كلمة حان وقتـها عن الإقتصاد الإســلامي

 

كلمة حان وقتـها عن الإقتصاد الإســلامي
 
حامد بن عبدالله العلي
 
من عجائب مايـُرى في المنام ، أنـَّه قبل نحــو عــام رأى من لاتكـذب رؤيـاه ، بوش المـُدْبــِر ، وقد قطعت رجلاه ويداه ، فعبـّرها من أُوتي من علم التعبير حظـَّا ، أنَّ انهيـاراً كبيـراً في الإقتصاد الأمريكي واقـع ، ما له من دافع.
 
والآن .. وقــد سقط قارون العصر ، الرأسمالية الليبرالية الغربية الربوية المتخذة المـادَّة ندّا لله تعالى.
،
 فهل نحـن قـد عرضنا النظام الإقتصادي الإسلامي ، بما يليق بعظمـته ، لإنقاذ البشرية من تيه التخبـّط الذي ورثته من المناهج الوضعية التي بان خواؤها ، وثبت فشـلها.
 
أولاً ينبغي أن يعلم أن ما يطلق عليه (البنوك الإسلامية) , ليست هي النظام الإقتصادي الإسلامي ، كما أنَّ عدَّهـا مؤسسات تمثّلـه بحـقِّ ، يحتـاج إلى كثير من النظر قبل إطلاقــه .$$$
 
والأقــرب أنَّ إطلاق اسم مصارف غير ربوية عليها ، أولى من تسميتها مصارف إسلامية ، وذلك لأنهــا لم تحقق ـ فيما أعلم ـ مقاصد الإقتصاد الإسلامي كما ينبغي أن يراها الناس ، وهـي تحتاج إلى كثير من النقد الصارم ، البريء من أيّ مجاملة ،  لتتقدم نحو التطوير المطلوب ، لتتأهَّـل لتمثيـل مشروع الخلاص الإسلامي العالمي في جانبه الاقتصادي.
 
ولعـلَّ أعظـم فشل وقعت فيها ،  أنها لـم تستطع أن تتخلص من العلاقة بنظام مالـي عالمـي ربوي فاسـد ، ولم تحقق الإستقلال الإقتصادي للأمّـة .
 
وهذا هو أعظـم أهداف الإقتصاد الإسلامي ، أعني أن يحقق هذا النظـام لأمة الإسلام استقلالا إقتصاديا تامَّـا ، يقطع بالكلية هيمنة المال الغربي ومؤسساته على النظام المالي العالمي ، وعلى المال الإسلامي من باب أولى ، ويعيـد النظـر في كلَّ ما بني منذ مؤتمر بريتن وودز 1944م ، ويوجـد بديلا إسلاميا كاملا عن كلِّ من البنك الدولي ، ومؤسسة النقد الدولي ، بل حتى منظمة التجارة العالمية .
 
وبهذا ينـزع من يد العالم الغربي القدرة على تهديد العالم الإسلامي بسلاح المقاطعة الإقتصادية ، ويلغي ذلك إلى الأبـد.
 
ومعلـوم أنَّ هذا السلاح الغربي هـو من أعظـم السيـوف المسلَّطـة على أمتنا ، بسبب هيمنة الإقتصاد العالمي الذي كانت أمريكا تقوده قبل أن يسقط قارون العصر.
 
 ولسنا نبدي خافيا ، ولانفضح ســراً ، إذا قلنا أن من تسمي نفسها البنوك الإسلامية ، تسـرع إلى الخضوع للقرارات الأمريكية الظالمـة ، حتى إلى درجـة تجميد حسابات المؤسسات الخيرية الإسلامية ، بل بعضها سبق البنوك الربوية في هذه المسارعة !!
 
وهي بذلك بدل أن تحقق هدف القضاء على الفقر في بلاد الإسلام ، وهو ثاني أعظم أهداف الإقتصاد الإسلامي ، تعاونت مع الغرب بقيادة أمريكا الصليبية ، لزيادة معاناة فقراء المسلمين ، ومنع وصـول التبرعات لأيتام المسلمين ، وضعفاءهم !
 
وقد يعتذر معتذر هنا بأنَّ ذلك بسبب كونها تابـعة للنظام السياسي الخاضع أصلا للإرادة الأمريكية ، ولعمري إن هذا لمن أعظـم عيوب هذه المؤسسات ، فكيف يمكنـها أن توجد الربط المطلـوب منها ، بين إقتصاد الأمة ، وأهداف رسالتها ـ وهو ثالث أعظم أهداف النظام الإقتصادي الإسلامي ـ  إذا كانت هي تابعـة للنظام السياسي العربي الذي يقوض أهداف الأمـة ، ويهدم رسالتها !!
 
هذا وكلُّ من يشهد عن قرب تعاملات هذه البنوك ـ التي فضلنا تسميتها غير ربوية على تسميتها إسلامية ـ يرى بوضوح أنهـا لاتزال تبتعد  عن :
 
 إستثمـار مال الأمة فيما يعود عليها بالنفع ، ويقضي على مشكلات الفقر ،  إلى تضخيم ارتباطهـا بالبنوك الغربية ، ومؤسساتها .
 
 وعن تحويل المساهمين لشركاء لا مقترضين ، إلى زيادة عدد المدينين للبنك في صورة بيوع مرابحة شكلية ، وتورق غير شرعي ، واستصناع صوري ..إلـخ
 
وعن الظهور بصورة الحرب على الربا وعلى الحيل عليه ، إلى اختراع معاملات ظاهرهـا بيع ، وباطنها القرض بفائدة ، حتى أصبح ما يسمَّـى ثقافة ( بطاقات الإئتمان ) أسعد ما تكون في بعض هذه البنـوك!
 
حتى لـقد أسس بعضهـا شركات تأمين ، تابعة لها ، شملــت عقودها حتى الديون المؤجـلة على الزبون ، وحتى لو سدد ديونه كاملة ، لم ترجع إليه أقساط التأمين على دينه !!
 
وعـن الإسهام في نشر ثقافة الإحسان ، وتنمية المال بالصدقة ، وربط الرزق بالإيمان ، إلى الظهور بمظهر الجشع ، والرغبة الجامحة في الربح السريع .
 
ولهذا نرى بوضوح أن المشاريع الخيرية التي تؤسساها وترعاها البنوك التي تسمى نفسها إسلامية قليلة جــداً ، وأحيانا معدومة تمامــاً ، وقد ظهرت في عيون الناظريـن في صورة التاجر الذي لايهمه سوى إرتفاع هامش الربح ، مستغلاً كلّ ما يمكنه إستغلاله من حاجة الناس ، أو رغباتهـم.
 
أما رحمة المعسريــن ، وإسقاط الديون عمـَّـن وقعت عليهم الكوارث ، فهيـهات أن يحـدث ذلك ! بينما تفعله بعض البنوك الربوية ، إن كان الدين يسيراً ، فوا أسـفاه !!
 
ومن عجائب جشع هذه البنـوك التي تسمي نفسها إسلاميـّة ، أنَّ أحـدهـا ، لم يدع قــولاً شاذَّا يبيح معاملة مصرفيـّة تصبُّ عليـه الأربـاح ، إلاَّ اتَّبعــه ، ولم يتجاوز خلافـاً على مسألة في بيــع  ، إلاّ أخذ بالقول المرجـوح الضعيف إذا كان  يمكّنـه من الحصول على الربـح !
 
فلما جاءت مسألة (ضع وتعجــّل)  ـ أي أعجـِّل لك الدين وضع عـنِّي بعضه ـ وفيها أصح قولــي الفقهاء جواز أن يسقط الدائن بعض الدين ،  إذا تعجـّل المدين الدفع قبل الأجـل ، تمسَّك البنك بقول من يحرِّم ذلك ، لأنَّ المصلحة هـنا صارت في خانة الزبـون ، وأصبـح التيسير لصالحــه!
 
ومعلوم أن من أعظـم أسباب تدهور مسيرة هذه البنوك ، أنهـا لاتسمع النقد الصريح الذي يقوِّمها ، وليس ثمـة احتساب من علماء مستقلين على معاملاتهـا ، فحتـَّى الهيئات الشرعية التي تفتي لها ، هـم ـ كلجان الإفتاء الرسميـة التابعة للأنظمة السياسية التي تفتـي بهواهـا ـ يتقاضون رواتـب عالية ، ومكافآت مجزية ، من نفـس البنـك ، فأنـَّـى لهم أن يوقفـوا هذه البنـوك عن ابتعادهـا عن أهداف الإقتصـاد الإسلامي !!
 
ولن أقسـو بالنقد إنْ قلت إنـه قـد أصبح كلُّ همِّهم أن يبقى البنك منافسا للبنوك الربوية ، من حيث الملاءة ، والسمعة المالية ـ التي أحيانا تكون وهميـَّة ـ في البورصات ،  وأن تكون الفتاوى متساوقة مع هذا الهـدف الأسمى لاغيـر !
 
هذا ولايعني هذا النقد الصريح للبنوك غير الربوية ، أنها لـم تعـد ضرورية ، بل  هي خطوة في إتجاه صحيح ، ومن هنـا فالذين يحاولـون إزالة الفرق بينها ، وبين البنوك الربوية ، التي تعلن الحرب على الله تعالى ، وديـنه ، وتبيح الربا جهارا نهارا ، كاذبون مفترون .
 
ولا يزعم أنه لافرق بين البنوك التي تحرِّم الربا ، والبنوك الربوية المعروفـة ،  إلاَّ جاهـل ، أو ضالُّ خبيث الطويـِّة ، يقصد من ذلك محاربة أي خطوة يقصد بها الناس الإقتراب من شريعة الله تعالى ، ومـن تمثّلها في حياتهـم.
 
وإنما المقصود بهذا المقال التنبيه إلى أنه من الخطورة بمكان ، أن نهلّل لهذه البنوك ، ونضفي الشرعية الكاملة على جميع تعاملاتـها ، لمجرد إعلانها أنها إسلامية ، وخوفـنا من استغلال البنوك الربوية لنقدنا ضدها.
 
بينما نحن نرى أنَّ معالم الإقتصاد الإسلامي ،كما يليق بعظمة شريعتنا ، وطهرها ، ونقاءها من ملوِّثات الرأسمالية الغربية الربوية ، غير ممثـّلة بعـدُ في هذه البنوك غير الربوية .
 
وهي حتـَّى يكون لهـا إسهامات واضحة في حلِّ مشكلات الفقـر ، وإصلاح حال الفقراء في العالم الإسلامي ، واستقلال مشرِّف عن الهيمنة الغربيـَّة ، وربط راقي بين المال والعقيدة الإيمانية ، وبين الاقتصاد وأهداف الأمـة ، وحتَّى تتخلـَّص من عقدة تحوِّلهـا إلى دائن كبيـر ، بدل شريك يثري ويحرك الإقتصاد في المجـتمع .
 
حتـَّى إذا حصـل ذلك يمكننا باطمئنان أن نقول إن هذه المؤسسات المصرفية غير الربوية ، يصلـح أن تكون مثالا ، يستعمله الخبراء الإقتصاديون الإسلاميون في التبشير بالنظام الإقتصادي الإسلامي العالمي ، أما الآن فينبغي أن يكون التمثيل بها حـذراً ، وأن يُقدم النظام الإقتصادي الإسلامي الكامـل على أنه مشروع ينتظـر التطبيق .
 
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه  وسلم تسليما كثيرا. 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 20/10/2008