عودة الحرب الباردة

 

عودة الحرب الباردة
،
حامد بن عبدالله العلي
،
ما كانت روسيا لتخطىء الإستفادة مــن ارتفاع أسعار النفط لأسباب كثيرة من أهمِّها حماقات حروب الغطرسة الأمريكية ،
 
 ومـن اكتشاف احتياطات من النفط والغاز تقدر قيمتها بـ 12 تريليون دولار في جوف بحر قزوين .
 
لتعـود إلى استقلالها الاقتصادي بعد أن صار الفائض في الموازنة الروسية يقرب من نصف تريليون دولار  ،  حتى حققت روسيا معدلات قياسية في تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية عام 2006م بلغت ستة مليارات ونصف مليار دولار أمريكي ،
فلاعجـب  عادت موسكو تحلـم بنفوذ سياسي عالمـي ينافس الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى بلغ الأمر أن يهدد بوتين أمريكا ، ويلوّح لها بعودة الحرب الباردة$$$
 
إنّ الرسائل الروسية المتعاقبة ، من إعلان تحديث ترسانة الصواريخ الباليستية ، بميزانية تبلغ 189 مليار دولار حتى عام 2015م  ، وتحليق القاذفات الروسية الإستراتيجية ، واتهامات بوتين لأمريكا بمحاولة فرض سيطرتها على العالم عبـر سياسات خطرة ،  وتصريح قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود ، إلى إمكانية استعادة حضور بحري دائم في البحر الأبيض المتوسط، عن طريق استخدام مرفأ سوري سبق وإن استخدمه السوفيات، وهذا المشهـد المتنامي لعودة آسيا الصين وروسيا لمنافسة النفوذ الأمريكي العالمي، وأخيـرا سخرية بوتين من (الكوندا) عندما اقترح بناء الدرع الصاروخي الأمريكي على سطح القمر ، إلى هذا الإعلان الأخير من طهران ضد عقوبة إيران ، وأنَّ من حقِّها امتلاك التكنلوجيا النووية.
 
وذلك كلّه في إطـار خطوات كثيرة لروسيا في عهد بوتين أوسع مدى ، فثمَّة تجديد واسع لعلاقات سياسية مع إيران ، وفنزويلا ، وسوريا، والجزائر، وكوبا ،  وكوريا الشمالية، ثم هذه المنظمة ( منظمة شنغهاي )  التي أقامتها روسيا بالتعاون مع الصين ، وضمّـت عددا من جمهوريات سوفياتية سابقة ، أوزبكستان ، وقرغيزستان وكازاخستان ، وطاجكستان، وإيران ، وقـد بدأت هذه المنظمة تطارد النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى ،،
 
إنّ كلّ ذلك يبيح لنا أن نقول بكلّ اطمئنان أنْ صـدق تيموثي غارتون آش ، في «الغارديان» البريطانيّة في 28 /1/2007م عندما قال : (  التحوّل الأفقي باتجاه التعدديّة القطبيّة هو التحوّل الأكثر وضوحاً).
 
كما لنا أن نصدق غورباتشيف ـ آخر رئيس للإتحاد السوفيتي ـ  في مقال نشره في صحيفة «الغارديان» في 20/1/2007: «هناك خطر حقيقي يهدّد بانقسام جديد للعالم. هناك نقاش واسع عن حرب باردة جديدة. فغطرسة القوّة العسكريّة أدّت إلى أزمة خطيرة وقائمة وإلى انحدار دور ونفوذ الولايات المتحدة».
 
 
ولاريب أنّ فشل الآلة العسكرية الأمريكية في العراق ، وأفغانستان ، من الأسباب الرئيسة التي عجلت بأفول نجم الهيمنة الأمريكية بالقطب الواحد ، يقول الكاتب جو غالاوي في مجلة لوس انجلس تايمز : «حتّى لو انتهت الحربين في العراق وأفغانستان غداً، فإنّ الضرر الذي لحق بجيشنا وفيالق البحريّة يتعدّى إمكان حصره. ومن تجربتنا المريرة بعد فيتنام، من المعتقد أنّ إصلاح الضرر سوف يستغرق عقداً أو أكثر وسيكلف تريليونات الدولارات».
 
غيـر أنـّه كما يحقّ لنا التبشيـر بأفول نجم العصر الأميركي الذي أهدى إلى العالم في عقد ونصف فقط ـ فكيف لو استمر قرنا كما كانوا يحلمون ! ـ أهدى حروب الإبادة العرقية فـي (رواندا)، و (البوسنة والهرسك)، والأزمات الدولية الكبرى ،  وعودة عهـد الاستعمار المباشر كما في أفغانستان والعراق ،  و تعميق الهوة بين الشمال الغني ،والجنوب الفقير ، وتفاقم المصائب البيئية على رأسها الإحتباس الحراري وكوارثه ..إلخ
 
لكننا أيضا يجب أن نتخـوّف من أن نرى موقعنا في هذا التحوّل التاريخي ـ بعد أن كنّا أيتها الأمّـة السبب الرئيس فيه ـ  ونحن أبخس الناس حظَّا، وأوكسهم صفقة ،
 
   فبينما لم يخطىء النظام الإيراني قراءة هذا التغيـّر المحوري في المشهد العالمي ، فاستفاد منه ، وعلى سبيل المثال :  كانت أعظم فرصة للنظام الإيراني في المؤتمر الأخيـر ، أن يحصل على دعم روسيا لبرنامج إيران النووي، مقابل التنازل عن الباقي بعد الخمس مـن ثورة بحـر قزوين لبقية الدول المطلة على ذلك الكنز القزويني ، الذي طالما خططت أمريكا للسيطرة عليه ، واحتلت أفغانستان والعراق بمساعدة النظام الإيراني من أجل ذلك ، وهاهـي أمريكا ترى الكنز يتفلَّت من يدها إلى حجْـر الدب الروسي ، والذئب الفارسي.
 
وقـد زيد الذئب الفارسي مكافأة أخرى ، فوقعت الدول المطلة على بحر قزوين اتفاقية ترفض استعمال أراضيها للهجوم على أي دولة موقعة على هذه الإتفاقية ، وصرح إثرها بوتين أن الاحتلال الأمريكي للعراق يسير إلى طريق مسدود وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تنسحـب.
 
بينما لم يخطىء الذئب الفارسي في قراءة المشهد واستثماره وتوظيفه لصالح قوميته ، تحوَّلت أنظمتنا إلى حميـر مركوبة لا تدري إلى أين يُسـار بها ، فهي ، وأرضها ، وشعوبها ، قـد غـدت وقـودا لحروب الهيمنة الأمريكية ! ومحرقـة الصراعات الدولية ، ومرتعا للغزو الثقافي ،والأخلاقي ، والنهـب الإقتصادي.
 
 أما المثقفون والنخب فانقسمـوا  إلى أقسام :
 
قسم موظفون في السفارات الأمريكية ، يسوّقون للسياسة الأمريكية ، أما (النسخة الإسلامية) فهـم مشغولون بحرب (الخوارج) و(الإرهابيين) إلى جانـب جهود ألـCIA  !  والتبشير ( بالوسطية الأمريكية ) ومحاربة ( التطرف )  بحثـا عن إسلام جديد يرضي سدنة البيت الأبيض ، وكنيست الصهاينة ، ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) .
 
وقسـم من النخـب تنتهي بصيرته إلى حـدّ معرفة طغيان المشروع الأمريكي ، فهو يقوم بجهـد ملحوظ ومهم في مقاومـته ،  لكنّه حيـران لايدري أين الخلاص ، فبعضهم أغرته الأبواق الإيرانية فسار في ركبها ، فهو يبشر (بمهديها المنتظر ) !
 وبعـضٌ آخـر حـنّ إلى الشيوعية البائدة ، فهـو ينتظـر( مهدي ) روسيا الجديدة !
وبعضهم مشغول بمشاريع وطنية محدودة ، قد استهلكته ، وأهلكته ،
وبعضهم رفع شعـار : ليرحل المحتـل، ثم نبحـث عن الحـلّ .
 
وقسم : أولـو بقية ، يعلمون أن لاخلاص للأمّة إلاّ بدينها ، فهـم يبلغون ما أمرهم الله أن يبلغوه ، ويسعون فيما يقدرون عليه لتبصير الأمّـة ، وبعث الروح فيها ، وهؤلاء هم الطائفة المحمودة المذكورة في الآثار ، وبهم سيحقق الله وعده ، بحفظ ما تكفل بحفظه للأمّـة من العقبى الصالحة ،
 
ولاشك أنّ هذا التحول العالمي سيأتي بفرج للمشروع الإسلامي بوجه عام ، تأتي بـه عادة سنة التدافع ، ولكن لمن يحسـن استثماره ، بفقه متـزن يجمع بين المعرفة بمجريات الأحداث العالمية  ، وفهم الشريعة ،
 
وجهاد مسترشـد ، ذي خطوات مدروسة ، ومراحل متزنـة ، وتحـرّك واعٍ يجمع الأمّـة ، ولايضـربها ببعضها ، ويجعل مصلحتها مقدّمـة على كلّ ما شــيء .
 
وقد قال تعالى : ( كتبَ الله لأغلبنّ أنا ورُسُلي إنَّ الله قويُّ عزيز ) .
 
والله حسبنا ونعم الوكيل.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 19/10/2007