!) بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى الذين كان عددهم ستين ألفا فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا ) .

وفي ص396 يقول : ( و عمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع و المختبئين في السراديب فأهلكوا صبرا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات و كانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية و غيرها بيد الصليبيين).

وقد استمرت الحرب الصليبية نحو قرنين من الزمن ، لم يستطع الصليبيون فيها أن يوقفوا روح الجهاد الإسلامي التي تأججت في العالم الإسلامي ، فلم تخمد حتى هزم الصليبون شر هزيمــــة .
وهذا التاريخ يعيد نفسه ، فاليوم جاء الصليبيون كما جاء أسلافهم ، فانطلق الجهاد الإسلامي في أمة الإسلام ، فانتشر انتشار النار في الهشيم ، لتحرق كل كافر معتد أثيم .

ولنستعيد الذكريات ، ونستقي من تاريخنا العبر والمثلات ، نذكر من تاريخ جهادنا ضد الصليبين لمحات :

أول حملة صليبية :
ـــــــــــــــــ

قال ابن كثير رحمه الله 12/108
وفيها‏:‏ أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرج والفرنج، وعدد عظيم وعدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه ما ألف نقاب وحفار، وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والغردات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رحل‏.‏ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله .

وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، بمكان يقال له‏:‏ الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند ملك الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوالين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين .

فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفتيان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين، ومنحهم أكتافهم، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي .

فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاث مقارع وقال‏:‏ لو كنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل ‏؟‏

قال‏:‏ كل قبيح ‏قال‏:‏ فما ظنك بي ‏فقال‏:‏ إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني‏قال‏:‏ ما عزمت على غير العفو والفداء‏ فافتدى نفسه منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار‏.
‏فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء، وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً، وأطلق له الملك عشرة آلاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة، وشيعه فرسخاً، وأرسل معه جيشاً يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

-----------

مواجهات متفرقة :
ـــــــــــــــ

قال ابن كثير : ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة .

فيها‏:‏ استغاث مجير الدين بن أتابك دمشق بالملك نور الدين صاحب حلب على الفرنج، فركب سريعاً فالتقى معهم بأرض بصرى فهزمهم، ورجع فنزل على الكسوة، وخرج ملك دمشق مجير الدين أرتق فخدمه واحترمه وشاهد الدماشقة حرمة نور الدين حتى تمنوه‏ .

وفيها‏:‏ ملكت الفرنج المهدية وهرب منها صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن يوسف بن بليكين بأهله، وخاف على أمواله فتمزقت في البلاد، وتمزق هو أيضاً في البلاد، وأكلتهم الأقطار، وكان آخر ملوك بني باديس، وكان ابتداء ملكهم في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فدخل الفرنج إليها وخزائنها مشحونة بالحواصل والأموال والعدد وغير ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.

‏وفيها‏:‏ حاصرت الفرنج وهم في سبعين ألف مقاتل، ومعهم ملك الألمان في خلق لا يعلمهم إلا الله عز وجل، دمشق وعليها مجير الدين أرتق وأتابكه معين الدين، وهو مدبر المملكة، وذلك يوم السبت سادس ربيع الأول، فخرج إليهم أهلها في مائة ألف وثلاثين ألفاً، فاقتتلوا معهم فتالاً شديداً‏.‏
فقتل من المسلمين في أول يوم نحو من مائتي رجل، ومن الفرنج خلق كثير لا يحصون، واستمر الحرب مدة وأخرج مصحف عثمان إلى وسط صحن الجامع، واجتمع الناس حوله يدعون الله عز وجل والنساء، والأطفال مكشفي الرؤس يدعون ويتباكون، والرماد مفروش في البلد، فاستغاث أرتق بنور الدين محمود صاحب حلب وبأخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل، فقصداه سريعاً في نحو من سبعين ألفاً بمن انضاف إليهم من الملوك وغيرهم، فلما سمعت الفرنج بقدوم الجيش تحولوا عن البلد.

فلحقهم الجيش فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وجماً غفيراً، وقتلوا قسيساً معهم اسمه إلياس، وهو الذي أغراهم بدمشق، وذلك أنه افترى مناماً عن المسيح أنه وعده فتح دمشق، فقتل لعنه الله، وقد كادوا يأخذون البلد، ولكن الله سلم، وحماها بحوله وقوته‏.‏قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 40‏]‏، ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء من الكفرة عليها، لأنها المحلة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أنها معقل الإسلام عند الملاحم والفتن، وبها ينزل عيسى ابن مريم .

------------------------------------------

مواجهات أخرى في مصر المحروسة بعد إسقاط دولة الرافضة المنحوسة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال ابن كثير : ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة.

في صفر منها حاصرت الفرنج مدينة دمياط من بلاد مصر خمسين يوماً، بحيث ضيقوا على أهلها، وقتلوا أمماً كثيرة، جاؤوا إليها من البر والبحر رجاء أن يملكوا الديار المصرية وخوفاً من استيلاء المسلمين على القدس، فكتب صلاح الدين إلى نور الدين يستنجده عليهم، ويطلب منه أن يرسل إليه بأمداد من الجيوش، فإنه إن خرج من مصر خلفه أهلها بسوء، وإن قعد عن الفرنج أخذوا دمياط وجعلوها معقلاً لهم يتقوون بها على أخذ مصر‏.

فأرسل إليه نور الدين ببعوث كثيرة، يتبع بعضها بعضاً‏.‏ثم إن نور الدين اغتنم غيبة الفرنج عن بلدانهم فصمد إليهم في جيوش كثيرة، فجاس خلال ديارهم، وغنم من أموالهم وقتل وسبى شيئاً كثيراً، وكان من جملة من أرسله إلى صلاح الدين أبوه الأمير نجم الدين أيوب، في جيش من تلك الجيوش، ومعه بقية أولاده، فتلقاه الجيش من مصر، وخرج العاضد لتلقيه إكراماً لولده، وأقطعه إسكندرية ودمياط وكذلك لبقية أولاده‏.

‏وقد أمد العاضد صلاح الدين في هذه الكائنة بألف ألف دينار حتى انفصلت الفرنج عن دمياط، وأجلت الفرنج عند مياط لأنه بلغهم أن نور الدين قد غزا بلادهم، وقتل خلقاً من رجالهم، وسبى كثيراً من نسائهم وأطفالهم، وغنم من أموالهم، فجزاه الله عن المسلمين خيراً‏.‏ ‏(‏‏ 12/324‏)

ثم سار نور الدين في جمادى الآخرة إلى الكرخ ليحاصرها - وكانت من أمنع البلاد - وكاد أن يفتحها ولكن بلغه أن مقدمين من الفرنج قد أقبلا نحو دمشق، فخاف أن يلتف عليهما الفرنج فترك الحصار وأقبل نحو دمشق فحصنها، ولما انجلت الفرنج عن دمياط فرح نور الدين فرحاً شديداً، وأنشد الشعراء كل منهم في ذلك قصيداً .

وقد كان الملك نور الدين شديد الاهتمام قوي الاغتمام بذلك، حتى قرأ عليه بعض طلبة الحديث جزءاً في ذلك فيه حديث مسلسل بالتبسم، فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل، فامتنع من ذلك، وقال‏:‏ إني لأستحي من الله أن يراني مبتسماً ومسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط‏.‏

وقد ذكر الشيخ أبو شامة أن إمام مسجد أبي الدرداء بالقلعة المنصورة رأى في تلك الليلة التي أجلي فيها الفرنج عن دمياط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول‏:‏ سلم على نور الدين وبشره بأن الفرنج قد رحلوا عن دمياط‏فقلت‏:‏ يا رسول الله بأي علامة ‏فقال‏:‏ بعلامة ما سجد يوم تل حارم وقال في سجوده‏:‏ اللهم انصر دينك ومن هو محمود الكلب .

فلما صلى نور الدين عنده الصبح بشره بذلك وأخبره بالعلامة، فلما جاء إلى عند ذكر من هو محمود الكلب انقبض من قول ذلك، فقال له نور الدين‏:‏ قل ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏فقال ذلك‏.‏فقال‏:‏ صدقت‏وبكى نور الدين تصديقاً وفرحاً بذلك، ثم كشفوا فإذا الأمر كما أخبر في المنام‏.

تطهير مصر من بقايا مذهب الرفض :
ــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال ابن كثير : عام 566م
وفيها‏:‏ عزل صلاح الدين قضاة مصر لأنهم كانوا شيعة، وولى قضاء القضاة بها لصدر الدين عبد الملك بن درباس المارداني الشافعي، فاستناب في سائر المعاملات قضاة شافعية، وبنى مدرسة للشافعية، وأخرى للمالكية، واشترى ابن أخيه تقي الدين عمر داراً تعرف بمنازل العز، وجعلها مدرسة للشافعية ووقف عليها الروضة وغيرها‏.‏

وعمر صلاح الدين أسوار البلد، وكذلك أسوار إسكندرية، وأحسن إلى الرعايا إحساناً كثيراً، وركب فأغار على بلاد الفرنج بنواحي عسقلان وغزة وضرب قلعة كانت لهم على أيلة وقتل خلقاً كثيراً من مقاتلتهم، وتلقى أهله وهم قادمون من الشام، واجتمع شمله بهم بعد فرقة طويل

وفيها‏:‏ قطع صلاح الدين الأذان بحي على خير العمل من ديار مصر كلها، وشرع في تمهيد الخطبة لبني العباس على المنابر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/328‏ )

-----------------------------------------

ثم قال ابن كثير : 567عام

في أول جمعة منها، فأمر صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر وأعمالها في الجمعة الثانية، وكان يوماً مشهوداً، ولما انتهى الخبر إلى الملك نور الدين أرسل إلى الخليفة يعلمه بذلك، مع ابن أبي عصرون شهاب الدين أبي المعالي، فزينت بغداد وغلقت الأسواق، وعملت القباب، وفرح المسلمون فرحاً شديداً.

وكانت قد قطعت الخطبة لبني العباس من ديار مصر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في خلافة المطيع العباسي، حين تغلب الفاطميون على مصر أيام المعز الفاطمي، باني القاهرة، إلى هذا الآن، وذلك مائتا سنة وثمان سنين‏.‏قال ابن الجوزي‏:‏ وقد ألفت في ذلك كتاباً سميته ‏(‏النصر على مصر) .

----------------

قال ابن كثير : وكان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا ، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد .

وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية وتغل الفرنج على ساح الشام بكماله حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما والى ذلك إلى بلاد إياس وسيس ، واستحوذوا على بلاد آمد ، والرها ورأس العين ، وبلاد شتى غير ذلك ، وقتلوا من المسلمين خلقا وأمما لايحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين ، من النساء والولدان ، مما لايحد ولايوصف .

وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها ، وصارت دار إسلام ، وأخذوا من أخوال المسلمين ما لايحد ولايوصف ، وكادوا أن يتغلبوا على دمشق ولكن الله سلم ، وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم ، أعاد الله عزوجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته ، وقد قال الشاعر :

أصبح الملك بعد آل علي *** مشرقا بالملوك من آل شادي
وغدا الشرق يحسد الغر ***ب للقوم فمصر تزهو على بغداد
ما حووها إلا بعزم وحزم *** وصليل الفولاذ فــــــي الاكبــاد .‏

وبرز السلطان من دمشق يوم السبت مستهل محرم في جيشه، فسار إلى رأس الماء فنزل ولده الأفضل هناك في طائفة من الجيش، وتقدم السلطان ببقية الجيش إلى بصرى، فخيم على قصر أبي سلام، ينتظر قدوم الحجاج، وفيهم أخته ست الشام وابنها حسام الدين محمد بن عمر بن لاشين، ليسلموا من معرة برنس الكرك‏.‏فلما جاز الحجيج سالمين سار السلطان فنزل على الكرك وقطع ما حوله من الأشجار، ورعى الزرع وأكلوا الثمار، وجاءت العساكر المصرية وتوافت الجيوش المشرقية، فنزلوا عند ابن السلطان على رأس الماء، وبعث الأفضل سرية نحو بلاد الفرنج فقتلت وغنمت وسلمت ورجعت، فبشر بمقدمات الفتح والنصر‏.‏وجاء السلطان بجحافله فالتفت عليه جميع العساكر، فرتب الجيوش وسار قاصداً بلاد الساحل، وكان جملة من معه من المقاتلة اثني عشر ألفاً غير المتطوعة .

-------------------------------------------

موقعة حطين والفتح العظيم للمسلمين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتسامعت الفرنج بقدومه فاجتمعوا كلهم وتصالحوا فيما بينهم، وصالح قومس طرابلس وبرنس الكرك الفاجر، وجاؤوا بحدهم وحديدهم، واستصحبوا معهم صليب الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت، وضلال الناسوت .

في خلق لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل‏.‏يقال‏:‏ كانوا خمسين ألفاً، وقيل‏:‏ ثلاثاً وستين ألفاً، وقد خوفهم صاحب طرابلس من المسلمين، فاعترض عليه البرنس صاحب الكرك، فقال له‏:‏ لا أشك أنك تحب المسلمين وتخوفنا كثرتهم، وسترى غب ما أقول .

فتقدموا نحو المسلمين وأقبل السلطان ففتح طبرية وتقوى بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك، وتحصنت منه القلعة فلم يعبأ بها، وحاز البحيرة في حوزته، ومنع الله الكفرة أن يصلوا منها إلى قطرة، حتى صاروا في عطش عظيم، فبرز السلطان إلى سطح الجبل الغربي من طبرية عند قرية يقال لها‏:‏ حطين .

وجاء العدو المخذول، وكان فيهم صاحب عكا وكفرنكا وصاحب الناصرة وصاحب صور، وغير ذلك من جميع ملوكه فتواجه الفريقان وتقابل الجيشان، وأسفر وجه الإيمان واغبر وأقتم وأظلم وجه الكفر والطغيان.

ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان، وذلك عشية يوم الجمعة، فبات الناس على مصافهم، وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوماً عسيراً على أهل الأحد .

وذلك لخمس بقين من ربيع الآخر‏‏ فطلعت الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوي بهم العطش، وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيماً، وكان ذلك عليهم مشؤوماً .

فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط، فرموه فتأجج ناراً تحت سنابك خيولهم، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال، وتبارز الشجعان‏.‏

ثم أمر السلطان بالتكبير والحملة الصادقة فحملوا وكان النصر من الله عز وجل، فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلاثون ألفاً في ذلك اليوم، وأسر ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم‏.‏

وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس، فإنه انهزم في أول المعركة، واستلبهم السلطان صليبهم الأعظم، وهو الذين يزعمون أنه صلب عليه المصلوب، وقد غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفسية.

ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودمغ الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج قد ربطهم بطنب خيمة .

وباع بعضهم أسيراً بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، فلله الحمد دائماً كثيراً طيباً مباركاً‏.‏

فلما تمت هذه الوقعة، ووضعت الحرب أوزارها أمر السلطان بضرب مخيم عظيم، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرة وعن يساره مثلها، وجيء بالأسارى تتهادى بقيودهم، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي الداوية - والأسارى بين يديه - صبراً .

ولم يترك أحداً منهم ممن كان يذكر الناس عنه شراً‏ ، ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم، فأجلس ملكهم الكبير عن يمينه، وأجلس أرياط برنس الكرك وبقيتهم عن شماله، ثم جيء إلى السلطان بشراب من الجلاب مثلوجاً، فشرب ثم ناول الملك فشرب، ثم ناول أرياط صاحب الكرك فغضب السلطان، وقال له‏:‏ إنما ناولتك و آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي‏.‏
ثم تحول السلطان إلى خيمة داخل تلك الخيمة واستدعى بأرياط صاحب الكلرك، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام فامتنع‏.‏فقال له‏:‏ نعم أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار لأمته، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة‏.

وقال‏:‏ إن هذا تعرض لسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ثم قتل السلطان جميع من كان من الأسارى من الداوية والاسبتارية صبراً وأراح المسلمين من هذين الجنسين الخبيثين، ولم يسلم ممن عرض عليه الإسلام إلا القليل.
فيقال‏:‏ إنه بلغت القتلى ثلاثين ألفاً، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفاً، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين ألف، وكان من سلم مع قلتهم وهرب أكثرهم جرحى فماتوا ببلادهم‏.‏وممن مات كذلك قومس طرابلس، فإنه انهزم جريحاً فمات بها بعد مرجعه، ثم أرسل السلطان برؤوس أعيان الفرنج ومن لم يقتل من رؤوسهم، وبصليب الصلبوت صحبة القاضي ابن أبي عصرون إلى دمشق ليودعوا في قلعتها، فدخل بالصليب منكوساً وكان يوماً مشهوداً‏.‏

ثم سار السلطان إلى قلعة طبرية فأخذها، وقد كانت طبرية تقاسم بلاد حوران والبلقاء وما حولها من الجولان وتلك الأراضي كلها بالنصف، فأراح الله المسلمين من تلك المقاسمة‏.‏

ثم سار السلطان إلى حطين ثم ارتفع منها إلى إقليم الأردن، فتسلم تلك البلاد كلها، وهي قرى كثيرة كبار وصغار، ثم سار إلى عكا فنزل عليه يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر، فافتتحها صلحاً يوم الجمعة، وأخذ ما كان بها من حواصل الملوك وأموالهم وذخائرهم ومتاجر وغيرها‏.‏

واستنقذ من كان بها من أسرى المسلمين، فوجد فيها أربعة آلاف أسير، ففرج الله عنهم، وأمر بإقامة الجمعة بها، وكانت أول جمعة أقيمت بالساحل بعد أخذه الفرنج، نحواً من سبعين سنة‏.‏ثم سار منها إلى صيدا وبيروت وتلك النواحي من السواحل يأخذها بلداً بلداً، لخلوها من المقاتلة والملوك .
ثم رجع سائراً نحو غزة وعسقلان ونابلس وبيسان وأراضي الغور، فملك ذلك كله، واستناب على نابلس ابن أخيه حسام الدين عمر بن محمد بن لاشين، وهو الذي افتتحها‏.‏

وكان جملة ما افتتحه السلطان في هذه المدة القريبة خمسين بلداً كباراً، كل بلد له مقاتلة وقلعة ومنعة، وغنم الجيش والمسلمون من هذه الأماكن شيئاً كثيراً، وسبوا خلقاً‏.‏

ثم إن السلطان أمر جيوشه أن ترتع في هذه الأماكن مدة شهور ليستريحوا وتحمو أنفسهم وخيولهم لفتح بيت المقدس .

عقد العزم على فتح بيت المقـدس وتطهيره من الصليب المنـجـّـس :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وطار في الناس أن السلطان عزم على فتح بيت المقدس، فقصده العلماء والصالحون تطوعاً، وجاؤوا إليه، ووصل أخاه العادل بعد وقعة حطين وفتح عكا، ففتح بنفسه حصوناً كثيرة، فاجتمع من عباد الله ومن الجيوش شيء كثير جداً .

فعند ذلك قصد السلطان القدس بمن معه كما سيأتي‏.‏وقد امتدحه الشعراء بسبب وقعة حطين فقالوا وأكثروا، وكتب إليه القاضي الفاضل من دمشق - وهو مقيم بها لمرض اعتراه -‏:‏ ليهن المولى أن الله أقام به الدين، وكتب المملوك هذه الخدمة والرؤوس لم ترفع من سجودها، والدموع لم تمسح من خدودها، وكلما ذكر المملوك أن البِيَع تعود مساجد، والمكان الذي كان يقال فيه‏:‏ إن الله ثالث ثلاثة، يقال فيه اليوم‏:‏ إنه الواحد، جدد لله شكراً تارة يفيض من لسانه، وتارة يفيض من جفنه سروراً بتوحيد الله، تعالى الملك الحق المبين ، وأن يقال‏:‏ محمد رسول الله الصادق الأمين، وجزى الله يوسف خيراً عن إخراجه من سجنه، والمماليك ينتظرون المولى وكل من أراد أن يدخل الحمام بدمشق قد عزم على دخول حمام طبرية
‏تلك المكارم لا قعبان من لبن * وذلك السيف لا سيف ابن ذي يزن

ثم قال‏:‏ وللألسنة بعد في هذا الفتح تسبيح طويل وقول جميل جليل‏

------------------

فتح بيت المقدس بعد أن 92 سنــة من استيلاء الصليبيين عليه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واستنقاذه من أيدي النصارى بعد أن استحوذوا عليه مدة ثنتين وتسعين سنة‏.‏ ‏

لما افتتح السلطان تلك الأماكن المذكورة فيما تقدم، أمر العساكر فاجتمعت ثم سار نحو بيت المقدس، فنزل بيت غربي المقدس في الخامس عشر من رجب من هذه السنة - أعني سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - فوجد البلد قد حصنت غاية التحصين .

وكانوا ستين ألف مقاتل، دون بيت المقدس أو يزيدون، وكان صاحب القدس يومئذ رجلاً يقال له‏:‏ بالبان بن بازران، ومعه من سلم من وقعة حطين يوم التقى الجمعان، من الداوية والاسبتارية أتباع الشيطان، وعبدة الصلبان‏ .

فأقام السلطان بمنزله المذكور خمسة أيام، وسلم إلى كل طائفة من الجيش ناحية من السور وأبراجه، ثم تحول السلطان إلى ناحية الشام لأنه رآها أوسع للمجال، والجلاد والنزال، وقاتل الفرنج دون البلد قتالاً هائلاً، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة دينهم وقمامتهم، واستشهد في الحصار بعض أمراء المسلمين .

فحنق عند ذلك كثير من الأمراء والصالحين، واجتهدوا في القتال ونصب المناجنيق والعرادات على البلد، وغنت السيوف والرماح الخطيات، والعيون تنظر إلى الصلبان منصوبة فوق الجدران، وفوق قبة الصخرة صليب كبير .

فزاد ذلك أهل الإيمان حنقاً وشدة التشمير، وكان ذلك يوماً عسيراً على الكافرين غير يسير‏.‏

فبادر السلطان بأصحابه إلى الزاوية الشرقية الشمالية من السور فنقبها وعلقها وحشاها وأحرقها، فسقط ذلك الجانب وخر البرج برمته فإذا هو واجب‏.‏

فلما شاهد الفرنج ذلك الحادث الفظيع، والخطب المؤلم الوجيع، قصد أكابرهم السلطان وتشفعوا إليه أن يعطيهم الأمان، فامتنع من ذلك وقال‏:‏ لا أفتحها إلا عنوة، كما افتتحتموها أنتم عنوة، ولا أترك بها أحداً من النصارى إلا قتلته كما قتلتم أنتم من كان بها من المسلمين ، ‏ فطلب صاحبها بالبان بن بازران الأمان ليحضر عنده فأمنه .

فلما حضر ترقق للسلطان وذل ذلاً عظيماً، وتشفع إليه بكل ما أمكنه فلم يجبه إلى الأمان لهم‏.، فقالوا‏:‏ إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل أسير بأيدينا - وكانوا قريباً من أربعة آلاف - وقتلنا ذرارينا وأولادنا ونساءنا وخربنا الدور والأماكن الحسنة، وأحرقنا المتاع وأتلفنا ما بأيدينا من الأموال، وهدمنا قبة الصخرة وحرقنا ما نقدر عليه، ولا نبقي ممكناً فإتلاف ما نقدر عليه، وبعد ذلك نخرج فنقاتل قتال الموت، ولا خير في حياتنا بعد ذلك، فلا يقتل واحد منا حتى يقتل أعداداً منكم، فماذا ترتجي بعد هذا من الخير ‏؟‏‏

فلما سمع السلطان ذلك أجاب إلى الصلح وأناب، على أن يبذل كل رجل منهم عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن كل صغير وصغيرة دينارين، ومن عجز عن ذلك كان أسيراً للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدور للمسلمين، وأنهم يتحولون منها إلى مأمنهم وهي مدينة صور‏.
فكتب الصلح بذلك، وأن من لم يبذل ما شرط عليه إلى أربعين يوماً فهو أسير، فكان جملة من أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال ونساء وولدان، ودخل السلطان والمسلمون البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، وذلك يوم السابع والعشرين من رجب‏.‏

قال العماد‏:‏ وهي ليلة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى‏قال أبو شامة‏:‏ وهو أحد الأقوال في الإسراء، ولم يتفق للمسلمين صلاة الجمعة يومئذ خلافاً لمن زعم أنها أقيمت يومئذ، وأن السلطان خطب بنفسه بالسواد، والصحيح أن الجمعة لم يتمكنوا من إقامتها يومئذ لضيق الوقت، وإنما أقيمت في الجمعة المقبلة .

وكان الخطيب محي الدين محمد بن علي القرشي ابن الزكي كما سيأتي قريباً‏ ، ‏ولكن نظفوا المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وخربت دور الداوية، وكانوا قد بنوها غربي المحراب الكبير، واتخذوا المحراب مشتاً لعنهم الله، فنظف من ذلك كله، وأعيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية .

.‏ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق السلطان خلقاً منهم بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئاً مما يقتني ويدخر، وكان رحمه الله حليماً كريماً مقداماً شجاعاً رحيماً‏.‏

أول جمعة أقيمت ببيت المقدس بعد فتحه :
--------------------------------------------
لما تطهر بيت المقدس مما كان فيه من الصلبان والنواقيس والرهبان والقساقس، ودخله أهل الإيمان، ونودي بالأذان وقرئ القرآن، ووحد الرحمن، كان أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان، بعد يوم الفتح بثمان‏.

فنصب المنبر إلى جانب المحراب، وبسطت البسط وعلقت القناديل وتُلي التنزيل، وجاء الحق وبطلت الأباطيل، وصفت السجادات وكثرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس وطابت النفوس، وأقبلت السعود وأدبرت النحوس، وعُبد الله الأحد الصمد الذي ‏{‏يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ‏}‏‏ .

وكبره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع وسالت لرقة القلوب المدامع‏.‏ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال، ولم يكن عين خطيب فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيباً .

فلبس الخلعة السوداء وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف البيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات، وما فيه من الدلائل والأمارات‏.‏وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في ‏(‏الروضتين‏)‏ بطولها .

وكان أول ما قال‏:‏ ‏{‏فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأثم أورد تحميدات القرآن كلها، ثم قال‏:‏ الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طله وهطله، وأظهر دينه على الدين كله.

القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فلا يدافع‏. ، أحمده على إظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصرة أنصاره، ومطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره .

حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر أجهاره‏. ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك، ورافض الإفك .

الذي أسري به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السموات العلى، إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى‏.‏صلى الله عليه وسلم وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك، ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان‏.‏

ثم ذكر الموعظة وهي مشتملة على تغبيط الحاضرين بما يسّره الله على أيديهم من فتح بيت المقدس، الذي من شأنه كذا وكذا، فذكر فضائله ومآثره، وأنه أول القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين‏.‏لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه .

ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه، وإليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام، وصلى فيه بالأنبياء والرسل الكرام، ومنه كان المعراج إلى السموات، ثم عاد إليه ثم سار منه إلى المسجد الحرام على البراق، وهو أرض المحشر والمنشر يوم التلاق، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، وقد أسس على التقوى من أول يوم‏.‏

قلت‏:‏ ويقال‏:‏ إن أول من أسسه يعقوب عليه السلام بعد أن بنى الخليل المسجد الحرام بأربعين سنة، كما جاء في ‏(‏الصحيحين‏)‏ ثم جدد بناءه سليمان بن داود عليهما السلام، كما ثبت فيه الحديث بالمسند والسنن وصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووسأل سليمان عليه السلام الله عند فراغه منه خلالاً ثلاثاً، حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأنه لا يأتي أحدٌ هذا المسجد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه‏.‏

ثم ذكر تمام الخطبتين، ثم دعا للخليفة الناصر العباسي، ثم دعا للسلطان الناصر صلاح الدين‏. ، وبعد الصلاة جلس الشيخ زين الدين أبو الحسن بن علي نجا المصري على كرسي الوعظ بإذن السلطان، فوعظ الناس، واستمر القاضي ابن الزكي يخطب بالناس في أيام الجمع أربع جمعات‏.

‏ثم قرر السلطان للقدس خطيباً مستقراً، وأرسل إلى حلب فاستحضر المنبر الذي كان الملك العادل نور الدين الشهيد قد استعمله لبيت المقدس، وقد كان يؤمل أن يكون فتحه على يديه، فما كان إلا على يدي بعض أتباعه صلاح الدين بعد وفاته‏ .

----------------------------------------

الحروب الصليبية لم تنتـــــــه وما بقي منها أعظم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم جاء الصليبيون أوائل القرن الميلادي الماضي ، ليستكملوا حروبهم الحاقدة ، يقودهم الشيطان بقصد إطفاء نور الإسلام ، فاحتلوا بيت المقدس بأولياءهم اليهود ، وتحالفوا معهم ضد الإسلام والمسلمين ، ومازالوا محتلين لبلادنا ، فلم يرحلوا إلا ظاهرا ، بـــل نصبوا في كل بلد طاغوتا جائرا ، وقد قام لهم أهل الصبر واليقين ، وسلكوا معهم مسلك الأولين ، من الصادقين المجاهدين ، فناجزوهم ومازالوا وفي كل حين ، وسيستمر الجهاد ، بإذن الله ، حتى لو بقــي مئين من السنين ، ، حتى يندحــر آخر علج من الصليبيين ، ويهزم بوش وحزبه من الشياطين ، ويخسأ "وليم بوكين" اللعين ، ويعود العز للمسلمين ، اللهم فاجعلنا من جندك المجاهدين ، واستعملنا في نصر دينك الحق المبين آمين

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006