الدروس الوافيـة ، من معركة اللجان الخاوية |
|
الدروس الوافيـة ، من معركة اللجان الخاوية
حامد بن عبدالله العلي
لاريب أن من أعظم نعم الله تعالى توفيقه لمن يختاره من عباده لنصرة الحقّ ، والتواصي به ، والصبر عليه ، قال تعالى مستثنيا المتواصين بالحقّ ، وبالصبر _ بعد الإيمان والعمل الصالح _ من خسران الإنسان : ( وتواصوا بالحق ، وتواصوا بالصبر ).
وقد ضَربَت ثلةٌ قيادية مباركة في مصر الحبيبة _ والإخوان في مقدمتهـم _ أروع الأمثلة في امتثال هذه الآية ، وتبعها على ثباتها ، و صبرها ، ملايينٌ من هذا الشعب الكريم الأبيّ ،
فللّه درهم ، وعليه شكرُهم ، وجزاهم الله عن الإسلام ، والمسلمين خير الجزاء.
نعـم قد ضربت أروع الأمثلة في جهاد سياسيِّ مشرّف ، لايعرف الكلل ، ولا يعترف بالملل ، ولا يتسرب إليه الوهن ، ولا يتطرق إليه الضعف ، والخور ، لإنقاذ مصر من براثن العسكر الجاثـم بكلّ فساده ، وجبروته ، وطغيانه ، واستنزافه لخيرات مصر ، على صدر الأمة بأسرها ، لا الشعب المصري فحسب ، منذ عقود ، ضمن الخطة الصهيوغربية التي استمرت حلقاتها ، وتُجـدّد ، منذ سقوط الخلافة $$$
ومن أهم محطات هذا النضال ، تلك الصفعة المدوية العالمية التي دوّخت عصابة العسكر ، وأصابت سيسي بالذعـر _ ذلك المعتوه الفاشل مندوب تلك العصابة الآفنـة بالقصر الرئاسي _ وأعني العصيان المدني الشامل الذي قاطع الإنتخابات فنجح نجاحا باهرا فاق التوقعات ، فصار نقطة مفصليّة في مسيرة ثورة 25 يناير ، وفي مسار الربيع العربي ، وسيكون لها استحقاقات كبيرة عظيمة النفع إن شاء الله .
ولئن كنا سنستخلص الدروس ، والعبر من هذه المعركة _ في نضال الشعب المصري لإسقاط حكم العسكـر _ والتي تكلّلت بالنصر في مضمار استكماله لثورة 25 يناير ، فهي :
أحدها : أن إرادة الشعوب يستحيل قهرُها من الطغـاة ، فمهما حاول الطغاة كبتها ستنطلق يوما ثائرة مدويـّة ، وستجد لها _ كالبركان _ سبيلا بين الجلاميد المتراكمـة ، وطبقات الأرض الصلبة ، فتُطلق نيران الغضـب ، وترسل شررها المستطيـر ، وحينئذ لايصمد أمامها شيء ، حتى تغطي حممُها كلّ ما حولها من الفساد المتراكم ، وتقضي على كل المظالـم .
الثاني : يحتاج النضال السياسي ليصل إلى أهدافه إلى أمد زمني قد يطول ، وفي هذا الأمد تجري عليه سنة الله بـ ( الحرب سجال ) بين الحق والباطل ، حتى تكتب العاقبة للحقّ ، والعدل ، والأمانة ، بإذن الله .
وقد علم المطّلعون على تعقيدات المشهد السياسي المصري ، أن ثورة 25 يناير ، لم تطلق إلاّ أول دفعة فقط ، ولم تحقق إلاّ مرحلة واحدة فحسب ،
فلا يزال أمامها المعضلة الكبرى ، والعقبة الكؤود ، وهي إخراج العسكر من الحياة السياسية تماما ، وتلك لعمري حربٌ ستطول ، وإن كنتُ أحسـب أنها ستكون أقـرب من توقعاتنا بإذن الله ، وأقصر بكثير مما جرى في تركيا .
الثالث : تبيّنت حكمة الله تعالى بأن يقع الإنقلاب _ وهو استحقاق قدري محتوم إذ العسكر لايمكن أن يسلّموا السلطة بسهولة _ لكي تطفو على السطح أمام العالم أجمع ، حقيقة عسكر كامب ديفيد ، واضحة ، جليّة ، لاتخفى منها خافية ،
ثـم هاهي حقيقتهُ عارية تماما ، عصابةٌ جاهلةٌ _ إلى درجة جهاز علاج الإيدز بالكفتة! _ وعاجزة عجزاً مثيراً للسخرية عن أية حلول لمشكلات الناس ، خاويةٌ من كلّ فضيلة ، مستعدةٌ لارتكاب كلّ جريمة ، لايردعهم دينٌ ، ولا يوقفهم خلُـق ، ولاتردّهم شيم الكرام .
يقتلون الآلاف بدم بارد ، ويغتصبون الأعراض ، ويهتكون الحقوق ، ويسلبون الحريات ، ويعاملون الناس كالعبيد عندهم .
وقد بلغ بهم السخف ، ووصلت بهم الجهالة ، إلى تهديد شعب بأسره _ كما روّجت أبواقهم الإعلامية _ لأنه قاطع الإنتخابات ! فأغضب فرعون ! إذ كشف سخط الناس عليه ، وهوانه عليهم !
تماما كما يهدّد قائدٌ عسكري لكتيبة تمردا في كتيبته ، بالعقاب الجماعي !!
وبالجملة فهي عصابـة إذا كذبَتْ على الشعب استحى من كذبها مسليمـهْ ، وإذا ظلمت تجازوت كلّ الحدود المسلَّمه !
وماهي إلاّ نسخة لكلّ الأنظمة الطاغيـة ، عبر التاريخ ، وحتى الواقع الذي نعيشه ، ذلك أن أمراض الطغيان واحدة ، وأعراضه واحدة ، وسماته واحدة ، ومصيره واحـد ، السقوط المخزي ، والعار الأبدي .
وسبحان الله .. لقد كان نتنُهـم خفيا ، وكانوا في عافية الستر ، قبل الانقـلاب ، لايعلم إلاّ القليل حقيقتهم ، ومدى إجرامهم ، فظهـر ، واستجلى ، وتم توثيقه بآلاف المسموعات ، والمرئيـّات ، فأزكم أنف العالم بأسره .
لقد امتلأت بطونهم من الحرام ، ونبتت عليه لحومهم من السحت ، وتشربت عروقهم الخيانة ، وتغلل إلى مخ عظامهـم الفسـاد عبر عقود ، تسلطوا فيها على مقدرات مصر ، يسخرونها لشهواتهـم ، ولإرضاء الأجنبي ، ولحماية الكيان الصهيوني .
وقد عُلم من سنن الله تعالى أنه يُسبق سقوط الطغاة بفضحهم ، ويقدِّم بين يدي هويِّ عروشهم هتك أستارهم ، وإخـراج أخبارهـم ، حتى يراها الناس أجمع ، كما فعل بفرعون يوم الزينة ، إذ حُشـر الناس ضحى ، ليرى الناس فضيحته جليّة كالضحى .
كما اقتضت حكمتُهُ سبحانـه أن يفضح المتلبّسين بالدين زورا من حزب النور ، وأمثالهم ، وما هم في حقيقتهم سوى ذراعٍ أمنيِّ لسلطة العسكر بواجهة دينية ،
لقد فضح الله تعالى هذه اللّحى الخبيثة التي يستر بها الظالم عورته ! إذ يصنع منها دينا مزيفا يضلّ به الخلق عن الحقّ ، والعدل ، ويصدّ بها عن سبيل الله .
الرابع : أهم ما يُستخلص من معركة اللجان الخاوية ، أن غياب الشباب تماما عن الصناديق ، يعني أنّ مستقبلا لمصر سيُشرق بلا عسكر إلاّ على حدوده ، إذ الشباب هم مستقبل كلّ أمة ، فإذا عجز النظام عن استيعابهم ، فإنه هـَرِم ، يوشك أن يستوفي أجله ، رفعت الأقـلام ، وجفـت الصحـف .
وهذه هي أعظـم ( بشرة الخير ) _ هذا اقتباس مقصود وليس خطأ مطبعيا ـ التي حملتها الصناديق الخاوية للشعب المصري .
الخامس : إنّ النضال السياسي الذي يستدعي التغيير الحضاري ، إنما هو جهدٌ جماعيُّ ضخمٌ ،
وهو يعتمد على أربعـة أضلاع رئيسة يتفرّع منها فروعٌ عدة ، :
صياغة الأهداف ، والمراحل بذكاءٍ عال ، ولكل مرحلة خطَابها .
تفعيل وسائل الإحتجاج السلميّة العصرية ، وغيرها من وسائل التغيير السلمي ، بحرفيّة عالية.
استخدام الإعلام بكفاءة عالية إذا هو أعظم أسلحة النضال السياسي السلمي .
إتقان المناورة السياسية ، وصناعة الأحلاف بقدرة عالية .
ولاريب أن الجبهة العريضة من الإئتلاف المعارض للإنقلاب قد أسسوا مدرسة نضال سياسي نموذجية بما قاموا به من جهود ناجحة ، على جميع الأضلاع الأربعة ، فأثمرت الإنتصار في معركة اللجان الخاوية ، وهو ما يشهد لهم بالكفاءة ، والعطاء العظيم ، والتضحيات المشكورة .
ولنهمس هنا في أذن إخواننا السلفيين المخلصين الصادقين _ لا فروع أمن الدولة من أمثال حزب الزور وهو أحد تجليّات الجاميـة _ أنّ هذا الميدان الرحب ، و المعترك الصعب ، تجهلون منه الكثير ، وأنتم بحاجة إلى أن تتعلموا فيه الكثير ،
وإلى ذلك الحين لاعيـب أن تدعوه إلى من هو أعلم به ، وأقدر عليه منكـم ، ولا يُستنكف من القول لكم هنا : ليس بعشّك فادرجي ! ، فاجعلوا جهودكم الخيـّرة في التعليم ، والإرشاد الديني ، مكمّلة ، وداعـمة ، لإخوانكم الذين هم أقدر منكم على خوض المعترك السياسي ، فـ ( كلُّ ميسَّرٌ لما خلق له )
وبالختام فلتتعلمْ الأمـة _ سيما الجماعات الإسلامية _ من مدرسة النضال السياسي المقاوم للإنقلاب في مصر ، ولتتخرجْ فيها ، ولتستفدْ من تجربتها الثريّة فيما سيأتي إن شاء الله من مراحل الربيع العربي ، الذي بلا ريب سيكمل مسيرته ، ويستوفي دورته ، ويحقق أهدافه بكلّ العالم العربي .
والله أعلم وهو حسبُنا سبحانه ونعم الوكيل ، وصلّى الله على نبيّنا محمّد ، وعلى آله وصحبه أجمعين
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 28/05/2014