عـــــَـامْ الخـُــــــرُوُج علَى الحُكــَّــــــامْ !!

 

عـــــَـامْ الخـُــــــرُوُج علَى الحُكــَّــــــامْ !!ـ



حامد بن عبدالله العلي

نستطيع وبلا أدنـى تردد بلا ريب ـ والعالم يشاهد الخروج على الحكومات بوسائل الإعلام بالنقل المباشر فليس بمقـدور كائنا مـن كان أن يجادلنا ـ أن نقول إن الخروج على الحكام خرج مــن رحــم التنظير إلى واقع التطبيق العملي فعلا وواقعا حيــّا ، وتـم تحقيق نصر ساحق "للخوارج" في هذا العام ، وكـذا الذي قبله ، والذي قبله ، بل منذ سقوط جدار برلين ! ـ وسنشرح لاحقا علاقة مذهب الخوارج بجدار برلين ـ حتى إننا يمكننا أن نسمى هذا العام ، عام "الخوارج " ، ولو كان مشروعا ، لحُـقّ لهم أن يتّخذوه عيــدا !!

لقد أثبتت أمريكا أنه منهج سياسي واقعي ، وقابل للتطبيق ، وبغض النظر عن إعتبارات أخرى ، فالشعوب تبدو غير مبالية على الأقــل ، وأما الحكام فيرضخون له في النهاية !!

بعبارة أوضح ، لقد استطاعت أمريكا أن تطبق نظرية "الخروج " كاملة وبأسلوب نموذجي ، على النظام العراقي ، ثم على الحكومة اللبنانية ، حتى أطلقت عليها " ثورة الأرز " ، ثم بين ذلك على نظام جورجيا وأوكرانيا ، وتدعو الآن وبزخم ودعم عربي مبطـّن ، وأحيانا مُعلـن ، وبكـلّ صراحة إلى تطبيق "عقيدة الخوارج " على النظام السوري ، وإليه بدعم المعارضــة في مصـر ، ثم هي متفاءلة جدا جدا ، بتوسيع تطبيق هذه النظرية على كــلّ ما يسمّى الشرق الأوسط !

غير أنــّه لمـّا كان ذلك كلّه يجري تحت رعايـة البيت الأبيــض ، فلم يَعــُد أحـدٌ بيده حيلة ، لا بيد ولاة الأمــور ، ولا المفكرين ، ولا المفتين ، ولا "شيوخ الأباتشي " ، ولا المرجئة أن يعترضــوا !! فالجميع صامت صمت القبــــور الرهيب !!

مهلا ..! هــل قلنا " يعترضوا " !! كــلا بل أكثر من ذلك ، إنهم في الحقيقة يتربصــون في وجوم واندهاش مثيـرين للشفقـة ، أن ينتقل تطبيق النســـــخة الأمريكيـــــة من " مبدأ الخروج على الحاكم " ، والذي ترجمته المطابقــة هـي " الشرق الأوسط الشعيــر عفــوا أقصــد الكبيــر " ، ينتقل في إطار " نظرية الدومينو الشهيرة " ، نظرية " متتالية الخروج على الأنظمة لصالح المشروع الأمريكي الصهيوني " !

ينتقل التطبيــق إلى حيث يقيــم "المفكّـر الإسلامي المستنيــر " ، أو المفتي الرزيــن العارف ببواطن الأمــور ، أو الشيخ الوقــور المتــزن بعيد النظــرة الداعية إلى "الوسطية" ، " والإعتدال" ، فيبدأ الجميــع حينئذ بإعــادة تاسيس الفـتــوى رأسا على عقــــب لتصبح المصلحــــــة فيها : القبول " بالخروج الأمريكي " لانه لايخرج عن القاعدة الأساسية في طاعــة " وليّ الأمـر " ، فوليّ الأمــر هو الذي يفرضه الواقع أيـّـا كان ذلك الواقع !!

ثم من المهــم بعد ذلك أن يُتحــف " شيوخ الأباتشي " المسلميـــــن بفتوى " علاوة " أو " حلاوة " زائدة على وجوب القبول بـ "الخروج " الأمريكي شرعــاً ، وهـــــي أنه يحــرم " الخروج على المخرج به على المخروج عليه " بشرط أن يكون الخروج قــد تـمّ بمباركة البيت الأبيض .

وبذلك ينغلق باب الخروج إلا من باب البيت الأبيض .

تمامــاً كما كان الخروج محرمــاً ، ثم أصبح مباحــا عندما جاءت أمريكا لتخــرج على النظام العراقي البائد ، ثم عــــاد إلى التحريم الأصلي فأصبح الخروج على " حكومة بريمر ثم نغربونتــي ثم الدمى التابعة لهمــا مهما كانــت " ـ وأيّ حكومة يقيمها الاحتـــلال ـ عاد محرمــاً ، وهي أيضا فتوى " مؤقتة" حتى تخرج أمريكا على حاكم آخــر ، فيحلّ لهــا ، ثـــم يحرم " الخروج على من خرجت به على من خرجت عليه " .. وهكذا !!

ألا تبــّــا لهـــم جميعا !!

ليت الخوارج الأزارقة كانوا أحياء ، حتى يبصقوا على فكرهــم ، وليعلنوا الاحتفال الكبير بتطبيق " زرق العيون " لمنهجهم !! وما أحسبهم قد خــطر على بالهم تأثير "الزرقة" هنــا !

ماذا صنعوا ؟! منعوا الشعوب المسلمة من أن تسعى في تغيير أنظمتها إلى الإسلام ، وحرموا عليها حتى الإنكار العلني ، وحظروا عليهـم باسم الشريعة ، والشريعة منهم بريئة ، أن يفتحوا حتى الحوار العلنــي حول حقوق الشعوب ، وواجبات السلطة ، وحق مراقبتها ، ووجوب تقويمها .

حتى جاء أعداءُ الأمة ، فوجدوا ـ أو لنقل صنعوا بمكرهم ـ شعوبا ، قد أرهقها الفقر ، والبطالة ، و القهر ، والتجسس على كل شيء في حياة النـاس ، والتعذيب السادي ، وانتهاك الحرمات ، وإسقاط الكرامة ، وتكميم الأفواه ، وحجر العقول أن تفكر ، والعيون أن تبصــر ، ووجدوا ـ أو لنقل صنعوا بمكرهم ـ أنظمة اختزلت الشعب في نظام والنظام في حزب أو عائلة ثم في أشخاص ـ فصاح بهم الأعــداء : الآن حل لكم الخروج على المستبديــن ، لنأتي عليكم بآخــرين !!

هل أبصروا الآن كم جنوا على هذه الأمة ، أم تراهم ينظرون وهم لايبصرون ؟!

كلّما قام قائم يريد أن يقول كلمة حــق لأمته وحكامهــا ، لئلاّ يطمع فيها أعداؤها ، أحلّوا دمه بأنـّه من الخوارج ، حتى جاءهم منهج الخوارج الأمريكي مع الأساطيل العابرة للمحيطات ، فسلموا له الأمور !

أمــا علاقــة سقوط جدار برلين بالموضوع ، فإن سقوط جدار برلين هو الذي فتح الباب لإنتشار "منهج الخوراج " .. كيــف ؟!

كان سقوطه إيذانــاً بتفــرّد الغرب بقيادة أمريكا بالهيمنة العالمية ، بعد انتهاء الحرب الباردة ، إثــر سقوط الإتحاد السوفيــتي ، وانكفاءه عن المنافسة الدوليــّة !

وحينئذ انطلقت الهجمة الصهيوصليبية ، بالتخطيط أولا ، ثم الإعداء ، ثم التنفيـذ ، معلنة أن هدفها ، تغيير تركة النظام العالمي البائد ، وإعادة ترتيب العالم وفق النظام العالمي الجديد ، لاسيما منطقة الشرق الأوسط ، وخاصة منطقة الخليج حيث سيبقى " النفط " ـ سـر التفوق الغربي ـ أطول مدة ممكنة من الزمان ، وينضب من العالم بأجمع .

ولم يَعـُـد بالإمكان الإبقاء علــى أيّ نظام سياسي ، أو دولة بلا نظام سياسي حقيقي ، أو حاكم بلا دولة حقيقيّة ولا نظام سياسيّ حقيقيّ ، لايتناسب نظامه ، أو لاتلائم عقيدتـُـه ، أو لايرغب في التغيير الطوعي " بالنصح السرّي " أو غيـره ، أو التنحي بهدوء إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشــعم ، أو القبول بكامل " عقيدة الخوارج " الأمريكية ، وأهم ما فيها بــتر ما له علاقة بتهديد الكيان الصهيوني ، حتى في مناهج التعليم ، ووسائل الإعلام ، فضلا عن وجود مكاتب لفصائل الإتتفاضة ، دعك من شبهة تقديم الدعم المالي لها ، فهذا هو الأصل الأصيل الذي من أجله ، يتم الخروج على الحكــّــام أمريكـيّا !

عقيدة " الخوارج " الأمريكية ، التي تريدنا أن نخرج على كلّ شيء مما عهدنــاه ، فلاتهمل حتى مراقبـة تغيير مناهج التعليم الديني ، ومراقبة أين تذهب الزكاة ، وماذا يقال في المساجد ، وماذا تلبس المرأة ، وكيف يُفسّـر القــرآن ، وهل يتم ختان البنات أم لا ؟! .. وهل يُسمح بالشذوذ الجنسي أم لا .. وهل يتــم حجب المواقع الإلكترونية التي لاتعجبها عقيــدة النظام الدولي الجديد أم لا !

لـم يـُعــد بالإمكان أن يبقــى نظام سياسي لايسير في ركب " خارجية أمريكا " ، بل سيرحــل ، ولو بالخروج عليه علناً وبالنقل الحي المباشـر !!

إننا بلا ريب نبرأ إلى الله تعالى من مذهب الخوارج ، فهم يقولون : الإيمان شيءٌ واحد ، لايتبعّض ، إن ذهب بعضه ، ذهب كلّه ، فيصيـر العبد كافــرا ، ولهذا يكفرون من يزني ، أويسرق ، أو يكذب ، أو يأكل الربا ، أو يعقّ والديه ، أو يفعـل شيئا من الكبائر .

وهو نفس مذهب الأمريكيين ، الذين فعلوا أمّ الكبائــر ، عندما لم يرضـوا بأن تؤمن ببعض ما جاءوا به ، بـل إمّــا أن تؤمن به كلّه ، أو ترفضه كلّه ، كما قال بوش : إما أن تكونوا معنا أو علينـا ، وقد قال تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) .

كما نبرأ من مذهب الخوارج الذي يقتل المسلمين ويـذر الكافرين ، وهو نفس مذهب الأمريكيين ، فلا نعرف لهم بأسا في الأرض ، أكثر من بأسهم وسفكهم لدماء المسلمين .

كما نبرأ من مذهب الخوارج الذين لايأخذون إلا بالقرآن دون السنة التي تخالف ظاهر القرآن حتى لو كانت متواترة ، وهو أهــون من مذهب الحكّام الذين رفضوا الأخذ حتى بالقرآن نفسه ، واستبدلــوا بشريعة الله غيــرهـــا !!

ونحن على مذهب أهل السنة والجماعة الذين مازالت سيوفهم عبــر التاريــخ مصلتـة على أعداء الأمة ،فهم بيضة الإسلام ، وقلعته ، ودرعه الحصينة ، وعلماؤهم لسان الإسلام الصادق ، ومجاهدوهم سيفه الذي بالنصر ناطــق ،، فاللهم أحينا على هذه العقيدة ، وأمتنا عليها ، وثبتنا بالإيمان وعلى السنة حتى نلقاك وأنت راض عنـّـا آمين


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006