خطبـــة عيد الأضحــى لعـام 1423هـ … كيف نعيــــد لهــــذه الأمة مجدهــــــا

 

خطبـــة عيد الأضحــى لعـام 1423هـ … كيف نعيــــد لهــــذه الأمة مجدهــــــا

حامد بن عبدالله العلي

الخطبة الأولى :
ــــــــــــــــ

الحمد لله الذي أجزل الفضل والإنعام للمتقين ، ووعد بالتمكين لحزبه الموحدين ، وبلغهم بنصر دينه ذروة المجد على الأولين والآخرين ، وعامل عباده بالإحسان على الإحسان ، وأكرمهم على فعل الصالح الكثير من الرضوان ، ، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى، وله الحمد إذا رضي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما من خير إلا أوصى أمته به وحثهم عليه ولا شر إلا حذرهم منه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
وبعــــــــــــــد :


لقد كتب الله عز وجل لهذه الأمة الخالدة البقاء والتمكين لا محالة ، وكيف لا يكون ذلك ، وهي بشهادة الله تعالى خير الأمم أجمعين ، قال جل شأنه: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

وكما اختارها لتكون قائدة الأمم في عبور الصراط ودخول الجنة ، كما صح في الحديث ( فأكون أنا وأمتي أول من يجيز على الصراط ) رواه البخاري ، كذلك قد اصطفاها واختارها ، لتكون لها القيادة والسيادة على غيرها من الناس ، في هذه الدنيا .

غير أنه سبحانه ، قد ربط ذلك بشروط لابد منها ، وهي مقومات ومؤهلات القيادة ، إن وفّرتهــا كتب الله لهـا بهــا ، النصر والتمكين والعز المجد إلى يوم الدين.


والله جل شأنه اختارها لعلمه بقدرتها على الإتيان بهذه المقومات .

وهو كذلك ـ اعني سعيها لتوفير هذه المقومات ـ تكليف عليها …فهي أمانة بيديها ، ومسؤولية عظيمة أُلقيت عليها ، ومهمة جسيمة وُكلت إليها ، وتحتاج إلى بذل وعطاء…وتضحية بسخاء.. لكي تؤدي هذه الأمة ما أسند إليها من تلك المهمة.

فهذا هو الشرف الذي حظيتم به أنتم أيها المؤمنون الموحدون من دون سائر الناس ، وتلك هي المسؤولية التي ترتبت على ذلك التشريف.

والتاريخ شاهد صدق على أن هذه الأمة ، تختزن في كيانها ، كل مقومات المجد والنصر وقيادة البشرية للهدى ، وليرجع الواحد منه بذاكرته عبر التاريخ ، ثم لينظر ويتأمل فيما فعله آباؤنا وأجدادنا في سابق العصور وما قدموا لهذه الدنيا على مر الدهور.

لقد أخرجوا الناس من ظلمات الكفر ، وارتكاسة الشرك إلى نور الإيمان ، وشرف التوحيد ، و نشروا دين الله في الأرض ، و فتحوا البلاد ، وأحيوا قلوب العباد.

وأخضعوا الدنيا لحكم الله وشريعته ومنهاجه الحق ، فدحروا بذلك ظلمات الجاهلية ، وشرعة الشيطان لها ، وقدموا دماءهم رخيصة في سبيل نشر دين الله في أنحاء المعمورة. ثم نشروا العدل بين الناس قبل أن يدخلوا بلادهم، فرحبت بهم تلك البلاد المفتوحة ، ودخلت في دينهم حبا فيه .

ورفعوا راية العلم ، فجاوزوا كل الأمم في علومهم حتى تعلمت كل الحضارات منهم ، وأصبحت تنهل من هذه الأمة المجيدة كل المعارف النافعة .

وهكذا شهد التاريخ أن هذه الأمة ، قد تقدمت على كل الأمم في كل مجالات الحياة.

يقول محمد إقبال الشاعر المسلم:

مـن ذا الـذي رفع السـيوف *** ليرفع اسمك فوق هامات النجوم فخارا
كنا جبـالاً في الجبال وربمـا *** سـرنا علـى مـوج البحـار بحـارا
لم نخـش طاغوتـا يحاربنـا *** ولو نصـب المنايـا حولنـا أسـوارا
ورؤوسنا يا رب فـوق أكفنـا *** نرجــو ثوابـك مغنمــاً وجـوارا
ندعو جهارا لا إله سوى الـذي*** خلـق الوجـود وقـــدر الأقــدارا
كنا نرى الأصنام من ذهــب *** فنهدمهــا ونهـدم فوقهـا الكفّـارا
لو كان غير المسلمين لحازها *** ذهبـا وصـاغ الحلـي والدينـــارا
وكأن ظل السيف ظل حديقـة *** خضـراء تنبــت حولهـا الأزهـارا

هذا والله تاريخنا الوضاء ، الذي حملنا به ميراث الأنبياء ، فاوصله أجدادنا أنحاء الأرض كلها ، وعلوا به إلى عنان السماء .

وفي هذا أعظم دليل ، وأصدق شهيد ، أن هذه الأمة قادرة في كل حين أن تعيد هذا المجد من جديد ، غير أنه لابد لها أن تحقق ما يلي :

1ـ الإخلاص لله تعالى ، وابتغاء الآخرة ، وأن تكون الدنيا في عيونهم أهون من أن يضحوا من أجلها ، وأحقر من أن يعيشوا لها ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، منبها هذه الأمة على ضرورة توفر هذا الشرط لحصول التمكين :

( بشر هذه الأمة بالسناء ، و الرفعة بالدين، و التمكين في البلاد ،والنصر، فمن أراد منهم بعمل الآخرة للدنيا ، فليس له في الآخرة من نصيب) رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه .

2ـ الاعتصام بكتاب الله تعالى ، واتباع هداه ، كما قال تعالى ( واعتصموا بحبل الله) ، وقال ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) ، وقال تعالى ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كم استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لايشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) .

3ـ توفير أسباب القوة كما قال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) .

وأسباب القوة نوعان :

أحدهما : معنوية وتشمل المعرفة ، والحزم والجد .

وعماد هذه القوة ، الالتفاف حول مفهوم الجهاد ، وبث روحه في الأمة ، في كل فرد منها ، رجالها ونساءها ، كبيرها وصغيرها ، شيبها ، وكهولها ،وشبابها .

ذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد قال : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

والثاني : مادية وهي الاستحواذ على جميع القوى المادية اللازمة للتفوق ، بما فيها السلاح الذي يكافئ أو يقارب ما لدى غيرها من الأمم ، ذلك أن أمة لاتملك سلاحا تدفع به عن نفسها بيدها ، ستصبح لا محالة مستعبدة لغيرها ، والأمة المستعبدة ، أمة ميتة لاحراك بها ، مسلوبة الكيان والهوية ، لاسبيل لها إلى العز ، مالم تتحرر من العبودية .

4ـ الوحدة في نظام واحد مبنيُّ على الإيمان بالله ، والانقياد لشريعته كلها ، برىء من جميع كفر الجاهلية المعاصرة ، وظلماتها ، ومؤسساتها ، ونظمها الجائرة ، التي تهيمن عليها الأمم الكافرة ، قائم على الولاء بين المؤمنين ، والتكافـــــل والتعاون ، والالتزام ، والأمانة ، والطاعة ، وتحمل المسؤوليــة ، كما قال تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، وقال : ( واعتصموا بحبل الله جميعـــــا ولاتفرقـــــوا ) ، وقـــال ( ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .

5ـ البراءة من أعداء الله ، ومن كفرهم ، قال تعالــى ( إنا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله ) ، والتمايز عنهــم قال تعالى : ( ولاتركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ، والحذر منهم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ، لايألونكم خبالا ، ودُّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) ، وقال ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ، فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) .

فمتى أتت هذه الأمة بهذه الأسباب ، فلتنتظر نصرا مؤزرا ، ومجدا مظفرا ، ولتستعد لقيادة العالم كله إلى الهدى والرشاد ، وتقمع الشرك والظلم والفساد .


الخطبة الثانية :
ــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد :

فإن الذي يرمون دين الله ، بأنه هو السبب في ضعف المسلمين وذلهم ، هم المنافقون المندسون في صفوف الأمة الإسلامية ، وهم خائنون لدينهم ، وأمتهم ، قد رضوا لأنفسهم أن يكونوا كأجراء السوء ، لاعداء هذه الأمة العظيمة ، يرددون بلا عقل ، ما يلقى إليهم من زخارف القول .

غير أن المسلم الحق المعتز بدينه ، يرى بعين بصيرته ، أن الحقيقة الساطعة ، هي عكس ما يقولون تماما ، وهي أن سبب تأخر المسلمين هو تأخيرهم دينهم عن موضع القيادة والتخطيط وتنظيم حياتهم ، وأكبر دليل على هذه الحقيقة أنه لما كان دينهم ،هــو منهاج حياتهم ، كانوا قادة العالم ، في التاريخ كله ، فلما أخّروه تأخّروا .

هذا ولا يخفى أن حالنا اليوم ، هو كما وصف لنا رسولنا ، ففي سنن أبي داود من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، و لكنكم غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا و كراهية الموت)).

غير أن هذه الأمة قد عودت أعداءها ، أن تكون نهضتها ، أعظم وأجل ما تكون ، عندما يظن أعداؤها أن أبطالها قد تساووا والاموات ، وأنها غدت كالأرض الموات ، فجنين نصرها ، لا يتخلق أصلا إلا في رحم محنتها ، ذلك أن الله تعالى وعد نبيها ، قائلا : (يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، و إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ) رواه مسلم من حديث ثوبان.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين .

عباد الله : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006