الرد على الفتاوى الصليبيّة المنشورة على بعض القنوات الفضائيّة

 

الرد على الفتاوى الصليبيّة المنشورة على بعض القنوات الفضائيّة حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبــه :

قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلابد أن يقول على الله غير الحق ، في فتواه وحكمه وخبره وإلزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، لاسيما أهل الرياسة ، و الذين يتبعون الشهوات ، فإنهم لاتتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا " الفوائد

اللهم إنا نعوذ بك أن نضلّ أو نُضلّ ، أو نزلّ أو نُزل ، أو نجهل أو يُجهل علينا ، اللهم إنّا نسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشـــــد ، والغنيمة من كل بر ، والعافية من كل إثم ، وحسن الخاتمة ، حسبنا الله ونعم الوكيل .

وبعـــد :

فإنّ من أشنع الأقوال الضالّة ، والبدع التي هي على أبواب جهنم دالّة ، القول بأن إمامة الكافر أو من يولّيه الكفار ، على المسلمين صحيحة ، وأنّ جهاد الكافر المحتل لبلاد الإسلام باطل ، فقائل هذا القول جمع بين أعظم سببين لإفساد الدين ، وإضلال المسلمين .

فهو بتصحيحه ولاية الكافر ، أو من يتولى بأمرهم ويحكم به ـ مع أنه حينئذ يكون مثلهم ـ قد دعا إلى إفساد الأحكام الشرعيّة جملة وتفصيلا ، وبتحريمه الجهاد لإخراج الكفرة المحتلين دعا إلى إخضاع أمة الإسلام إلى عدوّها ، ممعنـا فيها إفسادا و تضليلا ، والساكت عن إنكار ضلاله شيطان أخرس ، فإن كان مع ذلك يرتقي منصبا دينيا فهو أعظم ملبّس ، ممّن بدل دين الله تبديلا ، نسأل الله تعالى العافية من سبل الردى ، ومضلات الفتن ، واتباع الهوى .

هذا والعجب أن هؤلاء المفتيــن لم يستحوا من الله ولا من المسلمين ، وهم يقومون ، بادية سوءاتهم أمام العالمين ، بأداء الدور المطلوب منهم أمريكيا ، في ضمن متطلبات المشروع الصليبي للمحافظين الجدد ، لفرض عقيدة وشريعة غربيّة ، تجمعان بين الروح الصليبية ، والأهداف الصهيونية ، والثقافة اللادينية العلمانية .

نسال الله أن يبطل سعيهم الخبيث في بلاد المسلمين ويرد كيدهم في نحورهم ، وكيد هؤلاء الملبّسين على المسلمين دينهم ، الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، ممن يصدق عليهم قوله تعالى : " مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " .

وهذا بحول الله رد على ضلالاتهم الشنيعة ، وذلـك :

أولا : ببيان من هو وليّ الأمر الشرعي .
ثانيا : بالرد على شبهة الاستدلال بولاية نبي الله يوسف عليه السلام .
ثالثا: بالرد على شبهة اشتراط الإمام للجهاد أو إذنه إن عطّله أو كان جهاد دفع .
رابعا : بالرد على شبهة اشتراط الراية في الجهاد.

ثم خاتمة جامعة نافعة في التحذير من الركون إلى الكفار وتهوين أمر الدخول في ولاءهم .


فنقول وبالله التوفيق :

أولا :

وليّ أمـــــر المسلمين الذي تجب طاعته هو الذي يتولّى أمر دين المسلمين، لأنّ هذا هو أمر المسلمين ، فليس لهم أمر غير دينهم ، فبه صاروا أمة ، وبه تحققت شخصيتهم الحضاريّة ، وبه وُجــد كيانهم السياسي ، أمّا من يتولّى أمرا آخر ، كالذي يحكم بالنظام الدستوري العلماني أيّا كان : ديمقراطيا ليبراليا غربيا زائفا ، أو قوميا إشتراكيا شموليا ، أو عشائريا جاهليا يخلط بين الشريعة والجاهلية ، أو غير ذلك ـ سوى النظام الإسلامي المتحاكم إلى شريعة الله تعالى ـ فهو وليّ أمــر ما تولاّه ، ليس هو وليّ أمر المسلمين ، وهو ممن يصدق عليـــــــه قوله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " .

فكيف يُولّى أمر أمّة الإسلام ، وقد تولّى أمر غيرها ؟!!


ولهذا وردت النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر، مقيّدة بقيد إقامة الدين ، كما في حديث "
إنْ أُمّر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم ،والحديث الثاني " إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين " رواه البخاري.

فذكر أن الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحة ولايتهم التي توجب طاعتهم .

ولهذا فقد أجمع العلماء على شرط الإسلام في الإمام ، عملا بقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، وبالنصوص الكثيرة في القرآن والسنة التي تحرم ولاية المسلم للكافر ، وأي ولاية أعظم من نصبه حاكما على المسلمين ؟!!

وفي الحديث المتفق عليه من حديث عبادة بن الصامت : " وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " . فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج بالقوّة ، على الحاكــم إن أظهر الكفر .

قال الإمام ابن المنذر رحمه الله : " أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال" أحكام أهل الذمة 2/ 414

وقال القاضي عياض رحمه الله : " أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر وتغيير للشرع ، أو بدعة ، خرج عن حم الولاية ، وسقطت عدالته ، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة ، وجب عليهم القيام بخلع الكافر " شرح النووي على صحيح مسلم 12/229 ، والظاهر أن قصده بدعة مكفرة من جنس تبديل الشرع .

ومن النصوص التي دلت على ما تقدم ، وحديث ابن مسعود " سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ، ويعلمون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يا رسول الله إن ادر كتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أم بعد ماذا تفعل ؟! لا طاعة لمن عصى الله " رواه أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، الطبراني في الكبير وإسناده على شرط مسلم

إذا تبيّن هذا ، فإنه من المعلوم ، أن حكومة الاحتلال في العراق ، حكومة عميلة ، نصبها محتل صليبيّ ، وألزمها بأن تُهيئ نظاما ليُحكم العراق بالنظام العلماني ، الذي يدعو إلى أن يعبد كلّ عابــد ألهه بحريّة ، وإلى أن يتخذ كلّ مشرك ضال هواه إلهــا ، وهي حكومة تؤمن بفصل الدين عن الحياة ، وحقّ الناس أن يشرعوا ماشاؤوا ـ إلا ما يغضب سادتهم الأمريكيون ـ فمهمة هذه الحكومة الأهمّ ، هي أن تحول بين شريعة الله تعالى وأن تحكم العراق ، وبين أهل الجهاد وان يقيموا في الأرض دين الإسلام ، فمن يصحح ولاية مثل هذه الحكومة داعيا إلى طاعتها ، منسلخ عن الدين ، مرتكس في النفاق معدود في المنافقين .

ثانيــــــــــــا :

استدلال المستدل بقصة نبي الله يوسف عليه السلام ، على صحة ولاية من يوليه المحتل لأرض المسلمين ،استدلال منكوس ، فيوسف عليه السلام نبيّ مسلم ، لايحكم بغير شريعة الله ، وهو القائل لصاحبي السجن " إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون " ، قد مكّنه الله تعالى على قوم كفار ، في بلد أهلــه كفار ، فحقق بولايته علو الإسلام بأحكامه على بلاد كافرة .

وأما حكومة الإحتلال الحاكمة بأحكام الكفار ، الموالية لهم ، فهي حكومـة كافرة تتولى على قوم مسلمين ، وتحقق علوّ أحكام الطاغوت في بلاد الإسلام ، فالعجب والله من هذا الاستدلال المنكوس .

ثم إن الله تعالى ، قد قال عن يوسف عليه السلام : ( وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) .

فالآية تبيّن أن الله تعالى مكّن له في الأرض ، فله اليد العليا فيما تحت يــــده ، بتمكين الله تعالى ، لا بغيره ، ليحكم بالشرع والعدل والإحسان ، وأن هذا التمكين رحمة من الله ، وأنه كان في ذلك من المحسنين.

فأين هذا من حكومة احتلال ، يستخدمها الصليبيون والصهاينة ، لتحارب المجاهدين الذين يجاهدون لطرد المحتل من بلادهم ، فهي حكومة جاءت لتقيم أحكام الطاغوت ، وهي في عملها تسعى في بلاد الإسلام سعـــي الكافرين الظالمين ، ومعلوم أنّ هذه الحكومات التي ينصبها المحتل في العادة ، دُمية لم يُمكّن لها المحتـــل في الحقيقة ، وإنما يستعملها ليمتطى ظهرها ، ليحقق بها أهداف الكفار في بلاد الإسلام.


فلا ريب أن هذا المستدل بقصة يوسف ، من أجهل الناس ، وأغلظهم فهما ، وأشنعهم ضررا ، في المسلمين ، نسأل الله تعالى العافية من مقام الخزي ، اللهم نعوذ بوجهك آمين.

ثالثــــــــــــا :

لاريب أن الفريضة الواجبة المقدّمة ، عند احتلال الكفار لبلاد المسلمين ، هي الجهاد لطرد المحتل ، وزعم غير ذلك ضلال مبين ، أما الرضا باستعلاء الكفار على بلاد المسلمين ، فهو ردة عن الدين ، ليس في ذلك خلاف بين علماء الملّة ، ولا ينفع عذر المعتذر بأن البلاد بحاجة إلى بقاء الكفـّار لحفظ الأمن ، فقائل هذا كاذب مفتر على دين الله تعالى ، يضل الخلق بغير علم .

ذلك أن الله تعالى أخبر في محكم التنزيل : " والكافرون هم الظالمون " ، وقال " لايرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة " ، وقال " وأولئك هم المعتدون " وقال " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء " وقال " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " ، فكيف يُكذّب القرآن المبيّن أن الكفّار إن تسلّطوا على المسلمين ، كانوا سببا للظلم ، والعدوان ، وفساد الدين والدنيا ، ويُصدّق الكافر ، الكاذب ، الظالم ، المعتدي ، الذي قد بان ظلمه وعدوانه على المسلمين والإسلام ، للخاص والعام ؟!!

ومعلوم أنه لا يوجد فساد أعظم من استعلاء الكفار في بلاد المسلمين ، ولا مصلحة أعظم بركة على المسلمين من جهاد الكفار لمنعهم من إظهار هيمنتم على البلاد الإسلامية ، فكل يوم يستقر لهم المقام في العراق ـ كمافي غيره ـ يخسر الإسلام وأهله ما لا يخطر على البال ، ولا يدور في الخيال من الخسران المبين ، في دينهم ، وقوتهم وثروتهم ، ومستقبلهم السياسي .


ذلك أن الكفّار سيعملون بلا ريب على ترتيب أوضاع البلاد عسكريا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وثقافيا في أسرع وقت وفق ما خططوا له سلفا ، لتكون تلك الأوضاع في صالح الكفر وأهله ، كما فعلوا في الاحتلال في القرن الماضي .


وسينصبون أولياءهم من المرتدين من خونة العرب على حكم العراق ، لتتم لهم مقاصدهم الخبيثة.


وفي التقاعس عن منعهم من ذلك بكل وسيلة ممكنة ، تمكين لهم ، وتغرير بالإسلام وأهله ، وذلك أعظم الخيانة لدين الله تعالى .


ذلك أن الله تعالى حرّم على المؤمنين تحريما قطعيا أن يرضوا بظهور الكفار عليهم ، وباحتلال الكفار بلادهم ، وأرض العراق مثل أرض فلسطين تماما ، و كذا كل بلاد الإسلام ، لا يسقط وجوب الجهاد لإخراج المحتل منها ، إلى يوم القيامة .


قال تعالى : (
وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) والفتنة هي الشرك ، فظهوره وعلوه على أرض الإسلام أعظم الفتنة ، وإنما غاية الجهاد منع الكفر من الاستعلاء بالقوة قال تعالى ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ) .

وقال (
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ) .

وقد قال تعالى (
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) أي هذا حكمه ، فلا ترضوا أن يكون للكافرين عليكم سبيل .

وقال (
كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) .

وقال (
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .

وقال (
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ، ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ، وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .. الآيات ) .

أما كلام علماء الإسلام في وجوب الجهاد لطرد المحتل الكافر فكثير مبارك ، من ذلك :

قال ابن حزم في المحلى " إلا إن نزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم " 7/292

وقال الإمام النووي ( قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية ) شرحه على مسلم 8/63


وقال الإمام القرطبي : (
قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل ، أو مكثر ، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم ، وجاوزهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ، ومدافعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم ، وعلم أنه يدركهم ، ويمكنهم غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم .. ولو قارب العدو دار الإسلام ، ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله ، وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ، ويخزي العدو ، ولا بخلاف في هذا ) الجامع لاحكام القرآن 8/151ـ 152 .

وقال الإمام الخرقي من الحنابلة (
وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا ، المقل منهم والمكثر ) .

قال الإمام ابن قدامة في الشرح : (
قوله المقل و المكثر ، يعني به والله اعلم الغني و الفقير .. ومعناه أن النفير يعم جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجيء العدو إليهم ، ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ، ومن يمنعه الأمير من الخروج ، أو من لا قدرة له على الخروج للقتال ، وذلك لقوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا استنفرتم فانفروا ) ، وقد ذم الله تعالى الذين أرادوا الرجوع إلى منازلهم يوم الأحزاب ، فقال تعالى ( ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) المغني 10/389 .

وقال الإمام الجصاص (
معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ) أحكام القرآن للجصاص 4/309

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : (
إذا دخل العدو بلاد الإسلام ، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ) الاختيارات العلمية .

وهذا كله في غاية الوضوح ولا يحتاج إلى البيان ، ونقوله مع أن العراق أرض العلم والعلماء ، ولا يحتاج أهلها إلى سؤال غيرهم ، ونحن على يقين أن الأجنبي المحتل لن يهنأ بالبقاء فيها ، وستبوء خططه بالفشل بإذن الله تعالى .


**هذا وأما القـــــــول :

بأن الجهاد لا يكون إلاّ مع الإمام ، فهو قول الرافضة ، أما أهل السنة فلا يعرفون هذا الشرط ، إنما يشترطون إذن الإمام إن كان إماما شرعيا قائما بالجهاد الشرعي ، كما يشترط إذنه في كل الأمور العامة لئلا يفتئت عليه .


قال ابن حزم: "يغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب كما يغزى مع الإمام ويغزوهم المرءُ وحده إن قدر أيضاً" (المحلى 10/99)

وقال أيضا " قال تعالى ( فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك ) وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم ، فكل أحد مأمور بالجهاد ، وإن لم يكن معه أحد " المحلى 7/351

وقال شارح الطحاوية عند قول الطحاوي: "والحج والجهاد ماضيان... الخ"

"يشير الشيخ -رحمه الله- إلى الرد على الرافضة حيث قالوا لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد" (ص/437)


وقال الماوردي: "فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين" (الإقناع ص/175) ، يعني إن تعين لم يشترط له إذن الإمام ، ومعلوم أن أكثر جهاد المسلمين اليوم هو جهاد الدفع الذي هو فرض عين على أهل البلد ومن يمكنه نصرهم، فلا يشترط له إذن حاكــــم .

وقال القرافي في الذخيرة " شروط الجهاد : هي ستة : الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والإستطاعة " ، ثم قال : " فإن صدم العدو الإسلام وجب على العبد والمرأة لتعين المدافعة عن النفس والبضع "

وقال ابن قدامة " إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز التخلف عنه " 10/390


وقال ابن قدامة في المغني : " ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط " فذكر الشروط الستة الماضية ، غير أنه جعل الاستطاعة شرطين ، ولم يذكر شرط الإمام .


وقال ابن مفلح في الفروع ( قيل للقاضي يجوز قتال البغاة إذا لم يكن إمام ؟ فقال : نعم ، لأن الإمام إنما أبيح له قتالهم لمنع البغي والظلم ، وهذا موجود بدون إمام ) .؟ 6/154


وإذا كان هذا مع البغاة ، فكيف مع الكفار ؟


بل حتى لو كان ثمة إمام قائم بالشرع ، فخاف المسلمــون من عدوهم ، فلهم أن يقاتلوا دون إذنه :


قال الإمام أحمد كما في مسائل عبدالله 286 : " إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا باس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير " .


فهذا إذا خافوا من العدو، فكيف إذا دهمهم ؟!


وقال ابن قدامة " فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد ، لأن مصلحته تفوت بتأخيره ، وإن حصلت غنيمة قسمها ، أهلها على موجب الشرع " 10/374


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما قتال الدفع وهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " مجموع الفتاوى 4/508

وقال الحضرمي الشافعي في القلائد 2/353 " فإن دخلوا ديارنا ولو خلاء ، أو خرابا ، وجب على كل مكلف ـ أي الجهاد ـ ولو امرأة ، أو عبدا ، بلا إذن "

قال صديق خان: "الأدلة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلاً بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور" (الروضة/333)

وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في الدرر السنية " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟! هذا من الفرية في الدين ، والعدول عن سبيل المؤمنين ، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر ، من ذلك عموم الأمر بالجهاد ، والترغيب فيه والوعيد على تركه ... وكل من قام بالجهاد في سبيل الله ، فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ، ولا يكون الإمام إماما إلا بالجهاد ، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام ، والحق عكس ما ذكرت يا رجل "


وقال أيضا بعد أن استدل بقصة أبي بصير رضي الله عنه في حربه قريشا مستقلا " فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام ؟؟! سبحان الله ! ما أعظم مضرة الجهل على أهله عياذا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل "


وقال " فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة ، وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ، ولا عن جميع الطوائف وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال دون حال ، أو يجب على أحد دون أحد إلا ما استثنى في سورة براءة ، وتأمل قوله " ولينصرن الله من ينصره " ، وقوله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا .. الآية " ،وكل يفيد العموم بلا تخصيص .. ) الدرر السنية 7/97

وقال أيضاً: "وكل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ولا يكون الإمام إلا بالجهاد لا أنه لا يكون جهاد إلا بالإمام" (الدرر السنية 7/97)


هذا ويحسن أن نختم هذه الأقوال بما ذكره العلامة المهدي الوزاني رحمه الله في النوازل الكبرى الجزء الثالث ص 11 ، وهو كتاب يحوي فتاوى علماء المغرب العربي المالكية في النوازل ، وهذه الفتوى للإمام أبو عبدالله سيدي العربي الفاسي رحمه الله ، وما أحسن قوله فيها :

(( وما تهذي به بعض الألسنـــة في هذه الأزمنة من أنه لا يجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد )).

ومع أنه ليس للسادة المالكية اختصاص بهذا ، بل هو أمر متفق عليه بين المذاهب ، غير أنه قد أعجبتني هذه الفتوى لما فيها من التفصيل الحسن ، والاستنباط السديد :

وإليكم الفتوى كلها : "
أما المسألة الثالثة فلا يتوقف وجوب الجهاد على وجود الإمام ، وعلى إذنه في الجملة ، ومن المعلوم الواضح أن الجهاد مقصد بالنسبة إلى الإمامة التي هي وسيلة له ، لكونه في الغالب العادة لا يحصل على الكمال إلا بها ، فإذا أمكن حصوله دونها لم يبق معنى لتوقفه عليها ، فكيف تترك المقاصد الممكنة لفقد الوسائل المعتادة ، فلو كان الإمام موجودا ، طلب استئذانه ، محافظة على انتظام الأمر واجتماع الكلمة ولزوم الجماعة ، وقد يعرض ما يرجح عدم استئذانه كخوف فوات فرصة لبعد الإمام ، أو كونه غير عدل يخشى أن يغلبه هواه في تفويتها ، فلو كان غير عدل ومنع من الجهاد لغير نظر لم يمتنع الجهاد إن أمن الضرر من جهته ..

فلا يضيع الجهاد إن ضيعه الولاة ، والنصوص المذهبية شاهدة لذلك كله .

قال إمامنا مالك رضي الله عنه : لله تعالى فروض في أرضه لا يسقطها ، وليها إمام أو لم يلها .

وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد في قوم سكنوا قرب العدو فيخرجون إليه بغير إذن الإمام ، فيغيرون عليه : وإن كانوا يطمعون في الفرصة وخشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم ، أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا ، ذلك واسع لهم .

وقال ابن وهب في سماع عبد الملك بن الحسن : وسئل عن قوم يدافعون العدو ، هل لأحد أن يبارز بغير إذن الإمام ؟ فقال : إن كان الإمام عدلا لم يجز أن يبارز إلا بإذنه ، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه .

قال ابن رشد : هذا كما قال ، إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزم استيذانه في مبارزة ولا قتال ، إذ قد ينهى عنه على غير وجه نظر .

وإلى هذا التفصيل ونحوه يرجع ما يوجد في هذه المسألة من نصوص المذهب .

وإن كان الجهاد يجوز ـ دون إذن الإمام ـ لما ذكر مع وجوده فكيف لا يجوز مع عدمه البتة.


ومن الواضح أنه إن توقف على وجوده فإنما يتوقف عليه لأجل إذنه ، وعليه فإن كان لا يتوقف على إذنه كان غير متوقف على وجوده .


نعم إقامة الإمام بشروطه ، وجمع الكلمة عليه فرض واجب على الخلق ، كما أن الجهاد فرض أيضا ، والقيام بهما معا مطلوب على الوجوب ، ولكن تضييع فرض واحد منهما أخف من تضييعهما معا ، وأما التوقف على الإمام للإمداد والرجال والمال والعدد فتوقف عادي لاشرعي .

إذ لا يجب شرعا أن لا يجاهد إلا بمال بيت المال ، بل من قدر أن يجاهد بمال نفسه فهو أفضل له ، وأعظم لأجره ، وإن اتفق أن تجمع جماعة من المسلمين مالا لذلك حصل المقصود أيضا .


ومن المعلوم في الفقه أن جماعة المسلمين تتنزل منزلة السلطان إذا عدم ، وعليه من الفروع مالا يكاد يحصى ، كمسألة من غاب زوجها وهي في بلد لا سلطان فيه ، فإنها ترفع أمرها إلى عدل من صالحي جيرانها ، فيكشف عن أمرها ويجتهد لها ، ثم تعتد وتتزوج ، لأن الجماعة في بلد لاسلطان فيه تقوم مقام السلطان ، قاله القابسي ، وأبو عمران الفاسي ، وغيرهما من شيوخ المذهب .


مع أن هذا من وظائف الإمام ، أو نائبه الذي هو القاضي ، التي لايباشرها غيره مع وجوده ، ومع ذلك لم يتوقف الأمر فيها على وجوده ، فكيف بالجهاد الذي يصح أن يباشره غيره مع وجوده دون إذنه كما تقدم .

وما تهذي به بعض الألسنة في هذه الأزمنة من أنه لا يجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد .


وحسبك فيمن يقول ذلك أنه من أعوان الشيطان وإخوانه المعدين في الغي والطغيان ، والذي تشهد له الأدلة أن الجهاد الآن أعظم أجرا من الجهاد مع الإمام ، لأن القيام به الآن عسير ، لا تكاد توجد له أعوان ، ولا يتهيأ له تيسير ، فالقائم به الآن يضاعف أجره ، وينشر في الملأ الاعلى ذكره ، فيكون للواحد أجر سبعين ، ويماثل فاعل الخير الدال عليه والمعين .

وأما المسألة الرابعة ، فلا يجوز أن يباع للكفار الحربيين القوت ولا السلاح ، ولاما يصنع منه السلاح ، ولاما يعظمون به كفرهم ، ونصوص المذهب متظاهرة على ذلك .


قال في المدونة : قال مالك : لا يباع من الحربي سلاح لا سروج ولا نحاس ،قال ابن حبيب : وسواء كانوا في هدنة أو غيرها ، ولا يجوز بيع الطعام منهم في غير الهدنة ، قال الحسن : ومن حمل إليهم الطعام فهو فاسق ، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمـن ، ولا يعتذر بالحاجة إلى ذلك ".
انتهت الفتوى .

** وإذا كان الجهاد لا يرجع فيه إلى الإمام إن كان غير عدل ، لانه سيجعله تبعا لهواه ، فيعرض الدين للهلاك ، فكيف إذا كان الحاكم أخا ووليا للكافرين ، محاربا للدين ، فهو يأتمر بأمر الكفار أنفسهم ، ويقرّ معهم أنه لاجهاد إلا بإذنهم ، فليت شعري ، كيف يجعل أمر الجهاد إليه ، وهل يقول بذلك عاقل ؟!

أما إن عُدم الإمام، أو ترك الجهاد، كأن يكون قد عاهد الكفار على ترك الجهاد أبدا ، وهو عهد باطل باتفاق العلماء، أو كان الحاكم لادينياعلمانيا ، لا يؤمن بالتحاكم إلى الشريعة ، أو خشي المسلمون فوات مصلحة إن انتظروا إذن الإمام الشرعي ، أو وقوع مفسدة، أو تعين على طائفة منهم قتال عدو حضر ، فلا يشترط إذن الحاكم ، بل يقيم المجاهدون أميراً منهم ويجاهدون معه .

ومن الأدلة على عدم اشتراط الإمام حديث : (غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم ، أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة ، يأكل من رسل غنمه ، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدروب ، يأكل من سيفه ) روه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

كما يدل عليه حديث البخاري بسنده عن ‏جنادة بن أبي أمية ‏ ‏قال :
" دخلنا على ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏‏وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال دعانا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبايعناه فقال فيما أخذ علينا ‏ ‏أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " .

وهو يدل على وجوب الخروج على الحاكم إن اقترف كفرا بواحا ، ومعلوم أنه في هذا الجهاد يكون الحاكم هو الذي يجب جهاده لخلعه بالقتال ، فكيف يشترط ـ ليت شعري ـ الإمام للجهاد ؟!! ومعلوم أن هذا الجهاد من أفضل الجهاد ، فإذا كانت كلمة الحق عند سلطان جائر أفضل الجهاد ، فكيف بإراحة المسلمين من حكم طاغوت كافر ؟!


هذا وقد علم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن الحاكم لا يطاع إن أمر بالمعصية ، فكيف إذا أمر بما هو من أشد المعاصي ضررا على المسلمين ، وإفسادا لدينهم ، وهو ترك الجهاد ، فلا يقول بوجوب طاعته في ذلك إلا جاهل مطموس على بصيرته عافانا الله .


رابعا : الرد على من زعم اشتراط الراية للجهاد :

ويقال هنــا : بأيّ كتاب أم بأيـّة سنة جيء بهذا الشرط ، وفي أيّ مذهب ذكر ، وما معناه ، وما ضابطه ، ألا لو كان هذا المتخبط القائل باشتراط الراية ، يفقه في الدين لم يطلق لفظا غير منضبط فيجعله شرطا في عبادة هي ذروة سنام الإسلام ، فمن أين أتوا بهذا الشرط ( الراية ) ، فعلى هذه الراية العفا ، وصفع القفا ، وعلى كل شريعة شرعت بها .

غير أنه من المعلوم ، أنه يجب أن يكون للجهاد هدف شرعي ، ولعمري أي هدف شرعي أوضح من قتال المحتل الصليبي الذي حل بعقر دارنا ، وأي هدف شرعي أوضح من قتال من أعلن أنه يريد تغيير بلاد المسلمين كلها ، ليحقق أطماعه وأطماع الصهاينة في بلاد الإسلام ، أي هدف أوضح وأكثر شرعية من قتال الذين يقاتلوننا في كل العالم ، ويحاربون الإسلام في أنحاء المعمورة .


فلم يعد يخفى على مسلم ، أن جميع الحركات الجهادية من فلسطين ، إلى جنوب شرق آسيا ، من كشمير إلى الفلبين تحاربها أمريكا ، وجميع المجاهدين في أفغانستان وما حولها وفي الشيشان ، بل لا ترفع راية جهاد في أي بقعة من الأرض لإعلاء كلمة الله واسترداد حقوق المسلمين ، إلا والأمريكيون الصليبيون يتصدون لها ، ويستعملون من وافقهم من المنافقين من مطاياهم الذين يفتون بتحريم جهادهم .

ألا يعلم هؤلاء المفتون الضالّون المضلّون ، أن الأبطال الذين يقاتلون الأمريكيين في العراق إنما يحمون هؤلاء المفتونين أنفسهم، ويحمون دينهم ، وأعراضهم ، من بقاء هيمنة أمريكـا على العالم وعلى شعوبنا الإسلامية .

هذا ولا أحسب هؤلاء الذين يفتون بإبطال الجهاد ، ووجوب الدخول في طاعة الحكومات التي ينصبها المحتل في بلاد الإسلام ، إلاّ يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ما يقولون

ذلك أن الرايات المتواجهة في العراق اليوم ، إنما هي رايتان ، راية الاحتلال ومن يؤيّده ، وراية رفض الاحتلال ومن يقف معها .

الراية الأولى هي راية الصليبيين والرافضة ومن معهم من مرتزقتهم وزنادقة العلمانيين العرب الذين اتخذوا أمريكا ربا وإلها .


والراية الثانية هي راية المقاومة وهو اسم عام يشمل كل رافض لبقاء القوات الصليبية المحتلة في العراق ، وهي في أوساط أهل السنة عامة، ويتقدم هذه الراية المجاهدون .


والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، وهو إخراج المحتل الصليبي من بلاد الإسلام ، وحماية المسلمين من بقاءه وتمكنه فيها ، لأنّ كل يوم جديد يبقى المحتل في العراق ، فإنه يتمكـّـن من إنجاح مخططه الواسع الأشد خطرا على أمتنا الإسلامية من كلّ ما مضى منذ عقود ، وهو مشروع القرن الأمريكي ، الذي صيغ ليعيد تشكيل المنطقة كلّها وفق متطلبات الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي الجديد .


ومن المعلوم أنه حتى في الجهاد الأفغاني الماضي ، ضدّ الغزو السوفيتي في أفغانستان ـ مع أن الاحتلال السوفيتي لم يدخل في حرب أطاح فيهـــا بنظام الحكم وأصبح قوة احتلال ، بل بناء على طلب " نجيب الله " وفق معاهدة مــــن حكومته ، التي يسمّي هؤلاء المفتون المضلون ، مثلها في العراق " حكومة ولي الأمر " !! ـ قد كانت الجبهات الجهادية كلها تقاتل ضد نظــام " نجيب الله " الموالي للسوفيت ، وضد الجيش السوفيتي في أفغانستان ، على حد سواء .


كما يحدث في العراق تماما ، وكانت الجبهات في الجهاد الأفغاني ، متعددة الاتجاهات ، مختلفة العقائد ، ففيهم حتى من كان يعبد القبــور ، وغلاة أهل الشرك والتصوف الفلسفي ، غير


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006