لماذا انهزمنــــــا ?!!

 

لماذا انهزمنــــــا ?!!


حامد بن عبدالله العلي

لماذا استطعنا أن نواجه التحدي الحضارى الهائل في القرن الماضي ، بحركات استقلال هزمـــت المحتلّيــن بصمود مشـرّف ،

ثم استيقظنا على حقيقة أننا لم نستوعب جوهر ذلك التحدي الحضاري ، ولم ننجح في صهر هويتنا في تحدّ حضاري أكبر نصنعــه نحن ، ضـد عدوّنـا ، تحــدِّ ينطلق من صميم هويتنا، ويفهم مستجدات العصــر ، فينطلق من ثوابت حضارتنا نحــو حيوية حضاريـّة أشــدّ ، وعالميـّة أوســع ، فيكمل النصر إلى النهاية ، ويصل إلى المنافسة الشاملة ،فالهيمنة العالمية .

لماذا ؟ لم يحصـل ذلك، تـُـرى أين وقـع الخلل ،، وكيف وقــع ?!!

وأين ، وعلى مــن ، تقع المسؤولية عمّـا نحن فيـه الآن من تخلُّف :

عن فصل هويّتنا ـ حضارة الإسلام ـ عن أنظمتنا السياسية هذا الفصل المأساوي، التي حول أنظمتنا السياسية إلى حمُـُـر للقوى العالميّة المعادية لحضارتنا ؟!

لماذا ؟! وأين تقع المسؤولية عن هذا الإلغاء الكارثي لحقوق شعوبنا ، حتى تلك القوانين التي وُضعــت ـ في بعض البلاد ـ لتحميها ، هي شكلية ، ليس عدمها كوجودها ، بل وجودها أضر من عدمها ،

حتى تحولت الشعوب إلى قطعان ، تحيط بها من كلّ ناحية الأجهزة الأمنية ، ويخضع لسطوتها حتى علماء الشرع ، و عامة المفكِّرين ، وعموم المثقفين ، فعقولهم لايمكنها أن تفكر من غير أن تلوح لهـا غرف المحققين ، وعصا السجّانين ، وحديد الزنازين البائسة ؟!!

لماذا ؟ ومن المسؤول عن إنتعاش سوق بيـع الذمم في الأوساط الثقافية عندنا ، فحـتى أولئك المهرّجين الثقافيين ، الذين يرفضون أن الإسلام هو الحلّ ، ويرفعون شعار التقدم الزائـــف ، يرددون كالببغاوات شعارات الحريّة الغربيّة التي تجلّت روعتها تحت جنازير الإحتلال ! ثم ضربت أروع المثل في ( بوغريب ) و( غوانتنامو ) ؟!!

حتى هؤلاء ،، قـد ســام كلُّ مفلس ذممهم الرخيصة ، في سوق (القوادة الثقافيــّة ) الذي أقاموه ، فهاهي ذممهم ، معروضة للبيع كلّ يوم على شاشات الفضائيات ، وعبر أعمدة صحف النفــاق ،

يتزلفون بها إلى السلطات المستبدة ، فهـم لا يجرؤون على نقــدْ أيّ من سياساتها ، بدأً من فقدان ما يسمى بـ( السيادة الوطنية )ـ بل غدا الأمريكيون يهتكون عرضها كل يوم حتى صارت كأشدّ بغيّ لخانةً ـ مرورا بعبث السلطــات بإقتصاد الأمـّـة ، ونهب الثروات ، إلى انتهاك حقوق الناس ، بل مسخها مسخا كامــلا ،

ثم لايستحون من التبجّح ببطولاتهم المصطنعة عن كفاحهم الموهوم في تحرير المرأة ، فإنْ بـدا شعرُها أو ذراعها على وسائل الإعــلام ، عدُّوه نصرهم العظيم ، وأما فتح المسارح ، والسينمات ! فهــيَ معركة الأمجاد ، فإن وصلوا إلى نشر الحرية الجنسيّـة ، فقد بلغوا قمـّة مشروعهم الحضاري ، و يوهمون أنفسهم أنهم حقا أبطال الحرية والإستنارة ؟!! قاتلهم الله من حُثالــة ،

لماذا ؟ وأين تقع المسؤولية ؟ عن تحوّل كثير ـ إن لم يكن أكثر ـ العلماء المنتسبين إلى الشرع إلى باعة فتوى ، حتى صارت الفتوى في هذا الزمن ، أرخص سلعة !

وكان أوَّل أمرهم ، أنْ رضُوا بتحريم السلطات المستبدّة أيّ اعتراض منهم على تصرفاتها ، فشرعوا لأنفسهــم شريعةً ، تحرِّم عليهم ذلك الاعتراض ، وعبّدوا الناس للاستبداد تعبيدا، وجعلوا نص الهزيمة النفسيّة ( الشيوخ أبخص ) مقدما على نصوص الوحي .

ثـم استقبلوا الحَجـْر التام عليهم أن يطالبوا بتحكيم الشريعة الإسلامية ، في سياسة الدولة الخارجية قبل الداخلية ، إذ تعلق السياسة الخارجية بأصل الإسلام أعظم ، وضررها إن انحرفت أشد وأشمل ، استقبلوه طوعـا راضية بـه نفوسهم ، مطمئنة إليــه صدورهم ، فعوقبوا بأن آل أمرهم إلى أن رأوا الكفر البواح ، فأصغت إليه أفئدتهم ، حتى ألبسوه لباس الشريعــة ، فضلّوا ، وأضلّوا كثيرا ، وضلّوا عن سواء السبيل .

وقــد كان من أوّل ماأوجب عليهم ربهم ، ومن أعظم ماكُلِّفوا بــه ، أن يكونوا أمناء على الوحي في تقويم النظام السياسي ، أو مفاصلته إن عجزوا عن تقويمه ..

غير أنهم رضوا بالتقاعس عن هذا الواجــب ، فتحوّلوا إلى شياطين صامته ، تسكت عن الحــقّ ، وهم يعلمون أن جرائم الدولة تفوق كلَّ جريمة ، وما تقترفه كل آن في حق الإسلام ،والمسلمين لايحصيه محصٍ ، ولا يعد عاد ، ثم ترقى بهم الحال حتى صاروا شركاء في تلك الجرائم .

وألفوا استعمالهم مناديـلَ يُلوِّح بها الحكام للشعوب المسحوقة ، ثــم يتمخَّطون بها ويلقونها في أقرب قمامة ،

وهاهــم البؤساء ، مسلوبـوا الأهليّـة في قيادة أيّ تحــدّ حضاري ، و غاية همّهم ، اجترار قضايا فكريّة عفى عليها الدهر ، فإن أدركهم حماسٌ ما ، فلا يتعدّى حماس (حربهم العظمى) ضد ( الإرهاب ) كما تكيّفه شريعـة السفارات الأمريكية !!

فإذا جاء إرهاب الحلف الشيطاني للقوى الصليبيّة ، والدول الخاضعة لها ، وما فيها من تخمة الحقد الأسود على أمتنــا ، وسجون الموت لشرفاء الأمة ، وأهوال التعذيب لصالحيها ،

فالصمت مطبق على أفواه أولئك المرضى المصابين بالعفن الفكري ، والتخلف العقلي ، والدناءة النفسية !

ثــمّ،، لماذا ؟! ومن المسؤول عن حرمان الأمّة من حرية التفكير الذي هــو جوهر الإنسانية ، وإذا فتح باب النقاش في هذه الحرية ، وُجّه إلى حرية الدعارة الفكرية في شتم حضارتنا ، والجنسية في الدعوة إلى الفواحش ، حتى صارت رواية وليمة أعشاب البحر قمة الإبداع الفكري !!

بينما تتحــوّل تلك الحرية إلى أغلال عليها أقفال وأثقال ، إنْ ولّت وجهها شطــر المطالبة بتداول السلطة ، أو حاولت تحريض الشعوب للحصول على حقوقهــا ، أو فكَّرت أن تسأل عن أرصدة اللصوص الكبار الذين نصبوا على أنفسهم وعائلاتهم الإقطاعيـّـة ، حصانة كاذبة ، تحول دون مساءلتهم عن إقتراف الجرائم ،التي تكاد تتصدع من هولها الجبال ، وتنشق السماء .

لماذا ؟! ومن المسؤول عن إنتشــار ثقافة رقّ الدولة ، هذا الخوف والإرهاب النفسي الهائل في شعوبنا من آلة الدولة ، حتى تحوّلت إلى كابوس جاثم على صدور الناس ، يخشونها كخشية الله أو أشد خشية ؟!!

لماذا ؟!! ومن المسؤول عن تحول جيوشنا إلى محارق استهلاك للملابس العسكرية وحديد النياشين والنجوم ، وأكبر إنجازاتها توفير ما يلزم لراحة الجيوش الأمريكية ، في طريقها إلى استرقاق حضارتنا ، وسلب هويتنا ؟!!

لماذا ومن المسؤول عن تخلفنا العلمي حتى صار حثالة المسوخ الذين يطلقـــون عليهم ( نجوم الفن ) ، وباعة ( ركض الكُراع ) من لاعبي الكرة ، أعظم وزنا في الأمـّة من رجال الفكر، وأبطال الجهاد ، وعلماء الاختراع .

لمــاذا ؟! ومن المسؤول عن ذلّنــا الذي نعيشه كلّ يوم ، حتى صارت بلادنا كحظيرة أغنام تحت سلطان مجلس الرقّ الدولـي ، وهيئة الإستعباد المتحدة ، سلَّموا رقاب المسلمين إليها مجانــا ، يسوقونهــم كما تُساق الخراف إلى مذابحها ؟!!

لماذا ؟ ومن المسؤول عن فقدان الشعور بالكرامة في بلادنا ، وبين شعوبنا ،

وعن توجيه الشعوب الحثيث ، لتدور حياتهم حول المادة ،والشهوة ، والمعدة ، لايفكرون في غيرها ، حتى صار الشاعر الجاهلي امرؤ القيس أكــرم نفسا منهم إذ قال :

ولو أنني أسعى لأدنى معيشة ** كفاني ولم أطلب قليـلا من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثـَّل ** وقد يدرك المجد المؤثـل أمثالـي

لماذا ؟ ومن المسؤول عن خمود روح الجهاد بين شعوب الأمة ، حتى صار مجرد التفكير فيه خطيئة لاتغتفر ، وحتى أُرهقت أجهزة الأمن في تتبّـع فكرة الجهاد ، في كلّ مقال ، وكلّ خطبة ، وكلّ خاطرة تلقى في مسجد ، أو مجلس خاص أو عام ، وصار همُّها الأكبر ، وهاجسها الاوّل ، إرضاء المستعمرين ، بانهم يقومون باجتثاث جذور الجهاد من عقول ونفوس الأمة ، فتضخمت بسبب ذلك سائـر الجرائم ، وانتشرت الفواحش ، والبلايا في المجتمعات ..

لماذا ؟ ومن المسؤول عن هذه الهزيمة الحضارية ، التي أوصلتنا إلى أنّ أوباش بقايا الصليبيين ، وقطاع الطرق ولصوص النفط العالميين ،مصاصي دماء الشعـوب ، المنحدرين من نسل عهر الإمبريالية الصليبية النجسـة ، المزني بها من الصهيونية الملعونة أبديا، يأتون ليستعرضــوا لنا ، أنهّم يعلموننــا كيف نصلح أنظمتنا السياسية ، ونفهـم معنى الحضارة ، ونعرف قيمة الإنسان ، وشرف الحرية ؟!!

لماذا ومن المسؤول عن كتم أنفاس الأصوات الشريفــة في أمّتنا ، وعن مطاردة الأبطال الشرفاء ، وتشويه صورتهم ، أولئك الذين انطلقوا يبحثون عن خلاص الأمّة ، فحملوا على عواتقهم سلاحهم ، كلما سمعوا هيعة للجهاد طاروا إليها، يبتغون الموت في سبيل الله ، لتعود الأمة إلى عزّها ،

لماذا ؟ ومن المسؤول عن كل هذه البلايا في أمتنا ، إلى درجة الاستماتة ، دون نهضتها ، والحيلولة دون اجتماع عوامل تلك النهضة ، حتى غدت أنظمتنا ، وكأن ليس لها هم سوى الإبقاء على حالة الضعف والعبودية للأجنبي ، وذبح كل محاولة للتفكير في الخروج من هذه الحالـــة ، ذبحها في مهدهــا؟!!

لماذا ، وكيف بدأت الهزيمة ، ولماذا هي مستمرة إلى اليــوم ، وهلْ إلى نهوض من سبيل ، وكيف هـو السبيــل ؟

هذا ما سنجيب عليه في المقال القادم بإذن الله تعالى ،، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعــم النصيـــــر ،،


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006