نصيحة عامة لأهل الجهاد والدعاة وعموم أمتنا الإسلامية

 

نصيحة عامة لأهل الجهاد والدعاة وعموم أمتنا الإسلامية

 حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
فقد اشتد الزمان ، وتكالب الأعداء ، وتعاظمت الفتن ، وتتابعت المحن ، وتوالت المصائب على الأمة الإسلامية ، حتى غدا الحليم حيرانا ، و صار أعداء الإسلام أشد ما كانوا به ائتمارا ، وأعدى ما كانوا عليه عدوانا ، وأعظم ما كانوا رغبة في الكيد له والنكاية ، يبتغون يه ضرا وخسرانا .

غير أن الله تعالى قد جعل سبيل الحق مهيعا واضحا ، وطريق الهدى منارا لائحا ، ومن مناراته أن نتذكر ما يلي :

أولا : أن المجاهدين في سبيل الله ، هم خير الامة ، بذلوا مهجهم وأموالهم لهذا الدين ، وقدموا أرواحهم رخيصة لدرء العدوان على المسلمين ، فهم خير المؤمنين ، بلغوا من الدين ذروة سنامه ، وجردوا السلاح لكل كافر ومارق ، والطاعن عليهم مأزور ، والخائض في أعراضهم مريض القلب مثبور ، حبهم إيمان ، وبغضهم نفاق .

ثانيا : على المؤمنين لاسيما المجاهدين أن يعلموا ، أن الله تعالى أمرهم بأن يفعلوا ما قدروا عليه ، ووعدهم إن هم امتثلوا ما أمر بقوة وجد ، أن ينصرهم ولا بد ، قال تعالـــى ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) فقد أمر نبيه بأن يرمي ، وأخبره أن الله تعالى هو الذي يحقق بالرمي هدفه ، ويبلغ غايته ، فعلينا السعي وعلى الله بلوغ الهدف ، علينا أن نؤدي ما علينا ، ولانزيد على ذلك ، أما نصر الله لدينه فذلك إليه ، ينزله متى شاء ، على من شاء ، يصطفى له من يشاء ، قال تعالــــى ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) ، فهو يختار عباده الذين ينصرهم ، وهو يختار الزمان الذي يحقق فيه النصر ، ويختار المكان ، ويختار القلوب التي تستحق النصر ، بعد أن يمتحنهـــــا ، قال تعالى ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) ، وذلك كله ليس إلينا ، بل ذلك إلى الله تعالى وحده ، قال سبحانه ( ولكن الله يؤيد بنصره من يشاء ) .

ثالثا : ما أوجبه الله تعالى على عباده ، قد يختلف باختلاف الأشخاص ، والأماكن ، فقد يكون الواجب بالنسبة لشخص إعداد نفسه بإصلاحها ، ولآخر حمل السلاح وقتال العدو المعتدي على أرض الإسلام ، وقد يكون الواجب في مكان لا يجوز أن يتعدي جهاد الكلمة لان حمل السلاح ضره أكبر من نفعه ، وهو جهاد الجدال بالتي هي أحسن ، وفي مكان آخر جهاد الجلاد للكفار فرض عين أو كفاية وهو أفضل متطوع به على كل الأحوال .

وقد يكون الواجب بالنسبة لشخص اتقاء الله فيمن ولاه من رعية تحت يده ، بعد اتقاء الله في نفسه ، فلا يخاطب بالأمر بالقتال ، لانه ليس من أهل الجهاد ، إما لانه لا يقدر عليه ، أو لانه لم يفترض بعدُ عليه ، و في قيامه به تضييع لفرض متعين عليه .

وقد يكون هذا الفرض بالنسبة لشخص أداء الأمانة من نشر علم تعلمه ، فهو قائم بالحكمة يقضي بها ويعلمها ، أو من دعوة تحملها ، أو قيام على صدقة أو نفع للمسلمين ونحو ذلك ، مما لا يجوز تضييعه ، ويأثم بالتفريط فيه ، والقاعدة الجامعة في هذا كله : أن كل عبد ميسر لما خلق له ، و( قد علم كل أناس مشربهـم ) وإذا قام كل مسلم بواجبه ، وأتقى كل مؤمن ربه بالقيام بحقه ، وعامل الناس بما أمره الله تعالى ، فقد قامت الامة بما يجب عليها ، وأدت فرض الله عليها ، وبهذا تنتقل على إلى الامر الرابع ، وهو : ـ

رابعا : على المؤمنين أن يعلموا أن نصر الله تعالى لدينه واقع لمحالة ، لايمكن أن يخلف الله وعده جل جلاله ، قال تعالى ( من كان يظن أن لن ينصره الله فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ) .

ومعنى هذه الآية في سورة الحج ، أي من كان يظن أن الله تعالى لن ينصر دينه ، فليمدد بحبل إلى سقف بيته ،ثم يخنق نفسه حتى ينقطع فيختنق ، أي ليمت غيظا ، لان نصر الله لابد واقع ، ماله من دافع ، كما قال تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ) .

أما متى يقع ذلك النصر ، فذلك إلى الله وحده ، ولا يجوز لنا أن نستعجل ذلك قبل آوانه ، فالإنسان جاهل قليل الصبر خلق عجولا ، لا يعلم حكمة الله تعالى في تأخير النصر ، وما يحصل في ذلك من ابتلاء المؤمنين ، وإملاء الكافرين ، واتخاذ الشهداء من المجاهدين ، قال تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) ، وقد تأخر النصر على رسل كرام عليه السلام حتى استيئسوا ، ثم جاءهم نصر الله ، قال تعالى : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولايرد بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وقال تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) .

خامسا : على المؤمنين أن يتذكروا دائما ، أن إخلاص الأعمال لله تعالى وتصحيح النية ، أصل الأصول ، ومفتاح النصر والوصول .

وهو أعظم ما فرضه الله تعالى على عباده ، فأوجب الواجبات أن تكون نيات المؤمنين ابتغاء وجهه في إيمانهم وأعمالهم ، قال بعض العلماء : ذلك أن النية تقع موقع الأرواح من الأعمال ، وتقوم مقام جذور الشجرة من السوق والفروع والأغصان ، فكيف يكون حال الأجساد إذا نزعت منها الأرواح ؟ وكيف يكون حال شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ؟

وقد عرف العلماء الإخلاص بقولهم ـ كما قال أبو القاسم القشيري ـ هو : (إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعات بالقصد ، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق ، واكتساب محمدة عند الناس ، أو محبة مدح الخلق ، أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى ) الرسالة القشيرية 95

وقد عظم الله تعالى أمر إخلاص العمل لوجهه الكريم ، حتى توعد بالنار من أراد بدينه زينة الحياة الدنيا قال تعالى ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيه وهم فيها لا يبخسون ، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) .

وقال الحق سبحانه ( فإذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور ) وإنما ذكر ما في الصدور ، لانه موضع الإخلاص ، ومعقد النيات ، فكانت الأعمال الظاهرة كلها تبعا لما في الصدور .

وقال أيضا ( يوم تبلى السرائر ) لان السرائر هي الأصل الذي يقوم عليه العمل كله ، فمن صحت سريرته ، حمدت سيرته ، ومن صدقت نيته ، صلح عمله .

وقال سبحانه ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) .

ومن بركات الإخلاص على المؤمنين :
1ـ قبول الله تعالى للعمل ، كما في الحديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه

2ـ أنه ينفي الغل من قلب المسلم كما في الحديث :
قال صلى الله عليه وسلم : نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ، و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا : إخلاص العمل لله ، و مناصحة ولاة الأمر ، و لزوم الجماعة ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ، و قال : من كان همه الآخرة ، جمع الله شمله ، و جعل غناه في قلبه ، و أتته الدنيا و هي راغمة ، و من كانت نيته الدنيا ، فرق الله عليه ضيعته ، و جعل فقره بين عينيه ، و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له رواه ابن حبان من حديث زيد بن ثابت

3ـ يغفر الله تعالى به الذنوب ، ففي الحديث الصحيح :
أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الطالب البينة فلم تكن له بينة فاستحلف المطلوب فحلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى قد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاص قول لا إله إلا الله رواه أبو داود بإسناد صحيح

4ـ أن الله تعالى إنما ينصر الأمة بإخلاص ضعفائها ، ففي الحديث الصحيح:
قال صلى الله عليه وسلم : إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ؛ بدعوتهم و صلاتهم و إخلاصهم رواه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

5ـ أن الإخلاص يثبت العبد على العمل الصالح ، ويحبب إليه الطاعات ، لانه يجد فيها لذة أورثها قبول العمل من الله تعالى ، وإنما يتقبل الله تعالى من المتقين الذين يخلصون أعمالهم لله تعالى .

6ـ أن الله تعالى يثيب العبد على إخلاصه ، وحسن نيته ، وإرادة وجه ربه ، حتى لو لم يعمل ، وربما بلغه إخلاصه وحسن نيته ، مبلغ العاملين ، ولم يعمل مثل عملهم ، ويدل على ذلك هذا الحديث الجليل :

قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الدنيا لأربعة نفر ؛ عبد رزقه الله مالا و علما فهو يتقي فيه ربه ، و يصل فيه رحمه ، و يعلم لله فيه حقا،فهذا بأفضل المنازل ، و عبد رزقه الله علما ، و لم يرزقه مالا ، فهو صادق النية ، يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ، فأجرهما سواء .

و عبد رزقه الله مالا ، و لم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ، و لا يتقي فيه ربه ، و لا يصل فيه رحمه ، و لا يعلم لله فيه حقا ، فهذا بأخبث المنازل .

و عبد لم يرزقه الله مالا و لا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فوزرهما سواء) رواه أحمد والترمذي من حديث أبي كبشة الانماري .

وتأمل هذا الحديث ، كيف أخبر النبي صلى الله عليه سلم فيه أن صدق النية للفقير تبلغه مثل أجر المنفق ماله ، وأن سوء النية سبب في الإثم أيضا .

ومن هذا الباب أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم من حديث سهل بن حنيف .

ومنه أيضا قوله صلى الله عليه سلم ( إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم نفقة ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة ، حسبهم العذر ) رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه .

هذا وآفات الإخلاص ثلاث : الرياء ، وطلب الدنيا بعمل الآخرة ، وإعجاب المرء بعمله ، بهذه الآفات يحبط العمل ، ويحصل الخسران ، ويحبس النصر على المؤمن في صراعه مع نفسه وشيطانه ، وعلى الامة في حربها لأعداءها .

وقد وردت نصوص كثيرة في التحذير من ذلك كله فمن ذلك :

قوله صلى الله عليه وسلم : ثلاث مهلكات ، شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وثلاث منجيات ، خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الفقر والغنى ، وكلمة الحق في الغضب والرضا رواه البيهقي في شعب الإيمان

وقال صلى الله عليه وسلم : أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال : كذبت ولكنك قاتلت لان يقال : جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ، حتى ألقي في النار

ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه ، فعرفها قال : فما علمت فيها ؟ قال : تعلمت العلم ، وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت ليقال قارئ ، فقد قيل : ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار

ورجل وسع الله وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما علمت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكن فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة .

فهؤلاء اجهدوا أنفسهم في أصناف الطاعات الشاقة ، ولكن لم تنفعهم طاعاتهم لانهم ما أرادوا بها وجه الله ، بل ضرتهم وأوردتهم النار عياذا بالله تعالى .

وقال صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله : قال الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فزيد صلاته لما يرى من نظر الرجل ) رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

وإنما ذكر أنه أخوف من المسيح الدجال ، لان العبد إذا هزمه الشيطان في نفسه ، فآثر الدنيا وهي هنا محمدة الناس على الآخرة ، هزمته فتنة الدجال ، وإن انتصر على نفسه فآثر آخرته على دنياه ، واخلص نيته لله تعالى ، فصلح بذلك عمله ، إذ كان بصلاح النية صلاح العمل ، انتصر على فتنة الدجال ، قال تعالى ( ذلك أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .

فليحذر العبد أن يعمل أي عمل يريد به غير وجه الله تعالى ، ولنربي أنفسها أن نحقق نياتنا في كل أعمالنا ، قبل أن نعملها ، فإن وجدناها متجهه لغير الله تعالى ، ألزمناها الإخلاص ، وتذكرنا أن الرياء وطلب محمدة الناس والمكانة في قلوبهم بعمل الآخرة ، تحبط العمل وتوجب العذاب الأليم ، وتسقط العبد من عين الله تعالى ، إذ هو كأنه يخادع الله ، يظهر ما لا يبطن ، والله تعالى لا يُخدع لانه يعلم السر وأخفى ، وهو سبحانه ينظر إلى القلوب قبل الأعمال .

اللهم صل وسلم وبارك على عبده ورسولك وخير خلقك ، ومصطفاك من العالمين المبعوث رحمة للعالمين ، محمد وعلى آله وصحبه الأكرمين ، وهيئ لهذه الامة من أمرها رشدا ، وانصرها على أعداءها ، فأحصهم عددا ، وفرقهم بددا ، ولاتبقي منهم أحدا .

اللهم انصر أهل الثغور والمجاهدين الذين يقاتلون في سبيلك ، في أفغانستان ، والشيشان ، وفلسطين ، وكشمير ، وفي كل مكان .

اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحييا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيراً لنا .

اللهم ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، و كلمة الإخلاص في الرضا والغضب، و القصد في الفقر والغنى، و نعيماً لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، و الرضا بالقضاء، و برد العيش بعد الموت، و لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.






الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006