الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية !!

 

الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية !!

حامد بن عبدالله العلي

هذا المقال تتمة للمقال السابق .

وننوه إلى أن صياغة المقال على صورة الحوار ، لاتعارض بينه وبين الصدق ، وإنما هو كصنيع العلماء في تمثيل المسائل ، على هذه الهيئة ، كما فعل الإمام ابن القيم في مطلع النونية ، وفي صياغة المناظرات في بعض كتبه الأخرى ، وذلك من قبيل القصة التي يقصد بها ضرب المثل ، دون الكذب في نقل الخبر الواقع على خلاف ما هو عليه ، فإن هذا من الكذب المحرم .

ولنتصور أن محامي الدفاع والمدعي العام العالمي في هذه اللحظة أمام منصة القاضي ، بينما قد حضر صالة المحكمة مندوبون عن المسلمين ، وعن جميع شعوب الأرض ، بمن فيهم الذين كانوا حلفاء لأمريكا ولكنهم ليسوا كذلك اليوم ، لأن هذه الإدارة الأمريكية ـ ورب ضارة نافعة ـ استطاعت بجدارة فائقة أن تحول أكثر حلفاءها وأصدقاءها إلى أعداء !

قال محامي الدفاع : حضرة القاضي الموقر ، لا يمكنني أن أدعي بطلان التهم التي تلاها المدعي العام العالمي في المقال السابق ، غير أنني أدفع بأن موكلي كان تحت الإكراه ، ولا يصح في العدل محاسبته على أفعاله ، والدليل على هذا أن مبادئ موكلي التي يعرفها الجميع ، قائمة على الإيمان بالعدل السياسي ، والعدل الاقتصادي بإعانة الدول الفقيرة في العالم ، واحترام الإنسانية ، وحقوق الإنسان ، والحرية ، ونصر المظلوم ، والوقوف مع الشعوب المضطهدة .

قال المدعي العام العالمي : كيف يكون مكرها ، وقد أقر من قبل بما قاله بول نيتز في المذكرة السياسية لمجلس الأمن القومي ncs68 عام 1948 العام الذي أعلنت فيه أمريكا تأييدها للكيان الصهيوني ثم بعد ذلك رعت كل جرائمه قال : ( نحن نملك 50% من ثروة العالم ، غير أننا نمثل 6،3% سكانه فقط .. وفي مثل هذه الوضع ، لايمكن تجنب أن نكون هدفا للضغينة والغيرة ، فمهمتنا الحقيقية ، في الفترة القادمة ، هي تطوير نظام للعلاقات يسمح لنا بالحفاظ على هذه المكانة ، دون تعريض أمننا القومي للخطر .. ولتحقيق هذا ، علينا أن نتخلص من أي رومانتيكية ، وأن نكف عن الحلم ـ يقصد الاهتمام بنشر المثل والقيم في العالم ـ مع البقاء متيقظين ، وألا يصيبنا الغرور ، ولايمكن أن نسمح لانفسنا اليوم باتباع رفاهية حب الغير ، والخير على الصعيد العالمي ... وكذلك حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية ، ولن يكون بعيدا اليوم الذي سيكون علينا فيه استخدام القوة (دراسات سياسة التخطيط ppsلـ23 فبراير 1948).

محامي الدفاع : أقصد أيها القاضي أن إسرائيل تجبر موكلي ( أمريكا) على فعل ما ليس في مصلحتها ، وعلى أن تفقد أصدقاء ، هم أنفع لأمريكا من اليهود ، وعلى أن تتخذ سياسات تعود عليها بالمضرة ، لكنها تؤدي إلى حماية إسرائيل ، إنها مجبرة أن تفعل ذلك ، حتى لو بدت في الظاهر متناقضة مع مبادئها التي تدعيها وسياساتها الخارجية ، ألا ترى أن إسرائيل تمارس كل أنواع الاضطهاد ، ومصادرة حقوق شعب بأسره ، تذبح أبناءهم ، وتستحيي نساءهم ، وتهرق في كل حين دماء الأبرياء ، بينما لاتحرك أمريكا ساكنا لزجرها حتى بالقول ، أليس هذا سيدي القاضي تصرف المكره ، الذي لا يملك لنفسه ضرا ولانفعا.

وهنا تمتم المتهم بصوت خافت كأنه يخاطب نفسه : تباً لهذا المحامي ، لقد أظهرنا بصورة مهينة أمام العالم ، أردناه عونا ، فصار علينا فرعون .

غير أن محاميه سمع تمتمته فرد عليه هامسا : أليس هذا خيرا لك من ظهورك بمظهر الجشع المنافق ، تدعو إلى العدل العالمي والحرية في الظاهر ، وتضرب شعوب العالم في ظهورها بخنجر الغدر ؟ دعني أكمل مهمتي .. ولا تعترض على شيء .. وإلا فاطلب مني أن انسحب ، وسأكون شاكرا لك .

نظر المتهم إلى محاميه نظرة تبرم وتضجر ، وأشار إليه برأسه أن أستمر .

قال المدعي العام العالمي : حضرة القاضي الموقر ، تأمل معي هذه الشناعات التي يقترفها هذا المتهم في حق شعوب العالم :

- انسحاب إدارة بوش من بروتوكول كيوتو حول ارتفاع حرارة الأرض.
- رفض التوقيع على ميثاق ريو حول التنوع البيولوجي.
- الانسحاب ومن طرف واحد من المعاهدة ضد الصواريخ البالستية مع روسيا.
- معارضة المعاهدة الدولية لحظر الألغام الفردية.
- معاملة سجناء «القاعدة» و «طالبان» في قاعدة غوانتانامو.
- معارضة البنود الجديدة من اتفاق الحرب البيولوجية.
- رفض التوقيع على الاتفاقية الخاصة بإنشاء محكمة الجزاء الدولية.
- وأخيرا إفشالها كثير من القرارات المهمة النافعة شعوب العالم في قمة الأرض مؤخرا .

مع أن هذه الأمثلة ليست على سبيل الحصـر .

فهل يعقل أن تُجبرأمة هائلة العدد ، بالغة القوة ، مليئة بأذكياء الرجال ، والساسة المحنكين ، تُجبر على جرائمها التي تقود العالم إلى الدمار .

إن هذا سيدي القاضي لا يعقل ، بل التهمة ثابتة على الإدارة الأمريكية التي تقود شعبها والعالم إلى الهاوية ، فلم يكرهها أحد أن تربط مصير الشعب الأمريكي ، باليهود ، وقد عرفوا حتى في التراث النصراني أنهم ملعونون ، وأينما حلوا ، حل الدمــــار معهـــم .

قال القاضي : ارتفعوا عني حتى أخلو بنفسي ، ثم أنظر فيما يكون القضاء في هذه القضية الشائكة .

وخرج الناس يتساءلون : تُرى كيف سيكون القضاء ، حتى إذا فتحت أبواب المحكمة .. دخلوا .. فجلسوا .. وخشعت أصواتهم في انتظار الحكم فلا تسمع إلا همسا .

واستوى القاضي على المنصة ، وتهيأ لتلاوة الحكم ، فقال :

لن أحكم على المتهم بشيء ، بل هو الذي سيحكم على نفسه .

فتعال شهيق جماعي من كل جانب ، وتعجب الناس .

ثم أردف قائلا : فإنّي أنا التاريخ ... ولم تزل سنتي التي سنها الله تعالى ربي ورب كل شيء ... لم تزل تقول أبد الدهر : بالعدل تبقى الأمم وتزدهر ... وبالظلم تزول وتندحر .

فتعالت صيحات التأييد في أرجاء الصالة ، وأما المسلمون فكبروا تكبيرا ، وتلوا قوله تعالى ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير )

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006