تخبط أم صفقة أم الحرب خدعـة؟

 

تخبّط أم صفقة أم الحرب خدعـة؟!
،
حامد بن عبدالله العلي
،
لايحتاج المرء ذكاء ليعرف أن القوتين المتنافستين على الخليج أمريكا وإيران ليسـتا بحاجة إلى إرهاق النفس في كتابة ، وإخراج ، وإنتاج ،  تمثيلية سياسيّة عالميّة ، وإشغال الإعلام بها ، فما أشدّ سذاجة أولئك الذين لايزالون يظنون أن المسرحية التي لم تنتهي أدوارها منذ ثلاثين سنة من التناقض بين المشروع الغربي والصفوي ، والتنافس بينهما ،  هـي أطول مسرحية في التاريخ ، لعب على مسرح أحداثها أبرع الممثّلين الذين لايكلّون ، ولا يملـّون !
 
  والعجب أنهم لم يسألوا أنفسـهم : ما الحاجة إلى كلّ هذا ؟!  والحال أنه ليس ثمة منافس ثالث قوي إلى درجة أنّـه لايمكن النجاة منـه إلاّ بمخادعـته .
 
فإنّمـا هي شعوب تقاد كالقطعان ، وأنظمة فاشلة ، وجاهلة ، ولاتملك من أمرها شيئا ، ثم تُـرى ما حاجـة الأمريكيين لكلّ هذا التمثيـل ؟! والحال أنهم يحصلون على كلّ ما يريدون من دول المنطقة ، بل هـم حكّامها أصـلا ، بلا حاجـة إلى هذه المسرحيـة السخيفة ، ولقد أرادوا احتلال العراق ، فما احتاجوا إلاّ إلى أوامر فتحت لهم بهـا جميع الطـرق لإحتلال العـراق ، واكتفى الجيران بالتفـرّج على أكبـر جريمة في العصر الحـديث ، بل أعانوا عليها .
 
وبعيدا عن هذه السذاجة المثيرة للسخرية التي يصل إليها أحيانا المولعون بنظرية المؤامـرة ، يبقى السؤال الحقيقي : هل التقريـر المثير للجدل الذي نشرته الإستخبارات الأمريكية في توقيت له دلالات ، هـل هـو مؤشـر علـى صفقة مـا ـ حتى لو كانت مؤقتـة في سياق الخداع السياسي ـ بين القوتين المتنافستين $$$
 
ولاريب أنَّ المواجهة القائمة بين أمريكا ، والنظام الإيراني الحالي ،  معقـّدة جدا ، وتمـتدّ إلى عدّة دول ، وتحمل تحتهـا عدّة ملفّـات معقّـدة أيضا ، فالقوّتان تخوضان منذ عقود ،  حرباً سريـّة شرسـة ، خارج حدودهـما ، كما في العراق ، ولبنان وفلسطين ، وفي الداخل ايضا ، على الصعيد السياسي ، والإقتصادي ، والثقافي ، ومثل هذه المواجهـة ، بين مشروعين متناقضين ، في مسيرة التاريخ ، لاتتلاشى هكذا بصفقات عابرة تمليها تكتيكات تندرج في إطار المكر السياسي ، الذي لايعـترف أصـلا بصفقات دائمة .
 
والمتأمـّل لإعلان الإستخبارات الأمريكية الأخيـر توقف النظام الإيراني عن برنامج التسليح النووي عام 2003م ،  يلحظ بوضوح أنه كصياغة القرارات والإعلانات الصهيونية ، إعترافـات ملغَّمـة بضد مقصـودها ، وتطمينات تنطوي على التلويح بالخطـر  ، فهي كما يقال : أخوك البكري ولا تأمنه !
 
ومع أنَّ الغـرق الأمريكي في مشكلات المنطقـة ، بما لم يسبق له مثيـل في تاريخ سياستها الخارجية ، يجعل رضوخها لصفقة سـريّة مع النظام الإيراني في هذا الوقت الحـرج ، متنفَّسـا معقولا وإن كان كلجـوء المريض للكـيّ ، ريثما تأتي تطورات مستقبلية بما يغسل هذا العار الأمريكي فـي إبرام صفقة مع محور الشـر الذي طالما أشغلت أمريكا العالم ، بأنه أكبـر خطر على المجـتمع الدولي!
 
غيـر أن احتمال أن هذا التقريـر جاء نتيجة تخبّـط في السياسة الأمريكية نتج عن ضعـف بوش الموصوف في أمريكا بالغافل ، المرتجل ، والأخرق ، مما جعل مستشاروه يتساقطون من حوله ، وجاء أيضـا نتيجة انهيار كبير في قوّة المحافظين الجدد ، إثـر الفضائح المتكـررة الكارثية التي سوّدت وجوههـم ، وأعظمها المستنقع العراقي ، هذا الإحتـمال قـوي جدا ، فأمريكا اليوم ـ كما الكيان الصهيوني ـ في أسوء أحوالهـما  السياسية ، وإن حاولا عبـثا إخفاء ذلك .
 
وهذا يعني أن الإستخبارات ضاقت ذرعا بتضحيـة هذه الإدارة الحمقاء بسمعتها ، ونأت بنفسها أن تكـرر فضيحة كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية ، فآثرت بيان (إبراء الذمة) ، آثـرته على التساوق مـع أهداف الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة أحمقهـا ،
ومما يقوي هذا الإحتمال أنّ الحلفاء الذين جيَّشتهم الإدارة الأمريكية ضد إيران تفاجئوا بالتقرير واندهشوا منه ، حتـى بـدا وكأنّه طعنة في الظهـر ، ومن غير المعقول أن تكون الإدارة الأمريكية خططت مع الإستخبارات لهذا التناقض!
 
كما أنّ احتمال أنَّ الأمريكيين بنوا هذا الإعـلان ، على التقارير الواردة من الداخل الإيراني ، والتي تؤكـّد أن النظام مسـتفيد بإضطراد من تبنّيـه القضية القومية الكبرى ، وهي الملف النووي ، ومن التصعيد الإمريكـي ضـدّه ، لإضعاف المعارضة ،
 
 وأنَّ الوقـت قـد حان لتركه ـ بتهدئـة الضغوط الخارجية ـ ليتآكل من الداخـل ، ولكنها تهدئـة إلى درجـة كافية فحسـب ، لا تعطيه صـك براءة كاملة.
 
هذا الإحتـمال له حظّ من النظر ، ويذهب إليه مراقبون آخرون مطّلعون على الشأن الإيراني .
 
وعلى أيـّة حال فإذا كان وقـت الصدام العسـكري لايزال في حيّز المجهـول
 
فثمّـة ثلاثة أمـور متيقّنـة في هذه اللعبة :
 
أحدهـما : لاشيء البتـّة في هذا التقريـر ، يدلّ على أنَّ المواجهـة بين المشروعين انتهــت ، ولا هي قريبة من أن تنتهي ، بل هـو أدلّ على أن ما سيأتي أشـدّ ، وأخطــر .
 
الثاني : أنّ النظام الإيراني لايـزال هـو أكثـر من استفاد بدهاء من الغباء الأمريكي ، لكنـه فعـل ذلك بعد إعداد هائـل لهذه المرحلة ، استطاع فيه أن يجمع أوراقه القوية بذكاء ، بحيث سقـطت كلّ ثمار التخبّط الأمريكي ـ لاسيما كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية ، التي استهلكت في غزو العراق ـ فـي حجـر طهــران .
 
فإذا ألجأ هذا النظـام الأمريكين إلى صفقة يعطيهم بها في لبنان ، وفلسطين ، شيئــا ، ويعطونه في الملف النووي ، والعراق ،  شيئــا ، فهذا يعني أنه حقق إنتصارا ذكيّـا مؤقتـا، لكنه إنتصـار في معـركة طويـلة ، لايريــد الأمريكيــون حتـما أن تنتهي إلاّ على أنقاض النظام الإيراني الحالـي ، بينما يحـلم النظام الإيراني فيهـا أن يكون انتصاره ، تقاسم بعـض النفوذ في المنطقـة مع الأمريكيين .
 
الثالث : أنـّه مهما حدث من شيء في المستقبـل ، فسيصبّ في مصلـحة الأمّـة قطعـا ، فإنّ هذه المواجهـة ستُنهـك أطرافهـا ، لصالـح مخاض أمّـة تتجـدّد .
 
 ولاريب أن هذه الصحوة الإسلامية المباركـة ، بفكرها ، ودعوتهـا ، وجهادها ، مهّيئة لأمـر عظيـم ، لا نراه سوى نهضة حضارية شامـلة ، وسـوف يبلغ الله تعالى بها نصـره إذا اجتمع فيها ، فقه سديد ، وجهاد رشـيد ، وإخلاص لرب العبيد
والله المستعان .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2007