قــــــــــــــــرن الإســـــــــــــــــلام

 

قــــــــــــــــرن الإســـــــــــــــــلام

حامد بن عبدالله العلي

عندما قال ابن لادن في خطابه الأخير ، أنه في بداية الثمانينات ولما كانت أمريكا تحاول توظيـــف الإسلام لضرب خصمها الأخطر الإتحاد السوفيتي ، واستثمار حرب الخليج الأولى ضد الأمة الإسلامية أيضا ، كان هو يفكــر بضرب أمريكا في عقــــر دارها ، أشـــــــار إلى معان ينبغي أن تكـــــــــون بالغة الأثــــــــــــر في الفكر والنفـــــس .

تبلورت مع بداية الحرب الأمريكية ـ السوفياتية الباردة عام 1946 في عهد الرئيس الأمريكي ترومان ، ثم بعده في عقدي الخمسينات والستينات في عهد أيزنهاور وكيندي وجونسون ونيكسون ، تبلورت الإستراتيجية الأمريكية للعلاقة مع الخليج والجزيرة العربية خصوصا ، على أن ارتباط الأمن القومي الأمريكي وحماية الممرات البحرية والجوية بالدفاع عن أكبر مخزون استراتيجي للإحتياط النفطي في العالم يقوم عليه العالم الغربي الصناعي الذي يطلقون عليه ـ العالم الحــــر أي العالم الحـــــر في السطو المســـــلّح على ثروات الشعوب ـــ ، هو ارتباط لا يقبل المساومة ، ولهذا فلا مفــر يوما مــــــا من احتلال مباشر لهذه المنطقــــة .

كان وجود الإتحاد السوفيتي هــو الخطر الرئيس إبان الحرب الباردة ، وكانت خشية أمريكا من وصول الخطر السوفيتي إلى منطقة الخليج يـفــــوق خشيتها من أي شيء آخر ، ولهذا دعمت أمريكا توظيف الإسلام ضد هذا الخطر ، ورحبت باكستان ودول الخليج ، ولما وقع الغزو السوفيـاتي لأفغانستان بناء على قرار المكتب السياسي للحزب الشيوعي بقيادة بريجينيف ، شجعت أمريكا الجهاد الإسلامي ، وأمدته عن طريق دول إسلامية بالسلاح ، وفتح المجال لتجنيد المجاهدين ، وصدرت الفتاوى الجهادية ، والتي كفــّرت و أحلت دماء كل من يقاتل مع السوفيت آنذاك ، وحكومة الدكتور " نجيب الله " ، كانت مرتدة بتلك الفتاوى ، وكان هذا الرئيس الذي وقع معاهدات مع المحتلين !!.. قد عاد من الإتحاد السوفيتي وأصبح رئيسا للشرطة السرية عام 1980 م ، ثم رئيسا لأفغانستان عام 1986م ، كان كافرا حلال الدم ، ولم تكن تهمة التكفير والإرهاب تكاد تُســــــمع تلك الأيـــــــام ، فلم يكن للأمريكين حينئـــــذٍ حاجة لترويجهــــــا !!

في أثناء ذلك كانت قد اندلعت الحرب الإيرانية العراقية ، وفي سنة 1982م ، وبينما كان بن لادن يفكر في ضرب الإقتصاد الأمريكي عن طريق ضرب الأبراج ، كان شابا يدعى هوارد تيكر ، الساعد الأيمن لروبرت .س ماكفرلين نائب مستشار الأمن القومي لريغان ــ وكان تيكر قد تخرج في جامعة جونز هوبكينز المختارة ، التي يطلق عليها طلابها مدرسة تدريب السي آي إيه ـ يهتم اهتماما خاصا بصدام حسين ، وكان قد أعد بحثا في عام 1979 ، وخلال عمله كمحلل في مكتب وزير الدفاع ، من خمسين صفحة تنبأ فيه بأن صداما سوف يجتاح إيران ، سعيا لضم أقاليم من طهران الغنية بالنفط عنوة ، كما أنه سيحاول في آخر الأمر تجديد المطالب التاريخيه للعراق في الكويت .

انتقل تيكر بعد ذلك إلى البيت الأبيض ، وفي أثناء أحد الإجتماعات التي حضرها تيكر في البيت الأبيض ، وكان وليام كيسي آنذاك رئيس ألـ CIA ، تحدث بوش الأب عن ضرورة مساعدة العراق بتسليحه ، ورفعه من قائمة الإرهاب ، واتخذ القرار بدعم دول الخليج ، والأردن لصدام حسين .

ولا نريد هنـــا الحديث بالتفصيل عن مدى الإنغماس الأمريكي في دعم نظام صدام حسين ، ودور حتى كلّ من بوش الأب ، ورامسفيلد ، ثم كــل أعضاء الإدارة الأمريكية المليئة أيديهـــم بالدماء جراء تلك الحرب .

فقد تكلم عن ذلك بالتفصيل الكتاب الذي نقلنا منه ـ بتصرف واختصار ـ الفقرتيـن السالفتيـن ، وهو كتاب " التاريخ السري لكيفية تسليح البيت الأبيض للعراق بصورة غير قانونية " لمؤلفه آلان فريدمان ، وهو مراسل لصحيفة " الفايننشال تايمز " اللندنية ، الحائز على جائزة الصحافة البريطانية أربع مرات ، وهو مواطن أمريكي ، وقد صدر كتابه بهذه العبارة " من المعروف أن أنثى العنكبوت بعد أن تقضي وطرهــا مع ذكرها تقضي عليه " .

غير أني أجدني كالمضطر أن أنقل هذه الحكاية المعبرة من مقدمة الكتاب :

" في إحدى ليالي روما الحارة في بداية أيلول 1989م ، كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحا ، عندما توقفت سيارة زرقاء داكنة على مقربة من مقر أكبر البنوك الإيطالية ذات الطراز الموسوليني .

قفز مدير البنك من السيارة متوترا ، وطلب من السائق أن ينتظره ، وفي غرفة مجهزة بحماية أمنية خاصة ، كان هناك فريق يعمل حثيثا بتحليل معلومات متفرقة بين عشرات الوثائق الحكومية والمصرفية السرية الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية .

ناول مدير البنك نائبه الأعلى ورقة تحتوي على أسماء العديد من الشركات البريطانية والأمريكية ، وصرخ بعصبية ، " تحقق من الحاسوب ، في هذا الأمر ! " دوّن المساعد الأسماء وانتظر يراقب الجهاز وهو ينقل سلسلة من الوثائق .

أحس مدير البنك بجفاف في حلقه ،وارتجف على نحو لا إرادي وهو يحدق بالأوراق ، ودمدم " أيتها العذراء القديسة " يجب أن نوقظ الرئيس وربما رئيس الوزراء ، فقد نذهب جميعا إلى السجن بسبب هذا ، وسوف تقضى علينا الشرطة والأجهزة السرية في الصباح ، لقد كنا نمول الصاروخ النووي العراقي " !! ص 7

وافضل اختصار للكتاب كله في هذه العبارة " أما في واشنطن ، فكان بوش وبيكر ، خلال عقد من الزمن ، من بين مهندسي سلسلة من السياسات السرية التي كانت قائمة على تحويل دولارات دافعي الضريبة الأمريكي لمساعدة صدام ، وتصدير التكنلوجيا الأمريكية لبعض مشاريع الأسلحة الفتاكة التي كانت تحظى بجل اهتمام الرئيس العراقي " .

وعلى أية حال فقد قامت أمريكا باستنزاف العراق ودول الخليج في الحرب العراقية الإيرانية ، وكان يتم توظيف الإسلام هنـــا أيضا في خدمة السياسة الأمريكية .

ثم وجدت أمريكا أفضل سبب لإدامـــة الوجود العسكري في الخليج ، عندماتذكرت بحث "تيكــر" ، و فكرته الرائعة عن ضم العراق للكويت ، فعملت أمريكا على إغراء صدام حسين بغزو الكويت عن طريق التحرش بالعراق ، ومطالبته بتسديد ديونه ، ثم إبداء عدم المبالاة الأمريكية بالكويت ، حتــــى صرحت السفيرة الأمريكية في بغداد ، قبل غزو العراق للكويت ، أن أمريكــا لا تربطها بالكويت أي اتفاقيات أمنية .

ووقع فعلا ما كانت تتمناه أمريكا ، وتُغــري صداما بــه من طرف خـــــفيّ ، ثم جاءت بقواتها محتلة الخليج بذريعة حمايته من صدام حسين ، ووظفت الإسلام أيضا في خدمة أهدافها هنا .

وقد وصلت إلى حلمها الأبدي بالسيطرة التامة على بحيرات النفط في الخليج ، ولم يبق إلا إحتلال العراق نفسه ، حتى يصبح الشريط النفطي الأغنـــــى في الإحتياطي العالمي ، تحت سيطرتها المباشرة ، فيتحقق حلم القرن الأمريكي .

وقد حرصت على توظيف الإسلام ، وتسخير الفتوى الشرعية ، لإتمام هذه الخطوة أيضا ، وحصلت على ما أرادت عن طريقين : ـ

وضع مشروعهم في قلب المشروعية الإسلامية نفسها ، محميا بالفقه الإسلامي ، تحت خديـــعة المعاهدين المستأمنين !!

إشغال الإسلام بحرب الإسلام !! ريثما ينتهي المشروع الأمريكي من القضاء على الإسلام ، وذلك عن طريق تسخير الفتوى والحماس الديني ، ورموزالدعوة الإسلامية ، بمحاربة خديعة اسمها : "الإرهاب الإسلامي " ـ أي المجاهدين ـ الذي هو وليس المشروع الأمريكي ـ الخطر الأكبر على الإسلام ، !!

وقد سهــّل عليهم هذه الخدعة ، الزعمــــاء الذين نصبوهــــم وكلاء لمشروع القرن الأمريكي ، فسُخّرت كل إمكانات الدول العربية والإسلامية ، للسير في قافلة هذا المشروع ، وهي تسير إلى مكة لتهدمها !!

فمنهم المقاتـــل ليبقـــــى عبــــــدا لهــذه القافلــــة وهو يظن انه يقاتل لحريـــّــته !!

ومنهم المفتي للناس : أن أمّنـُـوا هذه القافلة حتى تبلغ مقصدها ومن وقف في طريقها فهو خارجي إرهابي سيصيـر إلى جهنــــــم وبئس المصــير !! .

ومنهم الحادي ، ومنهم الحارس ، ومنهم المرتزقة يتكسبون بأي فتات يُلقى إليهم ، ومنهم الرعاع الدهماء ، يسيرون مع عدوهم يرقصون فرحين ، وهو يشحذ السكاكين لذبحهم !!

غير أنه كان في أوائل هذه الحقبة التعيسة من تاريخ أمتنا ، ما يشغل بال الشــاب ابن لادن ، هو : كيف يعيد تركيـــب الصورة الصحيحة ، والوضع السليم لمعادلة الصراع التاريخي بين أمة الإسلام وأعتــى أعداءها الصهيوصليية العالمية .

وكيف يوقظ الأمة الإسلامية ، ويحدث صدمة مدوية في دماغ الأمّة تجبرها على التفكير السليم ، والرؤية الواضحة ، وذلك بضرب عمق القوة التي باتت تستغل أمة الإسلام نفسها ، دولا ، وشعوبا ، وأرضا ، وثورة ، بل حتى الشريعة الإسلامية ، لكي تنتقل من مرحلة إلى مرحلة إلى أن تصل إلى احتلال مباشر لمهد الإسلام ، والهيمنة على أغنى خيرات أرضه ، وإحداث تغيير جذري في ثقافته ، في بنيتها ، وفي أصولها ، وأهـــــم مفاهيمهـــا ، وهي تمارس عبر تلك المراحل تزوير كل الحقائق ، وتضليل الشعوب ، وسحر عقول المفكرين والعلماء !!

برزت حركة طالبان في أقصى الشرق ، وبمعطيات بدائية ، تمكنت من بسط سيطرتها على أفغانستان ، ورأت فيها أمريكا خطرا متناميا على هيمنتها العالمية ، فقررت القضاء عليها بســرعة ، ولم تكن تتوقع أن تكون الضربة الوقائية ـ بالحجم والعنف والفجائية التي وقعت بها في 11/9 ـ ستأتي من مجموعة صغيرة منطلقة من أرض هذه الحركة الناشــئة الضعيفة ، لا تملك شيئا من أسباب القوة بالمقارنة مع الدمار الهائل الذي أحدثته في الإقتصاد والروح المعنوية الأمريكية .

ثم ما تلى ذلك من إخفاقات ، وفضائح كشفت عن الوجه القبيح لأمريكا ، ثــــــــم فشل إثر فشل ، سياسيــّا ، وأمنيّــا ، وإعلاميـــّـا ، وازدياد كراهية العالم لهذا الطاغوت الأكبر الجاثم على صدر العالم.

بينما كانت ولازالت الدول العظمى النووية لاتجرؤ حتى على التلويح بمجرد تهديد أمريكا بعشر معشار ما فعلته القاعدة !!

وقد أدت هذه الضربة إلى زلزال هائل في الخطط الصهيوصليبية ، فأصابتها بحالـــــة من فقدان الاتزان ، وأما في الفكــر الإستراتيجي الإسلامي لحقيقة الصراع فقد أحدثت أيضا هزة عميقة أيقظه من سباته ، ونقلته بسرعة هائلة إلى موقف التحدي الأهـــمّ ، وأوقفته على مسؤولياته الأكبر ، وأرته الصورة الحقيقية ، كما أوقف المجاهد المسلم للصليبية في عقر دارها طارق بن زياد جيشه عليها : هذا عدوكم أمامكم ، فلا تخدعوا أنفسكم ، إما أن تلقوه وإما الهلاك وراءكم.

لقد قالها ابن لادن : هما فسطاطان فاختر أيهما شئت ، فسطاط الإيمان ، وفسطاط الكفر والنفاق ، وقالها بوش أيضا : هذه حرب صليبية ، فإما أن تكونوا معنا ، وإلا فأنتم عدو لنا .

فاليوم تقف الأمة الإسلامية ، الموقف الذي أعــدّها الله لــه ، ويملي لعدوها ويستدرجها إليه ، يقفان وجـــها لوجــــه ، ويشاء الله أن يكون أول اصطدام الأمتين ، واضطرام نار الحرب بينهما ، في أرض الرافدين.

فتواثبت أسود الإسلام ، متوكلة على الله تعالى وحده ، وقد سلت سيف أهل السنة ، سيف الإسلام الأوحد في تاريخ أمجاده كلها ، حاملة على رؤوسهـــا تيجان العزة الإيمانية ، فبهــا تعتــز لا بالقومية النتنة ، ولا بالوطنية الضالة البائسة ، مستنيرة بهدي محمد صلى الله عليه وسلم ، مهتدية بشريعتـــه ، متدثرة بأمجاد دار الخلافة الإسلامية ، متذكرة بطولات رجالاتها العظماء .

فعادت الحرب بقدر الله تعالى وتدبيره ، مع العدو الأول جذعا ، تنادي إليها الرجال دعا دعا ، وقد جمع الله تعالى لها جنوده جمعا ، وضرب بهم أعداءه فقمعهم قمعا ، فهمعت دماؤهم حول الفرات همعا ، وأحيط بهم وقد امتلأت قلوبهم فزعــا .

وسواء قاد الصليبية بوش أو كيري ، فهم سواء ، فلن يكون مستقبل هذا الصراع مهما طال أمده ـ بإذن الله ـ إلا لصالح الإسلام ، وسيعيـــد في نهاية المطاف تشكيل النظام العالمي ، ليكون الإسلام فيه غير ما كان في القرن الماضي ، فهذا القرن سيكون بإذن الله قرن الإسلام .

غير أن الشأن كلّ الشــــــأن ، هـــــو أين سيكون موقفك اليوم أيها المسلم ، في صف أجناد الله فتفوز فوزا عظيــــــما ، أم في صف أعداءه فتهلك مع الهالكين ، فخسروا والله ، وما كســــــبوا ، أم كالذين في قلوبهم مرض فهم في ريبهم يترددون ، أولئك الذين أركسوا بما كســـــــبوا ؟!!

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006