المحافظون الجـــدُد .. والقاديانيون الجــــــدُد

 

المحافظون الجـــدُد .. والقاديانيون الجــــــدُد

حامد بن عبدالله العلي

من الفوائد المستنبطة من حديث ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

أن عـزّ الإسلام لا يكون إلا بالجهاد ، لأن المنافق هو الذي لا يريد عـزّ الإسلام ، فمن أجل ذلك هو لا يريد الغزو لإعلاء كلمة الله تعالى ، ولهذا من مات ولم يغز قـط ، ولم ترغـــــب في الغزو نفسـه ، فإنه يموت وفي قلبه شعبة من النفاق ، ولن يلقى الله تعالى بريئا من النفاق ، ولهذا صار المجاهدون أبرأ الناس قلوبا من النفاق ، فليس في قلوبهم شيء من نفاق الشبهات ، ولانفاق الشهوات ، فبصيرتهم أحسن البصائر ، وقلوبهم أبر القلوب .

ولهذا عقّب الله تعالى الشهداء على النبيّين و الصدّيقين ، وذلك في قوله ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .. وسمّوا شهداء لأنهم شهدوا حقيقة الإيمان بقلوبهم كأنهم يشهدونها بأبصارهم ففيهم شبه بالأنبياء والصدّيقين ، ولهذا يقرب الله الشهيد ليشهد تكليم الله تعالى له ، فيسأله سل وتمنّ ، فيسأل أن يعود إلى الدنيا ليقتل تارة أخرى في سبيل الله ، وأخرى وأخرى ، لما يرى من فضل الشهادة .

وفي مقابل من لم يرغب في الجهاد وأنه يموت على شعبة من النفاق ، يبّلــغ الله تعالى من سأل الله الشهادة بصدق منازل الشهداء .

ومعلوم أن الأمة لم تبلغ عزا في تاريخا قط إلا بالجهاد ، لم تُنصر إلاّ به ، ولم تمكّن إلاّ على إثـره ، فيستحيل أن يحدث لها تمكين بغيره .

ولهذا لم يزل الجهاد يفضي بالأمّة إلى الخير ، لم يفض بها قط إلى شــرّ في تاريخها كلّه ، كيف وهو ذروة سنام الإسلام ، وعــزّ أهله ، وغيظ أعداءه ،

هذا .. والناظر في أمر الجهاد الإسلامي يرى بوضوح أنه لا يزال يكبــر ، ويعلو أمره ، ويجتمع بأسه ، ويرهب الأعداء أكثر مما أرهبــهم فيما مضى ، فسيف الجهاد اليوم أمضى ، وهو أقوى أثرا ، واشد انتشارا ، وأعظم تأثيرا ، وأكثـــر نكاية في أشد أعداء الإٍسلام عداوة له اليهود والنصارى .

ثم هو آخـــذ في الظهور أكثــر فأكثــر ، وأهلــه عليه أشدّ وأصبــر ، وقد صاروا به أعلم ، وعليـــه أقــــدر .

ومن خبــر سنة الله تعالى في هذه الأمّة ، وما اختاره لها ، يرى بعين البصيرة أن كل هذا الانتشار لروح الجهاد ، واشتعاله في أمة الجهاد ، وأن الله تعالى يفتح له في كل عام مصرا ، ويرفع له قدرا ، ويلهم أهله صبرا ، أنه لن ينتهي إلا بالتمكين ، وأنه قد شب عن الطوق ، وخرج عن قدرة الأعداء على إجهاضه ، وأن يصدوا عنه المسلمين .

وقد ذكرت فيما مضى أن لب الجهاد الإسلامي العالمي ، وقطب رحاه ، ومدار فلكه ، على الجهاد في فلسطين ، كما أن الحملة الصليبية الصهيونية على الجهاد العالمي ، تدور على حماية دويلة اليهود المصطنعة هناك ، لتمكينهم من بلوغ أحلامهم الشيطانية في هدم المسجد الأقصى ، لا يمنع ذلك من وجود أهداف أخرى .

ثم إنك إذا نظرت في أمر الجهاد في فلسطين رأيت عجب العجاب ، فقد ألهم الله تعالى المجاهدين هناك من العزيمة الصادقة ، والهمة العالية ، والتضحيات الهائلة ، والاستهانة بقوة العدو الصهيوني التي أفزعت جيوش العرب ، ألهمهم من ذلك مالم يكن يدور في خيال ، أو يخطر على بال .

يقول كاتب يهودي في صحيفة : ( تقف الحكومة والجمهور في مواجهة الواقع القائل إنه لا يمكن الانتصار على "الإرهاب" فالحديث بمصطلحات الانتصار يعتبر خاطئا …
عندما يعلن وزير الدفاع بأنه أصدر أوامره «بتشجيع بناء الجدار»، تتصدع طوبة أخرى في جدار مصداقيته، فكل جاهل يعرف انه لم يتم خلال الأشهر الأخيرة تمويل أي جزء من مسار الجدار، ولم يتم توقيع أي اتفاقية عمل جديدة ، وتماما كما حدث بالنسبة للتصريحات السابقة التي أدلى بها شارون حول عثوره على حل للإرهاب (وتصريحات وزير المالية حول نقل البضائع عبر مينائي الأردن ومصر)، فإنه يتم التعامل مع تصريحات كهذه على أنها تصريحات فارغة تصدر عمن يفتقد في جيبه أية حلول واقعية.

وبناء عليه لا يتم تقبل كل ما تتضمنه بيانات السلطات حرفيا، وإنما يتم طرح تفسيرات بعيدة المدى لكل نبأ على حدة، والتعامل بتشكك مع كل محاولة للطمأنة.

بعد ثلاث سنوات وألف قتيل، تحولت "مقدرتنا على الصمود" التي فاخر بها قادتنا منذ بداية الانتفاضة، إلى لا مبالاة ساخرة لدى الجهات التي لم تعد تصدق أي شيء ولا تتوقع أي شيء. لا أحد يعتقد، حقا، أن قصف معسكر التدريب في سوريا ينطوي على تغيير لشروط اللعبة، ولا أحد يصدق بأن هناك في جعبة أحد أشياء لم نرها بعد.

لقد تحول أرييل شارون إلى أقوى رئيس حكومة، من ناحية سياسية، منذ بن غوريون، بفضل "الوضع"، بفضل ذلك الإيمان بأنه ليس هو من يتحمل المسؤولية عما يحدث لنا، وإنما هناك شخص آخر، خاصة ياسر عرفات، هو المسؤول .

لكن الوضع ينتفض كالآن على شارون وحكومته، إن الأمل بحدوث تغيير، أو بحصولنا على حراسة أفضل عندما نخرج إلى السوق التجاري أو لتناول الطعام في مطعم، يعتبر ضئيلا إلى حد لم يعد فيه أي مفعول حتى للطبول الفارغة التي تقرع لــ «تجنيد الاحتياط»، أو الأمر بـ «القيام بمهمة عاجلة».أ.هـ. نقلا عن الوطن الكويتية 12/10

وليتأمل العاقل الذي يشككك في ثمرات الجهاد العظيمــة ، كيف كبدت العلميات الاستشهادية المباركة وغيرها من عمليات الجهاد الإسلامي في فلسطين ، كبدت الصهاينة ألف قتل بعد ثلاث سنوات ، ولم تقدر كل هذه الجيوش المرصودة لقتل شعوبها ، أن تقتل صهيونيا واحدا .

كما أوصلت الانتفاضة المباركة بعد أن حملت سلاح العمليات الاستشهادية الكيان الصهيوني إلى أسوء أحواله منذ تأسيسه ، حتى لقد صرح "موفاز " أن دولتهم لم تواجه حربا في تاريخها كالحرب على الانتفاضة .

وفي مقابل هذا الصف المبارك من أهل الجهاد ومن معهم من المؤمنين ، الذين قذف الله فيه قلوبهم الصبر واليقين ، في مقابله : يأتي صف النفاق الخالص ، ومعهم من في قلوبهم شعبة منه فترى في أقوالهم وأعمالهم ومواقفهم مظاهر النفاق والخوف والشك والهلع.

وتأمّلوا معي :

كيف حدث أن يقول الأمريكيون : ألا يا معشر العرب .. إننا آتون لاحتلال العراق ، ثم يلي ذلك نحدث تغييرا جذريّا في بلادكم ، فافسحوا لنا الطريق أولا ، ثم كونوا معنا ضد بعضكم بعضــا ثانيا ، حتى تجتاح جيوشنا دار خلافتكم الإسلامية ، وننصب عليها حاكما منا ، وعليكم السمع والطاعة ، ثم اصدروا أوامركم بقبول ما يصدره حاكمنا بالتوقير والإجلال أكثر من توقيركم لما أمركم به القرآن من جهاد من يحتل بلادكم !

ثم ترى في صف النفاق مواقف المنافقين ، كما كانت في زمن النبوة لاتعدوها .

ثم كيف حدث أن تنصب أمريكا حكومة عميلة في العراق ، ويأمر الأمريكيون الدول المجاورة للعراق أن يعترفوا بها ، وأن يمُدّوا لها العون لكي تمضي في إنجاح المشروع الصهيوأمريكي في العراق ، ثم في العالم العربي والإسلامي ، ويفتي شيوخ الأباتشي بوجوب السمع والطاعة لولي الأمر الأمريكي الجديد ، ولا يحق لأحد أن يعترض عليه !

ثم كيف حدث أن ينادي جميع الزعماء بزندقة القبول بخارطة الطريق الهادمة لاصول العقيدة الإسلامية بجعل اليهود أشد أعداء الأمة ، جيران وأصدقاء ، إضافة إلى التنازل عن أرضنا لهم ، إضافــة إلى السماح لهم بتدنيس المسجد الأقصى إن لم يصل الأمر إلى تسليمه لهم، ومع ذلك ترى الذين في قلوبهم مرض النفاق لايزالون في ريب من أمر هؤلاء الزعماء الخونة.

ثم كيف حدث أن ينقلب فجأة شاتمي الشيطان الأكبر إلى موظفين للصليب وإلى أدوات في مخططة الخبيث جهارا نهارا ، ولا يزال بعض المغفلين ينادون بالتقارب معهم .

ثــــم كيف حدث أن تكذب أمريكا كلّ هذا الكذب ، تلو الكذب ، تلو الكذب ، عن إرهاب الإسلام ، وهي تخوض إلى ترقوتها بل إلى أن تغرق في بحور من دماء الأبرياء ، في كل أنحاء العالــــــم ، ومع ذلك تتحدث عن الحريّة وحقوق الإنســـــان كحديث مومس عن الشرف ! ولازال ثمة من يصدقها من المنافقين ؟!

ثــــم كيف حدث أن يتجرّأ الكاذب على الله تعالى المفتري على دينه ، فيفتي بأن مجلس الحكم العراقي الذي يقوده لص ، يعمل عند لص ، يعمل عند كبير لصوص العالم ، وكل ذلك تحت صليب الصلبان ، يفتي أن مجلس الحكم العراقي مع ذلك ليس مواليا لأعـداء الإسلام ، وأنه لايحرم التعامل معه ، وأن الذي يتعامل معه ليـــس مثله مرتكسا في النفاق !!

وكيف حدث أن تتوجه التهم إلى أهل الجهاد ، مع أنهم يبذلون مهجهم وأموالهم ودنياهم في سبيل عز الإسلام ، بينما كان المفترض أن يكون أهل التهمة هم المخذلون عن الجهاد .

ثم كيف حدث أن يُرمى المجاهدون في سبيل الله تعالى بأنهم مفسدون في الأرض ، بينما يُسمى الطواغيت المعطلون أحكام الله ، الصادون عن سبيل الله ، الموالون لاعداء الله ، الذين يشيعون الفاحشة في بلاد المسلمين ، يُسمّون "ولاة أمر المسلميــــن" ، فيُوَليهم هؤلاء المفترون ، أعظم أمــر ـ الإسلام ـ لخيـــــــر أمة ـ المسلمين ـ ويُمنَحون هذا الاسم الذي هو من أشرف أسماء المدح في شريعة رب العالمين ، والحال أنهــــم استحقوا أشنــع أسماء الذم ، لمّا تولّوا الطاغوت الأكبر ، يقومون بأمره بالطاعة خانعين ، ويُعظّمون شريعته خاشعين ، ويحرسون أطماعه ويحمون حماه مهطعين.

وكيف حدث أن تخاف الجيوش المدججة بالسلاح في الدول العربية من أن تمس الصهاينة بسوء ، بل تحمي حدودها ، ولا يجرأ على الصهاينة إلا شباب فلسطين وشاباتها العزل الذين لا يجدون إلا أجسادهم ليحولوها إلى شظايا جعلت الصهاينة في جحيم لا يطاق.

وأخيرا … كيف حدث أن تظهر القاديانية من جديد في جزيرة العرب في صورة الدعوة إلى ترك الكفار يحتلون البلاد الإسلامية ، وينصبون فيها ماشاؤوا من القواعد العسكرية ، ويعيثون فيها فسادا ، ويتدخلون حتى في تغيير المناهج ، وإلباس المرأة المسلمة لباس الرذيلة ، ونشر الفواحش والعهر ، والتصريح بدعم الصهاينة ضد المسلمين ، وتحريض الزنادقة على الكفر ، وتشجيعهم على الإلحاد والطعن في ديننا بكل سبيل .

يدعو هؤلاء القاديانيون الجدد إلى ترك الكفار يعيثون في بلاد الإسلام فسادا وإفسادا ، تحت حجة أن جهادهم سذاجة ، ومقاومتهم حماقة ، وأنهم معاهدون يجب احترام ما يفعلون ، تماما كما قال القادياني : ( لقد قضيت عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها ، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب الطاعة لولي الأمر " يعني البريطانيين " من الكتب والإعلانات والنشرات ، مالو جمع بعضها على بعض لملأ خمسين خزانة !! وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا ، وكان هدفي دائما أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة وتمحى في قلوبهم عاطفة الجهاد التي تفسد قلوب الحمقى ) .

لقد جاء المحافظون الجدد من البروتستانت المتصهينين القابعين في البيت الأسود ، في حملتهم لاحتلال بلاد الإسلام ، بالقاديانيين الجدد المخذّلين عن الجهاد ، كما جاءت بريطانيا بالقاديانية في احتلالها السالف ، بعضهم من بعض ، هم وأولياؤهم من المنافقين.

ولكن لاعجب .. فهذه سنة ماضية ، أعني انقسام الناس إلى قسمين : قسم الإيمان ، وقسم النفاق ، كلما دهم العدو بلاد الإسلام ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ، نسأل الله تعالى أن يختارنا في جنوده ، ويستعملنا في جهاد أعداءه ، ويبرء قلوبنا من النفاق إلى أن نلقاه آمين.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006