الهرطهْ ـ قـَه !

 

الهرطهْ ـ قـَه !
حامد بن عبدالله العلي
 
( الهرطقة ) ليست عربية ، ويراد بهـا تغييـر الدين ، ولكن الهِـرطه من الرجال ، الجبان الأحمق ، والـ (قـَه) هو الضحك ، وقد كثرت في الآونة الأخيرة فتاوى (الهرطقة) المضحكة النابعة بعضها من الحمق ، وبعضها من شـدّة الجبـن ،  عافانا الله والقـراء الكرام .
 
ويتساءل كثيـرٌ من ذوي الحِجـى ، ما سرّ هذا (الإسهال) المفاجىء للفتاوى السخيفة التي تدور رحاها على أمر واحد هـو التشكيك في روح الصحوة الإسلامية ، ورياح العودة الدينية في أمّتنا الإسلامية ؟!
 
ولماذا لايرسـم العلماء ، والمفتـون _ بدل إشغال الساحة بالجدال حول تلك الفتاوى _  هذه العناوين العشرة الرئيسة التي تجيب على الأسئلة الكبرى الملحّـة التي تحتاجهـا أمّـتنا في هذا الزمن الإستثنائـي الذي تعيشـه ، ولتشكل الخطوط العامة لمشروع الصحـوة الإسلامية :$$$
 
1ـ ما حكم مقاومة الهجمة الغربية على أمّتنا الإسلامية ، وما حكم التساهل مع المشروع الصهيوأمريكي على أمّتنا ، وتهوين خطره ؟! _ بإسم الوسطية أو غيرها _  وما حكم المتعاونين مع هذا المشروع ضد أبناء الأمّة الشرفاء الذين يفضحونه ، ويحاربونـه ؟!
 
2ـ ما واجبنـا تجاه ما تتعرض له الهويـّة الإسلامية ، ومنظومة القيم الإسلامية ، من تغريب وتخريب في بلادنـا ، عبر وسائل إعلام ، ومراكـز ثقافية ، لاحصر لها ، ليس لها هدف إلاّ صناعة جيل ممسوخ يولـّي وجهه شطـرَ الغـرب ، ويدير ظهره إلى حضارتـه في الشرق ، وكيف نواجه هذه الموجة الخطيرة على النشـأ ، بل على جميع شرائح الأمـّة .
 
ومثلها في الخطـر نشاطات التنصير التي تنتشر في بلادنا ، ويستعـر أوارُهـا كلّما زيدت قاعدة عسكرية أمريكية ، أو فرنسية في بلادنا الإسلامية ؟!
 
3ـ ما المفروض علينا تجاه الخطر الأعظـم على الأمة وهو الخطـر على القدس بتهويدهـا المتواصل ، والناس عنه غافلون ! ، وكـذا الظلم الذي يزداد كلّ يوم على أهلنا في فلسطين ، وكذلك من حصار إخواننا في غزة ، وما حكم من يشارك في حصارها ، وما دورنا لفكّ الحصـار عنها ، وما هـو دور الأمّة في الوقوف مع تيار المقاومة في غزة ، وفلسطين حتى يتحقـق تحريرُهـا  ؟!
 
4ـ ما دورنـا تجاه دعم وتأييد المقاومة العراقية الباسلة ، وطرد الإحتلالين الصليبي والإيراني من العراق ، ليعود دوره البطولي والصامد ضد مخططات إستهداف أمّتنا؟!
 
5ـ ما حكم جهاد الأفغان لطرد الإحتلال من بلادهم ، وإقامة دولة حديثة تتّخـذ من الإسلام ثقافـة ، ومنهج حكـم ، ومن روحه أخلاقا ، وقيمـا ، وتدعم قضايا أمتنا الإسلامية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ؟!
 
6ـ ما دورنا في دعم قضايا المسلمين الذين يتعرضون لإنتهاك حقوقهـم ، وإضطهادهـم ،  مثل مسلمي كشمير ، والفلبين ، وسنة إيران ، وغيرهـا ؟!
 
7ـ ما هو سبيل إخراج الأمّة الإسلامية من حالة التبعية للغرب في شتى الميادين ، لاسيما الميدان الإعلامي ، والثقافي ، وصناعة مشروع حضاري إسلامي بخطاب قادر على مواجهة تحديات العصـر ، وما هي ملامح هذا المشروع ، وكيف نستنهض إليه طاقـات الأمـة ؟!
 
8ـ كيف السبيل إلى الإصلاح السياسي في الوطن العربي ، بمشـروع يضع حـداً لعبث الغرب في مقدرات أمتنا ، وهدر طاقاتـها في مشاريعـه الإستعمارية ، بسبب فساد الأنظمة السياسية ، ويوقـف هذا التدهور المخيف لحضارتنا في شتـّى الميادين ، ويصنـع نظاما سياسيا يفعّـل دور الأمة ، ويجعل السلطة محكومة بأهداف رسالتها الحضارية ؟!
 
9ـ كيف يقوم العلماء بدورهم للتصدّي لإنتهاكات حقوق الإنسان في بلادنا ، وإمتلاء المعتقلات بالمسجونين من المصلحين ، ولتبنّي مشاريع العدالة الإجتماعية ، ليقودوا الحريات العادلة ، في وجه الإستبداد ،  بدل رضاهم بدور الرديف للسلطات الفاسدة المنتهكة لتلك الحقوق و الحريات ؟!!
 
10 ـ كيف نصنع جيلا من العلماء والمفتيـن ، المؤهّلـين للجمع بين رسالة الإسلام الحضارية ، والقدرة على صناعة الإستراتيجيات الكبرى التي هـي على مستوى حضارتنا العالمية ، وعلى وضع القوالب المعرفية الكبيرة التي تصهر طاقات الأمة لإنطلاق مشروع توحيدهـا ، ونهضـتها ؟!
 
ترى لماذا تغيب هذه العناوين عن كثيـر من المفتـين ، ويغـيب هذا الكثيـر عنهـا ، و لماذا لايضعون هذه العناوين الكبيرة ، نصـبَ أعينهـم ، ويتحكَّمون هـم وبمنهجـية تليق برسالتهم ، يتحكّمـون في بقائهـا خطوطا رئيسة لمشروع تغيير نهضوي كبيـر ، وإبـرازها في وسائل الإعلام على أنهـا هي وحدهـا عنوان مشروعهـم ؟!
 
ولماذا لا يترفّعـون عن تلاعب وسائل الإعلام المشبوهة بهم ، وأنها هـي التي تضع لهم العناويـن الضعيفـة ، والقوالب السخيفـة ، التي يظهرون بهـا في وسائل الإعـلام ؟!
 
فتارة يُظهرونهم في صورة الذين ليس لهم شغـلٌ ، ولا رسالـة سـوى سجن المرأة وراء فتاوى ( الحرام ) ، والرغبـة الجامحـة  في إبقائهـا في قبـو المحظورات ! قسـاة القلـوب ، غلاظ الطبـاع ، يحاربون العواطف الفطرية ، ويتجاهـلون الميول الطبيعيـة ( إلاّ زواج المسيار والقاصـرات ) !
 
وتارة يظهـرونهم في صورة الفتاوى المثيرة للسخرية كإرضاع الكبير !
 
وتارة يظهـرونهم في صورة (الدراويش) التي لاتدري عمـّا يجـري !
 
وتارة يُظهرونهم فـي صورة المتجادلـين على قضايا ثانويـة ،  تجادل الصبية الأغـرار ! على أمور محسومة ، أو مسائل إجتهاديـة مفهومـة ، لاتحتاج كلّ هذا الجـدل ومضيعة الوقت ، وكلّ طرف ليس له هـمّ إلاّ إسقاط خصيمه ، بينما الأمـّة الإسلامية يعيث أعداؤها فيها فسـاداً ؟!
 
كما يتجادلون جدالاً لاينتهـي ، على قيادة لسيارة ، والأمـّة يقودها هيلاري كلنتون ! وعلى كشف الوجه ، والبـلاد مكشوفة السوءة ، والعورة أمام الأعـداء ، تعبث فيها السفارات الغربيـة الأجنبية كما تشـاء ، وأرضها مستباحة للقواعد الأجنبية ، تنطلق منها لإحتلال البلاد ، وتنصير العباد !
 
صحيح أنـّه حتـّى هذه الأمور الجزئية يجب أن يوجـَّه فيها عامّة الناس وجهـة الهدى ، ولا يتـرك من الدين شيئا ، وعلى أساس التسامح في مسائل الإجتهـاد ، ولكن في إطار يضـع كلِّ مهـم في مقامه ، ويمسك كلّ أمـر أهـمّ من زمامـه .
 
وتارة يظهـرونهم في صورة المفتين الذين ليس لهم هـم إلاّ موافقـة هوى السلطة الفاسدة ، فتراهم يقفون بنفس نسـق الإسراف في الهيئـة ، واللباس ، والبذخ ، على عروش يخطف بريقها العيون ، جنبـاً إلى جنب مع السلطات الفاسـدة التي بنـت بذخها بالسطو (المسلح ) على أموال الأمـّة ، والتي امتلأت سجونها بالمعارضين ، والمصلحين !
 
وهم _ أعني هؤلاء المتلاعَب بهم _ في غمرتهـم ساهون ، يظنـُّون أنهم بالحق قائمـون ، ولايعلمون أنّنـا في عصر يُسمى ( ثقافة الصورة ) ، وأنّ الجمهور إنمـا ينقـاد للإنطباع العـام ، وينسى التفاصيـل ، ولا يدرون أنّ هؤلاء المتلاعِبين بهـم ،  يسخـرون منهـم وراء وسائلهم الإعلامية ، ويتمايلون ضحكـاً عليهـم خلف صحفهم البائسة العلمانية ، وهم في مربع : (القاصرات) ، و(المسيار) ، و(رضاع الكبير) ، و(شيـك) الرئيس أوالوزيـر !
 
وقد اختصـرَ المتلاعِبون مشروع المتلاعَـب بهـم ، في تلك الصورة المزرية التي يظهرون بها على وسائل الإعـلام !
 
بينـما يتفـرَّغ المخـرّبون أذناب المشروع الغربي ، لأعظـم منكـر من غير أيّ نكيـر ، وأعنـي بذلك رسم السياسات العامة كتغيير المناهج التعليمية للتتناسب مع أهداف المستعمـر ، ورسم الخطوط العريضـة لمسار الثقافة للتلائم مـع نظام تبعيّتنـا المطلقـة للغـرب ، ولإبعاد المنتقبات عـن التدريـس ، وإلغـاء المدرسين ( المتشدّديـن ) ضد ( السيد الروماني ) عن التعليـم ، وإقصـاء الخطباء الغيورين على ثقافة أمّتهم ، عن منابر التأثيـر!
 
فإن قيـل _ عوداً للسؤال أوّل المقال _  فلماذا كلُّ هذا ؟!
 
لماذا جاءت هذه الموجه من التشكيك في مشـروع الصحوة الإسلامية ، ومحاولة إظهارها بصورة المتراجعة عن مشروعها ، المتردّدة في أمرها ، المختلفة فيما بينها ؟!
 
فالجواب أنَّ روح الصحوة الإسلامية ، ورياح العودة الدينية في أمّتنـا الإسلامية ، لها ثلاثـة أركان :
 
أحدها : التصدّي بالجهاد للحملة الصليبيّة العسكريـّة ، وهذه يواجهها الأعداء بالحرب الفاجرة التي لم تعرف البشرية أخبث منها ولا أفجـر ، ولا انقض للعهد ولا أشـرّ ، والتي تبيد الشعوب ، وتدمّـر البلاد ، والعبـاد _ والفلوجة مثـال يقطـر دما  فقد نشرت تقارير بأخَـرَةٍ أنها تعاني أكثر مما عانت هيروشيما أما بلاد الأفغان فهذا التقرير يوضح مدى وحشيتهم وإجرامهـم هنـا _  ولكن مع ذلك فالله تعالى ناصر المجاهدين ، ومعينهم على عدوّهم بحمد الله رب العالمين ، والجهـاد في ازدياد ، ورايته في رفعـة ورشاد.
 
والثاني : القيام بجهـود الدعوة ، والإصلاح ، وتجديد القيم الإسلامية في الأمـّة ، وإعادة إحياء الدين في الفرد ، والأسرة ، والمجتـمع ، وفي الثقافة ، والفكر الإسلامي ،
 
ومن جهود الدعاة المباركين القائمين بهذا الواجـب يتوب كلُّ يوم الآلاف ، ويرجع مثلهم إلى طريق الأسـلاف ، ولهذا انتشر الحجاب ، والنقـاب ، ورأى الناس التمسـُّك بالسنة تفتح لـه القلـوب الأبواب ، وأحيا الله تعالى بالدعوة قلوبا غلفـا ، وأعينا عميا ، وآذانا صما ،
 
 فارتـاع من هذه العودة ،  أعداءُ الدين ، والفضيلة ، وخطّطوا للتخريـب على أهـداف هذه الصحوة ، فأوْعـزوا إلى المتلاعَـب بهم لإثارة فتاوى تبثُّ الشك ، وتورث الحيرة ، وتبلبل الأفكـار ، لاسيما فتوى المعازف سيئة السمعة ، وفتوى الإختلاط المدفوعـة بالدراهـم ذات البريق واللمعة !
 
هذا إلى جانب نشـر فسادهم في وسائل إعلامهـم .
 
ولكن هيهـات ، هيهـات ، فقد باءت هذه الخطة بالفشـل الذريع ، وزاد الناس إقبـالاً على الصلاح ، والتعلـُّق بطريق الفـلاح.
 
والركن الثالث : هو ما تقوم به الداعيات الفاضلات ، والمصلحـات الصالحات ، والمحجبـّات ، والمنتقبـات ، من نشر العفـّة والفضيـلة ، سواء في الأسرة عند تربية الأبناء والبنات ، أو في المجتمـع عند نشر الفضيلة بين الأخـوات.
 
وهذا الركن لايقـل أهميّة عن سابقيـْه ، لأنـّه يُشيـد البناء الأوَّل ، ويعـد المنشأ الإسلامي الذي عليـه _ بعد الله _ المعـوّل .
 
ولهذا السبب جاءت الحرب هذه المستعرة على النقاب ، بعد الحجاب ، لأنهما عنوان عودة الدين ، وشعـار إنتصـار الصالحيـن .
 
والخلاصة أنّ هذه الفتاوى (المهرطِقة ) مخطَّط لهـا ، وليست عفوية _ وإن كانت قـد جاءت بسبب خلل في دور العلماء والمفتـين ، وعجز عن صياغة المشروع الإسلامي منتظمـاً وفق العناوين العشرة التي ذكرنا في مطلع المقـال _ ويُراد منها تشكيك الناس في مشروع الصحوة ، وردّهـم عنها بإظهـار دعاتـها في صورة (المختلفين اليـوم فيما كانوا يقاتلون الناس عليه بالأمس ) حتى تسري الريبة في نسيج دعوتهم كلّها ، فيتـفرّق الناس عنهـم ، ويسقـط مشروعهم برمّته في غمغمة الجـدل ، ومعمعـة الشك .
 
ولكن (الهرطقة) كـلُّ (الهرطقة ) ، وهي الثغرة التي دخل منها الأعـداء ، هي _ والله _ فقدان صرح الفتوى الشرعية لزمام المبادرة في صياغة القوالب الكبرى للتغيير ، وإشغال الطاقات بها ، والعجز عن رسم العناوين الرئيسة للنهوض الحضاري ، وتوظيف الجهود فيها ، وترك ساحة الفتوى لاستغلال وسائل الإعلام المعادية للتلاعب بصورة الدين ، وحصـره في جدالات عقيمة ، أو فتاوى غريبة ، أو خصومات ثانوية ،
 
بينـما الأمـّة يتلاعـب فيها حاكـمٌ مستبدٌ فاسـدٌ ، أو أجنـبيُّ صليبيُّ حاقـد ،
.
غيـر أننا بحمد الله متفائلـون أن التغيير لامحالة قادم ، وسيـل عودة الأمة لاريب لأعدائها هادم ، وقد قال تعالى ( ويمكرونَ ويمكرُ الله والله خيـرُ الماكريـن ) ..
،
 
والله المستعان ، وهو حسبنا ، عليه توكلـّنا ، وعليه فليتوكـّل المتوكّـلون .
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 26/07/2010