:::. موقع الشيخ حامد بن عبدالله العلي .:::

يُحكى .. أنـَّه بيْنـا الأسد يستمتع بقيلولته ، مستلقيا بجانب اللبوة تحت ظـلِّ شجرة وارفـة ، في حـرِّ الظهيرة في الغابـة ، وهو يتلمـَّظ بعظـم أتانٍ وحشية صادها بالأمس ، إذ جاء ثعلب ماكـر ، فمكث غير بعيد ، على صُخيرة قريبة ، وأخذ يكيل الشتائم للأسد ، ويسخر منه أشدّ السخرية ، وأنَّه ملك الغابـة ، والأسد يتصدَّد عنه ، ويتشاغـل ، بطريقة مثيرة للإستغراب !

فما كان من اللبوة مندهشةً ، إلاَّ أنْ لامت الأسد على هذا التخاذل المشين ، وهو يشير إليها برأسه أن لاتفعلي شيئا يا أمـة الله ، ولاتحـرّكي ساكنا ، وكما أنت حتى يذهب الثعلب وشأنه.

وكان كأنَّـه يخفي شيئـا ، وفي فمـه مـاء ، فلم يقنع ذلك اللبوة حتى اندفعـت وراء الثعلب ، والغضب يتطاير من عينيها نـاراً ولظـى ، والحصى يقدح شررا تحت أقدامهـا عدواً ، فانطلق الثعلب مسرعا أمامها ، حتى استدرجها إلى حيث جذع منقوب لشجرة كبيرة ، كهيئة النفق ، فاقتحم فيه ، فاقتحمـت وراءه ، فعلقت إلاَّ مؤخرتها $$$

فلما تيقَّـن الثعـلب ، أنْ قـدْ أعيـاها أن تُخرج رأسها القهقرى ، خرج من الجانب الآخر ، فاستـدار وراءها ، فاغتصبـها اغتصابـا مُنـكراً ، وهي تنفخ بغضب في ذلك التجويف ، فيرتد إليها دخان غيظها بمهانـة ، تكاد تموت منها كمـداً .

حتى إذا قضى أبو نوفـل ـ كُنية الثعلـب ـ وطـره ، مضى يتبختـر بكلِّ ثقـة نافضـاً يديـه.

وعادت اللبوة بعدما تخلصت من مأزقها ، فجلست إلى جانب الأسد ، وقد علاها الصمـت ، والإنكسـار ، فألقى إليها الأسـد بنظرة باهـتة ، وقـال: قــد أخبرتك أن أمكثي صامتة خير لك !!

لايختلف هذا المثال عن حال الصهاينة ، والنظام العربي ، سوى فـي أنَّ مثـل الأسد لايليق بهذا النظام بلاريب ، مع أنَّ قدرته أن يكون أسـداً في متناول يده لو أراد !

غير أنَّ تلاعب الصهاينة بالنظام العربي ، وبزعاماتـه ، عبر العقود الماضيـة ، يشبه ما صنعه الثعلب ، وما أشبه ما يسمى بمسيرة السلام ، أومفاوضات السلام ، بذلك النفق في شجرة الثعلب !

بل إنّّ تلاعب الصهاينة بهـم أشـدّ ! حتى إنهم فقدوا الشعور بخزي التعرض لمهانة الإغتصـاب ، من كثرة ما أصابهم منه ، منذ ما قبل أن تشترك هيئة الأمم المتحدة بعمليات الإغتصـاب ، إلى يومـنا هذا .

وأخيرا نسف نتنياهو كلَّ شيء منذ أوسلو 1993م ، ولم يصنع سوى أن وضع نقطة على ( حـل ) ، وتخلى عما يسمى حل الدولتين ، وعن أيِّ مناقشة لما سمى قضايا الحـلّ الدائم ـ اللاجئون ، الحدود ، القدس ، المستوطنات ، الميــاه ، العلاقـات الخارجية ـ وأطلق مشروعا جديدا ، سماه مقاربة جديدة ، وهو واضح المعالم :

ويرفض أيّ مسؤولية للكيان عن وجود لاجئين فلسطينيين أصـلاً ، فضـلاً عن حقهم في عودة.

يكثف مصادرة الأراضي في القدس لتهويدها ، وبناء المستوطنات ، وللتحكم في الثروات ، والمياه ، وكلِّ شيء.

وكـلّ ما أمكنه أن يتصدَّق به ، مصحوبا بوقاحة المنـَّة ، هو ما أسماه حقوقا مدنيّة ، ودينيّة ، للفلسطينيّين ، ليديروا شؤونهـم البائسـة ، على أنهم أقليـِّة أجنبية ، تعيش في ظلِّ دولة يهوديـة .

وذلك بعد أن يعترفوا علنـا ، بيهودية الدولة المتغتصبـة لوطنهـم ، وأحقيّـتها بأراضيهم ، وأنهـم لاحق لهم سوى ذلك .

وفوق هذا فهو يطالب بتطبيع شامل من الدول الإسلامية مع الكيان الصهيوني ، ويتطلَّع إلى تحويل مسار القضية برمّتها إلى تعاون كامل ضدّ الخطر النووي الإيراني .

أما أوباما التعيس ، فبعث ميتشيل ليقول للزعماء العرب ، غيـِّروا مبادرتكم العربية التي تنازلتم فيها عن كلِّ شيء ، فإنكم متشدِّدون فيها جداً ! ويلزمكم الإعتراف بيهودية " إسرائيل " ، وإسقاط حق العودة ، والتجاوب مع تغيـُّر المرحلة ، وتطورات المشهد السياسي في الكيان الصهيوني.

وهذا كلُّه غير مستغرب ، فالصهاينة ، والأمريكيون ، منشغلون من أخمص القدم ، إلى مفرق الرأس ، بحل المعضـلة مع إيران ، للوصول معها إلى صفقة ما ، تخلِّصهم من هاجس تحولهِّـا إلى دولة نووية ، هذا فحسب هـو ما يقلقهـم .

ولهذا اشتد الركض هذه الأيام ما بين بعض العواصم ، والعقبة ، وتمَّ على إثره بث تصريحات أمريكية ـ صهيونية مدروسة بشأن التعاون العربي الصهيوني ضد إيران ، لتخدم الجانب الصهيوني الأمريكي في هذا الملف الشائك في المفاوضات السرية.

والأمـر الأخـر الأشدُّ قلقـا ، هو تنامي الفكرة الجهادية في العالم الإسلامي ، ولهذا هم مستنفرون اليـوم على باكستـان ، وأفغانستـان ، بإعتبـار تلك المنطقة ، هي العاصمة الروحية ، والثقافية ، والعسكرية ، والسياسية ، لهذا الفكرة الخطيرة ، التي وحدها ، سوف تقضي بإذن الله تعالى، على وجود الكيان الصهيوني .