الدفاعْ عَنْ عَقيدَة الموحـّدين ، وَردْ باطلِ المُفْســِدين ، فيِ تَعبيِدِ النّاس للْـ"وطنيّـة" ، وتَشْويـهِ مَعْنى البَيْعةِ الشّرعيّـةِ ، وَإِمامةِ المُسْلِميـن

 

الدفاعْ عَنْ عَقيدَة الموحـّدين ، وَردْ باطلِ المُفْســِدين ، فيِ تَعبيِدِ النّاس للْـ"وطنيّـة" ، وتَشْويـهِ مَعْنى البَيْعةِ الشّرعيّـةِ ، وَإِمامةِ المُسْلِميـن


حامد بن عبدالله العلـي

الحمدُ للهِ الذي نَصــر الإسلامَ بحولِهِ وقـوتِهِ ، واستَعْمَل في ذَلكَ أولياءَه وخيرتـَـه ، وأدالَ على الصهاينةِ والصليبييّن ، فأرَانـَا فِيهِم عَجَائِبَ قُدْرتِـِه ، وأَظْهَـرَ بَشائـِرَ الفــرَجِ عَلى يـَـدِ جُنـْدِه وصَفْوتـِـه ، وَرَفـَـع رايَةَ الإسلامِ بِفْضْلِهِ ، ونِعْمَتـِه ، وَقَمَـعَ كيدَ الأعْداءِ بِبَطْشِـه ، وَنِقْمَتـِه .

الحَمْدُ لله وفاءً لنعمِهِ ، واسْتجْلاباً لمزيـدِهِ ، وَقياماً بِحقـّـهِ ، والصلاةُ والسّلامِ عَلى الرّحمْةِ المُهداةِ ، وَالنّعْمَةِ المُسْداةِ ، حامِلِ لواءِ النّصرِ المُبين ، سيّـدِ وَلدِ آدَمَ المصُطْـفَى عَلى العَالمين ، مُحَمّد بنِ عَبْدالله وَعَلى آلهِ وصَحْبِهِ أَجمعيـن ،،

وَحُقّ لأَهل الإسْلامِ أنْ يَسْتبشرُوا مِنْ هَذه السّاعةِ بِنصرِ اللهِ تَعالى ، فَمـَا بَعدَ هَذا العِزّ والظُّهور ، وَانْدِحَارِ الصّهايِنـةِ مِنْ غـزّة ، وَانْكِسارِ الصّليبيـّن فيِ العِراقِ بالذل والعَاثـُـوُر ، وَرُجوعِ القوّةِ والهَيْمَنة لجُنْدِ طَالبانِ في أَفْغَانِسْتانِ ، إِلا إِعْلانِ النصْرِ المُؤَزّرِ ، وَالمجـْـدِ المُظَفـّـرِ ، تَحْتَ رَايةِ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله ، وَاللهُ أَكْبـَـرْ ،،

وهذه آيات الهزيمة على وجوه الأعداء لائحة ، وعلى ألسنتهم بادية واضحة ، لاتخفى منها خافية ، ولا تستـر منها فاضحــة .

غير أنـه يجب أن ننبّـه اليوم على أمر في غاية الأهمية ، وهو أن هذه الأمة قد أثبتت في تاريخها ، أنْ قــد أودع الله فيها من القوة المعنوية ، والطاقة الإيمانية ، والجلد في الجلاد ، والصبر عند ملاقاة أهل الكفر والعناد ، مايمكنها من إلحاق الهزيمة ، بكل من غزاها ، وجميع من عاداها ، فهي على دحر الأعداء مهما بلغت قوتهم ، وعظم مكرهم ، قادرة بقوة الله ، منتصرة بحول الله ، منصورة بنصر الله ،،

هذا إذا قام فيها من حقق التوحيد ، الذي هو حق الله على العبيــد ، واهتدى بهداية الوحـي المجيــد ،

ولهذا يجب أن ننقح المفاهيم المغلوطة الدخيلـة على الإسلام ، ونزيّف المزيف منها ، ونوضّح السديــد ،

غير مغترين بكثرة الخائضين في الباطـل ، القائلين على الله بغير علم ، الكاذبين على دينهم ، المفترين عليـه بغير الحق ، الصائليـن على دلائل الكتاب والسنة ، الساعين بالفساد فيها ، المبتغين لها عوجــا ، الناكبين عن الصـدق .

هذا وقد كثر اللغـط ، واختلط العدل بالشطط ، في ثلاثة مفاهيم مهمة ، قــد أدّى الخلط فيها إلى فساد عريض ، فاختلط الحق بالباطل ، واغـتر بكثرةِ المبطلين الغـرّ والجاهل ، وهـي :

مفهوم الوطن ،

والبيعة ،

والإمام الواجب الطاعــة ،،

ولما كانت هذه المفاهيم غاية في الخطورة ، إذ قـد ينبني عليها سلامة العقيدة ، وحفظ رسالة الأمة ، وصون دينها ، وتوجههـا الحضاري ،،

فالأمّة إن جعلت الوطن وثنا يعبـد من دون الله ، وشريعة تحادّ شريعة الله ، وجعلت بيعة الإمامة الشرعية ، وسيلة لتسلط المفسدين على رقاب المسلمين بإسم الديــن ، وجعلـت السلطة بيد الخائنين ، زاعمـة أنها هداية الكتاب المبين ، فأيّ بقاء لها بعد هذا ، فقــد تُودّع منها إلا أن يتداركها الله برحمته ،،

وفيما يلي بيان الحـق ، مصدوعا به بغير خفــاء :

الوطن في الأصل هو الأرض التي يستوطنها الإنسان ، كما في لسان العرب ( المنزل الذي تقيــم بـه ) ، لكنه قــد يُطلق اليوم على النظام السياسي الحاكــم بقوانين على حدود جفرافيّة وشعب ، أيْ الدولة ، وكثيــرا مـا يخُلط بين مفهوم الوطن ، ومفهوم الدولة ، وثمة خلط آخر بين النظام والدولة ،

وغالبا في بلادنا العربية يفرض النظام الحاكــم نفسه أنـّه الدولة كلها ، ويختزل الشعب ، فلا قيمـة لـه ـ مالم يكن رقيقا للنظام فقيمته على قدر رقّه ! ـ إلاّ في الخطابات السياسية !! ويجعل القوانين تابعةً للنظــام الحاكــم ، والحدود السياسية ملكُه الشخصي !! ثم يخلط بين مفهوم الوطن ومفهوم النظام الحاكم ، فيجعل الخيانة للنظام الحاكم ، خيانة للوطن ، وخيانة للدولة ، بينما يكون هو خائنا للوطن والدولة والشعـب معــا ، أما خيانة الديــن فتلك السابقة دائما ، والتي لزم منها كل هذه الخيانــات !!

والخلاصة أن المفهوم السياســي للوطن في الإعلام العربي والخطاب السياسي ـ غالبا ـ ينتهي إلى أنه الكذبة الكبرى التي اصطلح الجميع على إستعمالها للوصول إلى أطماعه الخاصة ، الحزب الحاكم يستعملها مادامت توصله إلى أطماعه ، وطبقة التجار كذلك ـ إن كانت ثمة طبقات تجار خارج السلطة التنفيذية ـ مادموا يحصلون على الصفقات الكبرى ، والأحزاب الساعية للسلطة يمتطــون هذا المفهوم للوصول إلى السلطة .

ولهذا ينكشف الأمـر عندما يتخلى الزعيم عن الأرض هاربا عندما يفقد سلطته ، وتعيش الأحزاب السياسية خارج الوطـن ، وهي تتاجر سياسيا بشعاره ، ويُخرج التجار أموالهم ليهربوا إليها عندما تتهدد مصالحهم التجارية في الوطــن ، بينما كانوا يجعلون الأرض سوقا استثماريا فحسب ، ويبقى فيها الشعب المسكين الذي كان مخدوعا بهذه الكذبة ، حبّ الوطن ، إنه حقـا زمــن الزيــف والخــداع .

لقد أصبح مفهوم الوطن ـ معذرة ـ كالعاهرة التي يزنون بها جميعـا ، ويستر الجميع على الجميع ، وقوّادهـا هـو الأطماع الشخصية لكل فئــة !

ثم إنــّه من الواضح أن علاقة الإنسان بالأرض إنما هي تبع لغريزة البقاء بحثا عن الغذاء ، الطعام والماء ، لايمكن أن يكابر الإنسان فيدعي خلاف ذلك ، ولهذا فهو يهاجر من أرضه إن لم تمـدُّه بأسباب البقاء ، مدفوعا بغريزته .

وعلى أية حال فهذا كلّه وصف للواقع العجيـب ، في هذا المفهوم الغريـب !

أما الإسلام فإنـّـه :

1ـ يجعل الأرض تابعة للعقيدة ،ولهذا يقسّم الإسلام الأرض إلى : دار إسلام ، ودار كفـر ، فالأرض التي تعلوها أحكام الله تعالى ، هـي وطن لكل مسلم ، إتباعــاً لعقيدتــه ، وضدها هدف للمسلمين لإعلاء كلمة الله تعالى عليها بالجهاد ، فالأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده ، وقـد أمرنا أن نُعلي في الأرض كلّها كلمة الله تعالى .

2ـ أرض المسلم الأصليّة هي الجنة ، كان فيه أبونا آدم وأمّنا حواء ، فأخرجتهما المعصية ، ويُردّ إليها وبنوه ، بطاعة الله تعالى وعبادتــه ، قال تعالى ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) ، ولهذا فحتّـى ذلك الوطن ، إنما يرتبط مفهومـه بالعقيدة التي أصلها أنّ عبادة الله تعالى هـي السبب الحقيقـي لكلّ خير وفلاح في الحيــاة ، وهي هدفهــا الأعظــم ، والضــدّ بالضـد .

ونحن في هذه الأرض السفلية غرباء ، نقضي فيها زمنا يسيرا ، لايَكاد يُذكر ، في عمر الحيــاة الدنيا ، أمّا في عمر الحياة الأبدية فلا شيء البتة ، ثم نرجع إلى أوطاننا ، وفي الحديث ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) رواه البخاري.

3ـ لما كان دين الإسـلام هو الأصل ، والأرض تبـع ، وجب على المسلم الهجرة من الأرض التي لايمكنه أن يعبد فيهـا ربـّه ، ويظهر دينـــه ، فالهجرة سنـّة الأنبياء ، ( إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، ولهذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكّـة إلى حيث يقيمون دينهم ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) وقال تعالى ( يا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) .

4ـ تقديم حبّ الأرض ـ أو القومية أوالعشيرة أو النظام السياسي ..إلخ ـ على نصرة الدين ، شرك بالله ـ تعالى عما يشركــون ـ وهو مــن شرك الأنداد ، قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) ، وقد بيـّن القرآن المحابّ التي تتخذ أندادا مع الله ، في سورة التوبة قال تعالى ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .

وإلفُ الإنسان للأرض التي يعيش عليها أمــر فطري مباح ، كما يحبّ أهله ، و قومه ، وكراهيته التغرب عن أرضــه كذلك ،ولاتثريب عليه أن يتمسك بمحابـّه ، ويدافع عنها مالم يخالف شريعة الله ، غيـرَ أن كلّ محبوب للإنسان يجب أن يكون بعــد حــبّ الله ، ورسوله ، ونصر دينه .

5ـ أرض المسلمين ومنهــا التي عليها يـدٌ عادية من نظام مرتد ، أو كافر أصلي محتـل ، يجب تخليصها بالجهاد ، لادفاعا عن مجرد الأرض ، بل لأنها أرض المسلمين ، وعن نسبتها إلى العقيدة ، ولإقامة شريعة الله فيها ، فهذا هو الأصل الذي يُجاهد من أجلـه ، وقتال المسلم دون أرضه التي يملكها من جنس القتال دفاعا عن ماله .

وثمة فرق كبيـر بين الحدود السياسية لنظام ، وبين المال الخاص ، والحدود السياسية الشرعية تابعة في الأصـل لمفهوم سيادة الأمة بكلمة الله على الأرض ، وتُقسّم بناء على ذلك دار الإسلام ، ودار الكفـر كما بينا ، وليست تابعة لسلطات الأنظمـة ،فالنظام يزول ، أو يُزال ، ويأتي غيره ، والأمة برسالتها باقيـة ، وأرضها المحكوم عليها بشريعتها حق عام لها ، لايملكها أحـد كائنا من كان .

6 ـ ومن قاتل لكي ينصر نظاما سياسيا لايخضع لأحكام الشرع ، أودفاعا عن الحدود التي يسيطر عليها هذا النظام ، فهو يقاتل تحت راية جاهلية عمياء ، سواء سماه دفاعا عن الوطن والأرض وغير ذلك ، ومن غرر المسلمين بأن أفتاهم بغير هذا ، فقد أوردهم دكادك النار ، وهو قائدهم إليها ، وبئس الورد المورود .

7ـ جميع الحدود السياسية التي تفرّق الأمة ، حدودٌ جاهلية ، وجعلها أساسا لأحكام الولاء ، والجهاد ، والإمامة ، والبيعة ، ضلال مبين ، وسبب في ضعف المسلمين ، وتسلط الكافرين ، ويجب على الأمة السعي لإزالتها ، وإلـى نظم الإمة في خلافة واحدة تحكمها ، وترك السعي لذلك تفريط فيما هو من أعظم واجبات الدين .

أما البيعة على الإمامة فهـتي عقد شرعي ، ينوب فيه الإمام عن الأمّـة في تنفيذ أحكام الله ، ولهذا نص الحديث ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله ) رواه البخاري .

ولهذا مضــت السنـة أن يُنـَصّ في البيعة على هذا الشرط ، كما في الصحيح أيضا قول عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه : أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده.

ويكون له مقابل قيامه بهذا الواجب الطاعــة ، وهو واجب الرعيّة مقابل واجب الإمام ، فإن لم يأت الإمـام بوفاء مـا بويع عليه ، فلم يقم بواجب إقامة الشرع ، ونصره وحفظ الدين ، ومصالح المسلمين ، انفسخ العقد كسائــر العقود الشرعيــة .

وإنما يبايعه أهل الحل والعقــد ، وعليهم واجب النظـر في استمرار صحة البيعة ، والرقابة والمحاسبة علـــــى الإمام ( السلطة التنفيذيــة ) ، وهذا الذي يطلق عليه في العصر نظام فصل السلطات ، وهو في الأصـل نظام إسلامـي ، هدفه ضمان بقاء الدولة في نفع الجماعة ومصلحتها العامــة ، ومنعها من استغلال آلة الدولة لمنفعة خاصــة

وقد عُطّل في البلاد الإسلاميـة ، فأصبح الحاكـم مطلق السلطـة ، واخضع العلماء المزيفــون الناس لسلطته المطلقــة بخطاب دينـي مزيـّـف ليس هــو مذهب أهل السنة ، وإنما مذهب الطمـع والجشــع ، أو الخــوف والجــزع ، فانتشر في ديار الإســلام الظلـم ، وانتهكت حقوق الرعيـّة ،

وأقامه غيرهم فكفوا يد البغي بينهم ، وضمنت رعاياهم بقاء الدولة راعية لحاجاتهم ، موفرة لمصالحهم .

ومقتضى البيعة على الكتاب والسنة أن يكون إماما للمسلمين لايفرق بينهم ، لأن أساس الإمامة والدولـة في الاسلام ، ملّـيُّ قائم على الدين ، بحيث يجمع المسلمين على ولاء الإسلام ، وعلى إقامته ، وحفظه ، ونصرة المسلمين ، وليس أساسـه وطنيـاً قائمـا على معنى الوطنية العلماني العصري الذي يجمع المنتسبين إلى رابط الوطنيــة ، التي تقدم على الدين ، فـي صورة من صور الشــرك والوثنية المعاصرة.

أما طرق إنعقاد البيعة فهي الاختيار والاستخلاف ، ولايكون عقـد البيعة شرعيـا إلا بعقد أهل الحل العقد بيعة الإمامة بالشروط الشرعية ، والمتغلب إن توفرت فيه الشروط بايعوه وصحت إمامته بذلـك .


والإمـام الواجب الطاعة في الإسلام :

هو الذي ينصبه أهل الحل والعقد ، من أهل العلم ، وذوي الرأي والرشد ـ أو يستخلف ـ ويبايعونه على أن يكون إماما للمسلمين ، لايفرق بينهم ، في جنس ، ولا أرض ، ولا قومية ولاقبليّة ، ولايخضع لأحكام الكافرين ، ولايدين لأحكامهم والقوانين ، ولايواليهم من دون المؤمنين ، بل يقطع أيديهم العادية على أرض الإسلام وأهله ، وينزل بهم في ديارهم رايات الجهاد ، بجيوشه وبأســه ،،

وقــد قال الإمام أبويعلى الحنبلي في الأحكام السلطانية :

" ويلـزم الإمام من أمور الأمّـة عشرة أشياء :

أحدها : حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة ، فإن زاغ ذو شبهة عنه ، بيّن له الحجة ، وأوضح له الصواب ، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ، ليكون الدين محروسا من الخلل ، والامة ممنوعة من الزلل.

[ أما مسائل الإجتهاد ( التعددية الثقافية ) ، واختلاف الآراء في السياسات ( التعددية السياسية ) فهـي في حيز المباحات مادامت خارج دائرة الأصول المجمع عليها ]* .

الثاني : تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين ، وقطع الخصام بينهم ، حتى تظهر النصفة ، فلا يتعدى ظالم ، ولايضعف مظلوم .

الثالث : حماية البيضة ، والذب عن الحوزة ، ليتصرف الناس في المعايش ، وينتشروا في الأسفار آمنين .

الرابع : إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الإنتهاك ، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك .

[ ونصب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر للأخذ على يد المفسدين ، وقطع دابر المجرمين ] **

الخامس : تحصين الثغور بالعدة المانعة ، والقوة الدافعة ، حتى لاتظفـر الأعداء بغرة ، ينهكون بها محرما ، ويسفكون فيها دما لمسلم أو معاهد .

السادس : جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة ، حتى يسلم أو يدخل في الذمة .

السابع : جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير عسف.

الثامن : تقدير العطاء ، وما يستحق في بيت المال من غير سرف ، ولاتقصير فيه ، ودفعه في وقــت لاتقديم فيه ولا تأخيــر .

التاسع : إستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال ، ويكله إليهم من الأموال لتكون الأعمال مضبوطة ، والأموال محفوظة .

العاشر : أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور ، وتصفح الأحوال ، ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة ، ولايعول على تفويض تشاغلا بلذة أو عبادة ، فقد يخون الأمين ويغش الناصح ، وقد قال تعالـــى ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) فلم يقتصر سبحانه على التفويض دون المباشرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسوؤل عن رعيته " .

وإذا قام الإمام بحقوق الأمة ، وجب عليه حقان :الطاعة ، والنصرة ، مالم يوجد من جهته ، ما يخرج به عن الإمامة "

وتأمل قوله " إذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب عليه حقان ، الطاعة ، والنصرة مالم يوجد من جهته مايخرج به عن الإمامة "

فطاعة السلطة ، ليست مطلقة ، بل هي بعد قيامها بحقوق الأمة، فالأمة هي الأصل ، فالسلطة منها وإليها ، والإمام نائب أو وكيـل عنها ، إن أدى إليها حقها ، وإلا فليس له حقوق ، ولا كرامة له ولانعمة عين بعد تضييع حقوق الأمة ، وأعظم حقها صيانة دينها ، وحمل أمانة رسالتها الإسلامية في داخلها ، وإلى خارجها .

وقد وضع القرآن العظيم أصل البيعة الشرعية التي يصيربها الإمام ولي أمر المسلمين ، وهـي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) .

فولـيّ الأمـر ، هو الذي إن تنازعنا وإياه في شيء ، رد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وســلم ، لا إلى سلطان شريعة كافـرة ، ولاإلى هيئة دولية مارقة ، ولا إلى سياسة جائرة .

هذا نص الكتاب العزيز ، فمن حاد عنـه ، فإنما هو في شقاق ، عافنا الله وإياكم من مرض القلـب والنفاق.

والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيــل ، وصلى الله على نبينا محمـد وعلى آله وصحبــه وسلم تسليما كثيرا

-----------
* ، ** زيادة من كاتب المقال ، ليست من كلام الإمام أبي يعلي رحمه الله


الكاتب: حامد بن عبدالله العلـي
التاريخ: 07/12/2006