ماوراء تعاظـم الصين

 

ما وراء تعاظـم الصيــن
 
،
حامد بن عبدالله العلي
،
 
كتاب ألفه باحث أمريكي ، صدر مؤخرا ، حقّـق مبيعات قياسيّة منذ صدوره ، وعندما عُرض على شبكة الإنترنت ، انتشـر بشكل واسـع جدا ،  حتى قرأه كبار رجال الدولة في الصين ، كما قرأه رجال الأعمال ، والبنوك ، والصناعة  ، هذا الكتاب بعنـوان ، "The currency war" .
 
وقد لوحق مؤلفه بتهمة معاداة اليهود ( السامية ) ، وسبب ذلك أنه سلّط الضوء على مؤامرة لضرب الإقتصاد الصيني ، أشبه بتلك التي وجهت ضربة قوية في التسعينات لإقتصاديات دول جنوب شرق آسيا( النمور الثماني ) .
 
وتدور فكرة الكتاب إلى أن مؤامرة تقودها عائلات يهودية قابضة على قاطرة الإقتصاد الغربي ، لاسيما الأمريكي  ـ عائلة روتشيد ، وعائلة روكفيلر ، وعائلة مورغان ، و غيرها ،  تلك التي أطاحت بستة رؤساء امريكيين ، لأنهم تجاسروا على الوقوف فى وجه قوتهم الإقتصادية ،وحاولوا منعهـم من الهيمنة على الاقتصاد الامريكى ،  من خلال السيطرة على الجانب الأكبر من أسهم أخطـر مصرف امريكى ، هو البنك المركزى الامريكى ، المعروف باسم الاحتياط الفدرالي ـ هذه المؤامـرة ، ستسعى إلى خفض قيمة الدولار ، لكي تهــوي بما يسمى ( معجزة الإقتصاد الصيني ) $$$
 
ويقول مؤلف الكتاب ، إنّ انسحاب عائلة روتشيلد اليهودية منذ عام 2004 من نظام تثبيت سعر الذهب ، الذى يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقـرّا ، هـو خطـوة لقرب تنفيذ عملية ، تستهدف توجيه ضربة قوية للاقتصاد الصينى.

و دعا في كتابه  الصين إلى اجراءات وقائية بشراء الذهب بكميات كبيرة من احتياطيها من الدولار ، مشيرا إلى أنّ الذهب هو العامل الوحيد ، القادر على مواجهة أىّ انهيار فى أسعار العملات.
 
يقول مؤلف الكتاب ، إنّ الصين لم تقدر أن تحول دون تدفق المليارات بصورة تفوق المعقول جدا ،  لأنها تتسلل من بوابة "هونغ كونغ" ، و"شينزين" ، المتاخمـة لها ، مشيرا إلى أن وصول الاحتياطي الصينى من العملات الأجنبية إلى أرقام  قياسية ـ  تزيد عن ألف ملياردولار وهو أكبـر احتياطي من العملات الأجنبية تمتلكه دولة فى العالم ـ  فيما تواصل الاستثمارات ،  و الأموال السائلة تدفقها من جميع انحاء العالم ، على الأسواق الصينية ، و تشهد التعاملات فى البورصة الصينية قفزات كبيرة هائلة ، وتسجـل أسعار العقارات ارتفاعات قياسية.
 
هذا كلّه يعني أنه عندما تصل أسعار الأسهم ، والعقارات إلى ارتفاعات مفرطة، تتخطى السقف المعقول ، بسبب توفر السيولات المالية بكميات ضخمة ، فإن ذلك بمثابة صفارة الإنطلاق لتدمير إقتصاد الصين ، وذلك بسحب الإستثمارات من البورصـة ، وسوق العقارات ، ليتسبب ذلك في خسائر فادحة للإقتصاد الصيني .
 
وبغض النظر عن حقيقة ما في هذا الكتاب العجيب ، من معلومات مثيـرة عن علاقة اليهود بالإقتصاد الأمريكي مع سرد تاريخي لعلاقة ذلك بزعماء أمريكا عبر التاريخ ، وعـن حديثه الشيـّق عن المخطط الصهيوني لضرب الصين .
 
بغض النظر عن هذا كلّه ، فإنّ تنامي قوة الصين ، وتطلّعها إلى النفـوذ في المشهد العالمي ، منطلقة من حاجة عملاقها الإقتصادي إلى مصادر الطاقـة .
 
ثـمّ ما سيترتب على ذلك من عقود عملاقة مع دول استراتيجية في العالم ، ودول أخرى تقف موقف المعارض لهيمنة أمريكا على العالم ، وما ينبني على هذا من نفوذ صيـني سياسي أيضـا.
 
إنّ هـذا كلّه ، بات يشكل قلقـا بالغا لدى الغرب الإمبريالي الرأسمالي ، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ، حتّـى أصبـح هاجسـا ملحّـا ، يتناولُه كثير من المراقبين ، والدوائر ذات الشأن في أمريكا .
 
وإليكم بعض الحقائق المنشـورة في كلّ وسائل الإعلام ،  عن صيـن القرن الواحد والعشرين :
 
زادت نفقات الصين العسكرية هذه السنة بنسبة %16.7 ، لتصل إلى 58.76 مليار دولار.
 
وقد أثار ذلك قلقا متناميا في عدة عواصم غربية ، حتى قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية توم كيسي ، إنّ الإدارة البوشية ،  وعواصم أخرى ،  تريد أن تعرف نوايا الصين ، وأهدافها من زيادة الموازنة العسكرية.
 
وجاء في التقرير السنوي عام 2007م للبنتاغون ، حول "القدرة العسكرية للصين" ، حسـب وكالـة فرانس برس: إنّ الصينيين يتبعون استراتيجية عسكرية "توسع حقل المعركة الحديثة بإبعادها البرية والجوية والبحرية إلى الفضاء".
 
وأعرب البنتاغون في هذا التقرير ، عن قلقه من تطوير الصين صواريخ بالستية جديدة عابرة للقارات من طراز "دي إف-31 أيه" ، قادرة على إصابة أهداف في الولايات المتحدة ،  ومن طرق "تجاوز انظمة الدفاع المضادة للصواريخ" ، في وقت تطوّر فيـه واشنطن درعهـا المضادة للصواريخ.
 
وأشار التقرير إلى بناء الصينيين خمس غواصات جديدة من فئة "جين" ،  القادرة على حمل صواريخ بعيدة المدى من الجيل الجديد.
 
وذكر العسكريون الأميركيون ،  أنّ التجربة التي قامت بها الصين في كانون الثاني/يناير،  لاختبار سلاح مضاد للأقمار الصناعية ، تمكّـن من تدمير قمر صناعي صيني قديم ، لرصد الأحوال الجوية ،  "تظهر قدرة الصين على مهاجمة الأقمار الصناعية ذات المدار القريب من الأرض".
 
كما كشف تقرير صدر من البنتاغون مؤخرا ، أنَّ الصين طورت وسائل للتسلل ، والتحكم في شبكات الكومبيوتر ، ووصف ذلك بأنـه "تهديد جديد وخطر جدا"، وأنّ  " التسلل الى شبكات في البنتاغون ، وغيرها من الوكالات الأمريكية ، انطلقت من الصين ".
 
وأما مساعد وزير الدفاع الأمريكي ، لشؤون شرق آسيا دايفيد سيدني ، فقال : " إن الحرب الالكترونية ، هي جزء يثير قلقا متزايدا " ، وقال :  " إن عمليات التسلل متماشية مع ما ستحتاجه الصين إذا ما أرادت شن حرب الكترونية "
 
وعلى مستوى تكنولوجيا الفضاء ، فتاريخ 15 أكتوبر 2003 انطلق رائد الفضاء الصيني الأول "يانغ ليوي" كي يمضي 20 ساعةفي المدار حول الأرض ،  لتصبح الصين بذلك الدولة الثالثة ، التي تقوم بمثل هذا الانجازالعلمي، وذلك بعد 42 سنة من الروسي يوري غاغارين ،  و 41 سنة من الأميركي جون غلين ، وبعد هذا التاريخ  بعامين من الرحلة الفضائية الصينية الأولى ، قام رائدان آخران بتنفيذ عملية دوران حول الأرض استمرت خمسة أيام تقريباً.
 
وفي شهر نوفمبر من عام 2005 أطلقت الصين قمراً صناعياً لمراقبة الأرض ،  هو "زي ـ 2" الذي كان رقمه هو 82 في الأقمار التي أطلقتها.
 
لذلك كلّه ، قال الخبـيرالامريكي في الشؤون الدولية ، جاي جون ايكنبيري : " إن تعاظم الصين ،  من أهم أحداث القرن الواحد والعشرين "
 
لكن كلّ هذا الصعود الصيني الذين أطلق عليه المعجزة الصينيية ، إنما يرجع في الحقيقة إلى تنامي الإقتصاد الصيني بصورة سريعة ، ومذهلة .
 
ولأنَّ القوة الإقتصادية ، هي سـرّ صعود ، أو سقوط ، أيّ أمـّة ، لاسيما في هذا العصر ، ركـّـز مؤلف الكتاب الذي بدأنا بإلقاء الضوء عليه في أوّل هذا المقال ، على المؤامرة لضرب الإقتصاد الصيني بواسطة أسلحة الحرب في الحروب الإقتصادية : العملات ، والذهب ، والنفـط .
 
فعلى المستوى الإقتصادي ، شهدت الصين منذ إطلاقها عملية الإصلاحات في السبعينيات الميلادية ،  شهـدت تضاعف حجم اقتصادها بأربعة أضعاف ، وتحولها إلى أكبر مراكز الصناعة في العالم ، مما أتاح لها متراكمة  من كميات كبيرة من العملات الأجنبية ، وحصلت على تريليون دولار أمريكي في أواخر عام 2006 .
 
والاقتصاد الوطني الصيني ينمو بنسبة 11,9% سنوياً، ويُتوقع أن سيستمر خلال العشرين سنة القادمة ،كما يقول خبراء الدراسات الاقتصادية في جامعة بكين.

ثـم إنّ ازدياد هذا النـمو ، فرض نفسـه على سياسة الصين الخارجية، للتوجه نحو الخارج لتأمين متطلـبات النمو الإقتصـادي،  ولاستمرار الحزب الاشتراكي الصيني (CCP) في قيادة البلاد،
 
 لذلك اعتمدت الصيـن استراتيجية الانتشار العالمي  Go Global  Strategy  لتأمين مواردها من مصادرها مباشرة، عبر شراء الموارد اللازمة ، واستثمارها أينما وجـدت .
 
ولعـلّ من أبرز الأمثلة على هذا السياسة ، وفي معرض بحث الصيـن عـن مصادر الطاقـة ،  بحثـت الصين عن تعزيز وجودها في القارة الإفريقية، عبر توقيع كثير من الاتفاقيات مع البلدان الغنية بالنفط من الجزائر ، إلى أنغولا   ، ومروراً بنيجيريا والسودان ، حتى بلغ عدد العقود التي أبرمتها الصين مع القارة الإفريقية  ، ما يقارب أربعين عقداً منذ عام 2000 ، إلى 2006م .
 
 حتى أصبحت هي المستورد الثاني على الصعيد العالمي للنفط الإفريقي بعد أمريكا ، وقبل اليابان ،  وتشير وكالة الصين الجديدة في هذا السياق ، إلى أنّ حجم التجارة بين الصين ، والقارةالإفريقية ، قد تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 37 مليار دولار في عام 2005.. نقلا عن كتاب بوريس كامبريلان، هل ينبغي الخوف من الصين
 
وقد أثار انعقاد القمة الاستثنائية لمنتدى التعاون الصينى ـ الإفريقى ، قلقا وصل إلى حد الانزعاج فى الدوائر الأمريكية ،  حتى أقيمت الندوات ونشرت التحليلات التى تحذر من " استعمار صينى جديد" ، " يزحف على القارة السوداء " ، وقال البعض إن الصين " استولت" على إفريقيا ، ووضعتها فى جيبها!!
 
ولاريب أنّ الدافع وراء هذا الاستفزاز ، هـو الحسد الأمريكي من نجاح الصين الباهـر في أفريقيا ، ولهذا ردّ الرئيس الزامبى ليفى باتريك مواناواسا ، غاضبـا فقال : " كيف يمكن لنا أن نطلق كلمة استعمار على من يضيف قيمة إلى ما لدينا من مواد أو موارد طبيعية " وقال : : جهود الصين معنا لكى نستكشف موارد بلادنا، بصورة مشتركة، ليست مثالاً على النهب ، أو ما يسمونه الاستعمار الثاني  .. فالشراكة بين الصين وزامبيا تقوم على أساس الصداقة ومبدأ الاحترام المتبادل".
 
ولا عجب فيما قاله الرئيس الزامبي ، ذلك أنّ الصين قد رصدت مليارات الدولارات في صورة معونات غير مشروطة ، وقروض لعشرات الدول الإفريقية ، وقال رئيس الوزراء الصينى وان جيا باو: " إن المساعدة الصينية لإفريقيا ، مخلصة وتقوم على نكران الذات،  ولا تتضمن أية شروط، والمشروعات الصينية فى إفريقيا شفافة ، ومفتوحة للجميع" .
 
وقد وجدت أفريقيا في التنمية الإقتصادية الصينية مستقبلا زاهرا لها ، يخلصها من الإستغلال البشـع للمستعمر الغربي ، لاسيما المستعمر الأمريكي المتغطرس ، والمتسلّط ، والجشـع .
 
ولهذا أكد عدد من رؤساء الدول الإفريقية أنهم يرون في التعامل مع الصين ، منافع قوميـّة كبيرة، أدت إلى تقليل الفقر في بلادهم ، وأنّ الصين لاتتدخل في شؤونهـم ، وتحفظ سيادة الدول ، وتحترم استقلالها ، بعكس الولايات المتحدة الأمريكية .
 
ولهذا  صارت الصين تشتري سبعين فى المائة من الصادرات السودانية، وأصبحـت انجولا أكبر مصدر للبترول إلى الصين ، وقفزت تجارة الصين مع إفريقيا فتضاعفت في السنوات الأخيرة ،   فازداد الفزع الأمريكي ،  ولم يستطيع الأمريكيون أن يخفوا شعورهـم بالضّيـق ، واتهموا السياسة الصينية بأنها تخـرب المواقف الأمريكية المعادية لرئيس زيمبابوى روبرت موجابى ، ولرئيس السودان عمر البشير.
 
ولاريب أن النشاط السياسي الأمريكي المحموم مؤخـرا في القارة السوداء ، وبحثه عن مكان يقبل قواعد عسكرية ، تحت حجة مكافحة الإرهاب ـ تلك الشماعة التي علقت عليها أمريكا جميع مشاريعها الإستعمارية منذ 11/9 ـ إنما يحاول مسابقة الصين على إفريقيـا.
 
هذا ولا يستبعد أن يكون وراء ما يجري في الإقتصاد العالمي ، تخطيط ماكر للإطاحة بالعملاق الصيني الإقتصادي ، خشية أن تفرض الصين بواسطته ، تغييراً في بوصلة النظام العالمي الذي تريده أمريكا أن يكون تحت سلطانها المطـلق.
،
ولايخفى أن ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكي من تحرشات واضحة بالصين ـ دعهما لتمرد التبت مثالا ـ يأتي في هذا السـياق .
 
أما النظام العربي ، فلا عجب أن يقف موقف المتفرج على هذا التحول الكبير في المشهـد العالمي ، ويفـوِّت فرصة التخلص من عبودية الإستعمار الأمريكي الذي ورث المنطقة من الإستعمار البريطاني ، هذا الإستعمار الذي يقف بكلّ وحشية ، وبشاعة ، ضـد جميع مصالح الأمة ، يحتل بلادها ، ويقتل ابناءها ،وينهب ثرواتها ،  ويعاملها بازدراء بالـغ ، ويتدخل في جميع شؤونها ، ويحشـر أنفه في كلّ شيء ، في صـورة مهينة ، مذلة للعرب .
 
بينما التقارب مع الصين ، سيكون بالضد من ذلك كلَّه ، بدليل ما يحدث في إفريقيا ، بل سيكون الخاسر الأكبر من هذا التقارب ، هو الكيان الصهيوني فحسـب.
 
لاعجب أن يفوّت هذه الفرصة ، لإنّ مصلحة الأمـة ، لم تعـد تعنيهم في شيء ، إضافة إلى أنهم وصلوا إلى مستـوى من المهانة للأجنبي ، بحيث فقدوا حتى القدرة على الإحساس بأنهم عبيد !
 
والخلاصـة أنه في ضوء تدهـور الهيمنة الأمريكية ، وتوالي خسائرها ، وتحطم أحلام المحافظين الجدد بما يسمى القرن الأمريكي ، الذي ظنّوا أنه سينطلق من مشروع الشرق الأوسط الكبير ، تحطّم تلك الأحـلام بعد النكبـة التي أصيبوا بها ، على عتبة إحتلال العراق ،
 
فالمستقبـل يحمـل تغيـّرا حتميا على المشهـد العالمي ، سينتهـي معه عصر القطب الواحـد ، وستلعـب الصين وغيرها ، دورا كبيـرا في هذا التغييـر .
 
ومن المأمول أن تكون الأمة ـ وهي تعيش هذه الإرهاصات المباركة للصحوة ، والجهـاد ، والنهضـة الشاملـة ـ قادرة على الإستفادة من هذا التغيـّر ، في طريقها إلى التخلص من التبعية نـحو الإستقلال ، ومن الهوان نحـو العـزّة ، ومن التشـتت نحو الوحـدة ، ومن الضعف نحـو القـوة ،
 
 بإذن الله تعالى . 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 21/03/2008