لماذا يخاف بنو صهيون من ربيع الشعوب العربية ؟!

 

لماذا يخاف بنو صهيون من ربيع الشعوب العربية ؟!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
ثلاثـة أمـور هي أسوء كابوس يخيـّم على بني صهيون بسبب الثورات العربية :
 
أحدها : أنّ الصهاينة قد دأبوا على النفاق طيلة العقود الماضية أنهم الشعب الوحيد المتحضّر ،  بين ظهرانـي العرب الوحوش المفترسـة ، وأنـَّه ليس ثمـّة نظام حـرّ ينظـّم حيـاة البشـر بمعايير سياسية حضارية راقية ، يتم فيها تداول السلطة ، وحرية النقد ، وحفظ كرامة الشعب ، إلاّ النظام الصهيوني ، ولهذا فإن دعم هذه الواحة المتحضـرة ، وسط التوحُّش ، والتخلـُّف ، والفساد ، والإستبـداد  ، واجب على الإنسانية ، وليس على ( العالم الحـر الغربي ) فحسب!!
 
وكان ساسة الغرب يعزفـون على النغمـة ذاتـها ، زاعميـن أنهم عندما يدافعون عن الكيان الصهيوني _ رغم كلّ وحشيّتـه ضدّ الفلسطينيين أهل الوطن المحـتلّ _ إنما يدافعـون عـن ( النظام الحـرّ ) الأوحـد في منطقة الشرق الأوسـط ،  والحليف المتحضّـر الوحيد للعالم الحـرّ شرق المتوسـط ! $$$
 
ولاريب أنَّ التحالف الصهيوغربي هو الذي صنع هذه الصورة المغلوطـة أصـلا ً، بكـلّ ما فيها حتـى ألوانهـا المزيـّفة ، خاصّة الأحمـر القاني ، لون الأنظمة الدموية العربية ،
 
وذلك بدعمه اللامحدود للطغـاة العـرب ، ثم التكتـّم الإعلامي على كلّ جرائمهم ، وأعظمـها جرائمهم السياسية التي محـت إرادة هذه الأمـة ، ومرّغـت أنفهـا في الرغـام ،
 
ثم بإنقاذ هؤلاء الطغـاة من غضب شعوبهم ، كلّما همـّت بالثورة عليهـم .
 
ولعـلّ الشعـوب العربية التي ثارت ، فأخـذت تحطـّم صور الزعماء صنيعة التحالف الصهيوغربي من الشوارع العربية ، لم يخطـر على بالها في تلك اللحظات المجيدة من تاريخ أمـّتنا ،  أنها تحطـم أيضا تلك الصورة التي رسمها التحالف الصهيوغربي ، للمشهد السياسي بين الكيان الصهيوني ، والعالـم العربـي .
 
وأنَّ من أعظم بركات هذه الثورات أنها ستزيل هذه الصورة المزيّفـة الملصقة على العالم العربي ، لتكشف الصورة الحقيقية تحتهـا ، وهـي صـورة معكوسة تماما ، وستظهـر الحقيقـة الباهرة ، وهي أنّ الشعوب العربية بحضارتها الإسلامية المتحضـّرة ، وقيمها الحـرّة العادلة ، وكرامة شعوبها ، هي التي ابتُليت بكيان عنصريّ ، خبيث ، متوحّش لايعرف للعدالة معنى ، ولا التحضـّر مغـزى .
 
والثانـي : أنَّ الصهاينة يعلمون علم اليقين ..
 
أنَّ الذي يحول دون زحف الشعوب العربية لتحرير فلسطين ، هـو هذه الأنظمـة الجاثـمة على صدر أمّتـنا ،  أكثـر من أيِّ شيء آخـر ،
 
ذلك أنَّ وظيفة هذه الأنظمـة تتلخّـص في ثلاثـة أمور :
 
1ـ إبقـاء هذه الشعوب في مثلث : ( الخوف ، والمهانـة ، واللاّإرادة ) ، وهذا يعني إعدامَهـا تماما من الوجود الفعلي ، وإبقاءَها في حالة وجود شكـْلي مجرد ، أي أرقام تعداد سكان فحسب ، وهذا هو واقـع الشعـوب العربية قـبل ربيعهـا !! 
.
 
2ـ والحيلولة دون تقدُّم هذه الشعوب نحو وحدتها الحضارية ، سواء على مستوى الفكـر والثقافة ، أو الوجـدان ، أو السياسة ، أو الجغرافيــا.
 
3 ـ وإشغالها بكلِّ شـيء تافـه ، عـن قضاياها المصيرية ، ولاسيما القضية الفلسطينية .
 
وأنّ هذه الأنظمة الدكتاتورية إذا ولَّت ، فسترجع لهذه الشعوب إرادتها ، فستتحرك لامحـالة لرفض الظلم الواقع على الأمـّة من الكيان الصهيوني ، وسوف تثـأر من جرائمه ، وستتخذ القرارات التي تزلزل ذلك الكيان .
 
وأنّ هذه الشعوب إذا كسرت حاجز الخوف من أنظمتها المستبـدّة ، فستتجـرأ بعـد ذلك على كلِّ شيء ، وستواجه جميع أعدائها ، بل ستكون مواجهتها لأعدائها الخارجيين أهـون عليها .
 
ذلك أنَّ الشعب الذي لايسعى لتحرير أرضه من عدوِّه ، هو الشعب الذي يعيش تحت خيمة المهانـة فحسـب ، أمـّا إذا صار الشعـب شعبـاً كريمـاً ، فسـوف يشمخ بكرامته ، وينتصـر على المحتلّ لأرضه .
 
وأنَّ هذه الشعوب إذا ملكت قرارها ، فسوف تفعـِّل جميع مقومات وحدتها ، وتحمـُّلِها مسؤوليتها الحضارية العالميـّة .
 
الثالث : أنّ الصهاينـة على دراية تامة أنَّ الخطـاب الإسلامي هو المسيطر على الشارع العربـي ،
 
وأنـَّه لم يكن يحاربـه ، ويلاحقـه ، ويتعاون مع التحالف الصهيوني لإبقائه في دائرة الإتهـام ، والمحاصرة ، والتضييـق ،
 
لم يكن يفعـل ذلك إلاّ هؤلاء الطغـاة !
 
فإذا سقط الطغـاة ، فإنّ سقوطهـم بمثابة ( إطـلاق المارد من قمقمـه ) ، وسينتقـل المشروع الإسلامي من السيطرة على مستوى التأثيـر الفكري والإجتماعي على الشارع العربي ، إلـى تسـيُّد  مراكز القرار التي يصـنع الحدث ، أو على الأقـل يزاحـم بمستويات عالية فيـه ، 
. 
وهذا لن يعني سوى نهاية الكيان الصهيوني حتمـا.
 
وذلك لا يخفـى على بني صهيوني ، حتى حكى مجاهدٌ فلسطيني كان معتـقلاً في سجون الصهاينـة ، أنَّ ضابطـا صهيونيا للتحقيق ، قال له ذات مرّة ، إنا نعـلم أنكم أنتم أيُّهـا المتديـنون ستنتهي دولتنا على عهدكـم ، وأنـه سيأتي لامحالـة ،
 
 ولهـذا فليس هـذا ما سأسلك عنه ، ولكن عما ستفعلون بنا إذا تحقـَّق ذلك وكنتُ حيـّا ، فأجابـه : ما تمليه علينا شريعـتنا .
 
هذا .. ولاريب أنَّ من بركات هذه الثورات ، وضعـها السياسة الغربية عامـّة ، والأمريكية خاصـّة ، فـي ورطـة هائلـة ،
 
وذلك بسبب إنكشاف نفاقها ، عندما حاولت دعم الطغاة ، ثم تلكـّأت عن تأييد الثورات العربيـّة ، ثم لما رأت أنَّ السيل جارف ، وليس عنه صارف ، نافقت نفاقـا ممجوجـا وفاضحـا ،
 
ثم إنَّ هذه مجرد البداية ، فتسوماني الفضيحة الكبرى قادم في القضية الفلسطينية ، وأمام مجرمي الساسة في بيتهم الأسـود إمتحان عصيب ، لن ينجحـوا فيه بلا ريـب .
 
فهاهـو أوبامـا يسقط على أمّ رأسه قبـل الإمتحـان ، عندما التقى بالصهاينة قبـل أسبوعيـن ،  محاولا التهدئة من مخاوفهم ، التي أحاطـت بهم بسبب هذه الثورات المباركة ، مصرحا أنه سيقف معـم ، في كلِّ شيء ، في رفضهم العودة إلى حدود 67 ، ورفضهم المصالحة ، وعدّهـا تهديدا لهـم ، وسيحميهـم من العزلة الدولية ، وسيكرّس مبدأ أن أمن الصهاينة ، وأمن أمريكا ، كلّ لايقبـل التجزئة .
 
هذا ماقاله للصهاينة على إثـر لقاء نتنياهـو به ، وكأنـَّه سمع تهديدا ، ارتدعت له فرائصـه !!
 
أما عندما وجه خطابه للعرب ، فإنه تبجِّح بكلِّ وقاحـة ، وصـَلَف ، مدعيـا _ إدعـاء العاهـرة الملوثة سمعتها بروث الخنازيـر _ أنَّ السياسة الأمريكية هي التي هيأت الظروف للثورات العربية ، ودعمتهـا !!
 
ونسي هذا الأُحيـْمق أنّ ذاكـرة الشعـوب هنا ، قـد أصبحـت أقوى مما مضى ، لاسيـما وفي (جيب) كـلِّ عربـي ، جهـازٌ يحمـل ( أرشيف ) شامل _ أعني أجهـزة النيوميدا _ للمواقف الأمريكية المخزيـة .
 
وأنَّ شعوبنا هذه المـرَّة ، هـي التي استخدمت أمريكـا استخداما ذكيـَّا ، وسخـَّرتها تسخيرا لدعـم إسقاط الدكتاتوريات التي صنعتها أمريكـا بنفسها ، ولغسل عارها هذا رغما عنها .
 
أرغمتها الشعـوب العربية على ذلك عندما صنعـت الثورة بتضحياتها ، وضـعت ساسة الغرب أمام دعاواهـم وجهـا لوجهـه ، فأجبرتهـم على مايكرهونه ، ووظفتـهم فيما كانوا يرغبـون عنه .
 
رغم أنّ الترحيب الأمريكي بالثورات على الطغاة ، جاء متأخـراً كمـا ذكرنا ، وبعدما فضحـُوا أنفسهم بتجاهلها أولا ، ثم محاولة إنقاذ الطغاة على إستحيـاء ثانيـا ، ثم التلكـُّؤ عـن دعـم الثورات ثالثـا.
 
حتى إذا سُقـط فـي أيديهـم ، ورأوا أنهم قـد ضلـُّوا ، جاء زعيمهـم الماكر يتبجـَّح ، متشبـِّعاً بما لم يُعـْطَ ، متزيـّنا بما ليس فيه !
 
وختـاما : فلـو لم يكـن لهذه الثورات نتيجـة سـوى زوال الكيان الصهيوني ، لكفى ذلك تصديـقا لبركاتـها على أمـّتنا ، كيف وهي مليئة بالبركـات.
 
ولو لـم يكن على عظيم نفعهـا للأمـّة دليـلٌ سـوى ما أصاب الصهاينة من الرعـب منها ، لكفـاه دليـلا .
 
فتأمّلوا مافـي جهـاد الطغـاة من الخير العميم ، والنفع العظيـم .
 
فسبحان الذي زرع الشهداء في عواصم بلادنـا بعـد القحـط ، وسقى بدمائهم ترابها بعد الظـمأ ، فانتظـروا إذن ، ربـيعا مزهـرا ، ومستقبلا باهرا ، وإنتصـارا ظافـرا ، بإذن الله تعالى .
 
والله المسـتعان ، وهو حسبنا ، عليه توكـلنا ، وعليه فليتوكـل المتوكـلون .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 09/06/2011