أقصانا لا هيكلهم وعراقنا لا مشروعهم

 

 

أقصانا لا هيكلهم .... وعراقنــــا لا مشروعهـــــم

حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله الواحد القهار .. أشهد أن لا إله إلا هو العزيز الغفار .. وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ... وبعد :

إلى الأمة الإسلامية بعامة والشعبين العراقي ، والفلسطيني خاصة :


إلى المجاهدين في كل مكان :

التركيز على أهم قضايـا الأمــّة :
ـــــــــــــــــــ

لا يمكننا فهم ما يجري على أمتنا الإسلامية في فلسطين ( خارطة الطريق ) ، وفي العراق ، والتغيرات المتتابعة في المنطقة بأسرها ، إلا عندما نفهم ارتباط ذلك ، بالخارطة الأكبر التي هي ما يطلق عليه : مشروع الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط ، وما لهذا المشروع أيضا من ارتباط بل انبثاق مـــن الأطماع الغربيـــة ( الإمبريالية ) في منطقتنا ، التي نرى بوضوح أنها امتداد للحروب الصليبية.

فهذه الدوائر الثلاث : خارطة الطريق الصغرى ، وخارطة الطريق الكبرى ، وعلاقة الغرب بالإسلام على امتداده من الفلبين وجاكرتا ، مرورا بأفغانستان ، إلى أقصى حجر في موريتانا .

هي قضايا الأمة ، وهي قضايا المرحلة التي تمر بها ، وهي الهمّ الأكبر الذي يجب أن نتوجه إليه ، وهي القضايا المركزية التي يجب أن نركز عليها .

والناس يتفاوتون في همومهم ، غير أن أعلاهم همة من تعلقت همته بما تعلقت به همة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان همته متعلقة بأمته ، ولهذا فقد جاء كلامه في عامته : يخاطب الأمة ، ويحذر الأمة ، ويبشر الأمة ، ويخبر الأمة بما ستلقاه في مسيرتها التاريخية ، ويرشد الأمة ويوجهها ، هذه هي السمة العامة لهمّة نبينا صلى الله عليه وسلم واهتمامه ، فلنقتـد بنبيّنا صلى الله عليه وسلم ، ولتتوجه همّتنا دائما إلى أمّتـه ، أمة الخير الإسلامية العظيمــــة .

ربط أبناء الأمة بالانتماء إليها دون الانتماءات الضيقة :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

ولهذا فنحن في أمس الحاجة أن نربط أبناء الأمة بالانتماء إليها ، والحرص على جمع كلمتها ، وإخراجها من محنتها ، وننقذهم من الانتماءات التي مزّقت الأمّة ، الانتماءات القوميّة ، والانتماءات الوطنيّة ، والانتماءات الحزبيّة ، إلى آفاق الانتماء الأوسع الانتماء إلى أمة الإسلام ، لتعود الأمة كما كانت جسـدا واحــدا ، كما قال صلى الله عليه ( المؤمنون كرجل واحد ، إن اشتكى رأسه اشتكى كله ، وإن اشتكى عينه اشتكى كله ) رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .

البصيرة بالبعد الثلاثــي :
ـــــــــــــــ

ولايمكن أن ندرك الصورة الكبيرة والحقيقية ، التي تمكننا من فهم ما وراء الأحداث العالمية بعامة ، ومن ذلك ما يجري اليوم من أحداث على أمتنا ، إلا من خلال النظر بمنظار البعد الثلاثي :

* المنطلق العقائدي .

* والخلفية التاريخية .

* والفهم الشمولي للواقع .

أما المنطلق العقائدي ، فهو الأساس ، وهـــو يتحدد في نقاط :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ أن هذه الأمّة لها أعداء لاينفكّون عن عداوتها ، فلايمكن أن تكون بغير أعداء ، بل لو كانت كذلك ، فهذا نذير خطـــــر ، لأنه يعني أنها تخلت عن هويتها .

ولهذا قال تعالى في سورة الممتحنة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتخذوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ 1 إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ 2 لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَولادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 3 قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 4 رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 5 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )


2ـ أن هذه العداوة هي في حقيقتها ، عداوة الشيطان لرسالة الأمة ، وهي امتداد لعداوة الشيطان لهداية الرسل ، فكل عدو لها هو جزء من مشروع الشيطان الأساسي ، ولهذا جعل الله تعالى مشروع الطواغيت كلها ، إنما هو مشروع الشيطان نفسه ، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) النساء 76

3ـ أن هذه العداوة ، تشتد مع مرور الزمن ، فهي أعظم ما تكون شدة في أواخر عمر الأمة ، كما تكون أوضح شيء في آخر عمر الأمة أيضا ، ولهذا جاء في الحديث : إنه في آخر الزمان يصير الناس إلى فسطاطين ، فسطاط إيمان لانفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه .

4ـ أن اليهود والنصارى هم الخط الرئيس في معسكر العداوة للأمة ، ولهذا قد أوضح الله تعالى عداوة هاتين الطائفتين ، في القرآن في مواضع كثيرة ، لاسيما في آيات الولاء في سورة المائدة ، التي ختمها بأن الجهاد هو سبيل الخلاص ، قال تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .


5ـ أن صراعهم للأمّة كثيرا ما يتغلف بالمكر والخداع ، وزخارف القول ، فلا يكون واضحا في كل حين ، كما قال تعالى في سورة الأنعام : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلـُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون ) َ الأنعام 112

6ـ أن هدفهم الأكبر هو إطفاء نور الله تعالى ، وجعل الأمة تابعة لهم .

كما قال تعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ 29 وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 30 اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 31 يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) .


7ـ أنهم يستعينون بطائفتين في جســد الأمّة ، المنافقين ، والأغبياء من الذين في قلوبهم مرض كما قال تعالى ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ) .

أما المنافقون فهم الذين باعوا ذمَّتهم للأجنبيّ ، ورضوا أن يكونوا أذنابا في مشروعه المعادي للأمة ، أولئك الخونة ، من العلمانيين والزنادقة ، مثل مجلس الحكم في العراق ، ولا تختلف عنه حكومة أبو مازن ، وما بقية القوم عنهم ببعيد.

وأما الأغبياء .. فهــم الذين أصبح دأبهم اليوم تحويل اتجاه الصراع، صراع الأمة مع أعداءها التاريخييّن والاستراتيجييّن ، الصليبيّة المتحالفة مع الصهيونيّة ، إلى صراع داخل جسد الأمة لتمزيقها من الداخل ، إلى صراع توجه سهامه إلى المصلحين ، والجماعات ، والدعاة ، والمجاهدين .

هذا .. إن أحسنا الظن بقولنا : إنهم أغبياء ، وإلا فهم يقومون بدور العملاء كاملا بلا خفاء .

8 ـ أن هذه الدين منصور لامحالة ، والله غالب على أمره ، وإنما يمـر الله تعالى بجنوده بشتى المحن في الطريق إلى النصر ، لأن هذه هي طبيعة الطريق إلى النصر ، لايمكن أن تكون إلا هكذا .

فيبتليهم ، ليخلصهم ممن لا يستحق أن يكون له شرف النصر مع الصادقين ، ممن شرب من نهر إيثار الدنيا على الآخرة ، كما خلص الله جيش طالوت ممن شرب من النهر في الطريق إلى النصـــر ، وليمحصهم هم أيضا ، فيختار منهم خيارا من خيار من خيار ، ويشرفهم بنصر دينه ، (وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة) .

فهذا هو المنطلق العقائدي الذي يجب أن نستصحبه في كل صراع نخوضه ، يحدونا الأمل دائما بوعــد الله تعالى ، بنصره لأمته التي اصطفاها ، لا لأشخاصنا ، في الوقت الذي يختاره هو للنصر ، فليس ذلك إلينا .

وليس لنا أن نقترح على ربنا جلّ وعــزّ ، ولا نتقدم بين يديه ، ولا نعترض على قضاءه ، ونصبر على قلة عددنا ، وضعفنا ، وتكالب الأعداء علينا ، ونقول ما قاله أصحاب موسى لموسى : (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ * فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

وماقاله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لمحمد : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا *لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .

أما الخلفية التاريخية :
ـــــــــــــ

فهي أننا لن يمكننا أيضا أن نفهم ما يجري لأمتنا ، إلا باستذكار ما مضــى من تاريخها إلى قبل نحو من قرن ، فتعالوا نعيد الشريط التاريخي بإجمال :

فأولا : أسقط الغرب الصليبي ، الخلافة الإسلامية ، بمؤامرة وخيانة من داخل جسد الامة ، واحتــل ـ في امتداد للحروب الصليبية ـ البلاد الإسلامية .

ثانيا : جزأ البلاد الإسلامية إلى أجزاء صغيرة ، ومزق انتماءها لرابطتها العليا .

ثالثا : أقصى الشريعة الإسلامية وأحل محلها قوانينه التي تكفل تبعيّة الأمّة له ، وضمِن بقاء هذه التبعية ، بالدساتير ، وبالنخب الحاكمة والمثقفة .

رابعا : ألحق الأمة بالغرب ، سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا .

خامسا : رعى الوجود الصهيوني في الأمّة إمعانا في عداوتها ولا يزال يرعاه ويدعمه .

ونحن إنما نعيش اليوم تداعيات هذا التاريخ الذي يجب أن لا ننساه ، يتكرر فيه نفس الخداع الذي حاولوا به خداع الأمة في القرن الماضي ، ويلعبون فيه نفس الألاعيب ، ويكذبون نفس الأكاذيب ، ويتخذون من الخونة أمثال أولئك الخونة.

فما يفعلـه الأمريكيون في العراق ، هو نفس ما فعله الإنجليز فيها ، وبريمر الأمريكي ينفذ في بغداد ، نظريّات كرومر في القاهرة .. ( تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) .

حتى خط أنابيب نفط الموصل ـ حيفا ، الذي رعى البذرة الصهيونية في نشوءها ، وأمد بريطانيا بالقوة التي كانت في امس الحاجة إليها ، يريد اليوم بريمر أن يعيده جذعا ، لينقذ الكيان الصهيوني ، وأمه الحنون أمريكا.

وعلماء السوء ، في ردف زعماء السوء ، الذين يهيئون لهذا المخطط الخبيث ، يقلدون أسلافهم الذين مهدوا لمخططات الإنجليز ، بفتاوى شيطانية .

وخارطة الطريق ، هي أخت شرم الشيخ والعقبة ، وهذه هي شقيقة أوسلو ، وأوسلو هي بنت كامب ديفيد ، بل كلها خديعة واحدة ، تتقلب كالغيلان ، في كل وقت تلبس لبوسا .


أما الفهم الشمولي الواقعي :
ـــــــــــــــــــــــــــ

فهو أن من تابع واقع مجريات الأحداث ، يرى بوضوح أن المخطط الصليبي الغربي ، قد أعاق كثيرا من خططه ، في وقت ما ، الصراع على النظام العالمي مع الشرق الشيوعي ، مما سمح بتنامي الصحوة الإسلامية ، ثم ظهور الجهاد الإسلامي وانتشاره ، واشتعال روحه في الأمة .

غير انه بعد نهاية الحرب الباردة ، عاد ـ ولم يكن غائبا قط ـ ذلك المخطط الصليبي بقوة ، فهــو يهدف اليوم :

إلى تكريس ثلاثة أهداف استكمالا لما جرى في السابق:

الأول : جعل الكيان الصهيوني آمنا مزدهرا في وضع طبيعي في المنطقة .

الثاني : استكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد .

الثالث : إجراء تغيير ثقافي واجتماعي وسياسي جذري في المنطقة العربية ، والخليج خاصة .

وقد جاءت خارطة الطريق الصغرى ، لتنفيذ الهدف الأول ، وهي جزء من خارطة الطريق الكبري التي هي الهدف الثاني ، الذي بدوره لن ينجح بدون تحقيق التغيير الأمريكي المنشود : وهو الهدف الثالث .

ولتنفيذ خارطة الطريق الصغرى ، جيء بأبو مازن هذا البهائي الذي كان يفتخر بأنه من جدة يهودية !! وأنه : كـم كان يلعب مع أطفال اليهود عندما كان صغيرا لما بينهم من الصلة ، مع أن نسبـه لا يعيبـه ، إنما تعيبه جرائمــه ، جيء به ليكون مسؤولا عن تنفيذ خارطة الطريق .

والتي هدفها باختصار هو : القضاء على المقاومة الفلسطينية ، وتفكيك بنيتها التحتية ، بغية تحقيق الأمن لليهود ، لكي يفرضوا على الفلسطينيين شروطهم ، التي تؤدي في نهاية المطاف إلى :

أن يستولوا على أقصانا ، ويحولوه إلى هيكلهم ، ويحرموا ستة ملايين فلسطيني لاجئ من حق العودة ، ويعطوا بقية الفلسطينين قطعا من أراض بائسة ، يقيموا عليها دولة بائسة ، سرعان ما ستتحول إلى مجرد ملحق صغير آخــــر للمشروع الصليبي الصهيوني الكبير للشرق الأوسط .

ولتنفيذ خارطة الطريق الكبرى ، احتل الصليبيون العراق ، وجاءوا بجلبي والباججي وبحر العلوم وأضرابهم ، ليحولوا أرض الخلافة الإسلامية ، إلى قاعدة لمشروعهم الخبيث ، متحالفين مع أحفاد ابن العلقميّ ، ليخضعوا الدول العربية للمتطلبات الجديدة ، لنظام القطب الأوحد بقيادة الصليبيّة العالميّة ، في مرحلته الجديدة ، بعد انتهاء الحرب الباردة .

تلك المتطلبات الجديدة ، لإمبراطورية (المحافظون الجدد المتصهينون) بقيادة عصابة بوش الصليبية الصهيونية ، التي أعطت أوامرها للزعماء بإفساح الطريق لجيوش الصليب لتنفيذ خارطة الطريق الكبرى : وهي التبشير بشرق أوسط جديد ، أي : ( دكاكين) تسويقية للشركات الأمريكية العملاقة .

أو بعبارة أخرى ، تحويل المنطقة ، إلى قطاعات تجارية ، او سوق تجارية كبيرة ، خالية من أي عقيدة سوى عقيدة الدولار الأمريكي ، ومن أي قيم سوى عربدة الإعلام الأمريكي المتحلل ، ومن أي هدف سوى إرضاء ملوك الإمبراطورية الرومانية الجديدة ، في واشنطن.

ولكي تبقى هذه السوق دائرة في فلك تلك الإمبراطورية ، لابد من تغيير ثقافي في مناهج التعليم والثقافة في دول المنطقة ، لنزع عزة الانتماء لهذه الأمة ، واقتلاع روح الجهاد مــن قلب كل مسلم :

كل مسلم يتنفس هواء الأرض المقدسة في فلسطين .

وهواء جزيرة العرب التي وطأتها أقدام حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

وأرض الخلافة في بغـــــداد الحزينــة .

وأرض الكنانة في مصر العظيمة .

وأرض الشام المباركة التي تحفها أجنحــة الملائكة .

وأرض المغرب العربي ، أرض عمر المختار البطل ، أرض أحفاد طارق بن زياد قاهر الصليبين .

وأرض أفريقيا النجاشي المسلمة .

ولكن هيهات ، هيهات ، إنهم يتمنون أماني باطلة ، ويحلمون أحلام الغرور .

وإن جذوة الجهاد قد غدت تشتعل في الأمة اشتعال النار في الهشيم ، وبسيفه سيعلو الحق ، وينصر دين الله .

وسيبوء المخطط بالفشل ، ويتهاوى بلا ريب .

لكن ليس بالكلام ، بل بعون الله أولا ، ثم بعزم وسواعد رجال الثغور الإسلامية ، ثغور الجهاد ، في بيت المقدس وأكنافه ، وفي أرض الفرات وعلى ضفافه ، وفي صقــع أفغانستان وأطرافه .

فمسؤوليتهم قد غدت اليوم عظيمة ، فهم اليوم حماة بيضة الإسلام ، ورجاله :

خليليّ!! مالي إذْ تذكـرت قُدسـنا ** بجنبيّ نيران الأســــى تتلهــّـب
نعم راعني من نحو بغداد صـارخٌ ** يهيب بأنصار الهلال : ألا اركبـوا
بني أمِّنا !! أين الخميـس ومجدنا** وأين العوالي والشجاع المــجرِّب
إذا اهتز في نصر الحنيف تساقطت ** نفوس العــــدا في حدّه تتحلب
دعا صارخ الإسلام يالبنـي الهدى ** أغار العدا أين الحسـام المشطَّـب

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006