عصر التلاعب بالألفاظ

 

عصر التلاعب بالألفاظ

حامد بن عبدالله العلي

((وكذلكَ جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) .

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبــــــــه أجمعين ، وبعد

لو جعل إلي اختيار أصدق عنوان لعصرنا هذا ، لاخترت له هذا العنوان ( عصر التلاعب بالألفاظ ) ، فهذه هي أوضح سماته ، وهذه بعض الأمثلة :
1ـ لفظ الإرهاب ، فليس له معنى محدد ، وقد ترك فضفاضا ليسهل على القوى العالمية الكبرى التلاعب به وفق مصالحها ، وفي الحقيقة هم يريدون به : كل من يعترض مصالحهم في العالم ، هذا هو الإرهاب عندهم ، وأما ما يفعله الكيان الصهيوني فيطلقون عليه دفاعا عن النفس ، فإن لم يجدوا لجرائم اليهود مساغا البتـــــــــة سموه : ( الإفراط في استعمال القوة ) وهذا الإطلاق يشعر بأن خطيئة اليهود ليست في استعمال القوة ضد العزل الأبرياء ولكن في الإفراط فيها فقط ، فكأنه تأييد مبطن للإرهاب الصهيوني ، مع أن التأييد العلني اللامحدود من قبل الغرب لجرائم الإرهاب الصهيوني واضح للعيان ، لا يحتاج إلى إشارة بالبنان .

2ـ حملة المجتمع الدولي على الإرهاب العالمي ، وهذه أيضا ألفاظ جوفاء تحمل في طياتها خداعا زائفا ، فالمجتمع الدولي لم يحرك ساكنا لما يحدث في العالم من إرهاب في أوربا وأمريكا حيث عشرات المنظمات الإرهابية ترتع من عقود طويلة ، وكذلك إرهاب اليهود في فلسطين ، وما يفعل بالمسلمين في أنحاء المعمورة من انتهاك لحقوقهم وسفك لدماءهم ، لم يرفع ما يسمى بالمجتمع الدولي بذلك رأسا ، ولم يسال عن تنفيذ قراراته التي عفى عليه الدهر ضد الصهاينة ، حتى أيقظته الولايات المتحدة الأمريكية عندما شاءت أن توقظه ، ولو كان الذي أصاب أمريكا قد أصاب غيرها لبقي في سباته ، وفي هذا أوضح دليل على أن الأمم المتحدة ألعوبة بيد الولايات المتحدةالامريكية ، ثم هي توهم الناس أن المجتمع الدولي يقف وراءها ، وهي تعلم علم اليقين أن معدل كراهية الشعوب لها بسبب ما تمارسه من ظلم وطغيان في العالم ، في ازدياد مضطرد .

3ـ العولمة ، وهي خداع لفظي يستر تحته استعمارا عصريا يستنزف خيرات دول الجنوب الفقير ، ويضمن تدفق رؤوس الأموال الغربية في الشمال الثري إلى أسواق العالم ، وتدفق ثروات العالم إلى الدول الغربية ، وأصدق كلمة قيلت عن العولمة ، أنها أكبر سرقة منظمة في التاريخ كله .

4ـ الليبرالية ، وهي تعني في الأصل تحرير العمال من اضطهاد أصحاب رؤوس الأموال ، ومكافحة الاستبداد السياسي ، ويوظفها بعض المثقفين العرب في الدعوة إلى تحلل الإنسان من الدين والقيم والأخلاق ، وتهجين العبودية للخالق وامتثال طاعته لأنها ظلامية ورجعية في زعمهم ، كما يوظفونها في دعوة الناس إلى العبودية للشيطان ، وإلى الطاعة العمياء لمناهج فلاسفة الغرب المنحرفين .
5ـ وحدة الأديان ، وهو لفظ ظاهره الدعوة إلى التسامح ، وباطنه محاربة الإسلام ، وتحريض المسلمين على ترك دينهم ، وتكذيب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن كل من يشكك في صدق دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لدخول الناس كافة في دينه ، وأن من لا يدخل في دينه لا يقبل الله منه دينا ، كل من يشكك في ذلك فهو كافر ، فكيف يتوحد الإيمان بالكفر ، إلا إذا توحد الخير المحض بالشر المحض .

وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم لمشركي العرب وأهل الكتاب خاصة وللناس عامة كما قال سبحانه ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة ) أي لم يكن الله تعالى ليذر أهل الكتاب والمشركين منفكين عن إرسال رسول كمــــــــــا قال ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) بل أرسل الله لهم رسولا هو محمد صلى الله عليه وسلم فمن آمن به فهو مؤمن ، ومن لم يؤمن به ويتبعه فهو كافر .

6ـ تحرير المرأة ، وهو لفظ ظاهره الدعوة إلى تخليص المرأة من الظلم والرق ، غير أن حقيقته إفساد المرأة ، وتحويلها إلى قيمة تجارية ، وواجهات إعلان ، وسلعة يتم تشغيلها في تحصيل الأموال ، ولهذا يسمون الدعارة في الغرب ( sex workers ) أي العاملات في مجال الجنس ، فتحريرها يعني تمكين الرجال من تفريغ شهواتهم بها ، هذا هو المقصود عندهم بتحرير المرأة .
 
7ـ الخوارج ، وهو لفظ يتم التلاعب به في بعض الأوساط الإسلامية ، فيطلقون اسم الخوارج على كل من يعترض على النظام السياسي القائم ، حتى لو عارض بحق ، فكل من يعترض على السلطة خارجي عندهم ، وبهذا يكون العلامة السلفي ابن القيم أكبر خارجي عندهم لانه أورد أثر اعتراض سلمان الفارسي على عمــــــــر رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر لما رآه يلبس ثوبين ، أورده ابن القيم مستشهدا به على الإقرار بمبدأ الاعتراض بالحق على السلطة ، إعلام الموقعين ( 2/180) .

وقد آل الأمر بهؤلاء المتلاعبين أن أطلقوا لفظ الخوارج على المعارضين للنظام الدولي أيضا بزعامة أمريكا ، وبذلك تندرج كوريا الشمالية ، وحتى باكستان عندما عوقبت بسبب تجاربها النووية ، وقائمة طويلة من الدول التي وضعتها أمريكا على لائحة الدول التي تسميها مارقة أو حامية للإرهاب ، تندرج كلها تحت اسم الخوارج ، ومعلوم أن الخوارج هم فرقة خرجت عــــــــــــن الدين ، كما جـــــــاء في الحديث ( يمرقون من الدين ) وأهم سماتهم أنهم يقتلون أهل الإسلام ويذرون أهل الأوثان كما ورد في الأحاديث الصحيحة ، ولهذا عظم ضررهم على الإسلام ، لان سيوفهم على المسلمين ، وأما الكفا ر فهم آمنون منهم ، وليسوا هم المارقين عن سياسة أمريكا الخارجية ، الطريف أن أمريكا تسمي الدول التي تعارض مصالحها في العالم الدول المارقة ، فتأمل كيف اتفقوا ، وما يدرينا لعلهم حقا اتفقوا !!!

8ـ الدول الدينية والدولة المدنية
وهذا التلاعب خدعة لفظية ماكرة وخبيثة يستعملها العلمانيون اللادينيون ، حيث يقابلون لفظ المدنية بالدين ، فيوحي ذلك للسامع بأن الدين سلوك وحشي لايمت إلى المدنية بصلة ، بل هو مخلفات عهد ما قبل المدنية ، بينما التقابل الصحيح هو بين الدولة المدنية والدولة البوليسية ، لان الدولة البوليسية لاتحكم شعبها بمؤسسات مدنية تقوم على الشعب نفسه ، بل بنظام أمني يجعل الشعب في موقع التهمة الدائمة ، ويشكل خطرا مستمرا على النظام ، فيستعمل النظام معه وسائل التجسس والقمع والبطش ، ويهدر حقوق المواطنين .

والدولة الدينية ـ القائمة على دين الإسلام ـ دولة مدنية بطبيعته الذاتية ، لأنها قائمة على حفظ حقوق العامة والخاصة ، وتوفير ما يحتاجه المواطن من حقوقه ، على أساس حفظ الأصول الخمسة الدين والعقل والنسل والنفس والمال ، ويحرم الإسلام التجسس والأخذ بالشبهة وترويع الأبرياء ، ويفتح باب تقويم السلطة وبذل النصح لرأس الدولة ، ويجعل ذلك حقا أصليا غير مكتسب ، يجب بذله لكل الشعب ، وقد كتبت في هذا بحثا مطولا بعنوان ( الحسبة على الحاكم ووسائلها في الشريعة الاسلا مية ) وهو منشور على موقعي الخاص في الإنترنت ، فالدولة الدينية القائمة على أصول شريعة الإسلام أبعد ما تكون عن الدولة البوليسية ، وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما فذكر المتبرجات ، ثم قال : ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ) قال النووي هم أصحاب الشرطة ، أي جهاز الشرطة الذي كان يستعمله الولاة الظلمة لظلم الناس ، وقد وردت أحاديث أخرى تدل على ذم وتحريم العمل في الشرطة ، وحملها العلماء على ما إذا استعمل الشرطي في ظلم الأبرياء ، ولهذا دأب الفقهاء ـ في باب الشهادات ـ على جعل شهادة الجندي غير مقبولة ، وذلك لما جرت به العادة في ذلك الوقت من فساد أخلاقهم لاستعمالهم غالبا في الظلم .

9ـ حقوق الإنسان :
وهو اصطلاح يراد به حق وباطل ، فمن الحق الذي يراد به منع الظلم عن الإنسان حتى لو كان كافرا ، ومن ذلك عقوبة الإنسان بلا بينة والتجسس عليه ومنعه من حرية البقاء على دينه ـ مالم تكن ردة ـ وحرية التعلم والرأي ـ في حدود الشريعة الإسلامية ـ والعمل والتنقل والمشاركة في السلطة .... إلخ وهي حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية قبل النظام الغربي بقرون .
غير أن الغرب يستعمله في الباطل ، فيحوله إلى عصا للضغط السياسي فيضرب به الدولة التي تعارض مصالحه ، أو نزعته في الهيمنة السياسية والثقافية ، ولهذا يدرج الغرب في انتهاك حقوق الإنسان ، العمل بأحكام الشريعة الإسلامية ، في إقامة الحدود الشرعية ، وفي موقفه من المرأة ودورها في المجتمع ، ومنع الكفار من إظهار شعائر دينهم في الدولة الإسلامية .

والغرب مع ذلك لا يعترف بحقوق غير حقوق مواطنيه ، فحقوق الإنسان يعنى بها في الحقيقة في النظرة الغربية ، حقوق الإنسان الغربي ، أما المسلمون ـ على سبيل المثال ـ فمهدوره حقوقهم ، لاقيمة لها ، كما هو واضح في سياسة الغرب تجاه حقوق المسلمين في العالم وفي الدول الغربية نفسها .

10ـ الانفتاح الثقافي وحوار الحضارات ، وهو شعار تروج له دوائر ومؤسسات ثقافية غربية ، بغرض فتح الطريق أمامها لغزو الثقافات الأخرى ، واحلال الثقافة الغربية محلها ، ومنها الثقافة الإسلامية ، وهدفهم التشكيك في الإسلام ، بالسماح بترويج المواد الإعلامية التي تحض على الإلحاد والإباحية تحت شعار الانفتاح الثقافي ، ولهذا يرحبون بكل طاعن في الإسلام من الناطقين بالعربية أو المنتسبين إلى البلاد الإسلامية مثل سلمان رشدي ، ونصر أبو زيد ، نجيب محفوظ .. إلخ ، ويصفونهم بالمنفتحين على الثقافات الأخرى .

ولسنا ننكر أن علماء الإسلام قرءوا ما عند غير المسلمين من الثقافات ، ولكنهم قرءوها كما يقرأ الأستاذ ما يكتبه التلميذ ، قراءة الناقد ، ليصحح ويقوم الخطأ ، فنحن المسلمون على ثقة بثقافتنا ، معتزون بها أعظم اعتزاز ، وعندما ننفتح على الغير ، فذلك بغرض دعوته إلى ما لدينا من النور والهدى ، غير شاكين بأحقية ثقافتنا ، ولا منخدعين بشعارات زائفة تستدرج المسلمين للتخلي عن دينهم وعقيدتهم .
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006