هبـــــــّت ريــــــــــــــاح التغييــــــــــــر

 

 

هبـــــــّت ريــــــــــــــاح التغييــــــــــــر

حامد بن عبدالله العلــي

قد بات مقطوعا به ، غير مستراب فيه ، أن رياح التغيير قادمة لامحالة ، فهي كمــــــا يقال : مسألة وقت فحسب ، مسألة وقت حتى يعود النظام السياسي لهذه الأمة إلى وضعه الصحيح ، فلقد استكملت بالظهور أرجـــــاء صورة العودة الإسلامية ، ولم يبق إلا تقاربها لتشتبك فتتجلى كاملة .

وقد كانت المؤامرة التي حيكت لإجهاض نهضة الأمة ، مرتكزة على قلب المعادلة الأساسية للنظام السياسي الذي جاء به الإسلام ، ذلك أن كل نظام سياسي يقوم على ما يلي :

آلة الدولة ، متطلبات نظام الحكم ، أهداف الأمة .

والوضع الصحيح أن تكون متطلبات نظام الحكم هي استعمال آلة الدولة في تحقيق أهداف الأمة ، ولهذا لا يحصــــل إلا إن كان القائمون على نظام الحكم ، هم حملة مشروع الأمة أنفسهم ، أولئك الذين لا يرون لوجودهم معنى ، سوى أن يحملوا على عاتقهم تحقيق أهدافها .

ولهذا كان النظام السياسي الإسلامي ، قائمــا على أن يكون الخليفة مبايعا لإقامة الدين والجهاد في سبيله ، نائبا عن الأمة في تحقيق أهداف إخراجها للناس ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .

وكل الذي فعله المعسكر الصهيوصليبي في أمتنا هو أنه جاء بأنظمة حكم ـ أو سمح بقيامها أو استمرارها ـ ووكلها بأن تقوم باستعمال آلة الدولة ، لتقويض أهداف الأمة .

بل جعل نفس وجودها ، وحقيقة كيانها ، وصيغة نظامها ، تقويضا لأهداف الأمـــــــة ، وقد قامت بذلك طيلة ما مضى كما وكل إليهـــــا.

وقد كان هذا يجري بخفاء تارة ، وعلانية تارة ، ويسير ببطء نســــبي ، لكن مع اكتشاف أنه لن يبقى في بقاع الأرض احتياطي من النفط الذي هو عصب الاقتصاد فالهيمنة الغربية ، لن يبقى بعد ثلاثين عاما منه شيء إلا في المنطقة من زاخو إلى مضيق هرمز ، ومع سرعة النمو الاقتصادي العالمي في ظل العولمة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم ، والخوف من بروز تكتلات عالمية منافسة .

لم يعد باستطاعة المعسكر الصيهوصليبي إلا أن يسارع مجاهرا بضرورة القضاء على الأمّة الإسلاميّة ، بأن تقوم أنظمة الحكم المحليــّة ، بأسرع ما يمكنها أن تقوم به ، في استعمال كل ما تحت يدها من سلطات ، لتقويض عقيدة الأمة ، وروحها ، لإلغاء كل أهداف وجودها ، وتحويلها إلى آبار نفط حولها أسواق خاضعة لقوانين منظمة التجارة العالمية ، وشيطاناهــــــــا : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وإلى مرتع للصهاينة والحركات التنصيرية والتخريب الثقافي والأخلاقي الغربي.

وتجوب حول هذه الآبار شعوبٌ مستهلكة ، قطعان ترتع ، تقودها دول هي حرس لمنتجعات راحة الجيوش الأمريكية المحتلة لمنابع النفط ، فتكون مهمة هذه الدول الأولى الحرص على راحة بال "المعاهدين" وضمان تمتّعهم بالهدوء التام في ربوع هذا المنطقة التي هي منبع الإسلام ، ومهد حضارته ، ريثما يكملون أهدافهم ومشروعهم !!

ولقد صرح الغرب الصليبي أن أهــــمّ متطلبات نظامه العالمي الجديد ، هو أمر واحد محدد للدول العربية والإسلامية :

استعلموا آلة دولكم للقضاء على الإسلام ، أو نستعمل هيمنتنا على النظام الدولي الجديد للقضاء عليكم ، وقد قالها بوش في عبارتين واضحتين :

هذه هــــي حربنا الصليبية قــــد قامــــت أوزارهـــــا ، ومن لم يكن معنـــــا ، فهو علينا .

ثم لم تزل تظهر الخطط إلى العلن ، وتتجلى أكثر فأكثر : ففرضت الصهيوصليبية أن يكون الشعار العالمي للمرحلة هو : محاربة الإرهاب ، ثم بدأ تصنيف كل موارد قوة المسلمين بأنها مـــوارد إرهاب ، وفرض على العالم كله أن يحارب الإسلام تحت هذا الشعار .

وقـــــد بدأت الحملة بالحركات الجهادية ، ثم أدخلت كل أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني ، ثم كل مقاومة لأي احتلال أمريكي مثل أحتلال العراق ، ثم كل المنظمات الخيرية الإسلامية حتى الحكومية منها ، ثم مناهج التعليم في الدول الإسلامية ، ثم منابر الإعلام الإسلامي ، ومنها المساجد ، ولوحقت حتى صيغ الدعاء في المساجد ، وتمت مراقبتها ، فالإمام الذي يدعو على المشروع الصهيوصليبي تتم محاسبته بحزم يليق بخطورة "جرمه" !!

ثـــــم يقتله " الحكماء " لوما إن هو خالف "ولي أمــــر الحملة الصهيوصليية علــــى الإرهاب " ، إذ لم يــعِ حقا مصلحة الدعوة ، ولا فقه المرحلة ، ولا عرف سماحة الإسلام ، وفقه الأوليات .. إلخ .

ثـــــمّ تعدى الأمـــــر إلى فرض الدعاء في الصلوات للمشروع الأمريكي ، عبـــــــــــر الدعاء على " الإرهابيين " ، بشرط أن لا يشير في دعاءه إلى أن مقصده هم الصهاينة أو الصليبيون ، فهم ليسوا "إرهابيين " ، بل هم ضحايــــــاه !!

لأن هذا الدعاء مصلحــــة رآها "ولي الأمر" ، لإنقاذ المسلمين من الفتن المدلهمة التي أحاطت بالأمة بسبب " المتطرفين" ، بعد أن كانت الأمة، في حياة العزة ، والرفاه ، في ظل حكمة ولاة الأمور ، أهل العدل ، والغيرة على الحرمات ، وأهل الجهاد ، حماة الثغور !!

ثم صدر مؤخرا قانون أمريكي لملاحقة من يعادي اليهود في العالم ، وأدخل فيه من يحارب التطبيع مع الصهاينة ، ولهذا فلم يعد يجرؤ "ولاة الأمر" أن يقيموا مؤتمرا يتناول مؤامرات الحرب الصليبية ، فضلا عن الحركة الصيهونية ، بل المؤتمر الوحيد الذي يسمح لهم فيه هو عن " الإرهاب " فحسب !

.. وقد كان في ظن الصهيوصليبيين ، أنه لن يوقف حملتهم شيء ، حتى يتبع المسلمون جميعا ملتهم ، وأن احتلال العراق وابتلاعه لن يأخذ منهم أكثر من شهرين ، ثم تتساقط المنطقة كلها تحت هيمنتهم ، وتفرض الإدارة الأمريكية التغيير كما تريد ، تحت جنازير الدبابات ، رضي من رضي ، وسخط من سخط .

حتى انبعثت عليهم من حيث لم يحتسبوا ، تلك السهام المشبعة بالسمّ الناقع ، والموت الباقع ، السهام المحمديّة السنيّة من أقواسها الأنبارية الفلوجية ، وتلك الأعاصير الشامية المزمجرة ، وهاتيك النيران الغاضبة الخليجية النجدية ، كأنها أتن مشتعلة ، تنفث أوارها من كل صوب ، فلما لبثت حتى رعدت رعودا دوت بها أرجاء البيت الأسود ، فملأته رعبا ، وأخذت بروقها ترسل شررا إليه ، فاشتعلت النيران بأركانه ، وفتكت بجنوده وأعوانه .

فلولا هذه العصابة المقاتلة التي وثبت لهذا الدين وثبة الليث الهصور ، والتي تولاها الله تعالى ، إذ تخلها عنها الأقرباء ، وحاربها البعداء ، تولاها الله تعالى فأيّدها بنصره ، وأظهر بها آياته ، وثبتها بالحق ، لهدمت صروح الإســـــلام ، ودُرست آثاره ، ومحيت أمجاده .

ووالله الذي لا إله إلا هـــــو ، الذي رفع السموات بغير عمد ، وأنزل الكتاب بالهدى والرشد ، لن يوقف هذا الزحف الجهادي شيء حتى يعيد المعادلة الإسلامية إلى وضعها الصحيح ، فتجعل عصبة الحق متطلبات نظام الحكم ، استعمال آلة الدولة ، لتحقيق أهداف الأمة ، فتسخر قوة الأمة المادية ، وروحها المعنوية ، وتوجهها الحضاري ، وقواها البشرية ، نحو أهدافها ، عبر نظام سياسي شرعي يوحـــّـــدهـــــــا ، رجاله هم رجال الإسلام المجاهد ، يقوم عليه حملة مشروع الأمة ، لا يخضعون ، لأهواء الكافرين ، ولا ينضوون تحت مواثيق الطواغيت ، ولا يردهم عن بلوغ هدف إعلاء كلمة الله تعالى شيء ، إلا الموت ، والموت طريقهم إلى هدفهم الأسمى .

وهذا التغيير قريب إن شاء الله تعالى ، قريب من حيث لا يحتسب أحد ، و الله أعلــــم


 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلــي
التاريخ: 07/12/2006