حامد بن عبدالله العلي
تُرى ..لماذا فجأة قررت الولايات المتحدة المطالبة بإصلاح السلطة الفلسطينية ، وهي تعلم أن الأنظمة في المنطقة برمتها مليئة بالفساد الذي لا يقل عن الفساد الذي في السلطة قيد أنملة ، ومنها أنظمة موالية لولية نعمتها أمريكا ، لاتعصي لها أمرا ، ولاترد لها طلبا ، وأمريكا مع ذلك لا أقول تغض الطرف عن فساد تلك الأنظمة ، وعن واستبدادها وظلمها ، بل هي الراعية لذلك الفساد ، المستعدة دائما لتقديم الدعم لاولياءها الفاسدين الظلمة ، ضد الشعوب المضطهدة !
ولماذا فجأة قررت أمريكا التخلص من عرفات بعد كل هذه السنين وهي أعلم الخلق أجمعين بفساده وسلطته ، هل هي صحوة ضمير مفاجأة ؟
كلا ... فسياسة الغرب لامكان للضمير فيها ، فهي لاتعرفــه ، ولا تعترف به
وتاريخ الغرب ، منذ ما يسمى بعصر التنوير الذي تولد منه الإلحاد وعبادة المادة ، وانطلاق جيوشه لاحتلال العالم في عصور الاستعمار ، لايمكن أن يوصف سوى بأنه ، قصة لصوص وقطاع طرق يقومون بعملية سطو كبيرة ومنظمة .
وهذه القصة لم تنته بعد ، لكن تغيرت الوسائل فقط ، فقد كانت جيوشهم هي التي تزحف علينا ، وأما الآن فجيوشنا تنوب عنهم ، وتؤدي هذه المهمة بكل أمانة .
وكانت سفنهم تحمل مافي أرضنا من الخزائن إلى بلادهم ، والآن العولمة تقوم بذلك عن طريق ومضات الكمبيوتر،التي تسرق ثرواتنا عبر أسواق المال العالمية ، بطريقة عصرية هادئة ومريحة .
ليست قطعاهي صحوة ضمير ، ولا أحسب أن الجواب بقي يخفى على أحد ، وأن المطالبة بإصلاح السلطة الفلسطينية في هذا الوقت ، خدعة قذرة ومكشوفة ، لتحويل النظر عن جرائم الكيان الصهيوني ، وتوجيهه إلى ما في السلطة من فساد ، وإشغال الشارع الفلسطيني ببعضه ، ومنح الصهاينة فرصة للقضاء على المزيد من قادة الانتفاضة ، وتجديد الإنذار بأن أي سلطة لاتحقق مطالبنا ، سنعمل على تغييرها ، وهذا الإنذار يفيد في السلطة الجديدة التي سيكون أهم وظائفها القضاء على الجهاد الإسلامي في فلسطين ، كسابقتها التي لم تؤد المطلوب منها بدرجة كافية ، كما يؤدي هذا الإنذار دوره في تحذير كل نظام عربي سيقف في وجه مطالب أمريكا والصهاينة ، أو أمريكا الصهيونية ، فليست ثمة فرق .
وإلاّ .. فلماذا لم تطالب أمريكا قط ، بإصلاح سياسي في الكيان الصهيوني ، بل لماذا لم تطالب قط ، بأن يضع ذلك الكيان الصهيوني أصل الإصلاح السياسي في العقيدة الديمقراطية ، وهو الدستور ، قرآن الديمقراطية الغربية التي يزعم الغرب أنه يبشر بها ؟ فأمريكا لا تبالي بعدم وجوده في الكيان الصهيوني ، بل هي تدعم عدم وجوده .
ولاتعجل علينا عزيزي القارئ ، وأقرأ معي هذه الشهادة المهمة ، للكاتب الصهيوني يوسي ميلمان في كتابه ( الإسرائيليون الجدد ) ، فقد قال :
( إن افتقار البلاد للدستور ليؤكد حقيقة الاختلاف بين بن غوريون ، وبين الأحزاب الدينية التي أصرت دوما على أن إسرائيل إن أرادت لها دستورا فعليها الرجوع إلى شرائع التوراة وإلى المخطوطات القديمة والمعقدة لشريعــــة ألـ( هالاكا) ، التي طورها الحاخامات على مدى ألفي عام من النفي ) ص 141
وقد ذكر أمرا آخر في غاية الأهمية ، ذلك أنه يجب أن يسبق تدوين الدستور تحديد حدود الدولة بشكل نهائي ، الأمر الذي لا يريده الصهاينة ، قال المؤلف السابق :
( طلب معدوا مسودة الإعلان ـ يقصد إعلان الاستقلال ـ من بن غوريون تحديد حدود إسرائيل استنادا إلى خطة التقسيم التي أعلنتها الأمم المتحدة عام 1947م ، وأصروا على أن بقاء الحدود هكذا يتعارض والمبادئ القانونية ، وسيضع إسرائيل أمام عقبة كأداء في علاقاتها مع بقية العالم ، بيد أن بن غوريون رفض المقترح لسببين :
أولهما : أنه خشي المعارضة الدينية إذ يؤمن رجال الدين أن حدود إسرائيل يجب أن تتوافق والحدود التي وعد الله بها ابراهام .
ثانيهما : أن بن غوريون كانا واثقا من أن الحدود ستتغير بعد الحرب مع العرب التي توقع أنها وشيكة الحدوث ، وهذا ما حصل فعلا ووسعت إسرائيل من حدودها بضع مرات ، وهو ما أكد الزاعم العربية أن إسرائيل تمارس سياسة توسعية منذ عهد صباها الأول ) ص 141
والآن لك أن تعجب أيها القارئ ، كيف أن هذا الكيان المغتصِب ، الذي بصق على كل مبادئ الغرب ، وما أعلنه من قيم مزيّفة يفتخر بها ، وكم هو بعيد عما يطلق عليه الديمقراطية ، إلى درجة أنه كيان بلا دستور ، كيف هو مع ذلك يحظى باحترام ، ودعم ، وإقرار أمريكي لامحدود لكل جرائمة !!!
ولابأس أن أنقل لك بعض ما كتبه هذا الصهيوني في كتابه السابق ، لتتعرف على مدى وحشية هذا الكيان ، يقول ( لقد اقترف الجنود الإسرائيليون وحشيات كثيرة تضمنت المجازر الجماعية والقتل والاغتصاب والتخريب ، وقد أخبرني بعضا عن هذا ( إيريك بتشامكن ) العضو في حزب العمال والذي شغل منصب وزير الزراعة الإسرائيلي سابقا ، كان إيريك مزارعا مثاليا اتسمت فيه الحدة والبساطة والصراحة المباشرة وخدم أثناء حرب 1948 ، قائدا لإحدى الوحدات الخاصة ، وشاهد بأم عينه أعمال القتل لعشرات المواطنين العرب الذين احتلت القوات الإسرائيلية قريتهم الواقعة في صحراء النقب ، بعد أن شدوا أيديهم وأطلقوا عليهم النار بوحشية ، ورموا بجثثهم إلى أحد الآبار المحلية ) ص 77
وهذه الشهادة المهمة ، الذي نطق بها شاهد عليهم من أنفسهم ، وما نراه اليوم من وحشية ليس لها مثيل في واقعنا المعاصر ، ليس لها مثيل في مدتها الزمنية التي امتدت عشرات السنين ، وكثرة ضحاياها ، هذا وذاك ، دليل على أن هذا الكيان الدخيل لم يتغير ، ولن يتغير .
كما أنها دليل على أن أمريكا إنما تدعم كيانا قائما على فكر جماعات دينية يهودية متطرفة ، تفضل حكومتهم عدم إزعاجهم ، حتى لو أدى ذلك إلى ترك الدولة بلا حدود دائمة ، وبلا دستور ، وتقترف كل أنواع الانتهاكات في القانون الدولي ، احتراما لخرافات الحاخامات المتطرفة ، ومع ذلك كله ، فلا يؤثر ذلك البتة في استمرار الدعم الأمريكي و الغربي لهذا الكيان ؟؟
غير أننا لا ينبغي أن نعجب من السياسة الأمريكية القائمة على الظلم والاستبداد العالميين ، وإنما العجب كل العجب من أنها لازلت تصر على التبجح بالحرية ، والديمقراطية ، وبحقوق الإنسان ، والعدل والسلام العالميين ، وهي تعلم أن شعوب العالم قد علمت حقيقتها ، وأن مثلها في ذلك مثل مومس لا يخفى على أحد أمرها ، تحاضر علنا في الناس بكل ثقة مصطنعة عن الشرف والعفّة !!